محمود الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 1674 - 2006 / 9 / 15 - 07:51
المحور:
المجتمع المدني
مصطلح التغيير مصطلح له رونق جمالي رائع باعث للأمل في النفوس اليائسة والعقول الموجوعة , والقلوب التي ران عليها طبقات من الثبات علي وجوه ثابتة وأفكار ثابتة وشخوص لم يطرأ عليها التغيير في الأفكار والثقافات , لدرجة أن لون الحياة يصبح ثابت باعث للكآبه والملل , وهذا يخالف طبيعة النفس البشرية التي ترغب في التجديد والتغيير بإستمرر , فالثبات علي ثقافة معينة أو فكر معين أو سياسة معينة قاتل للخلق والإبداع ومضيع لفضيلة التنوع والتعدد في الأفكار و السياسات والثقافات . وفي طبائع الأشياء .
إأن البحيرة إذا ثبت ماؤها في مكان واحد لم يتحرك أو يتغير فإن العطن والطحالب والميكروبات والجراثيم تصبح هي الممثلة للحياة في تلك البحيرة , وتنعدم فيها الحياة وتموت الأسماك وتصبح الحياة داخل البحيرة هي والعدم سواء , بل أن هناك من يفكر في ردم هذه البحيرة درئاً للتلوث اللاحق بالبيئة من الروائح الكريهة والميكروبات والجراثيم التي تهدد كيان المجتمع الذي سيصبح موبؤ من وجود هذه البحيرة التي أصبح ردمها فريضة إجتماعية , أو إعادة الحياة فيها بضخ تيارات مياه متجددة فيها لبعث الحياة فيها بديلاً عن حياة الموات القائمة التي تهدد المجتمع واجب إجتماعي .
وإذا كان هناك في المجتمع من يحاول أن يقتل الحياة في البحيرة ويعرض حياة باقي أفراد المجتمع للخطر , ويمنع من يحاول إعادة الحياة فيها فمن هنا يتوجب علي أفراد المجتمع أن يأخذوا علي يديه ويمنعوه من ذلك بكافة الطرق والأساليب والوسائل اللازمة التي تحافظ علي حياة المجتمع والناس , لأن في تركه فساد لحياة المجتمع والناس .
وماينطبق علي البحيرة ينطبق علي الحياة العربية والإسلامية في كافة أنحاء المعمورة وكأن العرب والمسلمين قد كتب عليهم أن يعيشوا حيوات متعددة من الفساد والظلم والقهر والإستعباد المتمثل في إغتصاب الحكم والسلطة وإدارة الصراعات السياسية والإجتماعية بل والصراعات الدينية ذات التأثير الأخطر في إدارة الصراعات من أجل وصول مبتغي الحكم والسلطة إلي كرسي الحكم والجلوس عليه حتي الإنتقال للقبر مع ضمانة إنتقال توريث كراسي العرش إلي الأبناء من بعد وفاة الحكام أو الأمراء أو السلاطين , وكأن الجينات الوراثية مصرة علي الإنتقال من جيل بعد جيل في دماء وأجسادالعرب والمسلمين لدرجة أننا يمكن أن نوصف هذه الحالة بالحالة المرضية في الحب والغرام وشهوة كراسي الحكم والسلطة من جيل إلي جيل آخر.
مع التنبيه علي أن الدين كان له الدور الفاعل في تسلط الحكام وإستمرارهم علي كراسي الحكم والسلطة بواسطة من أسموهم رجال الدين الذين كانوا علي مرور العصور والأزمان يقومون بدور المحلل للحكام والمبررين لأفعالهم وأعمالهم الإجرامية في حق الشعوب والمواطنين , فكان النص الديني المرادف للفتوي الدينية هو الرائد في تبرير أفعال الحكام وتمرير مظالمهم في حق الشعوب والأمم , وكان ذلك كله يتم بإسم الله , وبإسم الرسول , وماروي من أقوال للصحابة والسلف الصالح والتابعين , وما ورد في الأثر حسبما يفتي من أسماهم الحكام الظلمة برجال الدين .
ومن ثم فقد تم إحتكار الرادع الديني في التغيير وجعل سلطته العليا في أفهام وعقول رجال الدين فقط والموالين للملوك والسلاطين والأمراء والحكام , بل إن رجال الدين قد حرموا وجرموا الخروج علي الحاكم الظالم الفاسد المستبد المغتصب للحكم والسلطة تحت دعوي " لاتخرجوا عليهم ما أقاموا فيكم الصلاة ’’ وكأن إقامة الصلاة فقط هي المختزلة لصلاح الدين وصلاح الدنيا , وكأنها مبرر للطغيان والفساد والظلم والإستعباد , وكان ذلك هو التفسير التبريري لرجال الدين الموالين للحكام الفاسدين علي مر العصور والأزمان , ومازالوا هم أنفسهم مع تغير أسماؤهم وأشكالهم وأماكنهم وأزمانهم , مازالوا يعيشوا بيننا إلي الأن وكأنهم لم يموتوا أو لن يموتوا , فصيغة التفاسير التبريرية للفساد بإسم الدين مازالت تتوارث جيلاً بعد جيل وعصراً بعد عصر .
ومن ثم فإن الرادع الديني مع تطور المجتعات أصبح يأخذ أشكالاً مختلفة تأخذ شكل العصر الموجود فيه الظلم والفساد ويتجه دوماً لردع الشعب وليس لردع الحاكم الظالم المستبد .
ولأن الرادع الديني متمثل في النصوص الدينية من القرآن والسنة , ومن ثم فإن مخالفة النصوص الدينية تستوجب طلب العفو والمغفرة من الله , وطلب التوبة عن الذنوب والمعاصي ومن ثم فإن أمر الرادع الديني يكون سراً بين الانسان وخالقه ولايمكن لأي أحد أن يستطلع أمره .
ومن هنا باتت أهمية كلاً من الرادع السياسي , والرادع الإجتماعي , لما يمثلانه من فاعليات واقعية ملموسة في عالم البشر وإدارة شؤن المجتمعات ومواجهة أصحاب السلطة ورجال الإدارة المنوط بهم تنفيذ الخطط والبرامج التي يعود نفعها علي المجتمعات من خلال برامج سياسية وخطط إقتصادية , ومن هنا يمكن أن يكون الرادع السياسي له دور في تعرية وفضح الأنظمة التي تتغافل عن تحقيق مطالب الشعوب ومتطلبات الأوطان من ضرورات التقدم والرفاهية والإذدهار , وذلك بواسطة الأحزاب السياسية والنقابات والهيئات والمؤسسات المدنية التي يمكن أن يكون لها دور فاعل في تعديل مسار تلك الأنظمة التي تنحرف بمفهوم المشروعية القانونية العليا في المجتمع الذي تحكمه سيادة القانون والمؤسسات والرقابة الشعبية والتشريعية المبنية علي إرادة الجماهير والوعي الجمعي بمصالح المجتمع العامة والخاصة بعيداً عن التمييز بين فئة وأخري أو دين وآخر أو اللون أو النوع أو الجنس , وذلك بمفهوم دولة المواطنة التي تتوزع فيها الحقوق المقابلة بواجبات متعادلة بحيث لايطغي حق علي واجب , أو يتميز بعض الناس علي البعض الآخر بأي مميزات أياً كانت فالجميع أمام القانون سواء لافرق بين مواطن وآخر في الحقوق والإلتزامات والواجبات , مع مراعاة المصلحة العليا للوطن والتي يقدرها المواطنون جميعاً من خلال مجموعة من الخطوط الحمراء يتفق عليها المواطنون , بحيث إذا ظهر أي خط من الخطوط الحمراء المتفق عليها يتكاتف جميع المواطنون للوقوف أما م الأزمة أو المشكلة التي يمكن أن تشكل خطراً علي البنيان الإجتماعي والإقتصادي والأمني علي جميع الجبهات , وهذه المبادئ تتم فاعلياتها في الدول الديمقراطية التي تقوم علي مبدأ المصارحة والشفافية في إدارة شؤنها السياسية والإقتصادية والإجتماعية والشؤن الداخلية والخارجية بل وحتي القرارات العسكرية والمصيرية المتعلقة بمواجهة أي عد وان يهدد السلام الإجتماعي والأمن الجمعي العام .
أما في الدول المتخلفة المبنية علي أسس ودعائم الفساد والتسلط والإستبداد , والمقامة برامجها وخططها علي السلب العام والنهب العام المنظم من خلال برامج تخضع في الأساس لإرادات خارجية عن إرادات المواطنين وإرادة الوطن , ومن ثم تضيع كل الحقوق وتثقل أعباء الواجبات في مواجهة الحقوق المسلوبة والمنهوبة من المواطنين أصحاب الحق فيها لتصب في النهاية في خزائن وجيوب أصحاب السلطة والشرطة , وأصحاب الثروة والمنعة من لصوص الأوطان فلا ينفع معهم الرادع السياسي حيث القوانيين يتم تفصيلها علي مقاسات وجود حاكم فرد يحكم بالأمر المباشر من سلطة الفساد و معاونيه من المفسدين للوطن والمواطنين , فهؤلاء لاينفع معهم رادع سياسي علي الإطلاق وإنما الذي يتوجب البحث عنه هو الرادع الإجتماعي الرافض لكل أشكال سلطة الفساد وتفعيل دور المواطنين في مقاطعة سلطة الفساد مقاطعة إجتماعية من جميع الجهات والصلات الإجتماعية , فلاشراء ولابيع ولارهن ولا أستبدال , ولامشاركة في مناسبات إجتماعية كواجب العزاء أو المشاركة في المسرات والمناسبات السعيدة أو زيارة مريض لهم أو تزويجهم أو الزواج منهم بل حتي يتوجب علي المواطنين عدم النظر إليهم حينما تتلقي العيون في الطريق العام , وهذا الرادع الإجتماعي سهل وميسر فعله فهو لايكلف شئ سوي الرفض لسلطة الفساد وأعوان سلطة الفساد علي الإطلاق في جميع أمور الحياة , ومن يخرج علي هذا الإطار الطوعي ويفك هذا الحصار الإجتماعي فإنه يتوجب مقاطعته إجتماعياً وهذا له مايسانده ويؤيده في المفهوم الديني وفي المفهوم الإجتماعي علي السواء , بل وفي المفهوم السياسي , لأنه حينما يتعلق الأمر بمصلحة الأوطان فلاتسامح ولاتهاون , ولاملاينة أمام مصلحة الوطنالعليا .
فمصلحة الوطن تتوجب دائما إزاحة سلطة الفساد بكافة الطرق السلمية المعهودة ومن ضمن هذه الطرق الرادع السياسي والرادع الإجتماعي الذي يمكن أن يتفعل دوره إلي حالة من حالات العصيان المدني الإجتماعي الرافض لسلطة الفساد بعد أن تعود وتمرن علي مقاطعة سلطة الفساد من الناحيةالإجتماعية وتفعيل دور الرادع الإجتماعي ليقوم بالتالي في أداء الدور الرائع في العصيان المدني الجامع الذي يشل حركة وكيان سلطة الفساد ويجعلها تفر مزعورة من الأوطان إلي حيث لاتعلم تلك السلطة الفاسدة وجهتها ومن هنا تعاد الأوطان المسلوبة المنهوبة للمواطنين وتبزغ شمس الحرية وتشرق شمس الأمل ونتنسم حرية في أوطاننا .
فهل يمكن أن نعي مفهوم الرادع الإجتماعي ؟
وهل لدينا الوعي بأهمية العصيان المدني الإجتماعي السلمي الآمن ؟
أعتقد لا خلاص من سلطة الفساد إلا بهذه الكينونة , ومن لديه طريق آخر فليتقدم وإنا خلفه لسائرون !!
#محمود_الزهيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟