أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نايف سلوم - -الأعمال والأيام- في الخلق؛ أعمال المؤلف –المخرج















المزيد.....



-الأعمال والأيام- في الخلق؛ أعمال المؤلف –المخرج


نايف سلوم
كاتب وباحث وناقد وطبيب سوري

(Nayf Saloom)


الحوار المتمدن-العدد: 7337 - 2022 / 8 / 11 - 17:29
المحور: الادب والفن
    


(وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ) [الأعراف:11]

العمل الذي نحن بصدده هو "ست شخصيات تبحث عن مؤلف" تأليف لويجي بيراندللو، ترجمة محمد إسماعيل محمد، مراجعة حسن محمود. الجمهورية العربية المتحدة، وزارة الثقافة. مطابع كوستا توماس وشركاه، القاهرة
لويجي بيراندللو كاتب ومسرحي وشاعر إيطالي (1867-1936)، حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1934. أصله من جزيرة صقلّية، وهي الكرة الملامسة للقدم الايطالية. كان جده لأمّه من زعماء ثورة صقلّية 1848-1849 (وهي ثورات ديمقراطية شملت البرّ الأوروبي).
قبيل ولادته ضرب وباء الكوليرا الجزيرة ما اضطر العائلة للانتقال إلى قرية بورتو. يشبه عمله عمل غرامشي في "كراسات السجن" لناحية خصوبة الفكر وحيويته. غرامشي المولود في جزيرة سردينيا إلى الشمال الغربي من صقلّية.
كتب بيراندللو القصة القصيرة والمسرحية والشعر، لكن شهرته جاءت بفعل كتاباته المسرحية للأعوام (1916-1936). ومن أشهرها:
1-ست شخصيات تبحث عن مؤلف 1921 بالإيطالية
2-هنري الرابع 1922 بالإيطالية
3-الحياة التي منحتكِ إياها 1924 بالإيطالية (الخطاب موجه للشخصيات)
(شخص): يدل على ارتفاع في شيء، من ذلك الشخص إذا سما لك سواده من بعد (قام وانتصب وارتفع)، ثم يحمل على ذلك فيقال: شخص من بلد إلى بلد، إذا خرج منه إلى تلك. والشخوص هنا تعني الخروج. وشخوص البصر: اتساع العينين وارتفاع الرأس من الدهش والقلق، فإذا قلق الشخص نبا به مكانه فارتفع. شخص بصره: فتح عينيه وجعل لا يطرف ورفع بصره.
والجمع: شخصيات وأشخُص وشخوص وأشخاص.
فإذا مالت الشمس لوقت العصر وقع ضوؤها على الشخص فأعطى الفيء: وهو رجوع الظل وعودته بعد الزوال (زوال الظل وقت الظهيرة) يُبسط شرقاً بعد أن كان يُبسط غرباً. ولا ظل بدون جسم وسواد. فالشخص له ارتباط بالجسم. وظله مرتبط بضوء الشمس. ولا ظل لشيء غير مرتفع أو شاخص. ويقال للخراج فيء لأنه راجع من أطراف الدولة إلى بيت المال في العاصمة. والمخرج من يعيد الشخص والجسم وحركته إلى الفكرة المجرّدة على خشبة المسرح.
1-
عناوين
"ست شخصيات تبحث عن مؤلف" لبيراندللو، و"ست محاضرات في الصوت والمعنى" لرومان جاكبسون عالم اللسانيات الحديثة. روسي الأصل هاجر إلى أمريكا في الثلاثينيات من القرن العشرين.
ستة أيام، هي أيام الخلق. (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ) [السجدة:4] فلا تمام للخلق والمعنى بلا استواء على العرش في اليوم السابع. والعرش ارتفاع في شيء مبنيّ، وسرير الملك. (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) [يوسف:100]
في اليوم الأول: يتعين المعنى (معنى العصر) ويظهر باسمه، هذا التعين لمعنى العصر هو تأسيس للزمن الجديد، خلق جديد.
في اليوم الثاني، إعادة الترتيب وفق التعين الجديد وخلق الدرج أو الدرجات والمراتب، وظهور المكان. كل هذا في السماء (في عالم النور، عالم المعاني؛ العالم التخيليّ).
الأيام الأربعة الباقية، مخصصة لخلق الأرض وتنظيمها.
ولا بد للعبور من السماء إلى الأرض بعد الخلق الجديد من رسول يشرح ويبسط لأهل الأرض ما حدث في السماء (في العالم النوراني التخيلي، عالم المعاني) من الأمر الجديد، فكان هذا الرسول هو سين. وقد ناداه القرآن ب: "يا سين"، نعم!
(يسٓ (1) وَٱلۡقُرۡءَانِ ٱلۡحَكِيمِ (2) ِإنَّكَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ (3)) [يس: 1-2-3] مُرْسَلٌ من الرب الذي خلقه.
قال فيلون السكندري صاحب منهج "التأويل الرمزي المجازي (allegorical)": خلق السموات والأرض في ستة أيام، إشارة ورمزاً إلى الترتيب". فلا خلق بلا ترتيب.
أما الأرض التي خلقها في أربعة أيام فهو اكساء بالعناصر الأربعة: الهواء، الماء، التراب، النار. وأمزجتها الأربعة: البارد، الرطب، الجاف، الحار.
والترتيب أمر حاسم في قضية الخلق والتأليف، وذلك بقصد معرفة الحقيقة معرفة علمية أو ما يسمى بـ "الإنشاء" لصور أعيان الأشياء (حور عين)، (إِنَّآ أَنشَأۡنَٰهُنَّ إِنشَآءٗ) (وَحُورٌ عِينٞ) [الواقعة: 35، 22]
ست شخصيات جاءت على التجريب يأخذها المخرج-المؤلف عرْضاً وتسجيلاً، كما تلقى أمامنا وتُعطى لنا في الحياة التجريبية اليومية الجارية. ويمكن أن تلقى علينا كقصة مأساوية. ثم نكتشف بعد التسجيل والدراسة المفصلة والبحث، أنه يوجد بينها شخصية حاكمة أو أساسية ترتبط مع جميع الشخصيات، يضع المؤلف تحتها خط أو شريطة (علامة) والأشراط هي العلامات. وفي الترتيب الجديد يضع المؤلف هذه الشخصية في المركز، في المقدمة، لأن حركتها ستشرط حركة جميع الشخصيات التالية لها من حيث الأهمية؛ أي الشخصيات التابعة. فتهيمن هذه الشخصية على حركة الشخصيات، ونقول إنها شخصية مهيمنة، وتبدأ أشخاص المسرحية بالظهور، حيث أشخاص على وزن أفعال، وتبدأ بلعب أدوارها. والدور يعني الترتيب والعلاقة المنظمة بين الأشخاص. هكذا ننتقل من الحياة التجريبية الاعتباطية، إلى الحياة المسرحية المنظمة في أدوار ومشاهد، التي هي خلق فني للحياة التجريبية، وصنع لعمل المؤلف أيضاً.
الشخصيات التي كانت منفعلة، وتعمل بلا نظام، وبردود أفعال، ها هي وقد أصبحت فاعلة، منظمة الفعل، وتحمل وعياً بأفعالها. هذا الوعي من عمل الخالق أو المؤلف -المخرج، وهو وعي يتم تلقينه من الخارج على شكل وحي. وأوحينا إليه كلاماً، أي ألقينا عليه قولاً وخطاباً شاملاً مباشراً. وكتاب التلقين أو أسقليبيوس هو الكتاب الثاني من كتب الهرمسية، واسقليبيوس هو تلميذ هرمس المثلث العظمة. إن هذا التلقين يشبه عمل المثقفين العضويين في الطبقة العاملة. أي أن يكون الوعي قد تم نقله إلى الشخصيات من الخارج، فترتفع بالحقيقة وتنتصب وتشخص.
وهذه أيام المؤلف -المخرج أو أيام الخلق:
اليوم الأول: تعيين الشخصية المهيمنة أو الحاكمة بعد دراسة مفصلة وبحث كامل
اليوم الثاني: إعادة الترتيب للشخصيات وفق التعيّن الجديد، بعد أن كانت دوغما اعتباطية معطاة تجريبياً بغشامة.
الأيام الأربعة الباقية: توزيع الأدوار (المراتب والدرج) وكل ذلك وفقاً لهيمنة الشخصية الحاكمة للعمل.
بكلام آخر تتلخص أعمال المؤلف-المخرج:
اليوم الأول: عمل علمي، دراسة وبحث
اليوم الثاني: عرض ما تم بحثه ودراسته. قال ماركس في تعقيب على الطبعة الألمانية الثانية من راس المال: "بالطبع فإن طريقة العرض لا بد أن تختلف عن طريقة البحث من حيث الشكل. ينبغي للبحث أن يحيط بالمادة بكل تفاصيلها، ويحلل مختلف اشكال تطورها، ويسبر غور ارتباطها الداخلي. ولا يمكن وصف الحركة الفعلية على نحو مناسب، قبل أن يتم ذلك. وإذا تحقق ذلك بنجاح، فانعكست حياة مادة الموضوع بصورة مثالية انعكاسها في مرآة، عندئذٍ يبدو أننا إزاء بناء قَبْليّ "(رأس المال: 38) أي كأن الفكرة خلقت مادة الموضوع. لدينا هنا جدل صاعد هو البحث ، وجدل هابط هو العرض.
الأيام الأربعة الباقية؛ تنظيم المادة المخلوقة وتبويبها وترتيب اقسام الكتاب. فعندما عمل ماركس كتابه الشهير راس المال، درس في مكتبة المتحف البريطاني كل الوثائق التي تتعلق بالرأسمالية الحديثة دراسة تفصيلية مثابرة، وعند منتهى البحث اكتشف أن "السلعة أو البضاعة" هي مقولة مهيمنة حاكمة، وهي خلية المجتمع الرأسمالي الأولية، وما ثروة الأمم سوى تراكم بضائع أو سلع. وهي وحدة أضداد لجهة القيمة، تتضمن قيمة تبادلية وتجسد قيمة استعمالية. الاستعمال يشير إلى نوعية البضاعة، والتبادل يشير إلى كمية البضاعة، وعندما نبادل بضاعة بأخرى نحن نبادل كميات أو مقادير من القيمة الاستعمالية أو الأشياء النافعة.
وكونها جاءت في اليوم الأول من عمل ماركس في منتهى البحث، فقد أعاد الترتيب وقت العرض ووضعها في أول الكتاب في اليوم الثاني لعمله. هكذا يبدأ كتاب راس المال بمقولة "السلعة أو البضاعة".
ولهزيود الشاعر اليوناني قصيدة طويلة هامة أو كتاب "الأعمال والأيام" وله كتاب آخر هو "أنساب الآلهة" حيث يفرق بين الإلهي والبطولي، بين الميثولوجي (التخيلي) وبين المأساوي، بين الإيمانيّ من جهة والبطولي المأساوي من جهة أخرى. بين الإلهي والبشري.
وهسيود أو هزيود أو هزيودوس (750-650 ق.م) أول شاعر كتابي (بعد المنشدين الشفاهيين كهوميروس) في التراث الغربي.
يعد هسيود نفسه شخصية متفردة لها دور فعال (مؤلف؛ خالق) في الموضوع الذي يكتب عنه، يعزا إليه خلق دين جديد وطقوس دينية جديدة لليونانيين، يعده الباحثون الحديثون مصدراً مهماً للميثولوجيا اليونانية وتقنياتهم الزراعية وأفكارهم الاقتصادية المبكرة، حيث يعتبر أول اقتصادي في التاريخ الغربي. كما علّم اليونان الفلك القديم وقياس الزمن، وابتكر أدوات قياس الزمن القديمة وصنع لهم التقويم بما يشبه عمل تحوت (تات؛ ابن هرمس) للمصريين.
و (ست) عمّ حورس وقاتل أبيه أوزيريس. حورس الأصغر (ابن إيزيس، أو الست بالمصرية القديمة) انتقم لوالده أوزِريس الذي قتله شقيقه ست. وحسب الميثة المصرية القديمة، أن أوزِريس جاء ولده حورس في الحلم (على شكل طيف). ودعاه إلى الإطاحة بعرش ست الذي سلّمه إلى الموت غدراً. وهذا الحضور لطيف الاب يحيلنا إلى مسرحية "هاملت" لشكسبير.
وكنت قد نشرت كتاباً سنة 2000 م بعنوان: "الابعاد الستة-قراءة "الهوية" لكونديرا بالمقتطف"
2-
مسرحية "لعبة الادوار" أو "ست شخصيات تبحث عن مؤلف"
يتحدث مقدم المسرحية عن "الكوميديا الفنية" والممثل ذو الدور الثابت (ومثاله غوار الطوشة) وهي عبارة عن مسرحيات هزلية مرتجلة. لم تكن هذه الهزليات كالمسرحيات مكتوبة ومسطورة، لم تكن بحاجة لمؤلف.
يخلط مقدِّم المسرحية بين "الانطباعية" و"الواقعية" في الأدب بشكل شنيع. يقول: إن مؤلفي المسرحيات "الواقعية" هم الذين يقتطعون في مؤلفاتهم قطعة من الحياة، يبرزونها ويروونها على المسرح. في هذه الحالة لن تكون المسرحية سوى قصة تصور الحياة كما هي. فالمسرحيون الواقعيون -حسب مقدم المسرحية-مجرد رواة لحادث من حوادثنا اليومية"
هذا الكلام خاطئ ويدل على جهل بالواقعية في الادب. لأن ما يتحدث عنه هو التسجيلية أو الانطباعية في الادب. أما الواقعية فهي تقدم الأحداث بعد الكشف عن حقيقة المجتمع الذي تعيش فيه الشخصيات وممكناته القادمة بفعل هؤلاء الأشخاص. هذه هي الواقعية الحقيقية لا الواقعية الحادثية أو الانطباعية التسجيلية.
الحقيقة حقيقتان: حقيقتها هي وحقيقتي أنا (الصورة الفيزيائية والصورة النفسية).
لدينا مستويان للواقعي: الواقعي الحادثي اليومي، والواقعي الحقيقي العيني الذي توسطه العقل والخيال، ولدينا التخيلي أو المستقبلي الممكن. الخلط بين مستويي الواقعي يعمل خلطاً بين الواقعية من جهة والتسجيلية الانطباعية من الجهة الأخرى في الادب والفن.
الاب (كأنه مشروع مؤلف): ربما أقل واقعية ولكنها أكثر حقيقة، إننا متفقون تمام الاتفاق. أنت تعرف أن الطبيعة تستفيد كثيراً من أداة الخيال الإنساني ليتم الخلق على مستوى أعلى" 39 والمؤلف هو أداة الخلق " 42 يقول الاب: إن المؤلف الذي خلقنا كائنات حية لم يرد أو لم يستطع أن يضعنا في عالم الفن" 41 أي لم يستطع الاستواء على عرشه في اليوم السابع وإخراجنا إلى الحياة الفنية. هنا يحصل احباط الخلق بفعل التهكّم أو بفعل نقص الموهبة والصنعة. يقول: الذي قدر له أن يخلق شخصية روائية يمكنه أن يهزأ حتى من الموت" 41
هنا أساس فن بيرانديللو، قابع بين الحقيقي والتجريبي، بين الحسي والعقلي، بين التأليف والإخراج. ويحذّر أن الخلط بين الحسي والعقلي يولد مس الجنون. وكانت زوجته قد أصيبت بالخبال والجنون لأنها في غيرتها خلطت بين الواقع الحقيقي لزوجها وبين الواقع الحادثيّ، أي ما بدا لها من سلوكه اليومي. وهذا الخلط فيه ملمح تهكّمي.
"ست شخصيات ": مسرحية على عتبة التأليف، ستة أيام لا سبعة رمز عدم الاستواء والخلق والتأليف. احباط الخلق والتأليف بفعل التهكم: هذه الشخصيات الست غير جديرة بالحياة الفنية نتيجة انحطاط الحياة البورجوازية وتفاهتها.
لم ينجح "المؤلف" المتهكم في جعل الشخصيات تعيش، نعم إنه رسم الشخصيات، لكنه لم يجد الحبكة mythos ، إنها فكرة المؤلف الذي لم يستطع تحقيق شخصياته على الورق فتركها تعيش. فهو معلق بين الفني والتجريبي بين الحسي والعقلي. وهي بهذه الصيغة تعيش في المسرح مزيجاً من الارتجال والتأليف. كالكوميديا الفنية.
الخيالي والتخيلي، غير التجريبي اليومي. الحقيقة مستويات: تجريبي يومي (حياة يومية حسية بورجوازية تجري أمام الممثلين)، وحقيقي يلعب العقل دور الوسيط في بناء حقيقة الواقع القائم، وتخيلي تشخيصي أو أشخاص المستقبل ورجاله.
وفي الاقوال: الشخصية لدى أحدهم لها جوانب متعددة. يلقي المسرح على الحقيقة حجابا وهذا أقرب إلى روح المسرح. حجب الحقيقة هو قناع على المجاز.
وهناك مسرحية مزامنة هي تدريب الممثلين على الأدوار عبر "تجربة الأدوار". يقول المدير: غير مسموح لأحد دخول المسرح أثناء تجربة المسرحية" 36
مسرح داخل المسرح، ومسرح خارج من المسرح: شخصيات المسرحية التي تسرد قصتها على المخرج وتدعوه لتأليفها وإخراجها، وشخصيات الفرقة المسرحية التي تجري تجارب او بروفات على مسرحية مؤلفة ومكتوبة.
مسرحية لم يتم إعدادها بعد، لا مناظر لا ديكورات والستارة لا تسدل أبداً إلا مرة واحة عن طريق الخطأ وسوء التقدير.
يصل المدير لإجراء تجربة على المسرحية "مسرحية لعبة الأدوار".
أثناء دخول الممثلين، يدخلون كما يحلو لهم ليس بالدور. الدور يفترض وجود السيد المدير ووجود نظام. والميتوس (Mythos) أو الحبكة الذي هو نظام السرد، وعقدة تقاطع خيوط التأليف.
يقول د. محمد عصفور مترجم كتاب "تشريح النقد" لنورثروب فراي: "قد يكون من المفيد التذكير بأن (myth) الانكليزية مستعارة من (mythos) اليونانية، وأن الترجمة الصحيحة للكلمة اليونانية. هي "قصة" بغض النظر عن صدقها أو كذبها. وما ترجمتنا للمصطلح "بالأسطورة" إلا إذعان لقوة الشيوع". جاء في القرآن الكريم: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) [يوسف:3]
الميثوس "هي بالأصل قصة عن شخصيات تستطيع أن تفعل أي شيء". ذكر أرسطو ستة أوجه للشعر، ثلاثة منها: الموسيقى، والعبارة، والمشهد (المنظر المسرحي)، تشكل المجموعة الأولى. والمجموعة الثانية: القصة (ميثوس أو بلوت؛ الحبكة)، والشخصيات مع بيئتها، والموضوعة أو الغرض theme) ) "الثيمة". المجموعة الثانية باليونانية: ميثوس، إثوس، ديانويا.
الغائب في هذا التجريب الممثلة الأولى. عندما تقول ابنة الزوجة للمدير نعم، وعندما ينتزع الله، فجأة هذه الطفلة الصغيرة من أمها المسكينة، ويأتي هذا الصغير الابله هناك" 45 وأن هذا الحادث؛ مقتل الصغيرة على مرأى الصغير الابله، الذي جاء في آخر المسرحية، نكتشف اننا أمام "فكرة مسرحية" بشخصيات ست تُحكى على خشبة المسرح. يقول المدير: ليس لدي أي فكرة، عمّا تتحدثون" 48 هذا يماثل قول المخرج: كيف تكون أرملة وأنت (زوجها) ما زلت حي" 48 المدير مرة ثانية: ليس لدي فكرة عما تتحدثين" 52 نحن أمام مسرحية تُحكى كقصة على الخشبة وليس للمدير أية فكرة عما يحدث! امرأة متزوجة برجلين وتظن أنها أرملة. ست شخصيات تروي قصة مأساتها للمخرج على خشبة المسرح. هذا عمل شيطاني من أعمال المسرح.
علينا أن نشير إلى خطورة الكلمة: عندما نواجه شراً يستهلكنا، إن كلمة واحدة قد لا تعني شيئاً، تعيد الهدوء إلى نفوسنا!" 52 ابنة الزوجة: وبصفة خاصة في حال تأنيب الضمير" ولكن، احذروا البطء والتأخير؛ احذروا إبليس (قصة الحمار وسفينة نوح). احذروا من تشو تشين تشو! أغنية على نغمات الفوكس –تروت البطيئة.
نشير إلى أن إرشادات المؤلف المسرحية موجودة في متن المسرحية، وليست في بداية كل مشهد، لأنه لا مشاهد مسرحية هنا بعد.
الكلمات المفتاحية: مسرحية "لعبة الأدوار"، الشخصيات مخلوقات كوّنها المؤلف في عمله الفني، التمييز بين الشخصيات الفنية وبين التجريبية، لقد جاء السيد المدير (تهكّم) لأنه لم يحصل تأليف للمسرحية، النظام والدور، والترتيب (الممثل الأول، الثاني، الخ)، التوجيهات والارشادات المسرحية، التلقين والحفظ والتذكر. حضور الكلب.
إن حضور الكلب، كلب الممثلة الأولى، تعني أننا واقفون على الباب أو عند العتبة. وفي سورة الكهف: (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ۖ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) [الكهف:18] وصد: ضم شيء إلى شيء (الشخصيات مجتمعة في مكان مغلق). وأوصدت الباب أغلقته، والوصيد الباب أو العتبة. وأغلب حوارات ديستويفسكي-حسب ميخائيل باختين-تجري على العتبة وعلى السلالم أو عند عتبة الباب. جاء في المسرحية: الأب: [يتقدم إلى الامام يتبعه الآخرون حتى يصل إلى إحدى درجات السلم. أبنة الزوجة تصعد السلم في عجلة.. ثم تمسك الأم بالابنة الصغيرة وتصد ومعها الولد الصغير أولى درجات السلم، ويبقون هناك منتظرين] 36-37
الملّقن: يقرأ من نسخة المسرحية أمامه: المنظر الأول، ليوني جالا، جويدو فينانزي، فيليبو(فيليب) المسمى سقراط" 31 قال فيليب في انجيله الغنوصيّ المكتشف في نجع حمادي: "الكلمة تخفي نفسها عن الجميع"
ما ان يحضر سقراط حتى يحضر التهكم، قال نيتشه: التهكم كعلامة على الانحطاط في الحالة الأكثر شهرة، حالة سقراط. (الفلسفة في العصر المأساوي الاغريقي). وقد كتب بيراندللو "ست شخصيات" بعد الحرب العالمية الأولى، والتي رأى فيها العلامة الكبرى على انحطاط الغرب الرأسمالي. [يبدأ الممثلون في الضحك ويتهكمون فيما بينهم. المدير أرجو الهدوء واستمعوا إليّ عندما أشرح]. الابن: هذا انحطاط" 52 المدير: إن سلوكها (ابنة الزوجة) في غاية الانحطاط.
3-
مقتطفات للنقاش
1-
الأب: ولكن ألا ترين أن أصل البلاء في الكلام
على قول فيليب "الكلمة تخفي نفسها عن الجميع"
كل واحد منا لديه عالم كامل في نفسه
وكل واحد منا له عالمه الخاص، فكيف
يفهم بعضنا بعضاً أيها السادة إذا كنت
أضع في كلماتي التي أقولها معاني وقيم الأشياء
كما أفهمها في عالمي أنا
بينما يفترض من يستمع إلي
أن كلماتي لها المعاني
والقيم الخاصة بعالمه هو
نحن نظن أننا سوف نتقابل
والواقع أننا لن نتقابل أبداً 54
نحن هنا أمام بضاعتين (قيمتين) متقابلتين، كل منهما ملقاة تجاه الأخرى، وهنا كمن يسال أيهما هي البضاعة أو السلعة الحقيقية؟ والحقيقة أن حقيقة البضاعة أو السلعة وقيمتها فيما وراء جسد البضاعة في قوة عمل العامل الذي خلقها ، تكمن في شكل التنظيم الاقتصادي للمجتمع القائم.
الأم: أخبرني يا سيدي كيف كان لي ان أتنبأ أن هذا كان شعوره نحونا
الأب: وهنا بالضبط كنت دائماً تقعين في الخطأ، عندما كنت تعجزين عن إدراك شعوري تجاه أي شيء.
الام: بعد أن أمضيت كل هذه السنين بعيدة عنه وبعد كل ما جرى. 64
2-
الممثلة الأولى: معذرة يا سيدي المدير، هلا نتابع التجربة (تجارب المسرحية المؤلفة والمطبوعة)
المدير: طبعاً، طبعاً ولكني أتابع هذا الحديث الآن، دعيني استمع الآن لهذه الأحاديث أهمية كبيرة.
(وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ) [يوسف:21]
الممثل الشاب: هذا حقاً شيء جديد للغاية
الطبيعي أن يتابعوا التجارب على مشاهد المسرحية، لكن طرأ حادث جعل المدير يستمع لأحاديث الشخصيات على خشبة المسرح ويؤخر التجارب على المشاهد المسرحية، عله يستطيع تأويلها وتفسيرها.
3-
الأب: لو أمكننا أن نرى الشر يخرج من الخير الذي نعمله 55
4-
عندما ينهرها المدير تعود في الحال إلى حالتها السابقة سارحة في عالم بعيد وعلى شفتيها شبه ابتسامة. ينزل المدير من على خشبة المسرح كي يرى تأثير المشهد" 59 من الصالة
المدير المخرج يجرب القصة التي يسمعها إخراجياً، قبل أن يؤلفها. فتكون الشخصيات الست هي المؤلف. (هنا الإخراج يسبق التأليف) هذا القلب عمل من أعمال التهكم والمحاكاة الساخرة (irony)
5-
إن كل واحد منا له شخصيات متعددة، نعم "شخصيات متعددة" بعدد الإمكانيات التي تكمن فينا 70 ولكن تهيمن عليه شخصية بعينها، هيمنة مشروطة بالظروف.
6-
الابن: يتقدم ببطيء إلى الامام (تجاذبات المشاعر؛ تعادل قوى النفس) "إني شخصية غير مكتملة في هذه المأساة"74 تجاذب قوى النفس وعدم اكتمال الشخصية (شخصية ممزقة أو متشظية)
7-
الأب: يعود للحديث عن الابن. يقول لا علاقة له بكل ذلك، بينما هو في الواقع محور الحركة، انظر إلى هذا الولد الصغير، كيف يتعلق بأمه طوال الوقت خائفاً جزعاً" 75 الاب هنا مشروع مؤلف.
8-
المدير: كل هذا يعجبني جداً جداً، إني ألمح بوادر مسرحية ناجحة. جديدة، نعم جديدة، ومع ذلك فإن المسألة تحتاج إلى شجاعة كبيرة لكي تأتي إلى هنا وتعرض فكرتك بهذه الطريقة 76
المدير: ولكنك تعرف يا عزيزي أنه بدون مؤلف .. أنا أدلك على من يمكنه أن يؤلفها..
الاب: ليكن هذا الشخص هو أنت
المدير: لم أعمل كمؤلف في حياتي
الاب: لم لا تجرب الان، فلا ينقصك شيء، إن مهمتك سهلة للغاية لأننا كلنا موجودون أحياء أمامك
المدير: بالرغم من ذلك ما زلنا بحاجة لمن يكتب المسرحية 77
الاب: لا، كلّف أحدهم بتسجيلها، بينما نقوم نحن بتمثيلها بالفعل مشهداً، مشهداً، ويكفي أن تكتب لها مسودة
المدير: لقد نجحت في إغرائي، فعلى سبيل اللعب قد تتحقق التجربة 78 (فتنة التسجيل من دون تأليف: فتنة الجسدية والتجريبية) وفتنة قلب الأدوار بحيث يسبق التمثيل والإخراج التأليف. وهذا القلب للأدوار يحتاج إلى شجاعة، ومغامرة.
المدير: إنك تغريني، إنك تغريني! بالانزلاق إلى "الكوميديا الفنية" حيث يُرتجل كل شيء بحكم الخبرة. ويتم نقل تفاصيل "الطبيعة" إلى المسرح.
9-
التسجيل مع تجريب المشاهد (بالاختزال)
المدير: للملقن، تتبع المسرحية بدقة أثناء تمثيلها خطوة بخطوة، وحاول أن تحدد الوقفات(فاصل) أو على الأقل أهمها83
المدير: (للمثلة الأولى) اطمئني فلن تضطري للارتجال. راقبوا ما يحدث وسوف يحصل كل منكم بعد ذلك على دوره مكتوباً. والآن نقوم بإجراء التجربة ويقومون هم بها. الممثلة الأولى: ("وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ) [إنجيل متى 6: 13] والتجارب إغراءات الخطيئة، يقوم بها الشيطان حسب التأويل المسيحي. وطالما توجد أدوار ومسرحية مكتوبة مسطورة، لا وجود للارتجال والتجريب.
المخرج يقوم بتجربتين، واحدة تقوم بها الشخصيات ويراقبها الممثلون والمخرج، وأخرى يقوم بها الممثلون ويراقبها المخرج. يقول المدير: إنها مجرد تجربة لهم (يشير إلى الممثلين)، هم يحضرون درساً "على الطبيعة".
المدير في رده على الاب: ولكن هنا يا سيدي الفاضل، ليست الشخصيات هي التي تمثل، بل هم الممثلون الذين يؤدون الأدوار، أما الشخصيات فهي أفكار مسجلة هناك في سطور المسرحية (يشير إلى الملقن) هذا بعد الحصول على نسخة مكتوبة.
10-
تمييز الشخصيات، وتحديد الأدوار والاسماء الفنية. المدير للاب: ماذا تقصد بكل ما تعبرون عنه؟ أتعتقد أن فيكم تعبير، لا شيء في الواقع. (التعبير من عمل المؤلف والممثل)
المدير: الأشياء التي نعبر عنها (الفكرة المكتوبة أو المنطوقة المجردة) تصبح مادة للممثلين الذين يضفون عليها الجسد والشكل والصوت والحركة 86-87
شخصيات تجريبية يتم تجريدها كأفكار وصياغتها وتدوينها، ثم يعاد اكساءها بالجسد والشكل والصوت والحركة من قبل الممثلين، كل حسب دوره على خشبة المسرح.
المراحل: جسد الشخصية التجريبية-تجريد الشخصية كفكرة-جسد الممثل وصوته وحركته وانفعالاته وتعبيراتها. واقعة تجريبية حادثية-فكرة مجردة- واقعة فنية .
بإضافة ممكنات الشخصية، الجوانب الهامشية المناسبة لزمن آخر، يكون التمثيل شكلاً من أشكال التفسير للشخصية، وهذا من عمل المخرج ونقاد المسرح. المدير: (للاب): أنت كما أنت ليس لك وجود، هنا ممثل يقوم بتمثيلك وكفى. كائنات حية يومية وكائنات فنية خالدة؛ كم يوم ونحن نسمع بشاب يقتل عجوز ثرية ويسرق أموالها ثم يمحى اسمه بعد يوم أو يومين تغمره أخبار الحوادث، أما راسكولينيكوف الشخصية الرئيسية في "الجريمة والعقاب" لدستويفسكي فهو اسم خالد كشخصية فنية.
11-
المدير: أين مدام باتشي هذه؟ الأب: إنها ليست معنا يا سيدي. لكن يمكن استحضار "ربة الجشع الرأسمالي" الداعرة هذه بقليل من المعاطف والقبعات النسائية. الأب: ريما تجذبها معروضات تجارتها إلى الظهور بيننا 92 فحيث توجد تجارة ودعارة تحضر مدام باتشي. ينفتح الباب الخلفي تظهر مدام باتشي على بعد خطوات كشبح يفزع المخرج والممثلين، بينما ابنة الزوجة تتقدم نحو مدام باتشي في خضوع كما لو كانت تتقدم من رئيستها. 93 هذا الحضور الشبحي المعجز لمدام باتشي التي ولدت ونشأت وانجذبت بنفس المشهد الذي نحيا فيه، وهي حقيقة لها حق الحياة هنا أكثر منكم، لأنها أكثر حقيقية منكم. نحن أبناء مأساويون لمشهد الرأسمالية الامبريالية المنحطة وخير تعبير لهذا المشهد هي السيدة باتشي (التي تتكلم بلكنة أجنبية)، إنها شيطان الرأسمالية المنحطة ومشعوذة المتع، بضاعتها أجساد النساء والمتع الرخيصة. لكن لماذا حيرة الممثلين؟ أليس تجسيد شخصية ما هو احضار لها بالجسد والصوت، بعد أن كانت مجرد فكرة متخيلة!
12-
رفع الصوت على الخشبة حتى يسمعه الجمهور في الصالة. ينزل المخرج من على خشبة المسرح حتى يرى من وجهة نظر المتفرجين كيف يبدو المشهد.
13-
مسألة سبق الحوادث، ودور التنظيم والتأليف والترتيب أو شكله. المدير: لا يهم، كل هذا حتى الان بمثابة تجربة.. سنحتاج لكل شيء .. حتى أستطيع أن استخلص(أجرّد) العناصر المهمة من كل هذا الخليط (الدوغما) 99
14-للمسرحية أكثر من مشرف: المدير، الاب وابنة الزوجة كل يعطي توجيهات وارشادات مسرحية. المدير لابنة الزوجة: هل تقومين أنت بالإشراف على هذه المسرحية أم أشرف عليها أنا.. ثم موجهاً كلامه للاب الذي يبدو متردداً.
للملقن: وانت انتبه للبدء بالكتابة الان (يظهر المنظر)
في انقلاب تهكمي للأدوار (حيث تنسى الممثلة أن كل ما يجري تمثيل) حيث تظهر قبعات الممثلين هي اليومية والشخصيات هم الممثلون. الممثلة الشابة: أوه لنأخذ حذرنا، فالقبعات المعلقة هي قبعاتنا. تبادل الأدوار بين الشخصيات والممثلين حسب تبدل الموقع. الممثلة الأولى: أنا لن أقف هكذا لأكون أضحوكة هذه المرأة! الممثل الأول: ولا أنا أيضاً
(الشيء نفسه في بنيتين (أو شرطين) مختلفتين، مختلف. فالفلسفة اليونانية في ظروف الإمبراطورية العربية الإسلامية، هي فلسفة عربية إسلامية لا يونانية)
15-في الفن، كل تقليد أو محاكاة فقر، ما عدا المحاكاة الساخرة Irony
يبدو أداء هذا المشهد مختلفاً تماماً عن المشهد الذي قامت به الشخصيات من قبل. يجب أن يبدو هذا المشهد مغايراً تماماً لما قبله وليس فيه أي تقليد أو محاكاة، يجب أن يكون تفسيراً وتجربة في مستوى مختلف.
16-
الممثل غير الشخصية، هو يقوم بتجسيدها والتعبير عنها فحسب، ويمكن أن يجسد أخرى بعدها. الاب: إني يا سيدي معجب بممثليك.. لكن الواقع .. الحقيقة.. الواقع أنهما ليسا نحن.
المدير: بحق السماء.. كيف تريدان أن يكونا أنتما، إنهما ممثلان. (الواقع الحادثي-الحقيقة-الواقعة العينية الحقيقية و التشخيص) اجراء التجارب بحضور المؤلفين. حضور المؤلف والمخرج يعني الصراع على التفسير.
أداء الدور أو لعب الدور. إنكم تلعبون فنكم الذي ينبغي كما قال السيد أن يخلق وهماً كاملا للحقيقة. الاب (يدهش الممثلين والمخرج): ليس لدينا حقيقة أخرى غير هذا الوهم! (إيهاماً يخلقه الممثلون) وهذا ليس بالنسبة إلينا فقط، بل يشملكم أنتم بما فيهم أنت أيها المخرج. فإذا لم تحقق وهماً كاملا للحقيقة فأنت لا شيء. لأنك أنت هو أنا على الايهام (شخصية روائية لها حياتها الخاصة وقسماتها). شخصية روائية تسألني من انت؟ حسب دستويفسكي: الانسان انسان الفكرة.
17-
الوصمة والحقيقة المتغيرة. المخرج في حالة تغير دائم على مستوى الشخصيات التي يتخيلها ويخرجها، بينما الاب الذي أصابه العار مرة نتيجة حادثة عرضية جعلته خجلا من نفسه وعائلته وابنة زوجته طوال الوقت. الاب هنا "بديل الاب" بالنسبة لابنة زوجته.
18-
حياة الشخصية. عندما تولد شخصية، تكتسب في الحال استقلالاً عن مؤلفها .. وربما يتخيلها الناس في مواقف لا تخطر على بال مؤلفها (دور المتلقي في العملية الإبداعية وإغناء الشخصية، كالحلم يغتني بمستويات التفسير المتعددة ويتكامل)
المدير: هل رأى أحدكم شخصية تخرج من دورها، وتقترح وتشرح وتدافع عن نفسها على هذا النحو كما تفعل أنت، هل تدلني على شيء مثل هذا؟ إني لم أر شيئاً مثل هذا في حياتي.129
نعم يوجد مثل هذا، ففي الحلم، وفي الحركة الناكصة من الفكرة إلى الصورة، يحصل هذا تماما حيث تعود الفكرة وتتشخص وتحدّث وتؤنب. [تستدير فجأة كأنها تريد أن تقبض بيدها وتثبت الحلم الذي تراه، الحلم الذي تراه خيالاً يتلألأ في الظلام 132] وهذا أشبه ب (allegory) والتي تعني ترجمة الأفكار على صور أو شخصيات تمثلها في العمل القصصي. أما (mythos) فتعني نوع من الترابط أو التماسك الداخلي للأفكار بحيث تؤدي إلى بنيان فكريّ متناسق نسميه التأليف. تماماً مثلما تفعل الحبكة (plot) في الرواية أو المسرحية.
شخصية تولد حية في ذهن مؤلفها وينكر عليها تأليفها وإخراجها للجمهور
الأب: تخيل مدى التعاسة التي تصيب شخصية تولد حية .. من خيال أحد المؤلفين، بعد أن حاول أن ينكر عليها حياتها، هل الحق في جانبه". وقد تركها حية دون حياة فنية. هذا المؤلف ساكت عن الحق، شيطان أخرس، كافر، لا يريد للحقيقة والحق أن يظهرا للناس، إما لجبن أو لمصلحة تافهة. حسب القول المشهور: “الساكت عن الحق شيطان أخرس" (I pointed out on the right dumb devil) في إشارة إلى تغلب الطغيان (Hybris) على الحق لوقت. "لَمَّا سَكَتُّ بَلِيَتْ عِظَامِي مِنْ زَفِيرِي الْيَوْمَ كُلَّهُ" (سفر المزامير 32: 3)) [منسوبة لداوود النبي]
19-
التجريب في المسرح. إنه لا يمكنك أن تعلق لافتات أو تغير المنظر كل خمس دقائق. بالفعل لأن هذا ليس جنونياً وحسب، بل فعل شيطاني مرهق غاية الرهق ويحطم العمل، ولا يعطي للممثلين وقتاً للتجريب والتدريب على الأدوار. المدير: صحيح! هذا حق، ليس في وسعنا ذلك، إن كل ما يمكننا عمله هو أن نركز كل شيء في مشهد واحد مستمر دقيق. قبل البدء بالتدريبات يتوجب التفكير بكل شيء ومناقشة كل شيء ومع البروفات يتم التعديل على الفكرة التي ثبتت، أما اقتراح أفكار كل ساعة هذا مميت للمسرحية ومرهق للممثلين. للالتفاف على هذا المشكل وإراحة جميع أصحاب الأفكار، يدخل المخرج أسلوب القص للأفكار التي لم تتحول بعد إلى مشاهد. هنا يوجد رواة. دعها تقص كيف حدث ذلك بالفعل
الابن: أنا لا أمثل شيئاً! وقد أعلنت ذلك منذ البداية، أنا أفعل. ضرورة ابتعاد الممثل عن الشخصية قليلاً.
الابن: لن أسمح بتقمص شخصيتي لأحد. إن موقفي يعبر عن رغبة مؤلفنا جميعاً الذي لا يريد أن يقدمنا على المسرح. " يبدو أن المؤلف غير مقتنع بعد بالشخصيات وبهذه القصة كشخصيات مسرحية. (طبخ الفكرة بشكل مشترك بين الاب والمدير) الابن: نعم، اندفعت خارجاً من الحجرة دون أن أذكر شيئاً، حتى لا يحصل أي مشهد
أهمية التذكر في صناعة المشهد، حفظ الدور وتذكّره.
من هذه الزاوية قد يشكل الابن الشخصية الرئيسية للعمل، لكن العمل مرة أخرى لم يجري تأليفه بعد.
جاء في النص: "جامداً وبريق الجنون يشع من عينيه يحملق في الحوض في أخته الصغيرة وهي تغرق" لكن كيف حضرت الطفلة الغريقة معهم إلى خشبة المسرح. هنا نكتشف السر: الاب هو مؤلف ومحضر الشخصيات إلى خشبة المسرح والمدير يستمع إلى حديثه ويحاول اعدادها للإخراج على المسرح.
الابن: هو (الاب) الذي أرادني أن أحضر .. وجرنا جميعاً معه (المؤلف الاب يجر الشخصيات جراً من الماضي المنسي عبر التذكر) وتبرّع أيضاً أن يتم طهو الفكرة هناك بالاشتراك معك (المدير)146 الولد مات حقيقة، وهذا وهم في التمثيل. المدير وقد اختلط عليه الواقعة الحادثية بالواقعة الفنية قال: لم يحدث لي شيء من هذا من قبل كأن أطيافاً واشباحاً تهاجمني كأني في غيبوبة أو كأني في حلم. وأنا لم يحدث لي أن قرأت مسرحية بهذا التشابك الرهيب!
يظهر في الحال كما لو أضيء خطأ خلف الستار كشاف اخضر(شيطاني)، الذي يمثل السماء وتنعكس على الستار ظلال كبيرة للشخصيات الست (عدا الفتى والطفلة) عندما يراها المخرج يفر هارباً من على خشبة المسرح. ولإبليس عينان واحدة سوداء فارغة، والأخرى خضراء لسبب ما.
4-
(فن المخرج)
1-
لا يمكن أن تظهر شخصية واحدة وتبرز جداً
وتطغى على الشخصيات الأخرى وتسرق المشهد
بل يجب أن يدخل الجميع في إطار متجانس واحد
يقدم فيه ما يصلح للتقديم
2-
أنا أدرك أيضاً
أنّ كلاً منكم يحمل في طيات نفسه
حياة كاملة
يريد أن يخرجها إلى العالم أجمع
ولكن هنا يكمن المشكل
القدرة على إخراج ما هو ضروري فقط
في علاقته بالآخرين
هذا القليل الذي يجب أن يضيء
كل ما تبقى من جوانب الحياة
التي تكمن في هذه الشخصية
3-
كلنا موجودون أحياء أمامك
ألا يكفي هذا؟
بل سولت لكم أنفسكم
هذا لا يكفي
بالرغم من ذلك
ما زلنا بحاجة
إلى من يكتب المسرحية
كلّف أحد بتسجيلها
نحن نقوم بتمثيلها بالفعل
مشهدا، مشهداً
لكن، اليس الاكتفاء بالتسجيل
نوع من الاغراء والافتتان!؟
4-
إن شخصية واحدة
يمكن أن تظهر بثلاثة وجوه
وتُمثَّل بثلاثة ممثلين
والتمثيل ضرب من اللعب الجاد
في مشاهد
لكن، لا مشهد من دون تذكّر
ومن دون تلقين
5-
(إلى الممثل الذي سيمثل دور سقراط)
الضحك السقراطي
الذي أصابه التهكم بالصمم
والتحقيرات السقراطية
والهجاء الرصين
كنظام كامل من الاستعارات
والتشابيه المستوحاة
من الطبقات الدنيا للوجود
يجعل العالم ذاك
قريباً ومألوفاً
في مسرحية "لعبة الأدوار"
يستعير المؤلف شخصيات من الحياة الدنيا
لوجود التأليف والخلق
6-
هذه الهجائية الرصينة
مرة تفسر التغيير الجذري
في القيم والأزمنة
ومرة تقلب تراتب الأزمنة والقيم
ففي هذا العالم الذي تم تدجينه بالتهكم
نرى الانسان يتحرك بحرية مدهشة
7-
الهجاء المرتبط بالفولكلور
جعل صورة الانسان مألوفة
وخرّب الضحك المسافة الملحمية
وانهمك في دراسة حرّة ومألوفة للإنسان
فقلبه كما يُقلب إصبع قفاز
وفضح النشاز بين القائم والممكن
وبين الممكن وتحقيقه
بين الظاهر والباطن
وعزا إلى صورة الانسان
دينامية فعالة جداً
وهي دينامية عدم التطابق
تطابق الانسان مع نفسه
8-
لم يعد العامل بقادر
على إعطاء صورة كاملة عن عمله
فكان الوعي القائم والوعي الممكن
وباتت الشخصيات الست
بحاجة لمؤلف
9-
في الرؤى الهجائية الآخروية
الواردة في الهجاء المينيبي
يلتقي ابطال الماضي المطلق
ورجالات حقب الماضي التاريخي
كالإسكندر بالمعاصرين الأحياء
فيتجاذبون أطراف الحديث
إن صدمة الأزمان هذه
داخل المعاصرة
لها دلالات مهمة للغاية
حيث يخضع الاشخاص وظروف التخييل المجنّح
للهجاء المينيبي بهدف واحد
ألا وهو اختبار الأفكار والحوارات
وإزالة طابع القدسية عنها
إن مينيب ورفاقه محرّضون عمداً
بهدف التجريب؛ تجريب فاعلية الخطاب
احضار أشخاص تجريبيون لضبط الخيال المجنح
أو الشطح بلغة الصوفية
كما في مسرحية "ست شخصيات تبحث عن مؤلف"
10-
الاتصال بالحاضر غير المنتهي
وبالمستقبل إذن
يقود إلى هذا التنافر بين الانسان ونفسه
ففي الانسان دائماً طاقات كامنة
ومتطلبات لم تر النور
فهناك المستقبل
الذي لا يستطيع إلا أن يؤثر
في صورة الانسان
ويضرب جذوره فيه
ويحضِّر لكلية إنسانية أخرى
ترفعه إلى مستوى جديد



#نايف_سلوم (هاشتاغ)       Nayf_Saloom#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في استعمال غرامشي كـ “أدب مضاد-!
- سلافوي جِيجك ومرجعياته الثلاث
- الماركسيّة في عود إلى نقد الدين
- الإغواء الإيرانيّ- سيرة الشيخ الرئيس
- مُعْتمَد أدب -العالم الثالث- المُكرَّس المُضاد
- -تفكيك الاشتراكيّة العربيّة-
- الاقتصاد السياسيّ للتنمية
- الوجه الآخر للمسيح
- «دين إبراهيمي» أم خدعة استعماريّة؟
- ديالكتيك الاجتماعي- التاريخي
- الصورة الملازمة والصورة المفارقة؛ من الحقيقة إلى الحق
- نظام الرأسمالية الاحتكارية ومعضلة العنصرية
- من العثمانية إلى عروبة الاسلام
- دور الفرد في التاريخ
- الحكم بالوكالة ومسألة -الفساد-
- التنين الأكبر: الصين في عقدين
- -فك الارتباط- المعكوس و -نهاية التخلف-
- رسالة في نظرية اللوغوس عند فيلون الإسكندريّ
- المدينة المسحورة
- نقد الفرويدية


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نايف سلوم - -الأعمال والأيام- في الخلق؛ أعمال المؤلف –المخرج