أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماري تيريز كرياكي - المنطقة الرماديّة














المزيد.....

المنطقة الرماديّة


ماري تيريز كرياكي

الحوار المتمدن-العدد: 1686 - 2006 / 9 / 27 - 11:55
المحور: الادب والفن
    


كنت في أواخر السنة الأولى من دراستي الجامعية وكعادتي، لبست الجينز والقميص الأبيض استعداداً للذهاب إلى الكلية. اعترضتني أمي: "أليس اليوم هو يوم الحفل السنوي للكلية"، فأجبت: نعم. وقالت: "وهذا هو ما تلبسينه في هذا اليوم ... تعالي لنر ما لديك في خزانتك". أكثر ما كنت أخشاه هو أن تجبرني أمّي المتمسكة بالأصول على لبس فستان يوم الأحد، الفستان الوحيد الذي أملكه. وهذا هو ما كان. واقتضى حرص أمي على الأصول شيئاً آخر: حان الوقت لكي أشتري حذاء بكعب عال، حذاء يليق بهذه المناسبة، فأنا قد أصبحت آنسة في نظرها ويجب أن أغير ملبسي هذا الذي ما زال يشبه ملبس الصبية.

نزلنا معاً إلى سوق القصاع. وبعد دخولنا عدة محلات، اخترت حذاء بسيطاً وأنيقاً له كعب طوله 5 سنتمتر، ولبسته في الحال كي أتمرن على السير به وأنا على الطريق إلى الجامعة. كانت هذه هي المرة الأولى بعد سنوات طويلة للتصالح مع معالم الأنوثة التي كنت أحاول دائما إخفاءها.

وفي طريق عودتنا، مررنا بمكان خاص بالمخابرات الجوية، مكان يحيط به حائط عال لا يمكن أن نرى أي شئ عبره، مكان أشبه ما يكون بالقلعة، يحيط به الحراس من كل الجوانب. انتبهت أمي إلى إيقاع صوت حذائي الجديد على أرض الشارع، فلم تتمالك أعصابها بل أمسكت يديّ بعصبية وحذرتني: "هس، على صوت واطي، لا تطلعي صوت، أمشي على أطراف أصابعك". نظراتي المتساءلة دعتها لإيضاح ما تعني. فغمزتني هي: "سنتحدث بعد قليل"، وأشارت إلى رجال الحرس. وبعد أن قطعنا الشارع بعيدا عن هذا المكان المخيف، استرسلت أمي قائلة: حبيبتي، تحت هذا المكان هناك سجن واسع، لا أحد يعلم كم هو عدد المساجين فيه، وهؤلاء المساكين ينتظرون أن يعينهم أحد، وبطرقات حذائك التي قد تكون مسموعة من قبلهم، يظنون أن بإمكان الآخرين سماعهم، فرجاء لا تعطيهم هذا الأمل، لأن الحال ميؤوس منه، ولا يمكن لأحد أن يمدهم بأي مساعدة.

حادثة مازالت تدور في رأسي ولم أتمكن رغم مرور سنوات طوال من أن أنساها. والسؤال: هل يكفي أن نقف مكتوفي الأيدي وعلى وجوهنا علامات الحسرة والتأسف لحال السجناء، أو تكفي دعواتنا لهم بأن يفرج الله كربهم وأن يعودوا إلى الحرية، وهل هذه الدعوات هي التي ستحقق لهم العدالة. يبدو يا أصدقائي أن الله قد حوّل وجهه عن هذا الجزء من العالم، وأنه قد مات بالنسبة لهؤلاء السجناء، وهل يمكن أن يقبل بأن يهان هذا الإنسان الذي خلقه على شاكلته وأن يعذب وتمتهن كرامته. وكيف يمكن لإنسان أن يُبقي إنساناً آخر معلقاً ما بين الحياة والموت في منطقة رمادية اللون، منهكاً كل الأعراف الإنسانية. والجلاد الذي يقوم على تعذيب الآخرين، هل هو قاتل مبرمج هل عُرّض لغسيل دماغ فانقلب إلى وحش لا يعرف قلبه الرحمة، هل هو التمرس على تعذيب الناس، الضرب بالعصي والأدوات الحادة، الكهرباء، واقتلاع الأظافر، والإغراق في الماء، واستعمال الكرسي الألماني حيث يشدُّ فيه جسد المعتقل على شكل قوس من خلال إسناد ظهره بقضيب معدني، والدولاب، وكل أنواع التعذيب النفسي.

فإذا أخذنا في الحسبان أن في البلد خمسة وعشرين سجناً معلناً وما لا عدَّ له من السجون غير المعلنة، يصير من الضروري أن ينتبه الإنسان لوقع خطواته أينما سار.



#ماري_تيريز_كرياكي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الضيف الجديد
- الصورة
- نساء لبنانيات
- لماذا لبنان؟
- كلنا في الهم نساء
- عبيد القرن الواحد والعشرين
- الإرهاب الفكري
- نظرة على واقع المرأة العربية المهاجرة في النمسا
- كسر حاجز الصمت


المزيد.....




- “باقة من البرامج والمسلسلات وأفلام السينما”عبر تردد قناة CBC ...
- “ابنك هيدمنها” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 لمشاهدة ج ...
- مايكل دوغلاس يزور مستوطنة إسرائيلية ويصف المتضامنين الأمريكي ...
- بتهمة -الفعل الفاضح-.. إحالة سائق -أوبر- بواقعة التحرش بفنان ...
- عز وفهمي وإمام نجوم الشباك في موسم أفلام عيد الأضحى 2024
- فرويد ولندن.. أتاها نجماً هارباً فجعلته أسطورة خالدة
- الروسي بيفول يهزم الليبي مالك الزناد بالضربة الفنية القاضية ...
- وزير الثقافة اللبناني يزور منزل الشهيد عبد اللهيان
- إدارة أعمال الفنان جورج وسوف تكشف عن حالته الصحيه بعد أنباء ...
- كيم كي دوك... المخرج السينمائي الكوري الذي رحل مبكراً


المزيد.....

- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماري تيريز كرياكي - المنطقة الرماديّة