أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - نايف سلوم - الاقتصاد السياسيّ للتنمية















المزيد.....


الاقتصاد السياسيّ للتنمية


نايف سلوم
كاتب وباحث وناقد وطبيب سوري

(Nayf Saloom)


الحوار المتمدن-العدد: 7153 - 2022 / 2 / 5 - 19:04
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


نعرض هنا كتاب سمير أمين "الاقتصاد السياسي للتنمية في القرن العشرين والواحد والعشرين" عرضاً نقدياً لما يظهره من بعض الأوهام النظرية الناجمة عن ضيق الأفق التاريخي بخصوص مرحلة الانتقال من النظام الرأسمالي الامبريالي إلى الاشتراكية الشيوعية.
يكتب أمين وهو محق: "إن قضية التنمية تحتل موقعاً مركزياً في المجتمع المعاصر، وأنها لم تجد حلاً بعد، ولا يمكن لهذا الحل أن يحصل(ينتج) في إطار الرأسمالية"
نستنتج مباشرة من العبارة السالفة الذكر أن النظم البورجوازية في البلدان الطرفية غير قادرة تاريخياً على حل قضية التنمية، ولا هي قادرة على تجاوز قضية التخلف. وهذا ما أكدته تجارب مائة عام من حكم البورجوازية في "العالم الثالث" (البلدان المتخلفة) ومنها البلدان العربية. هذا يعني بالدرجة الأولى أن مهمة تجاوز التخلف وحل قضية التنمية في هذه البلدان هي المهمة الديمقراطية الرئيسية للطبقة العاملة في وجودها السياسي. إن قول سمير أمين أن مفهوم "التنمية " ذاته مفهوم نقدي يعني أنه مفهوم تجاوزي يتضمن تحويل شكل ملكية وسائل الإنتاج في هذه المجتمعات حتى تكون قادرة على حل مشكلة التخلف وبناء التنمية، لأن مفهوم التنمية يتضمن تحويلاً كيفياً وإعادة توجيه للتنظيم الاقتصادي للمجتمع، وذلك على عكس مفهوم النمو الذي يشير إلى التوسع الكمي للتنظيم الاقتصادي القائم في مراكز النظام الرأسمالي.
إن حل قضية التنمية يفترض الإشارة إلى معضلة المعضلات، وهي معضلة التخلف، وهذا أمر أهمله سمير أمين كمفهوم. نقرأ عند ألبرتيني في كتابه الهام: "التخلف والتنمية في العالم الثالث" قوله: "التخلف هو أكثر مشاكل عصرنا أهمية وخطورة"
يضيف أمين: لم يعد استمرار منطق الرأسمالية ينتج إلا مزيداً من الهدر واللامساواة. بهذا المعنى يتحقق "قانون الافقار" الذي ينتجه التراكم الرأسمالي، وقد صاغه ماركس. وهو يتحقق على مستوى عالمي وبصورة أكثر وضوحاً من يوم إلى آخر" يعزز هذا القول كلام ألبرتيني في كتابه السالف الذكر: "إن ثروة العالم موزعة توزيعاً شديد التفاوت، حيث 29.7% من سكان العالم يستحوذون 84% من الدخول العالمية، وتستحوذ أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية وحدهما (نسبة السكان 16.1% من سكان العالم) على 57.3% من الدخول" هذه أرقام 1972، وقد أكدتها السنوات الخمسون التالية، حيث تعمق التفاوت بشكل كبير. يقول أمين: "حصة عشرين بالمائة من البشر هم الأكثر غنى ترتفع من 60% إلى 80% من مجمل الإنتاج العالمي خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي (1980-2000 )" (الاقتصاد السياسي للتنمية: 31) مع نمو مضطرد للاقتصاد الصيني، وزيادة لحصة الصين من الثروة العالمية. فقد خلص تقرير أعده قسم الأبحاث التابع ل"ماكنزي أند كو" للاستشارات والذي يتولى فحص الميزانيات العمومية لعشر دول تمثل اكثر من 60% من الدخل العالمي أن صافي الثروة العالمية ارتفع من 156 تريليون عام 2000 إلى 514 تريليون دولار عام 2020، حيث قفزت ثروة الصين من 7 تريليون عام 2000 إلى 120 تريليون دولار عام 2020 ".
لقد طرحت الثورات الاشتراكية في القرن العشرين مسألة تجاوز الرأسمالية ونظامها الاجتماعي الطبقي. وسوف يرصد سمير أمين في كتابه هذا "كيف فُهم التجاوز في القرن العشرين، والدروس التي نستخلصها من ذلك، لكي نحدد طبيعة التحدي المرتسم في القرن الواحد والعشرين. ذلك هو موضوع هذه الدراسة"؛ دراسة سمير أمين؛ "الاقتصاد السياسي للتنمية"
إن موضوع كتاب أمين هذا هو نقد نظريات تجاوز الرأسمالية في القرن العشرين ومفاهيمها. يشمل النقد أيضاً "روح العصر" أي أفكار ومفاهيم الليبرالية الجديدة بطبيعة الحال.
ليس التخلف سوى حقيقة الفارق المتعاظم بين المركز والأطراف الملازم للتوسع العالمي للرأسمالية. يقول أمين: من دون أي تبسيط مهين لتنوع الاجابات (إجابات التجاوز في القرن المنصرم)، أجرؤ على القول بانها تندرج جميعها في إطار عنوان "اللحاق"؛ أي أن يعاد في الأطراف إنتاج ما تم إنجازه في المركز. بهذا المعنى لم تشكك الأهداف والاستراتيجيات التي وضعت إبان القرن العشرين في جوهر الرأسمالية ذاتها؛ أي الاستلاب (الاغتراب) الاقتصادي. والاغتراب الاقتصادي يعني بشكل أولي أن القوى العاملة المنتجة هي في غربة عن نتاج قوة عملها. يضيف أمين: كان هناك بالطبع نية لإعادة النظر في العلاقات الاجتماعية الرأسمالية في تجارب جذرية لا يمكن تجاهلها كتلك التي نتجت عن الثورات الاشتراكية في روسيا والصين. إلا أن هذا المنحى قد انحل تدريجياً في موجات "اللحاق" التي فرضها هنا ارث الرأسمالية الطرفية"
يبتذل أمين مسألة تأخر الرأسمالية في أطراف النظام الرأسمالي وأثر ذلك على مرحلة الانتقال. لأن هذا الإرث يطرح مسألتين حاسمتين على هذه المرحلة: الأولى درجة تطور القوى المنتجة، والثانية دور سلطة الدولة الاشتراكية في مرحلة الانتقال، دورها السياسي في "قمع" مقاومة البورجوازية، ودورها الاقتصادي في تطوير القوى المنتجة ومستوى رفاه الشعب كرأسمالية دولة اشتراكية. ولا يعمل تقديم مقولة الاغتراب الاقتصادي(الاستلاب) عند أمين سوى بالتغطية على هذين الأمرين الحاسمين بخصوص إمكانية صمود نظام انتقالي نحو الاشتراكية في عصر الامبريالية.
إن تطوير البورجوازية للقوى المنتجة في مراكز النظام جعل الرأسمالية كنمط انتاج تتفوق بالمعنى التاريخي على جميع الأنماط الإنتاجية السابقة وعلى تحطيمها بأشكال مختلفة. ولا يمكن لأي نظام انتقالي اشتراكي (رأسمالية دولة اشتراكية) أن يصمد في مواجهة النظام الامبريالي الرأسمالي من دون أن يطور قواه المنتجة بشكل منافس بالمعنى التاريخي، وهو فحوى كلام لينين عن المباراة الاقتصادية بين رأسمالية الدولة الاشتراكية ورأسمالية الدولة الاحتكارية الإمبريالية. واليوم تظهر خطورة هذه المباراة مع التقدم المطرد للاقتصاد الصيني لصدارة الاقتصاد العالمي بما يهدد هيمنة النظام الاقتصادي الاحتكاري الإمبريالي. هذا ما طمسته مقولة "الاستلاب الاقتصادي" عند أمين والتي هي نكوص من رأس المال إلى "مخطوطات 1844 الاقتصادية الفلسفية" إذ أن طرح الاستلاب الاقتصادي بهذا الشكل المبسط والمجرد في نقاش فترة الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية يشطب كل الانضاج الذي حققه فكر ماركس بعد 1844 (بعد المخطوطات التي هي تلخيصات أولية).
يقول اعجاز أحمد: "إن "مفهوم الكينونة -النوعية" (الفرد ككلية مطلقة نوعية كذات خالقة) هو مفهوم هيغلي ورثه ماركس عبر فيورباخ لدى تناوله موضوع "الاغتراب" في المخطوطات الاقتصادية الفلسفية 1844، حيث يحلل ماركس الشاب كيف تفرض الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج على البشر اغتراباً مربّعاً(رباعيا)، عن نواتج عملهم، عن عملية الإنتاج، عن المنتجين الآخرين، وعن "كينونتهم النوعية" (كخالقين قيمة جديدة)، أن كل انسان (فرد أو كينونة -نوعية) مغترب عن الآخرين وأن الجميع مغتربين عن "جوهر الانسان" " هامش ص 32 طبقات وأمم، وآداب
ولما كانت العلاقات الطبقية للإمبريالية مبنية هي ذاتها من خلال تراتب للدول القومية، فإن المشروع التحرري المناهض للإمبريالية يمر في طور تاريخي من التحرر القومي وبناء الدولة الثورية والدفاع عنها. ولا شك في أن التحرر الشامل الذي هو الضمانة الوحيدة لحرية "الفرد" متصوراً لا على نحو صنمي مجرد كما في الصورة التي يرسمها البورجوازي لذاته، بل بالإحالة إلى الكينونة النوعية في نظرية المعرفة الماركسية (حيث الافراد المتحدين الذين باتت شروط انتاجهم تحت إشرافهم وليست فوقهم كقدر، هم خالقون قيم المجتمع الاستعمالية وهم مشرفون عليها في الوقت نفسه) يفترض مسبقاً هدم نظام الدول القومية الإمبريالي (الغاء التفاوت القومي) بمقدار ما يفترض مسبقاً التغلب على الندرة؛ أي تطوير القوى المنتجة وتحقيق وفرة في السلع والخدمات" (هامش طبقات وأمم:32 )
إن وجهة نظر سمير أمين هذه بخصوص الاستلاب في مرحلة الانتقال الاشتراكي تقربه من الطرح الفوضوي لمسألة الدولة وعلاقتها بالثورة الاشتراكية ودور الدولة في فترة الانتقال. كما أنها تغفل تحليل ماركس عن فترات الانتقال بين الرأسمالية والشيوعية مروراً بالاشتراكية التي يبقي الطابع البورجوازي هو المسيطر على الحقوق المدنية وحقوق العمال، حيث يتقاضى أجراً أكبر من يعمل أكثر. هذا بالرغم من الإلغاء الحقوقي للملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وملكية رأسمالية الدولة الاشتراكية لهذه الوسائل في مرحلة الانتقال أو في النظم الانتقالية. إن الانتقال التاريخي الكبير من النظام الرأسمالي الاقتصادي إلى الإدارة الذاتية للمنتجين المتحدين يعني المرور بكل هذه المراحل والتوسطات التاريخية. يكتب لينين في "الدولة والثورة ؛ تعاليم الماركسية حول الدولة ومهمات البروليتاريا في الثورة": الإمبريالية عصر صيرورة الرأسمالية الاحتكارية إلى رأسمالية الدولة الاحتكارية تظهر تعزز آلة الدولة لحد خارق واتساع جهازها الدواويني (البيروقراطي) والعسكري اتساعاً منقطع النظير من جراء اتساع القمع في جميع البلدان الملكية والجمهورية" ويؤكد ذلك بوخارين في كتابه الهام "الامبريالية والاقتصاد العالمي" حيث يقول: "وبما ان الدولة الحديثة هي صاحبة حصة كبيرة في تروست الدولة الرأسمالية ، فإنها الذروة المنظمة الأعلى والأكثر شمولية لهذا الأخير، ومن هنا تأتي سلطتها الضخمة ، بل والرهيبة الهائلة تقريباً " . يفرض هذا على رأسمالية الدولة الاشتراكية في مرحلة الانتقال تطويرا للقوى المنتجة وتحسينا لرفاه الشعب وتطويرا للدولة إداريا وعسكريا حتى تستطيع مواجهة الة الدولة الامبريالية. لقد استخلص ماركس من كامل تاريخ الاشتراكية ونضالاتها السياسية على قصره أن لابد للدولة أن تتلاشى وتزول لتترك المجال لإدارة ذاتية للإنتاج من قبل الافراد المتحدين، وأن الشكل الانتقالي لزوالها يكون بدكتاتورية البروليتاريا المنظمة في طبقة سائدة. لكن ماركس لم يأخذ على عاتقه اكتشاف الاشكال لهذا المستقبل الذي في ظله سيتحقق التحرر الاقتصادي للعمل من الاستلاب " (الدولة والثورة) لأنه كان يتصور مرحلة الانتقال مرحلة طويلة ومركبة ما بين تحرر المستعمرات وتحول المراكز. إن ماركس بدحضه للفوضويين لا يدحض غير هذا النوع من الإلغاء للدولة في مرحلة الانتقال. إنه لم يعترض على الفقرة القائلة بأن الدولة ستزول مع زوال الطبقات أو انها ستلغى مع إلغاء الطبقات، لم يعترض إلا على الفكرة القائلة بعدول العمال عن استخدام السلاح؛ سلاح العنف المنظم (سلطة الدولة) التي يتوجب عليها ان تخدم الهدف التالي: تحطيم مقاومة البورجوازية في فترات الانتقال ومواجهة هجوم آلة الدولة الرأسمالية الاحتكارية الامبريالية. إن سمير أمين باختزال مسألة الانتقال إلى مناقشة مشكل "الاستلاب الاقتصادي" يزرع وهم الانتقال من دون الاعتماد على سلطة رأسمالية الدولة الاشتراكية
يكتب ماركس: بين المجتمع الرأسمالي والمجتمع الاشتراكي تقع مرحلة تحويل الرأسمالية تحويلاً ثورياً إلى المجتمع الشيوعي وما يناسبها من مرحلة انتقال سياسي أيضاً لا يمكن أن تكون الدولة فيها سوى الديكتاتورية الثورية للبروليتاريا" (الدولة والثورة)
أما كيف تنظم البروليتاريا سيطرتها وهيمنتها كطبقة حاكمة فهذا مرهون بالشروط التاريخية المعقدة والمتنوعة. وهذا له نقاش آخر.
الصراع الطبقي الدولي في مرحلة الانتقال هو بين رأسمالية الدولة الاشتراكية ورأسمالية الدولة الاحتكارية الامبريالية، أما على المستوى القطري فالصراع يكون بين سلطة البورجوازية المحلية والأحزاب الاشتراكية العمالية وحلفائها من القوى الديمقراطية عامة ومن المهمشين قومياً. ".
مع كسر العلاقة الاستعمارية، كان متوقعاً من الدولة المستقلة حديثاً أن تقارع الإمبريالية بأيديولوجياتها القومية، بغض النظر عن الطبقات التي كانت عندئذٍ في السلطة وبغض النظر عن عجز الأيديولوجيا القومية المطلق، حتى في أفضل حالاتها، عن حماية بلد رأسمالي متخلف من ضغوط الرأسمالية المتقدمة التي لا حصر لها، ما دامت المواجهة تجري داخل البنية الامبريالية، أي بالشروط الرأسمالية" (طبقات وأمم:70 )
يقول أمين: لقد أدرك القارئ طبعاً أن مفهومنا للتطور ليس مرادفاً "للحاق". فالتطور مفهوم نقدي للرأسمالية، ويفترض بالتالي مشروعاً اجتماعياً مختلفاً يتحدد بهدف مزدوج: تحرير الإنسانية من الاستلاب الاقتصادوي، وإزالة إرث الاستقطاب على صعيد عالمي. ولا يمكن لهذا المشروع إلا ان يكون عالمياً أي أن يصبح مشروع الإنسانية باسرها مشروع شعوب المراكز كما هو مشروع شعوب أطراف النظام" (الاقتصاد السياسي: 12-13 ) تحرير ارث الإنسانية من الاستلاب الاقتصادي والمساواة بين الأمم أو إزالة ارث الاستقطاب هكذا بضربة واحدة يشطب سمير امين مرحلة الانتقال ويقفز من النظام الرأسمالي إلى مشروعه الاجتماعي ذو الهدف المزدوج، ويحدد القوى التي سوف تنجز ذلك في حركة خرافية: شعوب المراكز وشعوب الأطراف، سوف يستثني شعوب العالم الثاني) وسوف يعتمد على أسلوب النادي الاجتماعي المناهض للعولمة والرأسمالية : اعتماد المنتديات الاجتماعية والكشافة. "الهدف المزدوج للتطور كما اقترحه يفترض بالضرورة المشاركة النشطة والمتكاملة للشعوب في كل مناطق الارض"(الاقتصاد السياسي: 13) ويفرض ذلك أيضاً تعمق الأبعاد العالمية للكثير من المشكلات" صايرة وصايرة "إن لم يكن كلها"13 يقول: إن الحركة الاجتماعية المفككة لم تجد بعد صيغ تبلور على مستوى التحديات ولكنه حقق اختراقات ملفتة في اتجاهات تغني مداه بلا شك. وأضع في المركز من هذا الانفجار النسائي في الحياة الاجتماعية، ووعي التدمير البيئي الذي يأخذ أبعاداً تهدد الكوكب بأكمله" 32
ولست أدري ما يعنيه الانفجار النسائي في الحياة الاجتماعية، وما أعرفه أن الأحزاب الخضراء أكثر ليبرالية من الليبراليين الجدد، وقضية "النسوية" باتت تتقدم أجندة الثورات المضادة الملونة التي تتعهدها الولايات المتحدة الأميركية.
سيحقق أمين هدف تطوره المزدوج في المساواة بين الأمم وفي تحرير البشر من الاستلاب الاقتصادي. ولسوف ينجز كل ذلك بالتحرر الإنساني دون التحرر السياسي، وسوف يعتمد على انتشار مشروعه المجتمعي الخرافي ليشمل جميع سكان العالم، حيث لا حاجة إلى نضال سياسي ولا إلى معارك ولا ثورات بل دعاية اجتماعية إنسانية نشطة تشمل العالم الذي انتظم في منتديات اجتماعية قطّاعية متنوعة: انتشار المشروع المجتمعي عبر دعاية كوزموبوليتية نشطة. وهو بهذا يجهل المقولة التي مفادها أن تحطيم سلطة البورجوازية الاقتصادية لا يكون عبر أزمات اقتصادية، بل يقوم على ونضال الطبقات والأحزاب السياسية التاريخية القائمة عليها. ولكي يتقدم بلد متخلف بالفعل عليه أن ينجز ذلك بأسلوب مختلف عن الأسلوب الرأسمالي؛ أن يتقدم بالأسلوب الاشتراكي الماركسي.
في الاتحاد السوفياتي كان التراكم المخطط مركزياً يدار من خلال دولة سلطوية، رغم الشعبوية الاجتماعية التي ميزت سياساتها. بهذا القول يسم أمين السلطة السوفيتية بالسلطوية الشعبوية الاجتماعية، بحيث يسهل الخلط بين رأسمالية الدولة الاشتراكية في روسيا وبين نظام عبد الناصر البورجوازي الصغير الشعبوي. نشير إلى أنه في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، لا الوحدة الألمانية والتحديث الألماني ولا التحديث الياباني كانا من انتاج الديمقراطيين، كذلك الأمر في إيطاليا لنفس الفترة. ولكن من يتساءل هل اليابان وألمانيا حالياً ديمقراطيتان ليبراليتان!؟ وقد أثبت النظام السوفييتي أيضاً فعاليته طالما ظلت الغايات بسيطة: تسريع التراكم الأفقي (تصنيع البلاد) وبناء قوة عسكرية ستكون أول من يواجه تحدي الغزو(العدو) الرأسماليّ وإنزال الهزيمة بألمانيا النازية أولاً، ثم وضع حد للاحتكار الأميركي للأسلحة النووية والصواريخ عابرة للقارات(والفضائية) في الستينات والسبعينات." 23 لقد طوّر النظام السوفياتي القوى المنتجة لفترة معينة وبنى دولة حديثة بكل المعايير. لكنه كإدارة بيروقراطية محافظة فشل في التكيف مع "الثورة التكنترونية" بداية سبعينيات القرن الماضي. (أمريكا بين عصرين)
بالنسبة لشراسة المواجهة بين الرأسمالية الاحتكارية والنظم الانتقالية يقول أمين قولاً يعاكس استنتاجاته وتأملاته: إن إقامة توازن أقل سوءاً بالنسبة للطبقات الخاضعة (الطبقة العاملة والفلاحين) والشعوب اقتضى ثلاثة عقود رهيبة تخللتها حربان عالميتان وثورتان كبيرتان (الروسية والصينية) وأزمة عميقة في الثلاثينات وصعود الفاشية واندحارها وسلسلة طويلة من المذابح الاستعمارية وحروب التحرير. (الاقتصاد السياسي: 30)
يقدم أمين ملاحظة نافذة في سياق تعليقه على "الازدهار المؤقت" لليبرالية الجديدة أو التوهج الأحمر للكوكب الليبرالي الجديد حيث يقول: إلا أن النجاح المؤقت لهذا الفكر الطوباوي المغرق في الرجعية ليس سوى علامة انحطاط-حيث يستبدل الفكر النقدي (لماركس وكينز) بالشعوذة – وشهادة على أن الرأسمالية أصبحت ناضجة لكي يجري تجاوزها" (الاقتصاد السياسي: 32)
تعبر ازمة الرأسمالية الإمبريالية "عن نفسها من خلال واقع أن الأرباح المستقاة من الاستغلال لا تجد منافذ كافية من توظيفات مربحة قادرة على تطوير الطاقات الإنتاجية. تقتضي إدارة الازمة إذاً إيجاد "منافذ أخرى" لهذا الفائض من الرساميل العائمة بطريقة تمنع تدهوراً سريعاً وكثيفاً في قيمتها. في حين أن حل الأزمة يفترض تعديل القواعد الاجتماعية التي تتحكم بتوزيع الدخل والاستهلاك وقرارات التوظيف، أي تقتضي مشروعاً اجتماعياً آخر "(الاقتصاد السياسي: 32-33) أي تقتضي تنظيماً اقتصادياً للمجتمع آخر قائم على الغاء التملك الخاص لوسائل الإنتاج.
يقول أمين: لقد قدمت لنا خلال سنوات فكرة العودة إلى "رأسمالية صافية وصلبة" كما لو أنها "نهاية التاريخ"، وها نحن نكتشف أن إدارة هذا النظام-المضروب بأزمة دائمة-في الإطار النيوليبرالي المعولم قد دخلت مرحلة انهيارها رغم كل المزاعم أن لا بديل عنها. "(الاقتصاد السياسي:34) ولكن يجب الا ننخدع أيضاً نحن الاشتراكيين بهذا القول لأن انهيار الرأسمالية لا يمكن أن يكون اقتصادياً، بل سياسياً عبر نضال الأحزاب الاشتراكية الماركسية والطبقات القائمة عليها.
نقتطف من كتاب ماجدوف: الإمبريالية من عصر الاستعمار حتى اليوم: "الدرس الهام الذي يجب تعلمه من تاريخ الرأسمالية هو أن المشاكل الكبرى (الأزمات الاقتصادية) لا تؤدي إلى انهيارها انهياراً أوتوماتيكياً... فمصير الرأسمالية في النهاية سوف تحدده فقط الطبقات الناشطة داخل المجتمع والأحزاب القائمة على هذه الطبقات والتي لديها الإرادة والقدرة على استبدال النظام القائم"
يشير أمين إلى مقاومة الصين للدور التخريبي للعولمة عبر "السيطرة الوطنية" وهذا ما حصل لروسيا بعد أزمة 1998 "حيث نلاحظ أن ردة الفعل السياسية على هذه الأزمة أطلقت تحويراً في استراتيجية الانتقال إلى الرأسمالية، وإقامة نوع فعال من السيطرة الوطنية على عملية الانتقال هذه "(الاقتصاد السياسي: 36). يقول اعجاز أحمد: "أما بالنسبة إلى الجموع البشرية في مناطق الرأسمالية المتخلفة فجميع العلاقات مع الامبريالية تمر من خلال دولهم القومية وما من وسيلة للخروج من تلك السيطرة الامبريالية من دون الكفاح الرامي إلى إقامة ضروب مغايرة من المشاريع الوطنية وإلى إعادة بناء ثورية للدولة القومية" (طبقات أمم، آداب:29 )
يخطئ أمين حين يرجع "سبب تآكل تضامن "العالم الثالث" إلى تفاوت النجاحات المحققة في التحديث والتصنيع " (الاقتصاد السياسي:44) حيث يستبعد هذا الرأي دور الصراع الطبقي الدولي بين الغرب الإمبريالي بقيادة الولايات المتحدة وبين الاتحاد السوفياتي. وواضح أنه بعد تفكك الاتحاد السوفياتي انهارت بلدان بكاملها من "العالم الثالث" وتفككت. كان الصراع الدولي هو ضامن تضامن بلدان ما يسمى "العالم الثالث".
سنجد هنا وهناك "عالماً أولاً" من الأغنياء والميسورين والمتمتعين برفاهية عالم مجتمع المشاريع الجديد هذا، وعالماً ثانياً من الشغيلة المستغلين بقسوة وعالماً ثالثاً ورابعاً من المستثنين والمهمشين.
الأكثر تفاؤلاً على ضفة الآمال السياسية سيقولون بان تواجد جيش عمل فاعل واحتياطي، في كل من المراكز والأطراف ربما يخلق شروط تجدد الصراعات الطبقية المتسقة والقادرة على ان تكون جذرية وأممية" (الاقتصاد السياسي)
مراجع:
1-سمير أمين: الاقتصاد السياسي للتنمية في القرنين العشرين والواحد والعشرين، دار الفارابي الطبعة الأولى بيروت 2002
2-ج.م ألبرتيني-م. أوفولا-ف. لوروج: التخلف والتنمية في العالم الثالث. نقله إلى العربية زهير الحكيم، دار الحقيقة بيروت الطب عة3 1980
3-فلاديمير. أ. لينين: الدولة والثورة –تعاليم الماركسية حول الدولة ومهمات البروليتاريا في الثورة
4- زبغنيو بريجنسكي: بين عصرين ، الاستراتيجية الأمريكية في العصر التكنتروني ترجمة وتقديم د, محجوب عمر القاهرة
5-نيكولاي بوخارين: الامبريالية والاقتصاد العالمي ترجمة رجاء أحمد، مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي، نيقوسيا –تشيكوسلوفاكيا الطبعة الأولى 1990
6-اعجاز أحمد: في النظرية طبقات، أمم، آداب ترجمة ثائر ديب، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الطبعة الأولى بيروت 2019
7-هاري ماجدوف: الإمبريالية من عصر الاستعمار حتى اليوم، مؤسسة الأبحاث العربية الطبعة الأولى 1981
8-كارل ماركس: مخطوطات 1844 الاقتصادية الفلسفية ، ترجمة محمد مستجير مصطفى دار الفارابي



#نايف_سلوم (هاشتاغ)       Nayf_Saloom#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوجه الآخر للمسيح
- «دين إبراهيمي» أم خدعة استعماريّة؟
- ديالكتيك الاجتماعي- التاريخي
- الصورة الملازمة والصورة المفارقة؛ من الحقيقة إلى الحق
- نظام الرأسمالية الاحتكارية ومعضلة العنصرية
- من العثمانية إلى عروبة الاسلام
- دور الفرد في التاريخ
- الحكم بالوكالة ومسألة -الفساد-
- التنين الأكبر: الصين في عقدين
- -فك الارتباط- المعكوس و -نهاية التخلف-
- رسالة في نظرية اللوغوس عند فيلون الإسكندريّ
- المدينة المسحورة
- نقد الفرويدية
- الماركسية وتأسيس علم نفس موضوعي*
- اللوغوس -ذي القرنين-
- نقد نظرية -نمط الانتاج الكولونيالي-
- إضاءات خاطفة على كتاب «ماركس ومجتمعات الأطراف»
- ماركس - انجلز وتهمة الاستشراق
- عرض كتاب هاري ماجدوف: -عصر الإمبريالية-*
- عرض كتاب بول باران - بول سويزي -رأس المال الاحتكاري-*


المزيد.....




- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...
- زاخاروفا: إستونيا تتجه إلى-نظام شمولي-
- الإعلام الحربي في حزب الله اللبناني ينشر ملخص عملياته خلال ا ...
- الدرك المغربي يطلق النار على كلب لإنقاذ فتاة قاصر مختطفة
- تنديد فلسطيني بالفيتو الأمريكي
- أردوغان ينتقد الفيتو الأمريكي
- كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا للدفاع الجوي
- تظاهرات بمحيط سفارة إسرائيل في عمان


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - نايف سلوم - الاقتصاد السياسيّ للتنمية