أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - حاتم الجوهرى - بريطانيا والمسألة الأوربية بين التفكك وإعادة الإنتاج















المزيد.....

بريطانيا والمسألة الأوربية بين التفكك وإعادة الإنتاج


حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)


الحوار المتمدن-العدد: 7274 - 2022 / 6 / 9 - 23:24
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


في حرب أوكرانيا شهدت المسألة الأوربية العديد من دلائل التفكك ومن محاولات إعادة الإنتاج في الوقت نفسه، خاصة بين الحلف الغربي القديم وتحديدا بين فرنسا وبريطانيا ومحاولة كل منهما الدعو لكيان سياسي خارج الاتحاد الأوربي الذي أصبح يتميا، ومحاولة استقطاب أوكرانيا له ومعها العديد من دول حلف وراسو الشيوعي القديم.
إنما تجدر الإشارة بداية إلى أن الحرب في اوكرانيا نفسها تعد استمرارا للمتلازمات الثقافية للمسألة الأوربية، تلك التي تعتبر نفسها ذروة للتطور الإنساني ومركزه المقدس والنهائي الذي لا يوجد بعده شئ، خاصة في فكرة الصراع على نظرية نهاية التاريخ وذروته بين الشيوعية القديمة وبين الرأسمالية، والتي يجرى محاولة لإعادة إنتاجها في شكل ومتلازمة ثقافية استقطابية جديدة.

الصدام بين الهيمنة للمسألة الأوربية القديمة
وبين الصعود للمسألة الأوربية الجديدة
فهذه الحرب هي بسبب تصور المسألة الأوربية للوجود البشري على أنها صراع على امتلاك الحق المطلق في نظرية مقدسة ونهائية للبشر لا يوجد بعدها، والتنافس على هذه النظرية بين الرأسمالية وبين الشيوعية، فالسبب الرئيسي للحرب هو تمدد حلف الأطلسي الذراع العسكري للرأسمالية نحو حدود روسيا، متخيلا أنه حتى بعد هزيمة الاتحاد السوفيتي نهاية القرن الماضي والشيوعية، لابد أن يستمر في التوسع والحركة للأبد طالما أنه يتحرك وفق نظرية تعتبر نفسها نهائية ومطلقة وليس هناك من شئ بعدها.
وفي الوقت ذاته يأتي رد الفعل الروسي وغزو أوكرانيا في سياق المسألة الأوربية نفسها، فرغم خسارة روسيا للرهان والصراع بين الشيوعية والرأسمالية قديما، إلا أنها طورت شكلا ثقافيا جديدا للصراع الوجودي الصفري على النظرية المطلقة مركز الكون باالنسبة لهم، أسمته الصراع بين "قوى البر" وبين "قوى البحر" حيث تمثل روسيا قوى البر (قوى الأوراسية) وتمثل أمريكا قوى البحر (قوى الأطلسية).
فهنا "الفعل" كان بسبب المسألة الأوربية القديمة ونهاية التاريخ ووهم انتصار الليبرالية وجناحها العسكري، و"رد الفعل" كان بسبب المسألة الأوربية الجديدة وصعود قوى الأوراسية لمواجهة قوى الأطلسية، المهم أن تقدم لنا المسألة الأوربية المشوهة ثنائية حدية معتبرة أنها مركز العالم وأننا أم اصطفاف كوني ومطلق يجرجر العالم خلفه.

تاريخ النظرية المطلقة
وبداية المسألة الأوربية عند هيجل
وسنجد أنه تاريخيا ارتبطت المسألة الأوربية بصعود العرق الجرماني قادما من شمال أوربا وشبه الجزيرة الاسكندنافية في القرون الميلادية الأولى، وتسيده الموجة الحضارية لأوربا فيما بعد الموجة الرومانية، واتخذت المسألة الأوربية تجسيدها الواضح مع الفيلسوف الجرماني هيجل الذي اعتبر الدولة البروسية الملكية (ألمانيا القديمة) هي ذروة التاريخ المتمثل في دور الدولة وسلطة الملك والشكل الطبقي لها، معتبرا أن ذلك الشكل ذروة التاريخ لأنه جمع بين المثالي (سلطة الملك ممثلة للدين) والمادي (البنية الطبقية الانتاجية التقليدية وخدمتها لدور الدولة الملكية وسلطتها).
فقام بالانتصار للمثالي الذي تمثله سلطة الملك في علاقته بالدين والكنيسة والخالق، وفي الوقت نفسه قدم شكلا ماديا لهذا المثالي تمثل في تأكيده على الرأسمالية والبناء الطبقي التقليدي في الدولة البروسية (بين الطبقة الزراعية والطبقة الصناعية والطبقة البيروقراطية).
معتبرا أن هذا الشكل للدولة في تصوره المثالي المادي هو ذروة التاريخ البشري، وذروة التأويل المثالي/ الديني عبر التاريخ الذي مر عند هيجل بأربعة مراحل أعلاها المرحلة الجرمانية ، حيث "جعل هيجل الدولة البروسية [الجرمانية] هي الدولة المطلقة باعتبارها دولة محققة فعليا ارتقت إلى درجة المطلق، ومن هنا فإن تاريخ العالم يمر بأربعة مراحل، هي العالم الشرقي [الديني/ الثيوطيقي]، والعالم اليوناني [ظهور الفرد الحر وتداخل الديني/ الحياتي]، والعالم الروماني [صدام الأرستقراطية المهيمنة مع الشخصية الحرة والديمقراطية]، ثم العالم الجرماني [وحدة الإلهي والبشري والتوفيق بين الموضوعي والحرية متمثلا في الدولة]" (1)

ماركس والنظرية المطلقة المضادة لهيجل
وأصل الثنائية الحدية والاستقطاب المقدس
ثم خرج ماركس تلميذ هيجل بنظرية مطلقة جديدة معاكسة لأستاذه؛ عبر خلط المادي والمثالي أيضا لكنه انتصر للمادي، فاعتبر أن الشكل المادي المطلق للدولة الجرمانية هو الشكل اللاطبقي وتفكيك سلطة الملك والتراتب الطبقي المرتبط بها، وكان المثالي عنده أنه رغم تفكيك سلطة الملك بتمثلاتها الدينية والمثالية التقليدة، قدم ماركس مثالية متخيلة للشكل المادي حينما طالب بأن تكون ذروة النظرية البشرية المطلقة المادية هي وصول حالة اللا طبقية إلى حالة عالمية تتيح الموارد لكل البشر وتبنى الجنة على الأرض فيما عرف بالشيوعية المثالية.

استمرار تفكك المسألة الأوربية
الأنجلو ساكسون في بريطانيا
لكن المسألة الأوربية وخرافة النظرية المطلقة لم تنقطع بهزيمة الشيوعية إنما يجري الأن إعادة إنتاجها في أشكال جديدة وتفكك أشكال قديمة..
ففي هذا السياق ظهرت مؤشرات تفكك الذهنية الجرمانية نفسها في غرب أوربا، وذلك على المستوى العرقي أو القبائلي القديم، فقبائل الأنجلو ساكسون التي بزغ نجمها في بريطانيا أعلنت الانفصال عن الاتحاد الأوربي نفسه (اتفاق البريكست)، والعرق الأنجلو ساكسوني نفسه الذي سيطر على أمريكا المستعمرة البريطانية السابقة، كان قد ضرب فرنسا ضربة قوية عندما وقع بايدن اتفاق "أكوس" العسكري البحري مع بريطانيا واستراليا (المستعمرة الأنجلو سكسونية القديمة بدورها)، على حساب ضرب اتفاق عسكري أبرمته استراليا مع فرنسا.

فرنسا تدخل على الخط التفكك
وورثة قبيلة الفرنجه
وفي خضم الحرب الأوكرانية ذاتها دعت فرنسا لاستيعاب أوكرانيا بعيدا عن مظلة حلف الأطلسي التي تسيطر عليها أمريكا والأنجلو ساكسون، عندما دعا ماكرون إلى إنشاء كيان سياسي أوربي قادر على قبول أوكرانيا بسرعة بعيدا عن إجراءات الاتحاد الأوربي المعقدة الطويلة وبشكل ما عن مظلة حلف الأطلسي، وهو ما يتفق مع توجهات فرنسية قديمة بالاستقلال العسكري لأوربا عن حلف الأطلسي.

مزايدة بريطانية أخرى
وكذلك دخلت بريطانيا ممثلة في رئيس وزرائها جونسون إلى سباق تفكك المسألة الأوربية والذهنية الجرمانية وتمثلاتها الثقافية الحالية، في محاولة استقطاب أوكرانيا، حيث كشفت صحيفة "Corriere della Sera" الإيطالية العريقة نقلا عن مصادرها أن رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، عرض على الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، تشكيل تحالف ضد روسيا، حيث "يتضمن نموذج التحالف الذي عرضه جونسون: تشكيل رابطة أوروبية بقيادة المملكة المتحدة، تشمل أوكرانيا وبولندا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا، ويمكن أن تضم إلى صفوفها تركيا في وقت لاحق"، كما ذكرت الصحيفة. وقد قدم جونسون هذه المبادرة في 9 أبريل عندما قام بزيارة لكييف، وورد أن الجانب الأوكراني لم يعرب عن موقفه من هذا المقترح" (2)

الاتحاد الأوربي
الابن اليتيم
ليبدو الاتحاد الأوربي القديم مفخرة القارة العجوز وكأنه أصبح ابنا يتيما لا يريد أحد كفالته، ويبدو وكأن روسيا تدق المسمار الأخير في نعش متهالك وآيل للسقوط والدفن منذ فترة طويلة، فأمريكا شجعت بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوربي، وفرنسا تريد للقارة الأوربية أن تستقل عن المظلة العسكرية لحلف الأطلسي، وتعرض على أوكرانيا كيانا سياسا جديدا خارج الاتحاد الأوربي، ودخلت بريطانيا على خط المزايدة لتعرض على أوكرانيا كيانا بديلا للاتحاد الأوربي ذاته.

في انتظار قرار ألمانيا
لكن مركز الثقل سيكون في ألمانيا التي لم تحسم تصورها السياسي للمستقبل بعد، غير أنها قررت تعديل توجهاتها العسكرية وإنفاق حوالي 100 مليار دولار لتعزيز قدراتها العسكرية دون أن تحدد المظلة العسكرية التي ستلقي بثقلها خلفها، هل ستتوجه نحو الاستقلال عن الأنجلو ساكسون، وتتحالف مع فرنسا، أم ستدعم الأنجلو ساكسون وحلف الأطلسي، أم ستتحرك وفق سياسة جديدة توازن فيها بين التناقضات المتفجرة، خاصة وأن الجرمان الأصليين في الشمال في فنلندا والسويد قررا الانضمام لحلف الأطلسي.

حيرة الذات العربية
وتبقى المعضلة حاضرة عند الذات العربية في عجزها عن تطوير مقاربات جذرية خارج الصندوق للتعامل مع المسألة الأوربية ومحاولات إعادة إنتاجها، معظم المستويات السياسية سلطة ومعارضة تدافع عن أماكنها التاريخية، وتراتباتها الاجتماعية التي استقرت لها في سياق المسألة الأوربية.
وتقف الحالة العربية متصلبة أمام تطور حواضن اجتماعية قادرة على إنتاج تمثلات سياسية جديدة وفعالة، تستعيد الذات العربية ونهضتها في مواجهة إعادة إنتاج المسألة الأوربية من جديد، لأن الخطاب الوحيد القادر على ذلك هو خطاب الثورات العربية وما بعد المسألة الأوربية.
لكن لموقف التمثلات السياسية العربية من المسألة الأوربية الراهنة حديث آخر.. نعود له مرة أخرى إن شاء الله.




هوامش:
- موقع روسيا اليوم الإخباري بتاريخ 27/5/2022م
https://ar.rtarabic.com/world/1358379
-محمد السعيد العيشاوي، مفهوم الدولة بين هيجل وماركس، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة محمد بوضياف، كلية العلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية، قسم الفلسفة، الجزائر، السنة الجامعية 2016-2017م.



#حاتم_الجوهرى (هاشتاغ)       Hatem_Elgoharey#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رؤية فكرية للحوار الوطني: الفرصة البديلة للتحول الطوعي لدولة ...
- حرب الأعلام: صراع الرمز مع صفقة القرن المعدلة
- ماكرون والمسألة الأوربية بين التفكك وإعادة الإنتاج
- اتفاقية نفاذ السلع.. مآلات تمرير صفقة القرن المعدلة
- مصر واجتماع النقب: الأوراسية ونسخة الديمقراطيين من صفقة القر ...
- فلسفة المشترك الثقافي: نحو مدرسة لدراسات ثقافية عربية مقارنة
- نحو مشروع ثقافي للقاهرة كعاصمة للثقافة الإسلامية
- الأوراسية الجديدة والثورات العربية: قرارات 25 أكتوبر بالسودا ...
- الجمهورية الجديدة بين البناء والإدارة والإنتاج والثقافة
- مصداقية الوزير التائهة بين رئيس العبور الجديدة والهيئة
- البيرسونا الافتراضية: ثورة المجتمع الافتراضي بانقطاع الفيس ب ...
- قاسم المحبشي بين الذات العارفة والتمثل المؤجل
- القانون وامتناع وزير الإسكان عن الرد على تظلم العبور الجديدة
- الأوراسية الجديدة وأثرها على مصر: عودة الخطاب الأثيوبي المتش ...
- ردا على تصريحات الوزارة وجهاز العبور الجديدة
- ما الدولة واللا دولة.. في العبور الجديدة
- مراد وهبة أسطوريا: خطاب الاستلاب فيما بعد صفقة القرن
- أفغانستان: فرضية التفكك والانسحاب للمسألة الأوربية ونقاط احت ...
- طريق العرب إلى ديربان 4 : محلية الخطاب الثقافي وهيمنة معاداة ...
- أزمة الذات العربية بين الأوراسية والأطلسية


المزيد.....




- أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط ...
- -أمل جديد- لعلاج آثار التعرض للصدمات النفسية في الصغر
- شويغو يزور قاعدة فضائية ويعلن عزم موسكو إجراء 3 عمليات إطلاق ...
- الولايات المتحدة تدعو العراق إلى حماية القوات الأمريكية بعد ...
- ملك مصر السابق يعود لقصره في الإسكندرية!
- إعلام عبري: استقالة هاليفا قد تؤدي إلى استقالة رئيس الأركان ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة تبارك السرقة وتدو ...
- دعم عسكري أمريكي لأوكرانيا وإسرائيل.. تأجيج للحروب في العالم ...
- لم شمل 33 طفلا مع عائلاتهم في روسيا وأوكرانيا بوساطة قطرية
- الجيش الإسرائيلي ينشر مقطع فيديو يوثق غارات عنيفة على جنوب ل ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - حاتم الجوهرى - بريطانيا والمسألة الأوربية بين التفكك وإعادة الإنتاج