أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله عطية شناوة - فانتازيا عاصي ومنصور الرحباني














المزيد.....

فانتازيا عاصي ومنصور الرحباني


عبدالله عطية شناوة
كاتب صحفي وإذاعي


الحوار المتمدن-العدد: 7284 - 2022 / 6 / 19 - 22:40
المحور: الادب والفن
    


ما ان قارب المسرح الغنائي العربي مرحلة الحبو، حتى تيتم برحيل والده سيد درويش. كثيرون من أقارب الراحل، فنيا، حاولوا مساعدة وليده اليتيم على مواصلة الحياة، لكن قدراتهم المحدودة لم تمدهم بما يحتاجه الوليد للنمو الطبيعي، ناهيك عن التطور والتألق.
ظل الوليد عليلا، حتى برز في لبنان الشقيقان، عاصي ومنصور الرحباني اللذين لم يتوقع لهما أحد ما كانا قادرين عليه بالفعل. لكنهما أثبتا للجميع أنهما ليسا مجرد والدين بالتبني للمسرح الغنائي العربي، بل أنه أبنهما الحقيقي الذي نال منهما التهذيب والتشذيب والقوة بما جعله ينتصب على قدمين راسختين يخطو بهما نحو آفاق ربما لم تراود خيال والده الراحل سيد درويش.

أبدع الرحبانيان تحفا مسرحية غنائية، لكن يمكن القول أنهما بمسرحية (( المحطة )) قد وصلا بالمسرح الغنائي العربي ذروة، جعلته يقف ندا لند الى جانب مسارح غنائية في مجتمعات راكمت تجارب مسرحية غنائية من فن الأوبرا على مدى قرن أو قرنين من الزمان.

مسرحية (( المحطة )) مغامرة فنية بكل معنى الكلمة، خاضها الراحبانيان بجسارة، متسلحين بالأضافة الى خزينهما الثقافي والإنساني الثر، بقدرات فنية يصعب مجاراتها من حيث العمق والشمول والجمال. نعم المحطة هي كذلك وأكثر. ولا أبالي أن يتهمني البعض بالمبالغة والمغالاة في الأنحياز للرحبانيين الكبيرين، حين أعتبر (( المحطة )) درة تاج الفن العربي.
معجزة (( المحطة )) أنها قامت على الفنتازيا. وهي قاعدة يمكن أن تطيح بأساطين الفن، إن لم يمتلكوا الأدوات الفنية التي تتيح التعامل مع الفنتازيا بما يجعل المتلقي يراها واقعا، ولا يجد في تحليقها في عالم الخيال أي إسفاف أو أبتذال.

فتاة غريبة تفاجي سعدو وزوجته، وهما في مزرعتهما بالسؤال:
ــ ( وصل التران؟ ). هل وصل القطار؟
تأخذهما الدهشة: أيا تران؟
ــ تران الشمال! مش هون المحطة؟
يجيب سعدو: لا في محطة، ولا في تران؟ ( لا محطة هنا ولا قطار )!
تصر الفتاة: في .. في!! هون المحطة!!
ينبه سعدو الفتاة الى عدم وجود سكك، متسائلا: كيف يمشي القطار من دونها؟ فتصدمه الغريبة بالقول: يبدو أنك غريب ، ولذلك لا تعرف بوجود المحطة. يخبرها سعدو بانها تقف على أرضة، التي زرعها هذا العام بالبطاطا. فتستشيط غضبا وتتسغرب من قيامه بزراعة المحطة بالبطاطا. محذرة من أنه قد يعاقب بسبب هذه الفعلة.

هكذا تبدأ مسرحية (( المحطة )). فتاة غريبة تتحدث بيقين تام عن محطة وقطار، وتحاول أقناع سكان بلدة سعدو بوجودهما في بلدتهم. فيسود البلدة أضطراب كبير، ويصل الأمر الى رئيس البلدية الذي يقوم باستجوايها، عن الجهات التي تقف وراء ترويجها للإشاعات والغرض منها؟؟
لكن إدعاء الفتاة التي نعرف لاحقا أن أسمها وردة ـــ تقوم بدورها درة الغناء العربي فيروز ـــ يجد هوى من جانب التواقين الى السفر، ويلقى قبولا وترويجا من جانب المضاربين المتاجرين بالأراضي لـ (( وجود المحطة )) في بلدتهم. وعند هذه النقطة من الفنتازيا، يبدأ الإبداع الموسيقي في هذا العمل، بأغنية:

يا مقدر المقادير
بـ هالبلد كل شي بيصير
بطاطا تصير محطة
وتران يمشي بلا خط.

في هذه الأغنية الجماعية يستخدم الأخوين رحباني إيقاعا يشبه إيقاع الدبكة، في محاولة مقصودة لبث البهجة في نفوس المشاهدين، وربما لأقناعهم هم أيضا بالمحطة والقطار المنتظر. لكن أبداعهما الحقيقي يتجلى في مشهد عقد مجلس بلدية البلدة جلسة استحضار أرواح، للحديث مع أرواح بلدية الجن، باعتبار الجن يعرفون كل شيء ولا تخفى عنهم خافية، لأستجلاء حقيقة (( وردة )).

جسدت هذه الجلسة، نصا ولحنا، تفردا لم يسبق الرحبانيين إليه أحد، أن تجري حوارا بقالب موسيقي بين بشر وجن، مغامرة لم، وربما لن، يقدم عليها أحد غيرهما، وقد نجحا نجاحا مبهرا في مغامرتهما، التي أكدا من خلالها تخلف وجهل القيادات السياسية، المرموز لها برئيس وأعضاء مجلس البلدية، وكذلك فسادها وأيمانها بالخرافات. وتفوق الرحبانيان في صياغة الجلسة موسيقا وغناءأ بأداء (( نصري شمس الدين )) الذي يؤدي دور رئيس البلدية.

تبدأ الأغنية بنداءات حارة لرئيس وأعضاء بلدية الجن للحضور والنجدة. فيحضر الجن الذين ليس بالإمكان مشاهدتهم، لكن موسيقى الأخوين رحباني تجسد حضورهم، والحوار بين طرفي البلديتين شحنه الرحابنة بالظرف والعمق في آن معا، فهو يجسد الجهل والعبثية، ويكشف الفساد. يستفسر رئيس بلدية الأنس في بدايته عن شخصية وردة، إن كانت يسارية أو يمينية، أو طالبة فوضوية، فيجيب الجن عن كل سؤال بان هذا ممكن ((في شي منه))، فيقول لهم الرئيس: أننا في جلسة رسمية، ولا نريد أوهاما، بل أدلة علمية حسية !!!! في النهاية يختلف الجن فيما بينهم، لاختلاف أجاباتهم، وينشب بنهم شجار، يحاول رئيس بلدية الأنس السيطرة عليه بدعوتهم إلى الهدوء ويتساءل عما إذا كانت بلدية الجان أكثر فشلا من بلديته:

بـ أترجاكم يا أخوان حافظوا على جلستنا،
الهيئة (يبدو أن) بلدية الجان أنزع (أفشل ) من بلديتنا.
فيأتيه ردهم صريحا وبلا مواربة:

ــ بلدية الجان أنزع بزمان. أي أنها أكثر فشلا من بلدية الأنس.
ــ يعني أنتو مثلنا وعندكن رشاوي؟ يتسائل رئيس البلديه، فياتيه الجواب أكثر صراحة ووضوح:
ا
ـــ رشاوي ... رشاوي والكلب خي (أخو) الواوي

أي أن الرشاوي اكثر انتشارا بين الجن، ولا فرق بينهم وبين البشر كما لا فرق بين الكلب وأبن آوى.
هنا يعود رئيس البلدية ليعلن الفشل عبر الدلعونه الشعبية:
على دلعونه وعلى دلعونه/ لا نحن فهما ولا فهمونه
على دلعونة ع اللي دعيناهن (دعوناهم)/ وعملنا جلسة واحترمناهن
يا ريت الجلسة كانت بلاهن/ لخبطوا حالن ولخبلطونا.
كل هذا في قالب موسيقي مبهر، مشحون بالفانتازيا
يتبع ..



#عبدالله_عطية_شناوة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تنويريون يكيلون بمكيالين
- متحاربون تحت راية أيديولوجية واحدة ... ولكن
- هل الحوار المتمدن موقع يساري علماني حقا؟
- فضيحة الفقه الإسلامي الشيعي في السويد
- لسويد على أبواب الناتو .. هل سيتدعم أمنها أم سيضعف؟
- بوريس جونسن يحقق نجاحا واضحا في مهمته
- تحولات دراماتيكية في توجهات المجتمع السويدي
- صبيانية (( تنويريين ))
- مخاطر تهدد مستقبل المجتمعات العربية
- ثانية، عن خطأ بوتين الإستراتيجي القاتل
- أوكرانيا .. حرب رأسماليات متنافسة
- حرب أوكرانيا بددت أوهاما وخلقت أخرى
- فنلندا محقة في إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا
- الحرب الأوكرانية وقطعنة الرأي العام
- خطأ بوتين الإستراتيجي القاتل
- عن أسباب سعادتي بذبابهم الألكتروني
- معركة الدفاع عن نظام القطب الدولي الواحد
- تساؤلات بوتين التي قادت الى غزو أوكرانيا
- القرم (( آق مسجد )) نبذة تأريخية
- السويد ليست جنة الله على أرضه


المزيد.....




- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله عطية شناوة - فانتازيا عاصي ومنصور الرحباني