أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ليندا كبرييل - والشمس المُغَيَّبة في الطين حياتنا طين في طين!















المزيد.....


والشمس المُغَيَّبة في الطين حياتنا طين في طين!


ليندا كبرييل

الحوار المتمدن-العدد: 6393 - 2019 / 10 / 29 - 16:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أرجو من القارئ الكريم التفضّل بالاطلاع على المقالات السابقة لربْط الأحداث . في الملحق تجدون الروابط، وشكراً.

المقالات تتناول جدالاً حاداً بين مجموعة من الأجانب والعرب، حول عقبات الاندماج الثقافي التي تُواجِه المهاجرين في بلاد الغربة، ويتخلّل الحوار مواجهات حامية في مواضيع مختلفة، تعكس المستوى الثقافي لذهنية المشاركين.


كان النقاش مُحتدِماً بين الزملاء عندما اجتاحتْني رغبة النوم . وما إن أغمضت عيني حتى فتحتُهما على مشهد آخر؛ فرأيت ابني يقول معاتباً : تُهْدِرين وقتاً ثميناً .. ماذا أفادكِ الزملاء العابرون ؟ الصداقة لا تختمر عبر الياهو حيث الكل فرسان في الكلام، والمكان الأمثل ليُحقِّق المُنكسِرون بطولات وهمية.
ورأيت نفسي قد سرَحَ خيالي في ما أُهدِرَ مجاناً.
فجأة علا صوت خشن صَحّاني من غَفْوتي صارِخاً :
ــ نظرية التطور الداروينية جاءت منسجمة ومؤكِّدة لما ورد في القرآن قبل أربعة عشر قرناً!

سمعتُ العبارة بوضوح رغم النوم الذي أثقل جفوني . التفتُّ لأرى الوجوم على الوجوه المبهوتة.
مَنْ قائلها ؟ ليس إلا ذاك الرجل المُلتحي، وقد بدا طوال الاجتماع صامِتاً كأنه غائب عن الحضور.
صامَ صام وفطر على بصلة!

ــ كيف ذلك يا أخانا ؟ قالتْها باللغة العربية السيدة اليمنيَّة المُنقَّبة، ثم أردفت باحْتداد :
ــ أياً كانت حجّتكَ فأنت تستدِلّ بها على معنى فاسد لا يحتمله نص إلهي مبين.
سكتتْ اليمنية قليلاً، ثم تابعت هجومها بِسَبّابتها المرفوعة :
ــ هل تكفر بقَوْل ربنا ( إني خالق بشراً من طين )، فتَدَّعي أن القرد الشنيع أصْل الإنسان يا هذا؟!
ورفعتْ منديلها إلى فمها وبصقَتْ فيه، كعادة البعض من أهل بلادنا إذا ذُكِر القرد.

تحلَّقتْ المجموعة الغربيّة حول الزميلة القبطية التي تطوَّعتْ لترجمة سبب الصدام العاصف بلغة إنكليزية رفيعة.

قال الأستاذ الملتحي :
ــ اسْتخلصَ المُفسِّرون من القرآن الكريم دلالات علمية يعتبرها أساتذة الفلك الغربيّون حقائق، إلا المُرْجِفين منهم ؛ فنظرية الانفجار العظيم أجْمع علماؤنا على أنها لا تتعارض مع ما ورد في القرآن أن الله خلقَ الكون في ستة أيام، فاليوم عند الله ليس بألف سنة ولا بخمسين ألفٍ مما نعدّ .. بل بما لا حدود له للقادر الجبار ! وخلال دراستي في قسم التاريخ والحضارة الإسلامية، وجدتُ طروحات رزينة لِبعض العلماء المسلمين تقول : إن التطور حدث فعلاً ولكن بإرادة إلهيّة، سيتقبّلها العقل المَرِن، أو يرفضها العقل الذي لا يريد مغادرة قوقعته.
انبرَتْ ذات الخمار الأزرق للردّ فقالت بِنَزق :
ــ القرآن ليس كتاباً في الأبحاث الفيزيائية والكيميائية.
أجاب الأستاذ بثقة :
ــ الوحي تنبّأ بالاكتشافات العلمية، ولِحِكمة إلهية لم يتوسَّع بصورة مُفصَّلة فيها، لِنَقْص عِلْم القوم في ذلك الزمان القديم بالتاريخ والبيولوجيا والفيزياء الكونيّة!
اعترضت السيدة فقالت :
ــ التطوّر بالذات لم يشِرْ إليه الخالق في كتبه السماوية .. وفي حديث للنبي ص أن الله خلقَ سيدنا آدم على صورته.
أجابها الأستاذ :
ــ المعذرة.. رفضكِ دلالات فرضيّة داروين في مقدّسنا، يشير إلى تقصيرك في إعمال النظر في الإعجاز العلمي القرآني ! علينا أن نجتهد فيما يستجِدّ على ساحة المعرفة للتوفيق بين الدين والعلم، وإلا .. سيلفظنا التاريخ.

صاحت اليمنيّة في غضب :
ــ تَصْديقكَ نظرية التطور لا يليق بإنسان مؤمِن بالخالِق وبأنبيائه!
ــ الإعجاز العلمي القرآني أذهل علماء الغرب ! أفتؤمنين ببعض الإعجاز وتكفرين ببعض؟
ــ أنتَ !! هل تدرك التناقض بين الرواية الدينية والرؤية الداروينية ؟ الملحِد القرد داروين لا يعترف بأن وراء خَلْق جميع أشكال الحياة إبداع إلهيّ وإرادة حكيمةٌ عاقلة ! ثم إن النظرية القرديّة يا أستاذ خرافة علمية تُجاهِر بالعنصرية ؛ فتدَّعي أن البقاء للأقوى، وأن الترقّي والانتخاب الحضاري يقتصران على أقوام إنسانية معينة، فيُحْكَم على أقوام لم تتطوّر بعد بالدَّوْس تحت أقدام الأقوى والأقدر على الحياة !
أجاب الأستاذ في انفعال :
ــ لم يرِدْ هذا الكلام في نظرية داروين، هذا طَرْح العنصريين الجُدُد مُشَرِّعيْ قانون الغاب، محكوم عليه بالفشل في عصر التآخي والتضامن.
أنا أؤمن بعبارة (البقاء للأقوى) بمعنى : أن المؤمنين الأكثر التِزاماً بفروض الله وتَكَيُّفاً مع أحكامه هم المُرشَّحون للبقاء بإذن المُحْيِي، أما (الفناء للأضْعف) فيخصُّ الجاحِدين المُكَذِّبين الذين سيَمْحَقهم المُميت ويمحو آثارهم.

همستْ الأميركية :
ــ أليست هذه اليمنيّة طبيبة مُتدرِّبة؟
أجابتها الفرنسية ساخرة :
ــ هي كذلك، وستجدين علماء فطاحل في الطب والفيزياء يرددون أقوالها!

الهاذِرون إذا هَزَلوا !

رفعتُ يدي أطلب المداخلة، فسألتُ الأستاذ الملتحي عن الآيات القرآنية الدالّة على التطور وارتقاء الإنسان.
بكل حماس وقف الأستاذ ليشرح فقال :
ــ إليكِ هذه الآية حول الانفجار العظيم ...
قاطعتْه السيدة اليمنية مُحتجَّةً :
ــ السؤال حول تطور أصل الإنسان لا الانفجار العظيم.
قال الأستاذ غاضِباً :
ــ سَمِّعينا سكوتك يا سيدة!
ثم التفت إلي وقال :
ــ الآية التالية : " السماوات والأرض كانت رتقاً ففتقْناهما "، ماذا تعني ؟ تعني أن هذا الكون بمجراته كان عبارة عن جسم مُلْتَحِم، ثم حصل فتق أي انفجار فانتشار أدّى إلى حدوث غلالة من الدخان كما جاء في القرآن، والدخان بلغة علماء اليوم : سحابة غبار وغاز . تَسَبَّبَ الفتق في ظهور الحياة على الأرض، ثم بدأ تمدُّد الكون يتزايد وهو ما أشارت إليه الآية " وإنا لمُوْسِعون "، حيث لاحَظَ الفلكيّون تباعُد المجرَّات عن بعضها البعض، وكذلك ...
قاطعتْه السيدة اليمنية ثانية :
ــ لا تتهرّبْ من الجواب، الزميلة تسألك عن الآيات التي تشير إلى أصل الإنسان.
قال الأستاذ في حنق :
ــ مُقاطَعتكِ كلامي تكشف عن ضعف تركيبتك الذهنية في الربط بين الحقائق العلمية، رغم وصولك إلى درجة عالية في علم الطبّ .. سآتيكِ بالدليل الذي يرتبط بما فسّرتُه قبل قليل.
ثم تابع :
ــ بعد انفصال الأرض عن الكواكب والنجوم أنزل الله من السماء ماء " وجعلنا من الماء كل شيء حي " .. لاحظي التطابُق بين قول العلماء إن الحياة بدأت من الماء، وما جاء في القرآن " فأخرجنا به نبات كل شيء "!
ما الذي نبتَ، و مِمَّ بدأ ؟
قد تعني الأميبا وحيدة الخلية ؛ ألمْ ينبثِق منها نبات كل شيء ثم تطوَّر ؟ النبات، فالحيوان، ثم خلق الله أبانا آدم " من سلالة من طين " ، اِنْتبِهي .. هل قال خلقَ الإنسان مباشرة من طين ؟ كلا .. قال أولاً (من سلالة)!
ما السلالة ؟
هي النسْل، جماعة من الكائنات الحية، تجمعها صفات وراثية تنتقل بالتكاثر إلى الأجيال اللاحقة.
ومِمَّ تتكون التربة التي خلطها الله بالماء ثم خلق آدم جسداً من طين؟
الجواب أن الأرض وكل ما عليها يتكوَّن من غبار النجوم المُنهارة ؛ فالعناصر الكيميائية التي تحتويها التربة أو تدخل في تركيب جسم الإنسان أو الحيوان، تتألف من نفس المواد : كالأكسجين والكربون والهيدروجين النيتروجين والفوسفور...
قالت اليمنيّة للأستاذ :
ــ هذا اجتهاد مُخادِع لباحثين مُخْتَلِقين.
ــ بدون الاجتهاد في فهْم النص يتحوَّل الدين إلى أسطورة لا تَقْوَى على تحريك مثقال ذرة.
قالت السيدة الأفغانية :
ــ أنتَ تمهِّد الطريق للقول إن العناصر الأساسية نفسها في الكائنات الحية، وهذا يعني أن بعضها خرج من بعض، وأننا نتشارك في جدٍّ واحد!
التفت إليها الأستاذ وقال لها :
ــ قبل ان أردّ على اعْتِراضكِ، أرجو ملاحظة الإعجاز في الآية " فإذا سوَّيْتُه ..." و " في أحسن تقويم "!
ماذا نفهم؟
لم يجبْ أحد، فتابع الأستاذ :
ــ التقويم هو إنْهاض ما كان مائلاً، مُلتَوِياً، مُعْوَجَّاً، فسوّاه وجعله في وَضْع صحيح ومستقيم .. هذه آية قرآنية سبقتْ فرضية داروين بقرون، تدلُّ على التطور ؛ إذ اصْطفَى الله الإنسانَ من بين المخلوقات لِيُطوِّره ويخُصَّه بالمشي العمودي!
اعترضتْ التركية :
ــ الحيوان أيضاً تطور.
أجاب الأستاذ :
ــ هل استقام عموده الفقري؟

ثم أشار إلى ذات الخمار الأزرق وقال :
ــ لم يخلق الله سيدنا آدم من الطين خلقاً مباشراً على صورته، فقد تَسَلْسَلَ خلْقه حتى وصل بعد التسوية وتقويم عموده الفقري إلى هيأة إنسان . والأيام الستة عند الله لا تُقاس بزمننا الأرضي، فاليوم عند الله يدخل في حسابات الأيام الضوئية ! ثم في مرحلة تطورية معيّنة نفخَ الله في هذا المخلوق من روحه، فكان على صورته.
يمكن تقبُّل نظرية داروين إذا فهمنا التطور قد حدث بهذه الكيفيّة بتوجيهٍ من الخالِق أي : التطور المُنَظَّم!

وأخذتْ الحماسة بالأستاذ وهو يرى الحاضرين يصغون إليه باهتمام، فوقف في منتصف القاعة يخاطبهم :
ــ ثم تدرَّجتْ عملية الخلق، مثلاً أبونا آدم كان طوله 30 متراً تقريباً، وسيدنا نوح كان عمره مئات السنين، ماذا حصل بالتطوّر لطول الإنسان وعمره؟

سرتْ همهمة في القاعة، لكن صوت الأستاذ عَلا على اللغط وقال :
ــ هناك آية تدلّ على أن الخلق يتغير : فالله " جاعِل الملائكة رُسُلاً أولِي أجنحةٍ مثْنى وثلاث ورُباع يزيدُ في الخلْق ما يشاء " ؛ هذا يزيده عقلاً وهذا قوة وهذا ذكاء وعلماً ... إن الله ( يزيد) في خلق الإنسان ف( يرتقي ) ويتطوّر حضاريّاً، أو حتى يُنقِص .. أو يبيد ويهلك!!
ألم يهلك الله أقواماً قديمة لتمرُّدهم على شرْعه؟
قالت المصرية المحجبة :
ــ زُورٌ وبُهْتان ! كتب التراث تقول : يزيد في الخلق : أي يزيد في خلق أجنحة الملائكة تطير بها لتبليغنا ما أمر الله به.
ردّ الأستاذ :
ــ لم نقرأ وصفاً لطيران الملائكة ؛ التراث الإسلامي يَسْتقي صورة الملائكة الطائرة من الرسومات المسيحية، التي تصوِّر الملائكة بأجنحة تحوم في السماء . يمكن أن نفهم ( تعدُّد أجنحة الملائكة ) بشكل مجازي بمعنى تعدُّد أجنحة العمل، أو تعدُّد فروع وظائف الملائكة، كالعناية بشؤون المؤمنين.

قالت المصرية بنرفزة :
ــ هل تتطاول بتفسيرات أساتذتك الخائبة على الأئمة الكبار؟
نظر إليها الملتحي بغرابة وقال :
ــ مَن القادر على الوصول إلى القصد الإلهي ؟ المفسرون القدماء بشر، والتأويل البشري محكوم بالنقص . قراءتهم حرفِيّة واسْتنباطهم في مستوى أفقهم الفكري والثقافي المُتَوائِم مع ظروف ذلك العصر . ومن حقّي أنا أيضاً أن أجتهد مثلهم في فهم النص، في ضوء ما يسْتَجِدّ في العلم ومناهج التفكير مع تغيُّر الزمن . الاجتهاد يُفصِح عن البُعْد الإنساني في لغة المقدس.

ــ مزاعم باطلة تودي إلى التهلكة، و ...
وقبل أن تتمّ المصرية جملتها عاجلها الأستاذ فقال :
ــ دَعي موضوع الملائكة، وهاتي رأيكِ في الآية ".... إِن يَشأْ يُذْهِبْكم ويَسْتَخْلِف مِن بَعدكم ما يشاء كما أَنشَأَكم من ذرِّيَّةِ قوْمٍ آخرين "!
وأيضاً:
" ويأتِ بخلقٍ جديد "!
إنها أقوى البراهين الداعِمة لنظرية النشوء والتطور !! ولا أستبعد ان يكون داروين قد اطّلع على القرآن وقرأ هذه الآية بالذات فاستلْهمَ نظرية ارتقاء الأنواع!
سأشرحها لكِ : نَسْلٌ نشأ من ذرّيّة قوم آخرين سينتهي .. ستُزال سلالة من الوجود بمشيئة الله ليُحِلَّ محلّها نسْلاً جديداً ؛ ألا يمكن أن تعني كلمة ( يُذْهِبكم ) : الانقراض ؟ والدليل الكائنات المتحجِّرة التي عَثَر عليها العلماء.

استأذنتْ الفرنسية في الردّ على اليمنيّة فقالت :
ــ قولكِ بأن أصل الإنسان قرد مغالطة علمية، يشير إلى عدم إحاطتك الجيدة بالنظرية رغم أنك طبيبة، إذ لم يأتِ على لسان العالِم داروين أو في أي بحث علمي جادّ أن القرد وُجِد أولاً ثم تحوَّل إلى بشر .. هذا الكلام الهزلي لا يردّده إلا الهاذِرون، الذين يهزلون حيث الجدل العلمي في أعلى درجات الجدّ !
ردَّتْ اليمنيّة بصوت ممطوط :
ــ يقول القرد الممسوخ داروين : إن أصلكِ قرد .. اِفْهَميها!
أجابتْها الفرنسية :
ــ سأُوَضِّح لكِ . كل الكائنات الحيّة تَتَشارك في جذع واحد في شجرة الأحياء، منه نَمَتْ فروع هائلة تشكِّل كلها الأجناس المتنوِّعة، أدَّى تشعُّبٌ ما إلى فرْع الشمبانزي، بينما أدَّى تشعُّب آخر إلى ظهور فرع الإنسان العاقل.
وفي زمن يُحسَب بملايين السنين طوَّر كل من خطّ البشر وخطّ الشمبانزي الصفات الخاصة بِنَسْله، وهذا يعني أن نشوء الأنواع لم يبدأ بالأحياء الدنيا وينتهي بالأحياء الراقية .. لم يتَّخِذ التطور في طريق صعوده خطاً مستقيماً يُحَوِّل أفراد نوع من الحيوان إلى نوع آخر .. كلا ! لم يمتدّ التطور بشكل رأسيّ ؛ التغيُّر في الجينات بسبب الطفرات الوراثية، هو المسؤول عن التطور الذي حصل بشكل تدريجي، فتنوَّعتْ صفات الأجيال التالية مع بقائها مرتبطة بالأصل المشترك ومتقارِبة في النسب، ولكنها لا تتماثل.
النظرية لا تقول إن أفراد الكائنات الحيّة تُغيِّر نوعها، فالشمبانزي لا يمكن أن يتحوّل إلى بشر، والكلاب لا ...
قاطعتْها السيدة الأفغانية قائلة :
ــ اُتْرُكينا من الكلاب وأجيبي : هل أصل الإنسان قرد؟
ــ جوابي الفوري : لا . من الثدييات تطوّرتْ حيوانات ولودة وبيوضة، منها جاءت القردة العليا الفصيلة التي جاء منها أشباه البشر . نحن والقردة تطورنا بشكل (منفصِل) مِن جَدٍّ مشترك ليس بإنسان ولا بقرد، وعبر ملايين السنين تطوّرت العديد من الفصائل البشرية، لم يَبْقَ منها على قيد الحياة إلا فصيلتنا المعروفة علمياً بالإنسان العاقل "هومو سابينس".
ولدينا دليل حاسم على حدوث التطور هو اكتشاف حفرية " لوسي " أولاً، ثم اكتشاف الحفرية الأقدم منها بمليون سنة " آردي " التي عاشت قبل 4.4 مليون سنة، وبدراسة الهيكل العظمي، وجد العلماء أنه يمثّل مرحلة وسيطة بين الصفات التشريحية للإنسان الحديث والشمبانزي.

قالت اليمنية للفرنسية بلهجة ساخرة :
ــ أصل الإنسان ليس قرداً، ولكن من القردة العليا جاء أشباه البشر، ومنهم جاء الإنسان الحديث ! الآن فهمتُ سرّ مهارتكِ ورشاقتك في تسلّق الجدار الصخري!!
أجابت الفرنسية بغضب :
ــ قلت لكِ إننا مُتقاربون في النسب، وهذا لا يعني أن أحدهما هو جَدّ الآخر.
ــ هاهاها، وما الذي جعل جَدَّكِ مُتقارِباً مع الشمبانزي بالذات؟

طين في طين !

تملَّتْ الفرنسية زميلتها اليمنية بنظرة طويلة ثم قالت :
ــ السؤال يستنطِق الأفكار، لكنه إذا كان في الأمور البديهية فإنه يدلّ على السذاجة في التفكير !
التفتت اليمنية إلى زميلتها المصرية المحجَّبة وقالت لها بالعربية :
ــ ما الحلّ مع مَنْ يُصِرُّ على أن أصله قرد؟
أجابت المحجّبة ضاحكة :
ــ منْ يدري ؟ لعل أصلها خنزير وجَدّها حمار وأباها دبّ وأمها حِرْباية، ألا تقول إنهم يشتركون مع كل الحيوانات بالسلف ثم نشؤوا في فروع؟
رمتْ الفرنسية زميلتها المصرية بنظرة استخفاف ثم قالت :
ــ إذا كان المتعلِّمون لا يعرفون الجواب بعد هذا الشرح، فكيف نفسِّر النظرية لِلأُمِّيّين ؟ ولِلدارِسين المُصَدِّقين إلى اليوم أن الأرض مُسطَّحة ومحور الكون ؟ وأن الشمس تغيب في الطين، والإنسان مخلوق من طين، وحياة العرب طين في طين، فغَمَرَكم الطين!!

قالت المصرية للفرنسية باستهانة :
ــ أنتِ اخترتِ المَنْشَأ الوضيع فجعلتِ الإنسان من سلالة القرود كما علّمكِ أستاذك داروين، في حين أن الله خلق الإنسان في أحْسَن تقويم وتكوين وصورة، ونفخ فيه من روحه، أيتها الجاهلة!

انتفضتْ السيدة اليابانية وقالت بعصبية واضحة :
ــ هذا كلام إنشائي صادِرٌ عن رؤية لا تَبَصُّر فيها ؛ لعلكم شاهدتم البرنامج التلفزيوني الذي حقَّقَ نسبة مشاهدة قياسيّة، عرضَ حالات غريبة ونادرة للتشوُّهات الخلقية، واستضاف شاباً أفريقياً له ذَنَب طوله 10 سم كشَفَ عنه أمام الكاميرا .. أين التكريم هنا؟
قالت المصرية :
ــ الإنسان له دور في التَسَبُّب بالتشوهات الخلقية، كزواج الأقارب وتناول الكحوليات أو التدخين أو الأدوية ... المقصود هنا من عبارة ( أحسن تقويم وصورة) هو أن الله كرَّمَ الإنسان بتعديل القامة وامتدادها، وجعلَ له سمعاً وبصراً وعقلاً.
ــ وماذا عن المُحَدَّبين ؟ والصّم والبكم والمتخلِّفين عقلياً ؟ سأدعوكِ إلى منزلي يا زميلة لِتشاهدي أختي المُعاقة والتشوُّه في جسدها.
قال الإسباني :
ــ الذين يقولون بالتقويم الحسن والخَلْق على صورة الله، هم أول من يسْخر من هؤلاء المعاقين ! يزعجهم القول إن الإنسان ليس مِن خَلْق الله الفريد وليس له روح، وأنه ارتقى من خلال سلسلة من حيوانات أخرى.
ردَّتْ الصوماليّة :
ــ أجِبْ وبلا فلسفة وتنظير : إذا كنا نحن البشر والقرود الأقْرَب لبعضنا، فلماذا لم يتطور القرد إلى إنسان وظلّ قرداً؟
أجابها الإسباني في هدوء :
ــ حسناً .. تَذَكَّري أولاً أنه من السلف المشترك ظهرت شعبتان : فرع الشمبانزي، وفرع آخر هو الإنسان العاقل، ولما كان الارتقاء مَرْهوناً بوجود عاملٍ ما يُساهِم في التطور، فإن التغيُّر الذي حصل في جينات فرع الإنسان بسبب الطفرات الوراثية، عزَّزه العمل كنشاط تتطلّبه ضرورة الحياة والحفاظ على النسل.
العمل أكْسَبَ أجدادنا مهارات جديدة وَسَّعتْ أفقهم، فتطوَّر الدماغ والنطق والحواس، وأصبحوا أكثر فضولاً للمعرفة، وفَطِنوا إلى أهمية تَدْجين الحيوان للحصول على الكساء والغذاء، واكتشفوا الزراعة والنار والصيد وابتكروا الأدوات البدائية التي أوصلتْنا إلى اختراع الآلات الحديثة.
العمل نَقَلَهم من مرحلة ما قبل البشرية إلى الإنسانية المُفكِّرة الراقية.

الإنسان عالة على الحيوان ؟!!

طلبت السيدة الإنكليزية المداخلة، فقالت للزميلة المصرية :
ــ أين التكريم والحيوان النجس القذر يُشابِه الإنسان إلى حدّ يكاد يكون متطابِقاً ؟ ألم يكن بإمكان الخالق المُبدِع أن يصنع الحيوان بشكل مُغايِر لخلْق الإنسان ؟ الحيوانات كلها تتشابَهُ مع الإنسان وخصوصاً القرد، ليس تشريحياً فقط، بل في السمات الشكلية والجسمية أيضاً، حتى العمليات الحيوية تتشابه! لاحِظي التزاوُج عند الحيوان والحَمْل والولادة والإرضاع .. بماذا يختلف عن الإنسان ؟ هل تعلمين أن النَجِسَيْن القرد والخنزير الأقرب جينياً إلى البشر!
نحن والشمبانزي نتطابق بنسبة 98 بالمئة من البصمة الوراثية ! وهناك إصابات فيروسية متطابقة تماماً في موقعها في الحمض النووي لدى النوعين ..
كذلك نتشارك في 90 بالمئة من الجينات الموجودة في فصيلة معينة من القطط، وبنسب مختلفة مع الدجاج والأبقار ... حتى الفئران ! درجة تشابُه الجينات بين الفئران والإنسان مذهلة : 85 بالمئة !

علَّقَ الطبيب الألماني على هذه النقطة فقال :
ــ هذا التشابُه الجيني، ساعد العلماء على إجراء تجارب أنظمة العلاج والعقاقير على الفئران قبل تطبيقها على الإنسان، وخرجوا بنتائج باهرة ساهمتْ في إنقاذ حياة المرضى.
ومن المعروف أن الأنسولين، علاج مرض السكّري، مُسْتخرَج من بنكرياس الخنزير، بسبب جودة نوعه والأقرب في التركيب إلى الأنسولين الذي يفرزه الإنسان ..
أما الخبر المُنفِر للمُتَدَيِّنين، فهو الاختراق الطبِّي العظيم الذي حقّقه علماء من أوروبا وأميركا ؛ فقد توصّلوا إلى إمكانيّة استخدام الخنازير في عمليات زرع الأعضاء في أجساد البشر، وبالتحديد زراعة القلب والكلى والكبد والرئة والبنكرياس من الخنازير، نظراً لتشابُه أعضائها تشريحيّاً مع أعضاء الإنسان!
لولا فرضيات داروين العبقرية هل كنا نصل إلى هذه المرحلة المتقدمة من العلم ؟ لولا داروين وكوكبة العلماء العِظام لكُنّا إلى اليوم غارِقين في نظرية الطين ونشحذ صكوك الغفران عند أبواب الكنائس.
بِفضْل الحيوان سيُعاد الأمل إلى المرضى واليائسين بعد أن ..
ثم سكت مُكتفِياً بتحريك كفّه في الهواء .. فتابعتْ التركية :
ــ لماذا سكتَّ ؟ هل أردْتَ القوْل : بعد أن وضع المُعذَّبون أقدارهم في يد المُسْتجيب، فيئسوا من استجابته لصلواتهم ودعائهم؟!

يتبع ــ الحلقة الأخيرة ــ

للمراجعة :

حقوق الإنسان لا حُلول عباد الرحمن!1
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=642117


أنُدافِع عن مُهَيِّجيْ الفِتَن باسم حقوق الإنسان؟2
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=642476

حوار في الأديان في حمّام مقطوعة مَيْتو 3
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=642776

لا مِنَّة لكم علينا، بضاعتنا رُدَّتْ إلينا! 4
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=643505

قِفْ! حجاب .. منطقة حريم عسكرية! 5
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=645213

ثمة فارِق هائل: بين عَمَل الجَرّاح وعمل الجَزّار!! 6
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=645849

هل تكتب العلمانية شهادة وفاتِها بنفسها؟ 7
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=647936



#ليندا_كبرييل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تكتب العلمانية شهادة وفاتِها بنفسها؟ 7
- ثمة فارِق هائل: بين عَمَل الجَرّاح وعمل الجَزّار!!
- قِفْ! حجاب .. منطقة حريم عسكرية! 4
- لا مِنَّة لكم علينا، بضاعتنا رُدَّتْ إلينا!
- حوار في الأديان في حمّام مقطوعة مَيْتو 3
- أنُدافِع عن مُهَيِّجيْ الفِتَن باسم حقوق الإنسان؟ 2
- حقوق الإنسان لا حُلول عباد الرحمن!
- لحظة أسطورية في حياتي: تسونامي اليابان 2011
- الأديان من برّا هلّا هلّا ومن جوّا يعلم الله !!
- لا حياة لمَنْ تنادي، وأنت تنفخ في رماد
- اتّحادٌ فوَحْدة فمُتوحِّد في واحِد وَحيد
- جاوزَ الكفّارُ الأمْرَ، فحقَّ علينا الأمَرّان الأحْمران !
- الحوثيّون يستنفرون لِسلْخ البهائيين والمسيحيين
- اعترفوا يرحمكم الله أن أخلاقنا بلا أخلاق! 3
- هل اليابان حقاً يابانُ بِفضْل أخلاقها ؟ 2
- هل اليابان حقاً يابانُ بِفضْل أخلاقها ؟
- كأني موسى الناجي من ظلم فرعون !
- ورحلتْ مينامي في التسونامي
- زوروني .. حرام تنسوني بالمرة..
- طار صواب المتديّنين، وظلّتْ ( هاراجوكو ) متألقة !


المزيد.....




- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ليندا كبرييل - والشمس المُغَيَّبة في الطين حياتنا طين في طين!