أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ليندا كبرييل - - لما بدا يتثنّى - لروح الأستاذ محمد البدري















المزيد.....

- لما بدا يتثنّى - لروح الأستاذ محمد البدري


ليندا كبرييل

الحوار المتمدن-العدد: 7323 - 2022 / 7 / 28 - 21:47
المحور: الادب والفن
    


من عتمة الزوال الأرضي إلى فضاءٍ مُوشَّح بالنور مَدُّه بلا ضفاف، غادَرَنا الأستاذ محمد البدري لِيتبوَّأ مكانه بين النجوم.
عشْنا في زمانك الأغَرّ يا بدراً في سماء الحوار المتمدن.

كنتُ قد نكصْتُ عن مهمة نشْر مقال لي قبل خمس سنوات بسبب نقد غير نزيه، وُجِّه لسلسلة مقالاتي عن صديقتي اليابانية (مينامي) التي رحلت في تسونامي اليابان - آذار مارس 2011،- تلقّيتُ نقده اللاذع بصمت كيلا أثير مشاكسات لستُ بقادرة على مواجهتها. لكن هذا النقد ترك أثراً سلبياً زعزع طمأنينتي.
وما إن التفتُّ إلى كربي ألوم نفسي على ضعف حيلتي، حتى فاجأني الأستاذ محمد البدري مُتكرِّماً بالردّ على الناقد ردّاً مفحِماً، يعبّر عن المهارة التي يتحلّى بها العقل الفلسفي، مؤكِّداً أننا بحاجة لدراسات نقدية متبصِّرة خاضعة لمنطق التحليل العلمي، من متخصّصين لا من هُواة، و داعِياً إياه أن لا يُقارِب النص وَفْقَ انطباع نفسي، أو مزاجيّة تهدف إلى تبخيس العمل، فهذا أقلّ ما يوصف بأنه نقد طائش . ذلك أن من شروط الناقد الموضوعي، أن يقتحم النص متسلِّحاً بكفاءةٍ نقدية تَسْتنِد إلى إلمامه بتطورات الحركة الأدبية، واطلاعه على الاتجاهات الفلسفية والفكرية ليكون مُتَّزِناً في أحكامه، لا مكان فيها للذوق الشخصي إلا في حدودٍ ضيقة. فهو يُعبِّر عن أفقه الفكري ومخزونه المعرفي بإنتاج دلالات جديدة، تساهم في خَلْق ذوق أدبي لدى القارئ وإلا.. فإن مثل هذا النويقد مهزوم في مجال له قواعد.
ثم تفضّل الأستاذ البدري بتوجيه نصيحة غالية لي، بدّدتْ الحواجز ودعمتْ ثقتي بنفسي، فوجدتُ آنذاك أن خير ما أفعل لردّ جميله هو أن أرصّ جهودي، وأكتب المقال بروح جنديٍ مُقْدِم على معركة حاسمة. وظهر المقال بعنوان:
زوروني .. حرام تنسوني بالمرة..
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=564822

إذا القومُ قالوا مَن فَتًى ؟ خِلتُ أنني عُنِيتُ فلمْ أكسَلْ ولم أتبَلّدِ
طاب الأمل فيك يا بدري!
ما من مجال معرفيّ إلا وخاض فيه باقتدار؛ في السياسة، في حقوق الإنسان، في نقد الأديان، في الأدب، في اللغة، في المذاهب السياسية والاقتصادية .....
الناس معادن، وهذا معدن كريم رأيتُ فيه "مصر" التي أتمناها.
طابتْ فيكَ المعرفة.. يا بدراً طَلَعَ في ليالٍ عربية دُجى.
ملايين قراء الحوار المتمدن يعرفون حتماً اسم هذا المفكّر الألمعي.
محمد البدري : أشهَر من نار على علم، قدّم عمراناً فكرياً شامخاً بالعلم والفلسفة والثقافة، فانتقل بالذهنية العربية إلى رحاب المعرفة. وظلت مواقفه ساطعة تبدِّد ظلمات الفكر المتخلف .. إلى أنْ أطْفأها الموت.
إن منْ يقرأ مقالات الأستاذ البدري وتعليقاته الغزيرة، يدرك أنه ليس مجرد كاتب وناقد، وإنما هو أيضاً موسوعة معرفية ثقافية علمية. كان عقلاً مميِّزاً فعّالاً صانِعاً لرؤى انطلقتْ من امتلاكه خبرة حياتية يقِظة، فاتّسمتْ مواقفه بالتحدّي للاتجاهات الثابتة والفكر الظلامي، رافِضاً أية وصاية عليه دينية كانت أم سياسية؛ فقد آمن بالعلاقة التي يتلازَمُ فيها التمرُّد والثورة، والازدهار والتطور؛ ذلك أن الشعوب إذا تمرّدتْ، فإن ثوراتهم لا تصنع التاريخ فحسب، بل وتصنع الجغرافية البشرية الإنسانية أيضاً.
وطالما ركّز على أن هيمنة وسيادة الغربيين، لا يعود إلى نبوغ استثنائي أو إلى جينات متفوِّقة، بل لأن الأوروبيين أدركوا أن تأثير ميراثهم الثقافي كان وَخِيم العاقبة على كافة الأصعدة، فغادروه بعزيمة واعية في رحلة العبور الدمويّة الشاقة، حطّموا خلالها هيبة مؤسسات النظام القديم، متأثرين بالأفكار الثورية التي طرحها دعاة عصر التنوير، فبَرَزَ العقل المُستنير الشغوف بالعلم والفلسفة، المُشَكِّك بالحقائق والمُسلَّمات، مؤمِناً بأن العقل هو المصدر الرئيس للمعرفة، ولا مكان للتفسيرات الروحانية الدينية الخارقة للطبيعة لحلّ مشاكل الإنسان على الأرض.

يُحسَب للأستاذ البدري أن قراءاته التحليلية أمَدَّتْ القارئَ بزَخْمٍ، أهَّلَه لتكوين مخزون نفسي، يمكن أن يَرْصُف له نسقاً فكرياً يستنهض الهمم، ويساعد على تحدّي الاتجاهات المعتمة في تاريخنا وثقافتنا العربية الناعِسة التي صدّرناها إلى بلاد أخرى.
معتمة، مظلمة، قاتمة وإلا ؟
هل فُزنا من مسيرة الإنسان إلا بلقب أرض الأنبياء!
ماذا فعل بنا الأنبياء إلا أن أوْصَلونا إلى التناحُر والتخاصُم والتذابح واقتتال المسلمين فيما بينهم، والكراهية والاعتداء على أهل العقائد الأخرى المُكَفَّرة!
من ديكتاتورية واستبداد السياسيين والدينيين لم يُجيرونا.
من بَلِيَّة داعش ما أغاثتْنا الملائكة ولا هم نجّونا.
من الفقر والشرشحة الإنسانية لم يسعفونا.
من انقراضنا الحضاري لم ينتشلونا.
دعموا الحرام وحراميّة الدين والتحريم وختان الحريم ولم يغيثونا.
لكْ حتى في محنتنا الوبائية الكورونية لم ينقذونا!!
بقا على إيش موجودين بالله؟
اسمعوا ما قالت مريضة:
" الحمد لله تمّ التأكد من إصابتي بالكورونا محتاجة دعواتكم الصادقة اللي من القلب.. واثقة أن ربنا هيرزقني الشفاء بفضل دعواتكم العظيمة..."
وأخرى تقول:
" شكلي حأسبقكم والحمد لله رب العالمين رحت لدكتور لأني تعبانة جدا ولله الحمد قال لي الفيروس نزل على الرئتين ولله الحمد كله على كل حال...."
وثالثة:
"عشمي في ربنا كبيرقادر كريم وخير إن شاء الله"
شعب يطلب منا أن ندعو له بالشفاء (فوق!) فوق دعواته الأبدية، وتضرعاته اللانهائية، وصلواته منفرداً وجماعة في المساجد والزوايا وفي الساحات العامة، وصيامه وحجّه وزكاته وصدقاته من مئات السنين، ويملأ بيته بالآيات القرآنية والإنجيلية، ومع الحوقلة والبسملة والحمدلة عالطالعة والنازلة... مع كوووول هذا وغيره لم يخلّص الله خير أمّة من النوازل والفواجع والنكبات المهولة!
نمط تفكير عجيب! يا لهذا الانسحاق!
فهم يعتقدون أنه ابتلاء من الله وامتحانٌ لقوة إيمان الإنسان، وتمحيص المؤمنين وتمييزهم عن المنافقين، وعلى العبد أن يشكر الله ويحمده ويصبر على ابتلائه لتضاعف حسناته ولينال أجره في الآخرة.
ما الحلّ مع منْ يقلّد النعامة ويضع يده بيد مُعْتمِر العمامة؟
عذاب وحرمان وتعتير في الدنيا لِأنالَ الأجر في الآخرة؟
حلو والله .. هاتوا البرهان..
هكذا يقنعون الناس بعدم التمرُّد، والاسْتكانة، والتحلّي بصبر أيوب على المصائب وصروف الدهر، والاستغناء عن إرادتهم الحرة واختياراتهم الذاتية.
قال لهم الأستاذ البدري(بما معناه): إذا كان الله خالق أفعال العباد ونيّاتهم ومشيئتهم خيرها وشرها، وإذا كان الإيمان بكل ما في الوجود من خير وشر هو بتقدير الله الأزلي، فعندما ننسب أعمال البشر إلى الله، هل يكون هذا كفْراً أم إيماناً ؟؟
وقع محاوِروه في حيص بيص، ولم نفهم منهم إلا أن الله يُضِلّ من يشاء ويهدي من يشاء، يُحيي فلان ويُميت علان، يقبض الرزق عن زيد ويوسع الرزق لِ عبيد..

إن الله لا يخلق الكفر والمعاصي والآلام والرزايا، الإنسان هو الذي يخلق فعله بذاته وما يختاره لنفسه. نحن نحتاج إلى تيار تنويريّ يدافع عن إرادة الإنسان ضد القهر والعنف، وتحريره من العبودية والانسحاق والخنوع.
والأستاذ البدري المُبادِر والمقتحِم كان من روّاد هذا التيار، وقد حفر اسمه بحروف من الذهب في سجلّ دعاة حقبة التنوير العربي، إذ أدرك ببصيرته الواعية والنظرة الثاقبة، أن الحركات الرجعية التي اجتاحت العالم الإسلامي، قد أفقرتْنا فَيْض النور والعطاء الإنساني.
هذا هو المعلّم كما عرفته وأفتقده كثيراً اليوم، لكن أملي كبير في العقول التي دسّ الأستاذ تعاليمه دسّاً فيها، فانتعشوا بعد موات أدّى إلى انهيارٍ حضاري وقع فيه العالم الإسلامي.
دمعة حارة على قبر أخينا الحبيب محمد البدري.

اعْتَدْنا في عزاءاتنا العربية إذاعة أناشيد دينية. أما أنا فأهدي إلى روح الأستاذ محمد البدري الموشّح البديع ( لما بدا يتثنّى ) يتألّق بالأصوات الغربية، ذلك أني كلما سمعتُه تذكّرتُ (الفتى الذي نذر نفسه للمهامّ الكبيرة دون كسل ولا بلادة) ، وكنتُ قد أدرجْتُ رابط الموشّح في مقالي المُشار إليه أعلاه (زوروني.. حرام تنسوني بالمرة ..)
أتمنى وأرجو أن يستمع القارئ الكريم إلى هذا الأداء الاستثنائي وشكراً.
https://www.youtube.com/watch?v=Bd8HjSGaPFY

ويسعدني أن أقدّم رابط أغنية :( زوروني كل سنة مرة )، لِسارِق شعلة اللحن المقدّس من الآلهة العظيم سيد درويش:
https://www.youtube.com/watch?v=kSgehYj-Mhg



#ليندا_كبرييل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنزِلوا الجبال أرضاً لِنَرى وجه الشمس!
- والشمس المُغَيَّبة في الطين حياتنا طين في طين!
- هل تكتب العلمانية شهادة وفاتِها بنفسها؟ 7
- ثمة فارِق هائل: بين عَمَل الجَرّاح وعمل الجَزّار!!
- قِفْ! حجاب .. منطقة حريم عسكرية! 4
- لا مِنَّة لكم علينا، بضاعتنا رُدَّتْ إلينا!
- حوار في الأديان في حمّام مقطوعة مَيْتو 3
- أنُدافِع عن مُهَيِّجيْ الفِتَن باسم حقوق الإنسان؟ 2
- حقوق الإنسان لا حُلول عباد الرحمن!
- لحظة أسطورية في حياتي: تسونامي اليابان 2011
- الأديان من برّا هلّا هلّا ومن جوّا يعلم الله !!
- لا حياة لمَنْ تنادي، وأنت تنفخ في رماد
- اتّحادٌ فوَحْدة فمُتوحِّد في واحِد وَحيد
- جاوزَ الكفّارُ الأمْرَ، فحقَّ علينا الأمَرّان الأحْمران !
- الحوثيّون يستنفرون لِسلْخ البهائيين والمسيحيين
- اعترفوا يرحمكم الله أن أخلاقنا بلا أخلاق! 3
- هل اليابان حقاً يابانُ بِفضْل أخلاقها ؟ 2
- هل اليابان حقاً يابانُ بِفضْل أخلاقها ؟
- كأني موسى الناجي من ظلم فرعون !
- ورحلتْ مينامي في التسونامي


المزيد.....




- إيران تقيم مهرجان -أسبوع اللغة الروسية-
- مِنَ الخَاصِرَة -
- ماذا قالت الممثلة الإباحية ستورمي دانيالز بشهادتها ضد ترامب؟ ...
- فيلم وندوة عن القضية الفلسطينية
- شجرة زيتون المهراس المعمر.. سفير جديد للأردن بانتظار الانضما ...
- -نبض الريشة-.. -رواق عالية للفنون- بسلطنة عمان يستضيف معرضا ...
- فيديو.. الممثل ستيفن سيغال في استقبال ضيوف حفل تنصيب بوتين
- من هي ستورمي دانيلز ممثلة الأفلام الإباحية التي ستدلي بشهادت ...
- تابِع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة على قناة الف ...
- قيامة عثمان 159 .. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 159 مترجمة تابع ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ليندا كبرييل - - لما بدا يتثنّى - لروح الأستاذ محمد البدري