أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عيسى بن ضيف الله حداد - غزوات شعوب البحر في قراءة مغايرة تصدع في تاريخيات غزوات شعوب البحر















المزيد.....



غزوات شعوب البحر في قراءة مغايرة تصدع في تاريخيات غزوات شعوب البحر


عيسى بن ضيف الله حداد

الحوار المتمدن-العدد: 7165 - 2022 / 2 / 17 - 00:26
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


غزوات شعوب البحر في قراءة مغايرة
تصدع في تاريخيات غزوات شعوب البحر
Ö
إن المرئي يحمل في ظله اللا مرئي، لا تدل السماء عما لا يراها / والقول لي..
لست مولعاً بالتفرد واستنباط عناوين لأطوار مفتعلة، بيد أنني وفي رحلتي في أعماق التاريخ، وجدت أن غزوات شعوب البحر لمنطقتنا أدت فيما قد أدت إليه، إلى حدوث تغيرات واسعة في السلوك السياسي، كان من شأنها فرض ذاتها على الواقع المجتمعي..
ولنعلم، ودوما علينا أن نعلم، ان ما يميز العلوم الإنسانية عن غيرها، بكون التفسير والتحليل فيها لا ينتهي.. وسنترك إيقاع هذه التطورات لحينها، ففي سردنا لمسارها سنجدها ماثلة امامنا..
ومقاربتنا تلك سوف نتناولها من مصادر عدة، ونعمل على التقاطع فيما بينها من قراءات، وهي ما يجوده لنا الإنترنيت من مداخلات..
مختارات للتعريف - من دورية جيل العلوم الإنسانية والاجتماعية، الصادرة عن مركز جيل بحث العلمي، أستمد من العدد67 أيلول 2020، ص 79ملخص مكتمل عن المنبع والأصل: من تلك الشعوب الهندو- أوربية القادمة من الشمال، التي يبدو أنها وصلت إلى مناطق شرق أوربا من شمال البحر الأسود لكي تستقر في
البلقان، ثم انتشرت جنوباً متنقلة على عربات ثقيلة تجرها الخيول.
ديدن تلك الشعوب التنقل والتحرك، وأشهرهم، هم " الدوريون “الذين توغلوا في كامل بلاد اليونان مخلفين الكثير من الدمار والخراب في المدن المسينية الكبرى، ولم تنجُ من هذا الغزو سوى “أتيكا”[1].
ومن شبه جزيرة البلوبونيز اتجه الدوريون نحو كريت، حيث حطموا ما تبقى من الحضارة الإيجية، ثم استولوا على جزيرة رودوس، وكانوا قبل ذلك قد وصلوا إلى السواحل الجنوبية الغربية لآسيا الصغرى حيث المستعمرات المسينية، ولكنّ الحثيين استطاعوا آن ذاك وقف تقدمهم، ومنعوهم من الوصول إلى جزيرة قبرص.
وعلى أيِّة حال، فقد أدى قدوم هذه الشعوب المهاجرة إلى صراع مرير بينها وبين السكان المحليين القاطنين بهذه المناطق، وكان من نتائجه أن قبائل عديدة هجرت أوطانها الأصلية وعبرت البحر باحثة عن موطن جديد يكون أكثر أمناً واستقراراً. (شعوب طردت شعوب وحلت مكانها، وفي الأرض متسع، والقول لي).
لقد أصبحت منطقة اليونان الداخلية وبحر إيجه، وآسيا الصغرى مليئة بأفواج بشرية متحركة، ومما زاد الأمر تعقيداً تلك الصراعات والمجاعات التي حلت بالمناطق الساحلية الجنوبية الغربية لآسيا الصغرى، حمل هذا العديد من الشعوب على الترحال، فاضطر الآخيون إلى الرحيل مع نسائهم وأطفالهم على السفن، فلجأ بعضهم إلى شبه جزيرة أتيكا وإلى جزيرة ” أوبي “[2]، ولكن القسم الأكبر منهم أبحر باتجاه ليبيا، وإلى فينيقيا وبلاد كنعان، ومن جهة أخرى اضطرت الشعوب التي طردت من ليديا ومسيا وكاريا وليسيا إلى التوجه نحو ليبيا عن طريق البحر، كما نزل فريق آخر منهم عن طريق اليابسة على طول الساحل الشرقي للبحر المتوسط في عربات ثقيلة ذات عجلات تجرها ثيران ذات سنام، وهي تحمل النساء والأطفال.
اجتاحت هذه الشعوب المهاجرة منطقة تلو الأخرى، كما تخبرنا النصوص المصرية على طول الساحل السوري- الفينيقي- فحطمت العديد من المدن والموانئ، ومنها مدينة أوغاريت.. استمرت هذه الشعوب في السير براً وبحراً حتى بلغت حدود مصر، حيث استطاع رعمسيس الثالث وقف تقدمهم وهزمهم في معركتين برية وبحرية.
هكذا يبدو لي، أن شعوبا تقوم بترحيل شعوبا أخرى لتحتل مكانها، وهذه بدورها تطرد شعوباً أخرى وهكذا.. وفيما بين هذا وذاك يكون الهدف الأسمى تلك البلاد التي تتمتع بالرخاء، القائمة في شرقنا ومصر التي تحظى بالنعيم..
Ö
السير للأمام
أول الغيث شاء لي أن يكون من: التوراة اليهودية مكشوفة على حقيقتها وهي من تأليف باحثان إسرائيليان وهما: إسرائيل فنكلشتاين، وآشير سييلبر (ص123 - 132)
الجدير بالإيضاح: تجلَى الموضوع لهما، من خلال إلقاء الأضواء على سرديات النص التوراتي، والتي هي بحد ذاتها أرادت استقدام مرويات غزوات شعوب البحر لتصبح بمثابة لها كغزوات لشعبها في احتلال ارض كنعان.. وهو ما يهب النص المستمد من هذا الكتاب درجة كبيرة من المصداقية.. وسنتكمل ما هو ممكن من المراجع الأخرى، لإعطاء موضوعنا ما يستحق من اضاءات.. ثم نعمل على ادراج ما هو ضروري فيما لاح لنا، في ذات علاقة وثيقة بمجرى ما جرى كتطورات لاحقة في منطقتنا..
في واقع الامر، ثمة مداخلات كثيرة تتفق بجانب وتختلف في جوانب أخرى، تتعلق الجوانب الأخرى في: من أين جاء هؤلاء أي مصدر اصولهم، ولا أستبعد هناك من تعمد ليجعل من أصولهم لغز ومعضلة.. بيد أن النص كما أرى، يمكن أن يلوًح بالحقيقة أو يتقارب معها.. من جانبي سأركز على المهم، وعلى النتائج المنبثقة من غزواتهم..
في البداية: تنطوي بعض المشاهد على درجة من الحدة، مما أدي لحرف التاريخ عن مساره ولو إلى حين، هو ما راح يلوح لي وأنا أنظر في هذا النص المطوّل المنشور في طيات كتاب التوراة مكشوفة على حقيقتها (ص 125- 129).. يحمل النص سمة الفوضى العارمة، المتسببة عن غزوات شعوب البحر القادمين من شتى البقاع، فلنستدرج ما جاء به النص:
ظهر في الواقع مشكلات مرعبة، كان من شأنها أن تسبب انهياراً كاملاً لكل الاقتصاد والبنية الاجتماعية للعصر البرونزي المتأخر. سأعرض النص كما هو لأهميته..
لوحة عامة، المشهد: مع حلول عام 1130 ق م، لاح في الأفق عالما مختلفاً تماماً إلى درجة أياً من سكان مسينه Mycenae ، أو نو آمون No Amon عاصمة مصر آنذاك وهي الأقصر اليوم، أو حتوشا Hattusha عاصمة الحثيين قبل مئة سنة، أي في العام ق م1230 ، لن يستطيعوا التعرف عليه.
لم تكن مصر – حين ذاك – سوى ظل باهت لماضيها الجديد، كانت فقدت أغلب أراضيها الأجنبية (التي كانت بدورها تمد مصر بقوتها، وهي تلك بحد ذاتها تمتد من مصر نهوضها/ والقول لي)..
ومملكة الحثيين انقرضت من الوجود، وكانت عاصمتها حتوشا أنقاضاً خاوية على عروشها. ولم يكن العالم المسيني سوى ذكرى خابية، مراكزه الواسعة مدمرة، كانت قبرص قد تحولت وتوقفت فيها تجارة النحاس والسلع الأخرى.
كان العديد من الموانئ الكنعانية الكبيرة على طول الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، بما فيها ذلك الميناء التجاري البحري العظيم أوغاريت في الشمال، محترقة كلياً، كما كانت عديد من المدن الداخلية الرائعة، مثل مجدو وحاصور أكواما من الخرابات المهجورة.
لماذا اختفى العالم القديم؟ - اقتنع العلماء الذين عملوا على معرفة بما حدث؟ بكون السبب الرئيسي لها، كان الغزوات التي شنتها مجموعات غامضة وعنيفة سميت شعوب البحر، كانوا مهاجرين من الغرب، من البر والبحر، وقاموا بتدمير كل شيء وقف في طريقهم.
السجلات - جاء ذكر أولئك اللصوص في سجلات أوغارتية ومصرية تعود لأوائل القرن الثاني عشر ق م. يزودنا نص وجد في خرابات ميناء أوغاريت بشهادة مثيرة عن الوضع حوالي 1185 ق م، كان ذلك النص رسالة أرسلها: أمورابي آخر ملوك أوغاريت Ammrapi إلى ملك آلاشيا قبرص، يصف بشكل مسعور، كيف وصلت مراكب العدو، وأشعل النار في المدن ودمر وعاث فسادا. كانت قواتي في بلاد الحثيين ومراكبي في ليسيا، Lycia والبلاد لأدواتها الخاصة.
على المنوال نفسه، أعرب الملك العظيم الحثي- في رسالة أرسلها في تلك الفترة نفسها – إلى حاكم أوغاريت عن قلقه بشأن حضور مجموعة من شعب البحر" تدعى شيغاليا " أي الذين يعيشون على المراكب..
بعد عشر سنوات في سنة 1175 ق م، عم هذا الوضع في جميع أنحاء الشمال، كانت حثي وآلاشيا وأغاريت مدمرة..
وحدها مصر في صمود - بيد أن مصر ذاتها مازالت قوة هائلة، مصممة على القيام بدفاع مستميت. تحكي النقوش التذكارية لرمسيس الثالث في معبد هابو: أن شعوب البحر دبروا مؤامرة لتدمير الأراضي المستقرة الواقعة شرقي البحر الأبيض المتوسط: حاكت البلدان الأجنبية مؤامرة في جزرها، أنه لا يمكن لأي أرض أن تقف أمام أسلحتهم.. كانوا يتقدمون باتجاه مصر، بينما كان اللهب قد تم اعداده أمامهم، ضم اتحادهم الفلسطينيين، التجيكريين/ /الشيكليشيين / الدننيين / الوششيين – Tjekerا/Shekelelesh / Denyen / Weshesh- الذين اتحدت أراضيهم. لقد وضعوا اياديهم على الأراضي بقدر ما تتسع له دائرة الأرض، وقالوا بقلوب واثقة مطمئنة: خطننا ستنجح..
على جدار خارجي للمعبد رسمت رسومات واضحة وحيوية، تصف المعارك
المتتالية، في أحدها: يظهر تشابك للسفن المصرية مع الأجنبية في وسط اشتباك فوضوي، مع صورة لرماة يستعدون لضرب سفن أعدائهم بالنبال. ومحاربون ميتون يسقطون في البحر. يظهر الغزاة البحريون بأشكال مختلفة عن أشكال المصريين، أو عن أشكال الشعوب الآسيوية في الفن المصري. أكثر ما يميز مظهرهم هو غطاء رأسهم المميز، بعضهم كان يلبس الخوذ، في حين كان آخرون يضعون على رؤوسهم غطاء رأس غريبا مريشا.
على مقربة من ذلك الرسم يوجد رسم آخر يصور معركة برية عنيفة، يشتبك فيها المصريون مع محاربي شعوب البحر، بينما عائلات الرجال، من النساء والأطفال، يركبون عربات الثيران الخشبية للهجرة عبر الأرض، وينظرون للمعركة بلا حيلة..
بحسب الفرعون رمسيس الثالث، كانت المعركة البرية والبحرية حاسمة "أولئك الذين وصلوا لحدودي، لم تنته بذرتهم فحسب، بل انتهت قلوبهم وارواحهم إلى أبد الآبدين، أولئك الذين تقدموا مع بعضهم عبر الحرب، كان اللهب أمامهم.. سحبوا وأحيط بهم، وطرحوا على الشاطئ، ثم قتلوا، وجعلوا أكواما من ذيلهم لرؤوسهم."
كتعليق: مهما قيل بشأن مقولة رمسيس الثالث، فهي كما أرى صحيحة، لسبب بسيط، فلو كان الأمر مغايراً، لاحترقت مصر كغيرها، ولما رأينا نقوش وكتابات المعبد هذه..
في موقف مماثل في الزمن الآتي: ليست المرة الوحيدة التي تصمد فيها
مصر، وتنقذ المنطقة كتاريخ ومستقبل، حدث هذا غداة الحروب الصليبية، وهجمات المغول المدمرة.. (عين جالوت أمامكم)..
من هم شعوب البحر في ص 127؟
يرى الكاتب: كأصل، البعض يعيدهم لإيجة، وآخرون لجنوب الأناضول؟ ما الدوافع: هناك احتمال في كونهم كاتحاد قراصنة، وبحارة بدون جذور وفلاحين معدمين شردوا من أوطانهم بسبب المجاعة أو الضغط السكاني أو ندرة الأراضي الزراعية. بتحولهم نحو الشرق وتحطميهم للشبكة الهشة للتجارة الدولية في شرق المتوسط، أوقعوا الفوضى في اقتصاديات العصر البرونزي، وأرسلوا لإمبراطوريات العظيمة في ذلك العصر إلى عالم النسيان..
في رؤيتي: أستبعد عن كونهم فلاحين من أرض المكان، لسبب بسيط الأرض واسعة، والكثافة السكانية من دون الاستيعاب..
ونظريات أخرى أكثر حداثة: يشير البعض إلى تغيير مناخي مفاجئ دمر الزراعة، وسبب مجاعة واسعة الانتشار..
ورؤى أخرى، يفترض فيها آخرون انحلالا ًوتعطلاً كاملاً للمجتمعات في
كافة أنحاء شرقي البحر المتوسط، بنحو أصبح معه من العسير تحمل أي تغير اقتصادي، أو ضغط اجتماعي..
رؤى الكاتب في ص 128 إلى 130- يعترف الكاتب وقد ظهر مرتبكا هو وغيره، وراح يقول: الحقيقة هي أننا لا نعرف على وجه الدقة، سبب انهيار العصر البرونزي المتأخر في كافة أنحاء المنطقة..
ويقول: وفي أجزاء أخرى من البلاد، أنحل وتعطل النظام في العصر البرونزي المتأخر، بسبب انتشار عنف لم يتضح مصدره، بشكل كامل – حتى الآن- بسبب الفترة الزمنية الطويلة، حوالي قرن لانهيار نظام المدن الكنعانية، من المحتمل أن تكون الأزمة الشديدة قد أدت إلى حصول نزاعات بين المدن الكنعانية المتجاورة من أجل السيطرة على الأراضي الزراعية الحيوية وعلى قرى الفلاحين.
في بعض الحالات، لربما قام الفلاحون الذين يمرون بصعوبات بالغة والسكان الرعاة، بمهاجمة المدن الغنية في وسطهم. سقطت المدن الكنعانية القديمة، واحداً بعد الآخر، في حرائق مثيرة ومفجعة، أو دخلت في مرحلة انحدار وانحطاط تدريجي..
يواصل الكاتب في منحاه الوصفي ص 129: في الشمال، أحرقت حاصور، وقطعت رؤوس تماثيل الآلهة في قصرها الملكي..
وعلى السهل الساحلي، دُمرت مدينة أفيق بنار رهيبة، تم العثور على لوح مسماري، يتعلق بصفقة حنطة حيوية بين أوغاريت ومصر في حطام الدمار السميك، وإلى الجنوب أكثر أحرقت المدينة الكنعانية البارزة لخيش،
وهُجرت..
وفي وادي يزعبل الغني: تُركت مجدو لقمة سائغة لألسنة اللهب، ودفن قصرها تحت ستة أقدام من حطام الطابوق المحترق.
ويقول: يجب التأكيد على أن هذا التحول العظيم لم يكن فجائيا في كل مكان. تشير الأدلة الآثارية إلى دمار المجتمع الكنعاني، كان عملية طويلة وتدريجية نسبياً. الأنواع الفخارية التي وجدت في أنقاض حاصور العصر البرونزي المتأخر، فاقدة للأشكال المميزة لأواخر القرن الثالث عشر ق م، لذا لا بد أن تكون دمرت في زمن أسبق بعض الشيء.
في مدينة أفيق يحمل اللوح المسماري- في احدى طبقات الدمار أسماء مسؤولين من اوغاريت ومصر معروفة من مصادر أخرى، وبالتالي يمكن تأريخها إلى حوالي 1230 ق م. يمكن أن يكون المعقل المصري هناك قد دمر في أي وقت، في العقدين او الثلاثة التي تلت، وجد المنقبون في لخيش في طبقة الدمار جزءاً معدنياً، من المحتمل أن يكون ملائما للباب الرئيسي للمدينة، يحمل اسم الفرعون رمسيس الثالث. هذا الاكتشاف يخبرنا بأن لخيش يجب ان تكون قد دمرت في وقت ليس أبكر من عهد هذا الملك، الذي حكم بين 1184 و1153 ق م.
أخيراً، في خرابات مجدو تم اكتشاف قاعدة معدنية لتمثال يحمل اسم رمسيس الرابع (1143-1136)، مما يشير إلى ذلك المركز الكنعاني العظيم لوادي يزرعيل قد تدمر- احتمالاً- في النصف الثاني من القرن الثاني عشر..
لم يكن ما تقدم سوى نماذج لما أصاب المنطقة، وهي تلك المدن الأربعة من حرق وتدمير وهي: حاصور، أفيق، لخيش، مجدو، ولعل موقعها كحبكة طرق تجارية، وكخط دفاعي عن مصر هو ما جعلها لتكون كبش الفداء.. مناظرة: أن كنت قد لجأت لريادة كل التفاصيل ذلك لأسباب عدة، لكون المؤلف قد اهتم بالموضوع من كل جنباته، ونظرا لدوره كعالم آثار، هو ما جعل لمقاربته تنطلق من معطيات الواقع، وكانت رؤيته تتسم بالحذر، والبعد عن الشطط في التداول مع الأحكام.. ولهذا السبب عرضتُ كل ما جاء لدى الكاتب بالتفصيل وفي لغته، بغية التحامي عن الاتهام بالتلاعب عما أراده الكاتب.. ولا سيما ظهرت مقاربات أخرى..
من المؤكد، أنني لا أتبنى كل ما يعلنه الكاتب دونما تمحيص ومقاربة عقلية..
رؤية: من الممكنات التي توحي بدوافع الهجوم الشامل على المنطقة المتحضرة المتمثلة بمنطقة كنعان، ومنطقة الحثيين في آسيا الصغرى (تركيا اليوم)، ومصر- تعود أسبابه لكون شرق وجنوب المتوسط تميز بتطور حضاري فائق، فغدا مثار تطلع من قبل المناطق المتخلفة حضارياً، مما دفعها لهذا الهجوم الكاسح للنهب والسلب.. وليس من المستبعد أن عناصر محلية قد استغلت الفوضى الضاربة للحصول على المغانم، وهذا ما يحدث في كل الحروب.. وليست هي المرة الأولى الذي يتحمل فيه مشرقنا بغزوات من هذا القبيل، فالحروب الصليبية وغزوات المغول هي من ذات الدرجة والدوافع ذاتها، فضلاً عن فصول الاحتلال الأجنبي الذي نعاني منه حتى
الآن، وسورية وغيرها في ذات الأوان..
للمزيد على سبيل التأكيد -(من موسوعة المعرفة)
السياق التاريخي: تعرضت مناطق شرقي البحر المتوسط، ولا سيما سورية والساحل الفينيقي ووادي النيل، في نهاية القرن الثالث عشر وبداية القرن الثاني عشر قبل الميلاد، لهجمات من قبائل مختلفة يعتقد أن غالبيتها كانت هندو- أوربية Indo-Europea، لم تَفِدْ شعوب البحر إلى المنطقة دفعة واحدة، إنما كانت هجماتهم على مراحل، وعلى امتداد ثلاثة قرون من الزمن، ومن تلك الشعوب: الفريجيون Phrygians والليسيون المعروفون باسم Ekwes، والفلستيون البلست Peleset و Tjekkerوالتجكروالشاكلاش Shekeleshوالشردانيون
Sherden واللوكيون Lukka وغيرهم..
وردت بعض أسماء قبائل شعوب البحر في وثائق فراعنة مصر، وملوك وملوك الدولة الحثية منذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد، حيث كانت تصل أفواج منهم إلى مصر للعمل كمرتزقة في الجيش المصري كالشردانيين، أو في صفوف الدويلات السورية الموالية لمصر ضد الدولة الحثية مثل قبائل الدانونة Denyen والشاكلاش واللوكيين، وكانت قبائل منهم تنزل في منطقة الأناضول وتؤازر الدولة الحثية في حروبها ضد الامبراطورية المصرية: مثل البداسا Baddassa والدرداني Dardani والماسا Massa والكرانيشا البداسا Baddassa والدرداني Dardani والماسا Massa والكرانيشاKranisha والإرونيتا وغيرها من القبائل.
وصل القسم الأول من هذه القبائل من البلقان، وهو من الفريجيين والماسا، إلى سواحل آسيا الصغرى، واتحدوا مع قبائل الكازكاز Kazkaz، أعداء الحثيين القاطنين في المناطق الشمالية من آسيا الصغرى، ولاسيما السواحل الجنوبية من البحر الأسود وبحر مرمرة، وتحركوا نحو العاصمة الحثية حاتوشا، وعملوا على إحراقها وتدميرها، عام 1200ق.م تقريباً، رغم تحرك فرعون مصر «مرنبتاح" لمساعدتها، ورغم مؤازرة المدن الموالية لها كاوغاريت وبعد تدميرهم للدولة الحثية تابع الغزاة سيرهم فدمروا كركميش، جرابلس، وجعلوا قاعدتهم في أمورو (منطقة بشري)
أما القسم الثاني من القبائل المغيرة، فقد اتجه بسفنه من كريت إلى قبرص فدمروها وأجبر حكامها على الانضمام إليهم، ثم تابعوا المسيره إلى اوغاريت حيث دمروها، واتجه إلى أرواد فجعلها قاعدة له للهجوم على الساحل السوري كله..
إلى مصر:
بدأت هجمات شعوب البحر على مصر منذ عهد الفرعون « مرنيتاح "1236) (1223- ق م، بيد أن مرنيتاح استطاع صدهم وهزمهم وقتل وأسر الكثير منهم – تم تسجيل الحدث في الكرنك بنقش هيروغليفي..
في عهد رعمسيس الثالث (1166 -1198) ق م: تجددت هجمات شعوب البحر، في السنة الخامسة من حكمه على حدود الدلتا الغربية، استطاع رعمسيس صدهم وهزمهم هزيمة منكرة. في السنة الثامنة من حكمه تجددت هجمات شعوب البحر مع متعاونين ليبيين، مرة أخرى هزمهم وأبعد خطرهم عن مصر غربي آسيا. سجل تفصيلات انتصاراته على جدران معبده في مدينة هابو الواقعة على البر الغربي من للعاصم طيبة.
كانت آخر حملاتهم على مصر في السنة الحادية عشرة من حكم رعمسيس الثالث، حيث قامت قبائل المشواش القاطنة في الصحراء إلى الغرب من ليبيا، بهجوم من جهة الدلتا مع حلفائهم من الليبيين، وأستطاع الحلفاء الاستيلاء على المنطقة الواقعة إلى الغرب من الدلتا ووصلوا إلى فرع النيل
الغربي، إلا أن رعمسيس صدهم وأنتصر عليهم مرة أخرى..
o وقفة مع فرضيات الأصول الغازية
o الفرضية الفلستينية
o الفرضية المنيوية
o فرضية الهجرة اليونانية
o فرضية طروادة
o فرضية الحرب المسينية
o فرضيات الشعوب الإيطالية
o فرضية مجاعة الأناضول
ولا يستبعد من وجود أكثر من طرف، من حيث يكون فاعل أساسي، انضم إليه أطراف تهفوا للاشتراك في الحصول على الغنيمة..
النتائج
كان لغزوات شعوب البحر نتائج مهمة ومؤثرة على مناطق المشرق العربي
القديم، ومن أهمها القضاء على إحدى أعظم امبراطوريات ذلك العصر، وهي الدولة الحثية، ودمار بعض المدن الفينيقية التي كان لها دور مؤثر في المنطقة، مثل كركميش وصيدا وصور، واوغاريت التي اختفت من خارطة التاريخ، بينما نهضت مدينتا صيدا وصور من جديد. ويظهر من البقايا الأثرية أن بعض قبائل شعوب البحر قد استقر في موقع ابن هانئ التابعة لاوغاريت على الساحل السوري.
من جانب آخر، استطاعت مصر صد الهجمات التي توجهت إلى أراضيها،
وصمدت، حتى لو خسرت أراضيها في سورية والساحل الفينيقي، واضطرت إلى زمن، كي تتراجع وتنكمش في وادي النيل.
كان صمود مصر إيجابياً على المنطقة وحضاراتها بكليتها، وعلى مسار التاريخ.. (والقول لي)
وقفة مع أضافات كبرى فلنسر اليها بتدرج..
Ö
مقتطفات
رؤية في مقتطف من باحثين سوريين؟
يوجد العديد من النظريات حول هوية شعوب البحر، كما ينفي بعض العلماء وجودهم...؟ [هكذا وبكل بساطة...!]
وقفة مع نقوش مرنبتاح – كتب مرنبتاح في السنة الخامسة من عهده (1209 ق م)، كيف أن قائد الليبيين مري تحالف مع شعوب البحر لغزو مصر. يشير مرنبتاح إلى أن التحالف الليبي قادم من البحار الشمالية ويسمي المناطق وهي أقاوشيا، تورشا، لوكا، شردان وشييكليش.. حاول العلماء تحديد هذه الأماكن ومعرفة أصول الأسماء دون التوصل إلى أي نتيجة...؟ (عدم التوصل لا ينفي حقيقته وجودها..)
رمسيس الثالث ومعركة سخا(معركة الدلتا): خلال عهد الفرعون رمسيس الثالث هاجمت شعوب البحر قادش – المركز التجاري للمصريين – وحاولوا مجددا غزو مصر، وقد بدأوا بغارات سريعة على طول الساحل (مثلما فعلوا
في عهد رمسيس الثاني). وقبل أن يتوجهوا باتجاه الدلتا، صدهم رمسيس الثالث عام 1180 ق.م.
بيد أنهم عادوا بقوة. وصف رمسيس الثالث غزوهم في نقشه بالتالي: " تآمرت البلاد الأجنبية في جزرها. كل الأراضي سقطت وتبعثرت في النزاع. لم تستطع أي منطقة مقاومة أسلحتهم، ابتداءً من خاني، كودي، كركميش، أرزاروا والاشيا كلها أزيلت مرة واحدة.. أقيم مخيم في أمورو، أبادوا سكانها وبدت أراضيها وكأنها لم تكن موجودة أبداً. كانوا يتقدمون إلى الأمام باتجاه مصر، بينما كان يحضر اللهب لهم. تآلف تحالفهم من البلست، التكجر، الشكلش، الدنن، والوشوش. وضعوا أيديهم على البلدان على امتداد الأرض، قلوبهم واثقة حتى قالوا " ستنجح خطانا ".
عندما يكتب رمسيس الثالث" كانوا يتقدمون إلى الأمام باتجاه مصر " فإنه غالبا يشير أنهم كانوا يتقدون بتسارع وبدون مقاومة " – هذا يدل بكونه دقيق العبارة.. والقول لي
وقفة مع استراتيجية رمسيس الثالث- عرف رمسيس الثالث من مواجهة
أسلافه لهذه القبائل، انها يجب أن يأخذهم بجدية كبيرة، فقرر الابتعاد عن الاشتباك معهم في منطقة مفتوحة، واعتمد على استراتيجية بديلة تقوم على تكتيك حرب العصابات، فجهز هجوماً مفاجئاً على امتداد الساحل نزولا ً باتجاه دلتا النيل، واستخدم بشكل خاص ومؤثر رماة الأسهم حيث خبأهم على طول الشاطئ ليمطروا السفن بسهامهم عند اشارته. وبمجرد موت أطقم السفن أشعلت المراكب بالسهام النارية. تم صد الهجوم البحري، ليلتفت رمسيس الثالث بعد ذلك إلى ما تبقى من القوة المهاجمة على الأرض، فوظف نفس التكتيك السابق ليتم في النهاية صد هجوم البحر على مدينة سخا عام 1178 ق م، وسجل المصريون مرة أخرى تفاصيل النصر العظيم الذي أدى إلى قتل قسم كبر من شعوب البحر وأسر آخرين وتجنيدهم في الجيش المصري والقوات البحرية وبيعهم عبيداً..
على الرغم من أن رمسيس الثالث أنقذ مصر من الهجوم، فإن هذه الحرب كانت مكلفة جداً حيث استنزفت الخزينة الملكية، حتى أن أجور بنائي القبور في دير المدينة التي تقع شمالي وادي الملوك لم يكن دفعها ممكناً، وهو ما أدى إلى أول إضراب معروف في التاريخ حيت ترك العمال أعمالهم ورفضوا العودة حتى استلام اجورهم في المقابل.
اختفى ذكر شعوب البحر من المصادر التاريخية، بعد هزيمتهم من قبل رمسيس الثالث، وربما تم استيعاب من نجى منهم من المعركة في الثقافة المصرية.
لم تشر المصادر إلى المكان الذي قدموا منه، ولا توجد معلومات عنهم بعد عام 1178 ق م، لكنهم كانوا لقرابة مئة عام أكثر الغزاة رعبا في منطقة البحر الأبيض المتوسط، كما شكلوا تحدياً دائما لقوة وازدهار مصر.
أمام مقولة: لم تشر المصادر إلى المكان الذي قدموا منه؟ - و ماذا يعني ؟: تآمرت البلاد الأجنبية في جزرها...! والنقش حدد أسماء القبائل أكثر من مرة...؟]
مرة أخرى: يذكرنا هذا السيناريو بالحروب الصليبية وغزو المغول للمنطقة ودور مصر في احباطها (عين جالوت)..
Ö
رؤية في مقتطف
من مجتمع الأكاديمية بوست، وتحت عنوان الانهيار الحضاري الكبير.. هل احتلت
شعوب البحر العالم القديم/ 18/01/2021:
يعتقد الباحثون اليوم أن شعوب البحر كانوا ينتقلون باستمرار من موقع إلى آخر، آخذين في اجتياح البلاد والممالك أثناء مرورهم بها. وحسب النصوص المصرية، فأنهم أقاموا معسكراً في سورية قبل الاستمرار بحذاء ساحل منطقة كنعان (التي تتضمن أجزاء من سورية الحالية، ولبنان، وفلسطين) وإلى دلتا نيل مصر..
هاجمت هذه الشعوب دول العالم القديم في فترات زمنية مختلفة، انتقلوا براً من اليونان إلى تركيا اما بحراً فقد هاجموا الحضارة المسينية حوالي سنة 1210-1200 ق م. ثم انتقلوا إلى جزيرة كريت ومنها هاجموا قبرص ثم السواحل المشرقية سنة 1192- 1190 ق م. ثم انتقلوا إلى دلتا مصر
سنة 1177 ق م.
قول لهم عن فلسطين
حسب الدلائل الأثرية الحديثة، من بين قبائل شعوب البحر المتوسط، وهم البلست، جاءوا من كريت أو قبرص و استقروا على ساحل فلسطين الجنوبي الممتد من دور إلى غزة، ثم انضم البلست إلى الكنعانيين والعموريين سكان المنطقة الأصليين وانصهروا فيهم وعبدوا إلههم (دجن)، ومع مرور الوقت أخذت المنطقة اسمهم وأصبحت تدعى فلسطين. نشر فريق من العلماء سنة 219 ورقة بحثية في مجلة ساينس ادفانس اعتمدوا فيها على تحليلات الحمض النووي لتحديد أصول الفلستيين. اختاروا للبحث أكثر من مئة رفات من مدينة عسقلان تعود للفترة الانتقالية بين عصر البرونز والحديد 10 عينات فقط أعطت كميات كافية للتحليل. بينت النتائج أنه في أوائل العصر الحديدي أو نهاية العصر البرونزي حصل تغيير في التركيب الجيني لسكان المنطقة مع جينات من أصل أوربي في رفات بعض العينات. وهذا ما يتناسب مع الوقت الذي كان مقترحاً لوصول الفلستينين إلى الساحل المشرقي.
فيما أرى، ثمة ما يخفيه النص بكونه انطلق من عينات محدودة – 10 عينات فقط – والنتائج ليست حاسمة، تتحدث تركيب جيني لسكان المنطقة احتوت جينات من أصل أوربي.. ونحن نعلم أن الساحل في تلك المنطقة كان دائم التواصل تجاريا مع أوربا.. مما يجعل النص المروي يبقى في
حدود المحتمل لا اليقين..
ولنعلم، ودوما علينا أن نعلم، ان ما يميز العلوم الإنسانية عن غيرها، بكون التفسير والتحليل فيها لا ينتهي.. وها هو يظهر لنا فيمل يلي..
Ö
مقتطف من دورية جيل العلوم الإنسانية والاجتماعية، الصادرة عن مركز جيل بحث العلمي، أستمد من العدد67 أيلول 2020، ص 79ملخص مكتمل.
في ملخص للمشهد- انتهت غزوات شعوب البحر على مصر بالفشل -الذريع، ولم تستطع هذه الشعوب الدخول الى أراضي وادي النيل الخصبة. غير ان صورة الشرق القديم تغيرت تماماً، إذ استقر الفريجيون في آسيا الوسطى خلفا للحثيين، أما الدوريون فقد استقروا في حوض بحر ايجة- اما في الساحل الشرقي للبحر المتوسط التي تعرضت لتدمير عنيف إدي إلى اختفاء مدن عديدة كمدينة اوغاريت، فقد ظهر الفينيقيون الذين أصبح لهم دور حضاري كبير في البحر المتوسط في القرون التالية.
أما شعوب البحر فقد استطاع البعض منهم الاستقرار لشاطئ المتوسط. كالفلسطينيين الذين استقروا حول مواني غزة وعسقلان ويافا، وأسسوا دولة لهم، أصبحت لها أهمية خاصة في الفترة التالية رغم انه ظلت تابعة لمصر. أما التيكر فقد استقروا إلى الشمال منهم، كما حاول البعض منهم التسلل لمصر سلميا للاستقرار وخاصة الشردان والوشش الذين وضعوا في قلاع خاصة لخدمة الفرعون، حيث يقدمون الحبوب وينسجون الأقمشة. أما المشوش واللبيو وربما بعض الآخيين فقد ظلوا في ليبيا مع القبائل المحلية من التحنو والتمحو.
أما باقي شعوب البحر ومنهم التيرش والشيكلش، وربما بعض الشردان فقد راحوا يبحثون عن وطن يستقرون فيه، من المحتمل انهم توجهوا بسفنهم إلى أوربا خاصة إيطاليا والجزر المحيطة بها كسردينيا وصقلية، وبذلك حملوا لها حضارة وثقافة عالم الشرق الأدنى القديم.
في الخاتمة – استطاع رعمسيس الثالث صد هجمات البحر على مصر. ونجح في انقاذ مصر من هذا الخطر الداهم الذي لم تنجوا منه الإمبراطورية الحثية وسورية وفلسطين. ودون مغالاة – فان مصر استطاع احباط أخطر غزو بعد غزو الهكسوس إذ لو قدر لهذه الشعوب أن تجتاح مصر فربما كان مصيرها كمصير الحثيين.
وأضيف: من المؤكد لي، أن صمود مصر قد غير من سير غزوات شعوب البحر وعدل من نتائجها، ففي الحين الذي تم فيه القضاء على إمبراطورية الحثثين، استطاع الفينيقيون استرداد دورهم التاريخي جنوب البحر المتوسط ومناطق أخرى، واستعادت صور وصيدا دورها، وحتى كنعان الشام وغيرهم، وفرت لهم مصر الحماية والاندماج في الواقع الجديد.. وأخيرا استطاع من تبقى من الشعوب الغازية التأقلم مع الواقع..
ولهذا المنظور بقية، لم يدركها بكل أسف جلّ من تقاطر من باحثين ليدلي بدوله في هذا المجال.. ولعل ما سيأتي سيوضح مجرى ما جرى من بقية..
Ö

مناظرة ومفارقة
وقفة مع التشكيك بأصول شعوب البحر والحديث عن اللغز الدائم، هو ما قد عثر عليه الباحثون السوريون لدى بعض من المؤرخين: مؤرخون من أمثال مارك فان ميروب يرون: أن التساؤل حول هوية شعوب البحر سيبقى دون جواب، وأنه لم يعد يوجد نقاط بحث يمكن الرجوع لها لمحاولة اكتشاف هذه الجواب. في هذه الخصوص يكتب: " يمكن أن يتساءل المرء لماذا اظهر شعوب البحر شغفا كبيرا " ويقول: " إن استمرار ظهورهم في كل كتاب عن تباريح العالم يمكن شرحه، الشرح بسيطا جدا: تبقى هوية شعوب البحر الحقيقية لغزا. والبشر دائما ينجذبون إلى الأمور الغامضة سيبقون دوما كذلك...؟؟
يلوح لي، كون هذا الكاتب وأمثاله، يحاولون طمس أهمية هذا الموضوع وتاريخيه، ووسمه باللغز.. لعله يبقى في عرف التاريخ لغزاً...!
Ö Ö
الثغرة الكبرى
وتصدع في تاريخيات غزوات شعوب البحر
أو تلكم هي الإشكالية الكبرى ولعله اللغز في منظور مغاير، لي بدوري.. ‼
أول الصدى، أين توارى حوض الرافدين في ذاك المدى ‼
هو الحاضر الغائب عن البيان.. ‼ وهو في أرض المكان، منذ بدء الزمان..
السؤال: أين ما بين الرافدين، أمام ما يحدث قرب ناظريَه، وفي صلة عميقة مع جغرافيته.. ‼
الأزمنة تطاردنا، وليست الجغرافية من دونها، الثغرة الكبرى تعلن عن ذاتها وبلا مواربة..
وعلى سبيل المقارنة الزمنية بين آشور ومسار غزوات شعوب البحر، ننظر في السياق الزمني لآشور، كي نقتطف ما هو متفق بينهما.
في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، كانت آشور قوية بما يكفي، لنسج علاقات دبلوماسية مع مصر وبلاد بابل، ولكن تاريخها معروف على وجه الخصوص بدءاً - من القرن الرابع عشر قبل الميلاد، ومن عهد الملك آشور أوباليط الأول (1353-1318ق.م) آنذاك، أصبحت آشور إمبراطورية شاسعة بالتدريج خلال فترتين عظميين، الأولى وتمتد من القرن الرابع عشر إلى القرن الحادي عشر قبل الميلاد، وتسمى " الفترة الآشورية الوسطى"، - وتمتد الثانية من نهاية القرن العاشر إلى أواخر السابع وتسمى "الفترة الآشورية الحديثة". اختفت مملكة آشور كدولة مستقلة بعد غزوها من قبل الميديين والبابليين في نهاية القرن السابع، بين عامي 614 و610٠ قبل الميلاد..
مقتطف من تاريخ آشور – لأسباب منهجية، سوف نعالج في هذا المقتطف مملكة آشور القديمة والوسطى، لكونهما على صلة بكيفية أو بأخرى- من حيث الزمن، - بغزوات شعوب البحر.. في حين سيكون البند الثالث (المملكة الحديثة) من اهتمامات البحث القادم..
وبكل الحالات لا يمكن الفصل بين هذه الثلاثية الآشورية، وما هي سوى سلسلة، حتى لو حدث تقطع..
المملكة القديمة- يمكن تتبع وجود الآشوريين في منطقة دجلة الوسطى منذ الألف الثاني قبل الميلاد، فقد وسع (شمشي آدد 1745-1712 ق.م) والذي ينتمي لأسرة أمورية، سيطرت مدينة آشور على منطقة شمالبابل إثر تراجع السيطرة السومرية- الأكادية ، وكان(شمشي آدد) قد بدأ حكمه في مدينة (شباط إنليل) -تل ليلان سوريا في حالياً - ولقب نفسه (ملك الكل ) وبذلك بدأت فترة النفوذ الآشوري القديمة في منطقة الهلال الخصيب والتي استمرت من 1800 حتى 1375 قبل الميلاد، إلا أن الجزء الأكبر من بلاد ما بين النهريين بقي في هذه الفترة تحت سيطرت بابل، وسع الآشوريين في هذه الفترة نشاطهم التجاري وأنشأوا شبكة تجارية واسعة و العديد من المناطق (المستعمرات) التجارية في الأناضول، للتجارة بالمعادن، تلا ذلك فترة تنازع على النفوذ في سوريا مع الحوريين الذين أسسوا مملكة ميتاني والحيثيين، وقد تمكن الملك( شلمنصر الأول) من حولي 1400 ق.م من إخضاع ميتاني التي خضت من الضغط الحيثي من الشمال ثم عادت المملكة لتخضع لميتاني بعد الضعف الذي أصابها نتيجة الهجوم الحيثي 1450 ق.م
المملكة المتوسطة - تمكن (آريبي آداد 1392- 1366 ق.م) من
تخليص آشور من السيطرة الميتانية، إلا أنه كان على أشور خوض المزيد من المعارك مع (Hanigalbat) الموقع الذي أسسه الحثيين، وذلك لسيطرة على المنطقة.
تمهيد الطريق - بقيادة (آشور أوبليط الأول 1363- 1328 ق.م) بسطت أشور نفوذها على جنوب بلاد الرافدين، ولتدعيم علاقته مع بابل، زوج ابنته لملكها، إلا أن قتل حفيده في إحدى العصيانات في بابل دفعه لدخولها وتعيين حاكم جديد فيها
ذروة النفوذ الأولى - بعد النصر الذي حققه (توكولتي نينورتا 1244- 1207 ق.م) على الحثيين والبابليين، نال لقب (مللك الكل) وتجدر الإشارة أن في عهده تظهر أول إشارة لعملية التوطين والنفي، والتي طبقت في الدولة الآشورية الحديثة بشكل واسع، إلا أنه نتيجة للخلافات الداخلية في الأسرة الحاكمة خسرت الدولة الآشورية بابل لعيلام، ليعاود بعد ذلك الملك (آشور ريشايشي 1132- 1115 ق.م) سياسة التوسعات ممهداً الطريق
أمام ابنه..
التوسع إلى البحر الأبيض المتوسط - تابع الملك (تغلات بلاصر الأول 1114- 1076 ق.م) سياسة أبيه التوسعية وقد استخدم الجيش في عهده الأسلحة الحديدية لأول مرة. مكنه ضعف الكاشيون المسيطرون على بابل حينها من إعادتها لسيطرة الآشورية، وتقدم في الشمال والغرب بسهولة- كون الدولة الحيثية لم يعد لها وجود – ليصل سواحل المتوسط ويصف في إحدى النصب رحلة بحرية له يصطاد فيها حيوان بحري (ربما دلفين)، إلا أن من لحقه من الحكام لم يستطيعوا المحافظة على المملكة الواسعة النفوذ، كما كان لتزايد وجود ونفوذ الآراميين في شمال الهلال الخصيب دوراً في انحسار النفوذ الآشوري في المنطقة..
وقفات بين وبين - وعندما نتحرّى آشور الوسطى، يمتد زمنها من القرن الرابع عشر حتى القرن الحادي عشر.. ولنتذكر أنه في ذلك الزمن جرى مشهد غزوات شعوب البحر، وكان من بينها ما تمادى على مقربة منهاـ
وقفات آشورية - تمكن (آريبي آداد 1392- 1366 ق.م) من تخليص آشور من السيطرة الميتانية..
بقيادة (آشور أوبليط الأول- (1353-1318ق.م) بسطت أشور نفوذها على جنوب بلاد الرافدين. الملك (آشور ريشايشي 1132- 1115 ق.م) يمارس سياسة التوسعات
يتابع الملك (تغلات بلاصر الأول 1114- 1076 ق.م) سياسة أبيه التوسعية، وتقدم في الشمال والغرب بسهولة- من حيث لم يعد للدولة الحيثية من وجود - تصل آشور لسواحل المتوسط، بيد من لحقه من الحكام لم يستطيعوا المحافظة على المملكة الواسعة النفوذ / تزايد وجود ونفوذ الآراميين في شمال الهلال الخصيب دوراً في انحسار النفوذ الآشوري في المنطقة.. (الجدير بالمعاينة هنا، أن الدولة الحثية سقطت على يد غزوات شعوب البحر، عدا عن وجود آرامي فعال واضح في ذلك الزمن، مما لا يصب في مصلحة مقولات غزوات شعوب البحر، التي تم تضخيمها – كما أرى.. ]
في محاكات الزمن، ما بين آشور وغزوات شعوب البحر من أي مقياس أتينا، نجد تداخل وتوافق ولا انفصام ولا انفصال زمني يفرقهما.. كلتاهما ضمهما الفترة البرونزية 1392 – 943 ق م.
الموجز الزمني لمجريات غزوات شعوب البحر
هاجمت هذه الشعوب دول العالم القديم في فترات زمنية مختلفة انتقلوا براً من اليونان إلى تركيا، اما بحراً فقد هاجموا الحضارة المسينية حوالي سنة 1210-1200 ق م. ثم انتقلوا إلى جزيرة كريت ومنها هاجموا قبرص ثم السواحل المشرقية سنة 1192- 1190 ق م.
ثم انتقلوا إلى دلتا مصر سنة 1177 ق م. معارك في مصر: 1209- 1180 – 1178- مرنبتاح – (1209 ق م)، رمسيس الثالث عام 1180 ق.م.. سخا عام 1178 ق م..
بمعنى على وجه تقريبي كحروب متعددة بين 1210 – 1178/ = غزوات
شعوب البحر..
في المقابل نتحرى تلك الأزمنة لدى آشور في عهد المملكة الوسطى الآتي:
يتمكن (آريبي آداد 1392- 1366 ق.م) من تخليص آشور من السيطرة الميتانية.. (آشور أوبليط الأول- (1353-1318ق.م) يبسط نفوذه على جنوب بلاد الرافدين. الملك (آشور ريشايشي 1132- 1115 ق.م) يمارس سياسة التوسعات - يتابع الملك (تغلات بلاصر الأول 1114- 1076 ق.م) يصل حوض المتوسط – = بمعنى كانت آشور في زمن تفوق وتوسع حربي.
منظور كلي- من المؤكد، إن دخلنا في تفاصيل المشهد، يتضاعف شأنها، بما قد يصل لما يضاهي قرنين من حروب ودمار وحرائق..
في مقتطف يتحدث عن انهيار العصر البرونزي الممتد من 1200 قبل الميلاد إلى 900 قبل الميلاد، يعلن فيه: لم تتأثر آشور وإمبراطورتيها بهذه الأحداث المضطربة لمدة 150 عامًا، وربما كانت القوة القديمة الوحيدة التي لم تتأثر. ومع ذلك، عند وفاة آشور بل كالا في عام 1056 قبل الميلاد، شهدت آشور انخفاضًا نسبيًا خلال المائة عام التالية أو نحو ذلك. تقلصت الإمبراطورية بشكل كبير.. وبحلول عام 1020 قبل الميلاد، يبدو أن آشور سيطرت فقط على مناطق قريبة من آشور نفسها، وهي ضرورية لإبقاء طرق التجارة مفتوحة في شرق أراميا وجنوب شرق آسيا الصغرى ووسط بلاد ما بين النهرين وشمال غرب إيران.
وعلى الرغم من الضعف الواضح لآشور بالمقارنة مع قوتها السابقة، إلا أنها في الحقيقة بقيت دولة صلبة ومحمية جيدًا وكان محاربوها الأفضل في العالم.10] وآشور بنظامها الملكي المستقر وجيشها القوي وحدودها الآمنة كانت في وضع أقوى خلال هذا الوقت من المنافسين المحتملين. من [ 10] جورج رو - العراق القديم وفقا لجورج رو (1964) ، العراق القديم ، ص 282-283.[
هناك حقيقة أخرى وكبرى مفادها: لو نظرنا بعمق في دور آشور في زمن المملكة الحديثة الممتد من 883- 859 ق.م إلى 625- 606 ق.م، يظهر لنا، كون آشور قد هيمنت عمليا على المنطقة، الأمر الذي أدى إلى إزالة آثار عدوان غزوات شعوب البحر من ربوعها، وما تبقى من هؤلاء قد تأقلموا بثقافة المنطقة وأصبحوا من مواطنيها، وبذلك تكون آشور قد استكملت على نحو ما، ما قامت به مصر فيما سبق..
ولنعلم، أن آشور في زمنها الحديث وتألقها الإمبراطوري، قد حافظت على خزين حضارتها، لكونها صانت نظامها الاجتماعي والاقتصادي وسارت به قدماً..
وفي المقابل، كما علمنا أحبطت مصر غزوات شعوب البحر، مما صان لها نظامها ومخزونها وتراثها الحضاري، الأمر الذي لا يتسق مع مقولة اندثار الحضارات، التي لوّح بها كتاب غربيون متعددون، أشرنا لفريق منهم، وتبعهم كتبة من ذوينا..
وهكذا تصدعت نتائج مقولات غزوات شعوب البحر، ثم تلاشت معالمها في لحظات متتالية، في ظل من الإمبراطورية الآشورية، ولا غرو..
أجل، وأجل: ثمة رؤية أخرى وقراءة مغايرة متعددة المناحي، تلوح في الأفق … وهو ما نحن قادمون إليه.. وللعمل بقية..
Ö Ö Ö



#عيسى_بن_ضيف_الله_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وقفة في ظلال علم الأديان -
- أسرار الكهوف - النبض السري لمدونات كهوف قمران والبحر الميت
- مع العلمانية / موقف
- من التاريخ - الإمبارطورية
- من حروب غيرت مسار التاريخ - الحروب ما بين روما وقرطاج
- القبائل العبرية فيما قبل اليهودية
- إضاءة تاريخية على الأصل الأقدم للفينيقيين
- اضاءة على الأصل الأول لفينيقيا
- العرب والبربر عبر التاريخ
- من أوراقي - لاهوت الماء تقديس الماء عبر التاريخ
- من أوراقي: مقدمات في الجغرافية التي صنعت اقاليمنا
- وقفة مع الهيمنة الفارسية (538-333 ق م): سنأخذها نموذجا للإمب ...
- مقدمات في مدارات التشكّل في منطقتنا (مقتطع من بحث مطول) التج ...
- االبحث عن موسى
- حوار – حول روايتي – على وهج الذاكرة
- قراءة معاصرة للحياة السياسية في سورية في زمن الخمسينات
- في قراءة معاصرة للحياة السياسية في سورية في زمن الخمسينات
- الماء كمقدس - في تاريخنا الحضاري
- كخلاصة للمناظرة مع فرويد في منهجه، كما ظهرت في موسى والتوحيد ...
- مقتطف من مخطوطة عنوانها المسار التاريخي للكتاب المقدس الحبري


المزيد.....




- تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد ...
- وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي ...
- -رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع ...
- هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن ...
- بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
- صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
- عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط ...
- 8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عيسى بن ضيف الله حداد - غزوات شعوب البحر في قراءة مغايرة تصدع في تاريخيات غزوات شعوب البحر