|
نحن جيل آخر مهزوم
مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 7357 - 2022 / 8 / 31 - 04:32
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
بالأمس تحدثت مع صديقي يوسف ، من الداخل السوري ، كنا معًا في تنظيمات يسارية سورية مختلفة ، كنا أصدقاء و جيران و رفاق تقاسمنا ضحكاتنا و أحزاننا و شبابنا و غضبنا و أحلامنا و اليوم نلتقي من جديد بفضل التطورات المذهلة في الاتصالات … صدمني "رفيقي السابق" بترديده الدائم لعبارات إسلاموية ، ذكره الدائم لله و رسوله ، بقي رفيقي في سوريا الأسد ، فقد أخاه و زوج أخته منذ سنوات ، و مع ذلك هاهو رفيقي "يرتد" مع كل المرتدين نحو خرافاتنا الميتة لنطلق النار على رؤوسنا و ننام من جديد على نفس هدهدة شيوخنا و أحاديثهم المهترئة المكرورة … في سوريا الأسد كما في سوريا "الحرة" , يصبح ترديد كلام الله و رسوله مدخلًا لازمًا و ضروريًا للتواصل بين البشر … قريبتي من وسط نصف محافظ سابقًا تفاجئني هي الأخرى بصور زفاف ابنتها بمولد نبوي بينما الشيوخ و ذوي الذقون الطويلة يتصدرون الاحتفال و يستبدلون الأغاني الفرحة بكلامهم الممل و المفزع ، يجري هذا في عقر النظام الأسدي ، في وسط دمشق المحافظة ، في حي الشيخ محي الدين ، الكافر الزنديق محي الدين بن عربي المدفون في تلك المقبرة التي تطل على دمشق من فوق قاسيون حيث النسوة ما زلن يلبسن الملايات السوداء الطويلة و الفضفاضة و حيث شيوخ السنة المرتبطين بالنظام يمارسون أكثر مما سبق تخاريفهم على رؤوس الأشهاد و أمام أعين النظام و أجهزته الأمنية في تناغم عجيب تعود بداياته إلى انقلاب الأسد الأب الذي تصالح و استوعب البرجوازية الدمشقية السنية و ربطها بنظامه و معها جزء مهم من رجال الدين السنة الشوام و غير الشوام … في الخارج يتبلد البشر أكثر فأكثر ، رغم مسحة التواضع المفاجئ التي تتوقف فجأة عن ترديد وعود الحرية و غيرها و تنحسر أكثر إلى نقاشات و هذيانات و ترهات أقل حدة و ثقة بالنفس و بالجماهير و بالثورة و بالمستقبل و حيث إغراء السوق الثقافية النيو ليبرالية يزيغ العيون و القلوب فتنطلق منافسات جادة للغاية في التنافس على موقع الضحية في نظر الغرب و مؤسساته النيو ليبرالية و ما يترتب على هذا الموقع من كرامات و إغداقات النيو ليبرالية و تجري ملاحقة الرجل الأبيض بأعبائه التي يتنكر لها و استدرار عطفه و محاولات إقناعه بفوائد تسليم السلطة في دمشق للمعارضة نصف الليبرالية نصف الإسلامية و يتبارى الجميع مع أشباح عفلق و خير الله طلفاح و عبد الناصر و سيد قطب في الترويج لآخر هذياناتنا الجمعية العصابية حتى المذبحة ، و يقتل هؤلاء الناشطون و اللاعبون ، يقتلون الشهداء و الأحلام الساذجة لطفولتنا الثورية مرة تلو أخرى بتحويلهم و تحويلنا إلى مادة للاستثمار و الربح و التكسب و كطريق محتملة إلى السلطة … و إسلاميونا هم أكبر المهزومين لكنهم رغم ذلك لا يهزمون أبدًا ، هزموا أول مرة في معركتهم مع الأسد الأب في الثمانينيات و ساعدوه بذلك في التخلص من آخر المؤسسات و النقابات المستقلة ، من آخر معاقل المعارضة و المقاومة المحتملة و كرروا هزيمتهم مع الابن لكن هذه المرة تسببوا هم و خصمهم العنيد بخراب أعم و أشمل و إن بنفس انعدام أي حس بالمسؤولية أو بالحاجة لأية مراجعات أكثر من الهراء المعتاد مع كل هزيمة على الطريق إلى هزائم أخرى فأخرى ، لكننا جميعًا مهزومون ، و لا يقلل من ألم و فداحة هزيمتنا أننا جميعًا مهزومون اليوم … يهزم البشر ، هذا جزء من لعبة الحياة نفسها ، و لا ضير في الهزيمة نفسها ، ما دمت قاتلت بكل ما تملك في سبيل ما تريد ، لكننا لم نفعل ، ترددنا ، ساومنا ، ضحكنا على أنفسنا و على الآخرين ، قبلنا بأن نصمت عن قتلة و جلادين طالما توهمنا أنهم سيقومون عنا بكل الأعمال القذرة و الدموية التي كنا نشعر بضرورتها دون أن نملك الجرأة للقيام بها مباشرة ، ساهمنا في خلق وحوش و أطلقناهم في العالم و زودناهم بفتاوى قتل و ذبح و إبادات جماعية بانتظار انفلات الجنون العام و الذي نساهم فيه بكل غباء و إصرار من يرى الهاوية و يندفع إليها بلا تردد متوهما فيها سرابه المنتظر ، الذي طال انتظاره ، و كما فعل من قبلنا ، استحالت الحرية و العدالة الخ الخ ، على أيدينا ، مرةً أخرى ، إلى سجون و أكاذيب و جلادين و قصور ، إلى تفاهة و هراء و عجز ، بل و ما هو أسوأ ، إلى متاجرة بالأحلام و الدماء و الخراب يستر نفسه بالصراخ و البكاء ، عله يستر بذلك عوراته و سوءاته التي انفضحت أمام الملأ متوهمين أن أحدًا لن يراها و أننا قادرين على مواصلة بيع الوهم الذي قتلناه بأيدينا و دفناه ثم بكينا عليه و نعيناه و دماؤه و دماء الآلاف ما تزال تلطخ أيدينا
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ضد لغة الناشطين لوولفي لاندرستايشر
-
عن العروبة و الإسلام
-
ما تبقى لكم
-
دفاعًا عن قاتل نيرة أشرف
-
شخصية المتمرد لنيكولا ديفيز
-
الأناركي بين ايلزيه ريكلو و رينزو نوفاتوري
-
الدولة - ليو تولستوي
-
الثورة الاجتماعية لميخائيل باكونين
-
هراء ايديولوجي عن الله و البشر و العالم
-
الإله الذي خلقناه
-
حوار مع سعيد العليمي عن فلسطين و اليهود
-
قالوا في الرقص
-
لماذا نكتب
-
الأبوكاليبوس
-
الخونة
-
الاقتصاد السياسي للصراع الطبقي في بلاد الربيع العربي
-
قالوا
-
الأمل الذي لا يموت ، الحلم بسجون نكون نحن جلادوها
-
الإخوة على الحدود البيلاروسية البولندية
-
ذكريات من سوريا -الحرة-
المزيد.....
-
تجديد حبس شباب «بانر فـلسطين» 45 يومًا
-
«المفوضية»: للمرة الثانية المحبوسين بـ«العاشر 6» يديرون أجسا
...
-
إضرابها دخل يومه السابع بعد المئة.. نظام الاستبداد يقتل ليلى
...
-
صوفيا ملك// حتى لا تبتلعنا أمريكا..
-
مذكرة من «البلشي» للنائب العام بعد إحالة «صحفيين» محبوسين إح
...
-
“المبادرة” تطالب بالتحقيق في شكاوى معتقلي العاشر 6
-
جنايات “المنصورة” تقضي بحبس معتقلي حادث المطرية 45 يومًا
-
افتتاح معرض مكرس لحصار لينينغراد في الأمم المتحدة
-
سقوط العقيدة العسكرية “الإسرائيلية”
-
مفاوضات الدوحة وموقف اليمين المتطرف
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|