خلاصات بحثية، أولها في الجزيرة العربية، وثانيهما تعكس ذاتها على مدى المنطقة بكليتها

عيسى بن ضيف الله حداد

الحوار المتمدن-العدد: 7305 - 2022 / 7 / 10 - 18:09
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

مقتبس من الكتاب الثالث من سلسلة - الفضاء العربي في مسار التشكّل عنوانه - الجزيرة العربية، جغرافيا وديموغرافيا، في خضم البدايات
على مدى الجزيرة العربية:
تضلع فيها اليمن كمركز، حضاري بتواصل واسع ومتعدد المحاور مع المحيط بكل تنوعاته، ولا سيما مع بلاد الشام ومصر شمالاً وشمالاً غرباً، والرافدين في الشمال الشرقي، وجنوب وشرق الجزيرة العربية..
أرى: لقد قامت اليمن بدور دلمون، من حيث كون دلمون قد ربطت جنوب الجزيرة العربية ببلاد الرافدين من جهة، كما قامت مملكة كندة بهذا الدور في اختراقها لوسط الجزيرة العربية حتى جنوب شرق وادي الرافدين، ودفعت ببعض من ساكنيها إلى بلاد الشام..
في المقابل، دام لليمن علاقات وطيدة مع بلاد الشام وحوض النيل، عبر كافة أشكال التواصل الاقتصادي التجاري والبشري.
فإن كانت دلمون بامتدادها قد مثلث الذراع الشرقي للجزيرة العربية لوصلها في شمالها مع الرافدين وبلاد الشام، فإن اليمن قد مثلت بدورها وامتدادها الذراع الغربي للجزيرة العربية لوصلها بدورها في شمالها مع بلاد الشام ومصر، كما مثلث مملكة كندة في قوافها محورا مائلاً يخترق الجزيرة العربية من جنوبها الغربي إلى شمالها الشرقي ..
وهكذا تكون دلمون واليمن وكندة قد دشنوا كل بطريقته وطرقه، كافة أشكال العلاقات القائمة بأشكال التواصل المتعددة، ما بين الجزيرة العربية وبالأحرى جنوبها مع شمالها الشامي، بل وتجازوا في فعاليتهم ليصلوا إلى بلاد الحوضين النيل والرافدين..
الخلاصة الثانية ببعدها الكلي
في البداية، فلنعلم أن التاريخ القديم يحمل في ذاته إشكاليات، لكون التوثيق لم يكن حاضراً، حتى لو حضر فهو صدفةً، وهي بدورها لا تشكل الحقيقة المطلقة، إنما هي أضاءه لجزئية صغيرة.
والمسألة برمتها ليست أكثر من مؤشرات، ومن بين هذه المؤشرات وما اتى من بعدها، تنبلج حقيقة ما، لكونها لم تنبثق من عدم... ولعل قولي، الذي قد أشرت إليه مراراً: فإن كان الحاضر يدل على الماضي، يكون البحث في الماضي يحمل بقدرّ ما دلالات على تشكل الحاضر – وتلكم هي جدليتي في منهجي، وهي في سعيها الهدف في بحثي..
على وقع مما تقدم، تظهر لنا مقولات تؤكدها أو قل ناجمة عنها،
من بينها: مقولة يعتمدها الأستاذ ياغي، يذكر فيها: " ليس من بد من أن نتمثل ما يذكره العلماء من أن الجزيرة العربية كانت في حقبة من الحقب مصدراً يوزع على العالم ثروة بشرية (حياة القيروان
للأستاذ عبد الرحمن ياغي ص 13)..
في يقين مني تقف تلك الحقيقة لتعلن بدورها ما يعكس بعداً لها، فلنتوقف عندها وهو ما تعلنه قصة الحضارة المتمثل في الآتي: حالما أرادوا التحري عن نقطة البداية، فوجدوها في بابل ومصر، بالاعتماد على كون زراعة الشعير والذرة والقمح وتربية الماشية ظهرت لأول مرة في مصر وبلاد الرافدين، وحين عنّ لهم الغوص أكثر، لاحت تلك الحقيقة العظيمة الخطر التي عبّر عنها شوينفرت حينما لفت النظر، إلى أصل الأكثر قدماً، مشيراً إلى وجودها في بلاد اليمن وبلاد العرب القديمة ( قصة الحضارة، المجلد الأول، الفصل الثالث ص 43)
يعكس جملة هذا القول حقيقية واقعية تتجلّى، في كون المرئي ناجما دوماً عن اللامرئي، وتلكم هي أم الحقائق على المستوى الكوني..
وهي هنا تعكس تداخل واقعتين: تعلن الأولى عن ذاتها، على المدى الجغرافي، في مداه الواسع ليشمل الجزيرة العربية في علاقتها مع محيطها.
وأما الواقعة الثانية، فقد رست معالمها على الأولى، عبر التبدلات
المناخية مما أدى إلى التصحر التدريجي، وهو ما دفع السكان نحو الأطراف البحرية حينا،ً وحيناً آخر نحو الأنهار الكبرى والبقاع المطيرة..
يوحي لنا جملة ما تقدم بالدور التأسيسي للفعل الحضاري، الذي حملته معها تلك الموجات البشرية المتحركة، تحت ضغط عوامل التصحر فحملت معها معارفها " فعلى ضفاف الأنهار مصر وبابل وما بينهما، ترعرعت الزراعة وسار في ظلها قطعان الماشية.. "وخلقنا من الماء كل شيء حي ". (الحضارات الأولى)
ومع تقدم ونمو الفعل الحضاري، وتصاعد الإنتاج وتطوره، هو ما دفع لقيام علاقات تبادل بين الطرفين. بلاد المنبع الجزيرة/ وبلدان التلقي، وادي النيل والرافدين وبلاد الشام.
في ظل من ذلك عادت العلاقات من جديد، بين الأطراف الجنوبية للجزيرة العربية، وبين البقاع الشمالية الممتدة من حوض الرافدين ونهر النيل..
وعلى وقعها ترسخت أسس التبادل التجاري بين الطرفين وتعددت سبله، وسارت بعيدا في رسم العلاقة بين الطرفين، وغدت بمثابة البنية التحتية المؤسسة لتلك العلاقة.
وقفة مع التواصل التجاري المنظم في الزمن القديم: في تلك الأزمنة،
شكل التبادل التجاري أداة تتجاوز بتأثيره كل أشكال التواصل الأخرى، بل وتحتويها، بما يحمله من تبادل في المنتجات، والمعارف، والتفاعل الثقافي، وحتى العديد من أنواع التمازج البشري..
مما يؤهله ليكوَن رافداً مهماً يصب في بحيرة البوتقة الحضارية للمنطقة عبر مسارها الدائب للتشكل على مدى توالي الأزمنة.


#عيسى_بن_ضيف_الله_حداد (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل