أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد حسين يونس - مدن الطغيان الشرقي















المزيد.....


مدن الطغيان الشرقي


محمد حسين يونس

الحوار المتمدن-العدد: 7324 - 2022 / 7 / 29 - 10:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


((لزم علي كثيرين أن يتضوروا جوعا في سبيل بناء و تأسيس القصور و المعابد وعون أصحاب الحفلات في الإنفاق)) توماس مونرو مؤرخ الفن الأمريكي .
في نهاية سبعينيات القرن الماضى أعلنت لجنة قادمة من الإمارات في الجرائد بأنها في حاجة إلي مهندسين أكثرمن عشر سنوات خبرة.. مصريين للعمل في دبي .
لم أكن من هواة.. السفر للخارج أو دخول مثل هذه المسابقات .. و لا اثق في عدالتها أو علي الأقل حسن تقديرها .. و لكنني كنت قد أنهيت لتوى عملي في شركة مقاولات مصرية تعمل في العراق .. و ابحث عن وظيفة جديدة .. فقررت لاول و اخر مرة في حياتي أن أقدم لها .. و تحدد لي يوم المقابلة
لفت نظرى أن أعضاء اللجنة كلهم غرباء عن الخليج .. فيما عدا شخص واحد يرتدى الزى التقليدى يجلس دون مشاركة ..و دار حوار بالعربية تارة و الإنجليزية في مواقف أخرى .. حول علوم إدارة الإنشاء الحديثة .. و البرمجه بواسطة ( المسار الحرج ) ..و طالت المناقشة بسبب أنني كنت قد تعلمت و زاولت مثل هذه الدراسات من قبل وهو أمر كان يندر حدوثه بين المهندسين المصريين في ذلك الزمن
النتيجة أنه تم إختيارى للسفر و العمل لديهم .. و سافرت فعلا .. في شهر من شهور الصيف .
لفت نظرى في المطار أن المشايخ لهم معاملة خاصة فهم يتخطون الدور.. .. دونا عن باقي أفراد الطابور المرصوص أما شباك ختم الباسبورتات ..و عندما إعترض أحدهم ردوا عليه بإستنكار (( دول مشايخ )) .
ثم .. أن سائقي التاكسيات يتكلمون فيما بينهم لغة غريبة .. ليست عربية .. و عندما سألت عرفت أنها إيرانية .
و العاملين في الفندق لا يتكلمون إلا الإنجليزية .. و الشمس تشرق مبكرا .. ثم ترتفع درجة الحرارة بسرعة .. بحيث تصبح حول السابعة صباحا ..شديدة السخونة مع رطوبة عالية .
بعد إفطار سريع ..ركبت تاكسي مكيف .. للذهاب إلي مقر عملي الجديد .. الشوارع واسعة .. مما يزيد من السطوع ..و العمارات عالية .. و السينمات علي وجهاتها ..بوسترات دعاية لأفلام هندية .. و إعلانات ضخمة لبضائع مختلفة بجوار صور لقادتهم بالزى التقليدى .. ليتكون لدى إحساس أولي بأننا في بلد بدون شخصية ..فيه كثير من النقل و التقليد.. عكس بغداد التي طور مهندسيها المعماريين طرزا تجمع بين ( الأصالة و المعاصرة ) فجاءت مميزة .. لقد عشقت بغداد بقدر ما نفرت من دبي.
تأثير الثراء الذى تلي إكتشاف البترول في المنطقة كان واضحا .. بالإضافة إلي أن إنقلابتها العسكرية ( كل أسر مشايخ الخليج و السعودية جلسوا علي كراسي العرش بالقوة المسلحة .. و تعاون مع المحتل الإنجليزى ) ..كان له أبلغ الأثر في بعدها عن تكوين تميزا قوميا. و تعدد الجنسيات الوافدة طلبات للعمل أدى إلي عدم إحترام شعوبها .. و مع الترف..أصبح الحكام بسرعة سلالات (أوليجاركية ) منفصلة عن الشعوب ..لا تتمتع بصفات إنتماء الأجداد القبلي .. و في نفس الوقت غير معاصرة التكوين و التوجهات السياسية .
كنت كلما نظرت من شباك التاكسي للعمارات الشاهقة المكسوة بالمونيوم و شبابيكها الزجاجية الواسعة في بلاد ذات شمس ساطعة .. شديدة الحراة صيفا .. اضحك .. فهذا معناة تكلفة ستائر كثيفة و أجهزة تكييف لا تتوقف ..و فقد للطاقة بسفة .. و تقليد سخيف لبلاد بيئتها و طقسها معتم و بارد ..
لن أتحدث عن العلاقة المنفصمة المتصارعة بين الإنتماء الفارسي و العربيل لسكان الأصليين و الصراع بين تجمعات الوافدين المتنافرة .. و لا تأثير الهنود و أبناء جنوب شرق أسيا علي إسلوب الحياة .. فكلها أصبحت بعد مضي نصف قرن ضبابية لا أتذكرها جيدا .. و لكنني لم أنس الصدمة التي حدثت لي ( كمعمارى ) وأنا أتأمل المدينة العربية و أتعجب كيف يبدد الطغاة ثروات بلادهم في منشئات ستمثل مشاكل صيانة مستقبلية لهم .
في المساء عندما اصبح من الممكن التجول علي الاقدام ..وجدت نفسي في الأحياء القديمة .. شوارع ضيقة .. ..تسمح بظلال قوية تكسر حدة الشمس .. و مباني ذات طرز مستمدة من البيئة ..ذات أحواش داخلية و بدون فتحات علي الخارج .. و رائحة العطارة .. و القدم تملأ المكان .. و تعطي له شخصية مميزة .
جلست في مطعم من المطاعم المزدحمة .. الضيقة ..المرحبة.. هناك أتناول عشاء تغلب علية البهارات و الكارى .. و أنظر للعمالة الوافدة .. من بلاد الدنيا وقد عادت من العمل تصخب بلغات مختلفة ... فأشعر أنني اجلس في مكان أكثر ألفة . .
إنه صورة من أحياء القاهرة الفاطمية القديمة والموسكي و أسواق بغداد و قد يضاف لها سوق الحميدية و عمان القديمة ..بكل ما فيها .. من خصوصية شرقية .. لم نتعرف علي جمالها إلا من خلال أفلام الغرب وحواديت الف ليلة و ليلة .و موسيقي ريمسكي كورزكوف .
سكان الأحياء غير المصطنعة علي النمط الأوروبي ( الأمريكي ) قوم عاديون منا يمتهنون مهن الأجداد في صيد السمك و إستخراج اللؤلؤ .. وإحتفظوا ... لبلدهم بطابع لا تراه إلا في المدن التاريخية .. بملابسهم الوطنية المريحة المتناسبة ..و كرم الإستقبال و الضيافة رغم البيئة العدوانية حولهم .
لم أستمر في العمل لأكثر من إسبوع و لهذا قصة مروية في كتابي (( أجمل الكلمات لم أهمس بها بعد )) .. ثم هربت من التفرقة العنصرية في الشارع و العمل ..و خلطة شعوب غير متجانسة مع تعدد اللغات .. بمدينة متناقضة حضاريا طاردة للزوار بتعالي و صلف علي الوافدين .
عندما سألت من ذهبوا لنفس المكان بعد خمسين سنة .. لم يذكر أى منهم الأحياء القديمة أو مراكب الصيادين .. أو رائحة الأسواق المميزة.. كان حديثهم .. عن المولات الضخمة التي تعرض واردات من كل أنحاء العالم ..و بها صالات للتزحلق علي الجليد .. أو هولوجرام يجسد كائنات منقرضة .. و عن العمارات و المطاعم التي يتخصص كل منها في تقديمة نوع معين من الطعام .. و الشوارع الواسعة .. وأحياء الدعارة التي بها نساء من كل ألأجناس .. و التصريح بتناول الخمور في بلد إسلامي ..و أجهزة التكييف التي لا يتوقف دورانها في كل مكان .. و الثراء و البذخ البادى في تنوع البضائع ..و الإنضباط في الشارع .. و صعوبة إستخراج رخصة قيادة محلية ..وتحكم المجتمع الرقمي و سيطرته علي كل كبيرة أو صغيرة في المكان .
لقد تحولت المدن الخليجية إلي ما يشبه نيويورك تعج بناطحات السحاب و الخطرة .. ويتحدث سكانها بالإنجليزية .. و سيتحدثون قريبا العبرية بعد الترحيب الحار بالإسرائيلين .
مدن الخليج المتشبهه بمنشئات الغرب .. لن تجد مثيل لها في مدن البحر المتوسط الأوربية الساحلية .. لقد طوروا هناك نماذج معمارية تضع متطلبات البيئة في إولوياتها .. و لن تجدة أيضا في الدول الإفريقية الحارة .. لقد حافظ المعماريون المحليون فية كل مكان علي تكوين طابع خاص..
و لكن ستجده .. في المدن الجديدة التي تنشأها مصر .. لقد أصابتها العدوى .. بل المكاتب الإستشارية التي تصمم في الخليج هي التي تصمم مدن مصر ...و المقاولون الذين بنوا مدن الخليج هم الذين يبنون (بمشاركة وتسهيلات الجيش ) الكومباوندات الجديدة .. و الراسمالي الذى يأمر في الخليج هو الذى يصدر التعليمات في مصر ... مدن تحكي لمن يفهم لغتها عن عدم الوفاء بإحتياجات الناس و لا تطيع إلا أوامر صاحب الطغيان الشرقي .
الطغيان الشرقي كما وصفه أرسطو هو ((النموذج الحقيقي للطغيان)) .. وصف ظل يتكرر حتى يومنا هذا .. حتى أن الأوروبيين عندما يسبون ملكا أو حاكما لاستبداده يصفونه بأنه أقرب إلى الطاغية الشرقي.
أرسطو أضاف ((الرجل الحر لا يتحمل طاغية )).. هيجل يفسر السبب بأن الشرقيين ..كانوا عبيدا للحاكم الذى ظل هو الرجل الوحيد الحر في الدولة
الطاغية الشرقي (مصرى أو بابلي أو هندى أو صيني أو فارسي أو عربي ) له ملامح حملها العديد منهم ..فهو الحاكم المطلق الذي وصل إلى السلطة دون وسائل دستورية..أو اغتصب السلطة الشرعية. .. و يدافع عنها بوسائل قمعية.
وهو يعامل المواطن معاملة السيد للعبيد . و لديه خبل يجعلة لأقل سبب يأمر يقطع الرقبة و التعذيب و السجن حتي لو كان الضحايا من أقاربه ..و يلتف حولة الأرزقية و الخانعين المتسلقين .. يصفقون و يهتفون و يكادوا أن يعبدوه .
إفلاطون عرف الطاغية بأنه (( شخصٌ يحكم دون اللجوء إلى القانون، مستخدمًا أساليب متطرفة ومتوحشة ضد كلٍ من شعبه والآخرين)) .
وتعرِّفه الموسوعة ((بمغتصب السلطة الذي يجعل من رعيته ضحايا أهوائه ورغباته الظالمة، والتي يحلُّها محل القانون ..فهو الحاكم المطلق غير المقيَّد بالقانون)).
بكلمات أخرى ..الطاغية في كل زمان و مكان له ملامح لا نخطئها حتي في القرن الحادى و العشرين .. كعدم إحترام القانون .. و سيادة مبدأ القوة و العنف لدية .. و إحتقار الشعب و تسخيرة من أجل تحقيق مخططاته .. والتي أهمها .. ولعة بالبذخ و الأبهه .. و إستعراض الثروة و القوة و النفوذ .. بإقامة المنشئات الضخمة .. والمدن شديدة الثراء و الفخامة ..و المهرجانات التي ينفق عليها من وسع .. في اللحظة التي يعيش الشعب حولها يتضور جوعا . و يرتعد خوفا ..
مادلين أولبرايت حديثا (2018)، عرفت الفاشي، بأنه ((شخص يدعي انه يتحدث بالنيابة عن أمة أو جماعة كاملة، غير مهتم تماما بحقوق الآخرين، وهو مستعد لاستخدام العنف و وسائل أخرى مهما كانت لتحقيق الأهداف التي تمثل أولوياته..))
و أن (( القادة المعاصرين مثل دونالد ترامب وفلاديمير بوتين وكيم جونغ اون يستخدمون العديد من التكتيكات التي استخدمها الفاشيون في العشرينات والثلاثينيات من القرن العشرين)) .
تشير أولبرايت إلى سياسات مختلفة في جميع انحاء العالم حيث أصبح (( ازدراء الديمقراطية مساويا لهذا المسار، من المقاربة الاستبدادية التي يقوم بها ترامب في الولايات الأمريكية إلى سياسات اردوغان الإسلامية المناهضة للعلمانية في تركيا، إلى الاستبدادية الجديدة لبوتين في رؤيته لروسيا الحديثة))
الطغيان أفة البشر .. يدينه المفكرون منذ أرسطو حتي اولبرايت .. و مع ذلك لم يتوقف .. عبر التاريخ .. بسبب إمتلاك القادة العسكرين للسلاح الذى دفع ثمنه الشعب .. لترويض و قهر هذا الشعب . . و أصبح ( أى الطغيان الشرقي ) مستوطنا في بلادنا لا نستطيع منه فكاكا.
وهكذا كلما نظرت للماكيتات المباني التي ستنشأ قسرا في مثلث ماسبيرة أو جزيرة الوراق .. أرى أثارلأوامر طغاة شرقيين.. فرضوا وجهة نظرهم علي الضعفاء ..و قاموا بتدمير العناصر البدائية ( العشوائية ) المتسقة مع البيئة . ليحلوا محلها عشوائية فكرية و حضارية .. أكثر شناعة .
نفس الأمر عندما أقارن الوضع الذى إعتادنا علية .. قبل جنون الكبارى و هدم المنازل لمد الطرق .. بما يحدث في مصر الجديدة أو مدينة نصر أو الأسكندرية اليوم ..فأتذكر مدن الخليج واسعة الشوارع مرتفعة العمارات المعرضة للشمس المحرقة التي تتعارض مع البيئة و الطقس و أسباب الحياة .

لماذا لم نتأثر بعمارة و تخطيط مدن دول البحر المتوسط ..حتي لو كانت قبرص و كريت .أو الجزر اليونانية . و نقلنا بدل منه النمط الخليجي الذى لا يناسبهم أو يناسبنا .

السبب أن من يقوم بالتشييد لا يهمة .. قواعد الجمال .. و التوائم البيئي .. فهو جاهل بها ..بقدر ما يهتم بالموقف التجارى الذى سيحقق له مراكمة الأرباح .
ما يحدث في مصر ليس إنجازات كما يوهمون السذج الذين ينشرون صور ماكيتات جزيرة الوراق و يقولون ((إنها ليست مانهاتن .. إنهاجزيرة حورس ( الوراق سابقا )) و لا يذكرون أنهم إستولوا عليها بعد معارك حربية خاضها جنود الجيش بقيادة البطل الغضنفر الفريق المهندس الوزير ..و أنهم دمروا الحياة الريفية السلمية التي كانت عليها منذ مئات السنين..
لمن نشر هذا الإعلان الميرى أقول .. نعم .. افرقها بينهما من النظرة الأولي فهذا المسخ المصرى تقليد التقليد .. و ما يعتبر متوافق في مانهاتن و جميل .. لا يصلح لوضعه علي جزيرة في النيل أو علي شاطئء البحر المتوسط في العلمين أو في قلب صحراء نحول له فرع من النيل في مواسير لنصنع وسط بحر الرمال نهر أخضر كبير.
الأبناء في كليات العمارة .. الذين سيقلدون هذه المسوخ .. يعلنون هكذا أن الفرصة قد ضاعت لنطور نموذجا معماريا مصرياعصريا بدأه في يوم ما حسن فتحي و رمسيس ويصا ...مرتبط بالبيئة و الناس.
نحن في مأزق كما قال سيادة الفريق المهندس الوزير الغضنفر .. و لكن لسبب أخر و هو أن البنية التحتية التي تخرج لنا العلماء و الفنانين و المثقفين و الرياضيين .. و أصحاب الفكر المبدع ..تم تخريبها علي مدى السنين.. فإفتقدت مصر قوتها الناعمة وتاثيرها و ريادتها .. و تحولت لتقليد المقلدين .
تراكم كمي بطيء من الفساد تولاه الغافلون وتجار المباديء و بياعي سموم الحفظ و الاسترجاع .
لبناء ما يطلقون علية ..الجمهورية الجديدة .. تم تسليمه إلي ضباط الهيئة الهندسية الذين يفتقدون للوعي و العلم و الرؤية الإنسانية .. تحت شعار يد تبني و يد تحمل السلاح ..و تسببت بمغامراتهم في تشويها ت بصرية و بيئية لن تغفرها لزمننا الأجيال القادمة
و مع هذا الفشل و رغم عنه فطول العقد الماضي .. لم تتوقف أحاديث أجهزة البث و الدعاية تحكي عن إنجازات عصر جديد .. بحيث تحولت .. مشاريع العمارة والعمران بالإضافة للإحتفالات .. إلي أدوات لبناء وتشكيل رؤية مجتمعية موجبه للنظام المستجد ..
هذا ليس غريبا
((لا شيء أكثر فعالية من استخدام الصور المؤثرة على المدى القصير لخلق مثل هذا التصور والاعتماد على الذاكرة القصيرة للجماهير المرتبكة والمضطهدة بشدة)).
و ذلك (( باستمرار وتجدد الصور المتغيرة للبطل في افتتاح مشاريع تاريخية من شانها أن تغير مصير بلده إلى الأبد.... ويستمر الظهور المتكرر للصورة البطولية في الوعي المعاصر في عملية متعمدة مقصودة لتحويل الرئيس إلى رجل معجزة مشاريع وإنجازات)).
يقول السيد توماس مونرو في موسوعته (( التطور في الفنون )) الجزء الثاني
((إن العمارة والعمران لهما اهميه كبيرة بين الفاشيين والطغاة لفرض صورتهم البطولية.. منذ زمن هتلر وموسوليني اللذين تركا علامة حقيقية على نسيج المدن الألمانية والإيطالية ثم تبعهما أخرين في جميع أنحاء العالم )) ..
ثم يقص علينا أخبار من الماضي عن مدن الطغيان الشرقي .. تجعلنا نبتسم ..ففي القرن الخامس عشر الأمبراطورالثالث من أسرة ( مينج ) الصينية ( يونجلي) الذى حكم ما بين عامي 1406م و 1420م... قام بما نشهد مثيله يجرى اليوم علي أرضنا في القرن الحادى و العشرين ما بين 2014 م.. و 2022 م
وصل يونجلي إلي منصبه بعد أن تمرد علي إبن أخية الإمبراطور Jianwen.. و قام بنقل العاصمة الصينية من نانجينغ (Nanjing) إلى(بكين) و تشييد داخلها مدينة المانشو المحرمة.
ولان بكين العاصمة الجديدة في الشمال و تفتقد لإمدادات الجنوب الثرية .. شق قناة طولها الف ميل..( بمعني أطول من المسافة بين الدلتا و سد أسوان ) .. حتي تربطها ( أى بكين) .. بمصادر الغذاء و الثروة و البضائع
((خلال فترة حكمه ، تمت إعادة بناء القناة الكبرى بالكامل تقريبًا لتنقل البضائع المستوردة من جميع أنحاء العالم.. كان هدف الإمبراطور يونغلي هو تنشيط المراكز الحضرية الشمالية ، وخاصة عاصمته الجديدة في بكين))
إنه نفس السلوك المعاصر.. فالنظام الجديد ينقل العاصمة ..و يشق الطرق و يبني الكبارى لتسهيل الوصول لها .. و يقيم مونوريل .. و ترام سريع ليربط مدينته الصحراوية القبيحة .. بالوادى ..حيث البضائع و الثروات و البشر .
الإمبراطور ((قام ببناء شبكة ضخمة من الهياكل في بكين تقيم فيها المكاتب الحكومية والمسؤولون والعائلة الإمبراطورية.. و بعد وقت طويل مؤلم من البناء (1407-1420) ، ظهرت المدينة المحرمة .. فقد تم الانتهاء منها وأصبحت مقر الإمبراطور)) .
بحيث تذكرنا بما يحدث في مصر بعد سته قرون ..من إقامة مقر صيفي للحكومة بمدينة العلمين و أخر شتوى بالعاصمة المحصنة ( المحرمة ) الجارى العمل بها .. تحت وقع سيلط القروض والضيق و الفقر و الإتاوات التي يجبيها زبانية العصر الجديد
المهرجانات التي أقيمت في عهد صين ( يونجلي ).. بمناسبة إفتتاح قناته .. كانت لا تختلف عن مهرجان إنتهاء تكريك قناة السويس أو نقل موميات قدماء المصريين من متحف التحرير لمتحف الفسطاط ..أو ما يخططون له لإفتتاح عاصمتهم أو المتحف الكبير بالهرم .
كتب مونرو يتحدث عن مدينة المانشوالمحرمة في بكين
((مدينة داخل مدينة مجموعة قصورأو حيا سكنيا للملك و نبلائه و زوجاتهم و خدمهم ..بقصريها الشتوى و الصيفي و علي مقربة منها حول الأبواب من الجائز أن الدهماء كانوا يتضورون جوعا أو يموتون بالطاعون.))
(( في العصور التي بلغ الترف و السلطان فيها حدا كبيرا و إتسما بشدة التركيز إتخذت المهرجانات و القصور من حيث الحجم و التعقيد و الفخامة طابعا ليس له مثيل في الثقافات الديموقراطية )) .
و يصف مدينة زاندو المقر الصيفي للإمبراطور .. (( أما في الداخل فقد أقيم قصر منيف للمتعة يظل قائما حتي يقتحمة الغوغاء أو الأعداء الذين كانوا يفعلون هذا دائما في الوقت المناسب )) .
ثم يقص علينا كيف كان إفتتاح القناة
(( و يصف التاريخ بإسهاب الإنشاءات باهظة التكاليف التي أمر بإقامتها الإمبراطور يونج لي فقد كلف ثلاثة ملايين من الرجال أن يحفروا قناة طولها ألف ميل و يبادروا إلي غرس أشجار الصفصاف علي ضفتيها ..
و علي طول هذه القناة سارت خمسون سفينة مبنية علي شكل تنين يسحبها الرجال بما في ذلك سفينة الإمبراطور ذات الطوابق الأربعة التي بلغ طولها الفين من الأقدام .. وقد إحتوت علي غرفة للعرش تجلي فيها البذخ و الإسراف ..
و كان الاف الرجال في الملابس الحريرية يسحبون السفن بينما كانت الفتيات الصغيرات يشددن حبالا زاهية الالوان و ينثرن الزهور و العطور .))
ثم يسترسل في وصف مدينته الجديدة.. ((كذلك أقام الإمبراطور يونجلي حدائق و قصور ضخمة فيها بحيرات و جزر صناعية ..))
و يضيف
((ولقد وجدت مثل هذه القصور و أساليب الترف الخرافية في الأمبراطورية الرومانية و البيزنطية كما كانت مهرجانات فينسيا و فرنسا في عهد أسرة البوربون رائعة ولكن لم تكن بهذا الإسراف و البذخ )).
نعم لم تكن بهذا الإسراف و البذخ و الإستدانه علي حساب الأجيال القادمة
((القدرة علي تخصيص قسط كبير من الجهد و الثروة لهذا العمل يدل في أغلب الأحيان علي وجود لا مساواة كبيرة في توزيع الثروة و السلطان فلزم علي كثيرين أن يكدحوا و لزم علي كثيرين غيرهم أن يتضوروا جوعا في سبيل بناء و تأسيس القصور و المعابد وعون أصحاب الحفلات في الإنفاق)) .
إن ما حدث في الصين تحت حكم الطغيان الشرقي .. حدث من ملوك مصر عندما بنو الإهرامات و المعابد الضخمة .. علي حساب شعب مقهور مسيطر علية بواسطة الكهنة و الجنود ....
كذلك .. عندما بني حكام مصر ذوى السلطة المطلقة .. الجوامع و الوكالات .. و الأربع .. في الفسطاط .. و العسكر و القطائع و القاهرة الفاطمية .. و القاهرة المملوكية .. و القاهرة الخديوية .. و مدينة نصر .. و مدينة السادات .. و العاصمة الجديدة .. و العلمين كعاصمة صيفية ..
جاء ذلك علي حساب الشعب الذى عاني و دفع ..و تم إسترقاقه .. لبناء أطول سارى علم .. و أوسع كوبرى .. و أضخم جامع أو كنيسة .. و مقر للقوات المسلحة أكبر من البانتجون الأمريكي .. و قصور تفوق في الحجم علي البيت الأبيض بعشرات المرات
و لكن الخيبة المستجدة أن الطغاة المحدثين بنوها بأموال القروض .. و الديون .. و الأتاوات .. و ليس بحصيلة الجباية فقط . كما فعل الأوائل .
يكمل توماس مونرو ..(( و عندما يثور الشعب علي نظام إجتماعي سابق إتسم بالتباهي المتأنق المترف يتخذ موقفا معارضا للرموز البصرية و السمعية التي ترمز لما أصبح الأن يكرهونه و في حماس كراهيته للصور و التماثيل و رغبته في تحطيمها )) تناهر مدن و صروح عديده أخرها مقر الحزب الوطني علي الكورنيش .. و مقر الأخوان المسلمين بالمقطم .



#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السيطرة علي عقول الأغلبية
- محطة كهرباء نووية في مصر
- الحصاد المر لإنقلاب 23 يوليو
- لم يعد للكلام المكتوب معني
- تيار الفساد أصبح تسونامي .
- يحي شلش و كتابة في التوجيه المعنوى
- و كان الفنان أكثر صدقا .
- الحياة صعبة .. و ممرضة
- مصر و عصور إضمحلالها(16)
- مصر و عصور إضمحلالها(15)
- مصر و عصور إضمحلالها( 14)
- مصر و عصور إضمحلالها (13 )
- مصر و عصور إضمحلالها (12 )
- مصر و عصور إضمحلالها(11)
- مصر و عصور إضمحلالها(10)
- مصر و عصور إضمحلالها(9)
- مصر و عصور إضمحلالها(8 )
- مصر و عصور إضمحلالها(7)
- مصر و عصور إضمحلالها(6 )
- مصر و عصور إضمحلالها( 5)


المزيد.....




- -عليك الذهاب للمفتي-.. وزير الطاقة السعودي يثير تفاعلا برد ع ...
- السعودية.. جمله قالها محمد بن سلمان لمحمود عباس باللقاء كشفه ...
- من الصين إلى إسبانيا.. زوجا باندا يصلان إلى منزلهما الجديد ف ...
- المتحولون جنسيا يحظون بدعم جديد من إدارة بايدن
- البرهان: لن يحلّ السلام في السودان إلا بعد خروج -الدعم السري ...
- بولندا تنشر قواتها قرب حدود روسيا في إطار مناورات عسكرية مع ...
- يحتوي على كهوف وأنفاق مرعبة.. اكتشاف أعمق ثقب أزرق تحت الماء ...
- تفريق تظاهرة ضد مشروع قانون حول -التأثير الأجنبي- في جورجيا ...
- كريم خان.. الوجه المراوغ للعدالة الدولية
- لماذا محمد بن سلمان ضمن أقوى 5 قادة في العالم؟.. تقرير يثير ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد حسين يونس - مدن الطغيان الشرقي