مفهوم الذات : Self-concept 1

سعد سوسه

الحوار المتمدن-العدد: 7228 - 2022 / 4 / 24 - 13:54
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

وقد وضع فرويد الادراك الشعوري تحت مفهوم الأنا (Ego) ولذا فإن هذا المفهوم عنده يشبه في بعض جوانبه مفهوم الذات لدى بعض المنظرين المحدثين في سيكولوجية الذات .
والأنا عند فرويد هي خبرة الفرد عن ذاته أو مفهومه هو لذاته ، فهي ذلك الجانب الذي يمس الواقع الخارجي أو يتصل به مباشرة وهي لذلك تمثل الواقع كما يتراءى للحواس( 26 ) . فهي تمثل كل ما هو عقلاني في الحياة العقلية للفرد ، كما أنها مجموعة من العمليات العقلية مثل الادراك والتفكير ، فهي التي تحدد محتوى الشعور وتفرق بين الواقع والخيال ، وفي بعض الأحيان يقصد فرويد بالأنا الشخص ، وفي أحيان أخرى يقصد عملية تعمل على تحقيق التوازن النفسي بين الهو (Id) والأنا العليا(Super ego) ويصفها أيضاً على انها قوة تنفيذية (Executive powers) تتجاوز العمليات المعرفية( 27 ) . وقد ركز فرويد على أهمية اللاشعور والمحددات اللاشعورية غير العقلانية للسلوك كجزء أساس من مكونات الذات .
وأكد سوليفان (Sullivan , 1940) على أن الفرد يولد دون ان يكون لديه مفهوم لذاته ، ولكنه نتيجة للخبرة التي يتعرض لها من خلال تفاعله مع البيئة يتكون عنده هذا المفهوم ويتطور . ويعد سوليفان الذات (Self) بمثابة منظومة من أساليب يكتسبها الفرد وهذه المنظومة تجعله آمناً ، لأن هذه الأساليب الناتجة عنها تتوافق مع رغبات الأبوين (في الصغر) ، فيلقى التعزيز الموجب في الوقت الذي قد يتلقى العقاب وما يصاحبه من قلق اذا لم تؤدِ هذه الأساليب السلوكية ما يراد منها . ويطلق على المنظومة الاولى وما ينتج عنها بالذات الطيبة ، والمنظومة الأخرى بالذات الشريرة ، فوجود الذات المتوافقة تعد حماية للفرد من التعرض للعقاب ، بينما وجود الذات غير المتوافقة الشريرة تعد مصدراً للقلق والمعاناة ( 28 ) .
وبذلك عد سوليفان الذات أهم دينامية في الشخصية ، وأكد على أهمية المواقف الاجتماعية والعلاقات مع الآخرين في تطور الذات وتكوين صورة الفرد عن نفسه ، أما ألبورت ، فقد فضل استخدام مصطلح الجوهر (Proprium) بدلاً من الذات ، ويمثل الجوهر مكاناً مهماً في نظريته . ولم يفرق ألبورت بين الأنا والذات بسبب الاضطراب الذي ساد في استخدام مصطلح الذات ، والذات لديه هي كل جوانب حياتنا التي نعدها لنا والتي تخصنا (Ours) بشكل صريح ، وتتألف من سبعة جوانب هي :
" الاحساسات ـ هوية الذات من خلال الزمان ـ الوجود المستمر ـ تقدير الذات ـ التوكيد وحب الذات ـ امتداد الذات (Self-extension) التوحد مع الآخرين ـ العقلانية(Rationality) أي التخطيط والتفاعل مع الظروف ـ الصورة الذهنية للذات (Self-Image) الكفاح (Striving) أي اندفاع الفرد في سلوكه لتعزيز الصورة الذهنية للذات " . وأكد ألبورت أنه ليس للانسان ذات شاملة وأن الشخص الناضج هو امتداد حقيقي لجميع مفاهيم الذات التي حصل عليها في مرحلة الرشد .
واعتبر البورت أن تقبل الذات والشعور بالأمن والقدرة على الانتماء الى الآخرين هي من خصائص الشخصية الناضجة والمتوافقة توافقاً حسناً مع البيئة ووصولاً الى صاحبها بالصحة النفسية السليمة .
ويعد يونج (young) الذات المركز المنظم الذي يحقق الامتداد المستمر للشخصية وتفتحها ، ويمثل تكامل الشخصية بجوانبها الشعورية واللاشعورية ، وهي نقطة الوسط في الشخصية تتجمع حولها الأنظمة الأخرى ، وتكون قادرة على إعطاء التوازن للشخصية كلها. حيث تمثل الذات الوحدة والكلية أو الكفاح نحو التكامل والتوحيد . فهي عبارة عن مركب (Complex) من الصور الذهنية (Mental -Image) التي تشكل مجال الشعور (Conscious field) وهي تمتلك درجة عالية من التواصل (Continuity) والهوية (Identity) ( 31 ) .
أما أدلر (Adler) فقد عد الذات أساس بناء الشخصية وهي تكوين فرضي (Hypothetical construct) ولكي تتضح آثار هذا التكوين الفرضي في سلوك الفرد وأدائه فإن هذه الذات تعمل من خلال ما يقدمه المجتمع للفرد ، حيث اعتبر أدلر (Adler) الذات المتفردة متغيراًً وسيطاً (Intervening variable) تقع ما بين العالم الخارجي المملوء بالمثيرات والاستجابة لهذه المثيرات ( 32 ) . فهي بذلك تمثل نظاماً شخصياً وذاتياً يفسر خبرات الانسان ويعطيها معناها ، حيث أن الذات تبحث عن الخبرات التي تساعد على تحقيق أسلوب الشخص الفريد في الحياة وفكرته عن الذات الخلاقة أي أن الانسان يصنع شخصيته ويخلق الهدف كما تخلق الوسيلة لبلوغه . وبذلك عد الذات نظاماً داخلياً ذا صفة شخصية تضفي على صاحبها طابعاً حياتياً مميزاً ( 33 ) .
أما أريكسون( Erikson) فقد وصف نمو الأنا (Ego) بمراحل ثمان ، فكلما نما الطفل واجه علاقات انسانية واسعة وتعرض لمهمات مختلفة ، والحل للمشكلات المحددة في كل مرحلة من المراحل النفسية الاجتماعية تحدد مدى توافق الفرد ، وبذلك أكد أريكسون على النمو الاجتماعي النفسي .
إن التأكيد على القوى الاجتماعية والحضارية بدلاً من التأكيد على الدوافع الغريزية وحدها هو ما يميزه عن فرويد ويضعه مع الفرويديين الجدد . ففي كل مرحلة من مراحل النمو يفترض أريكسون وجود أزمة اجتماعية نفسية تنجم عنها جهود الفرد لحل المشكلات التي تواجهه في تلك المرحلة ، وأن شخصية الفرد ومفهومه عن ذاته يتوقف على الطريقة التي يعالج بها هذه المشكلات ، وأن ما يميز مراحل أريكسون هو امتدادها بعد الطفولة لتتضمن أزمات المراهقة والرشد ، ويرى أن عملية النمو لا تقتصر على السنين الآولى بل تمتد على مدى الحياة ، وفي عملية النمو هذه فإن هوية الأنا (Ego Identity) هي الشيء المركزي .
ويعد روجرز (Rogers, 1942) من أكثر العلماء اهتماماً بمفهوم الذات ، الذي جعل من المفهوم أساساً لنظريته في العلاج النفسي والارشاد وعرفت بنظرية الذات أو النظرية المتمركزة حول الذات (Self centered theory) ( 34 ) .
وغالباً ما يشار الى هذه النظرية بأنها الأنموذج الأمثل في نظريات الذات التي أطلق عليها النظرية الظاهراتية ، وجاءت هذه التسمية لأنها تهتم بالظواهر المحيطة بالفرد . حيث ترى هذه النظرية أن الظواهر الواقعية كما يقيمها الفرد ويدركها هي العامل الذي يؤثر في السلوك وليس في الواقع كما هو . ويعد مفهوم الذات عند أنصار هذه النظرية نواة الشخصية وقد جعلوها المركز الرئيس في نظرياتهم .
وتمثل الذات عند روجرز المحور الرئيس للشخصية ، والذات هي الجزء المتمايز من المجال الظاهري وتتكون من نمط المدركات أو التصورات والقيم الشعورية التي يكونها الفرد عن نفسه ، نتيجة لتفاعل الفرد مع البيئة . وهذه الذات تسعى الى التوافق والانسجام وتنمو نتيجة للنضج والتعلم ، وهي تتغير بإضافة عناصر جديدة مع محافظتها على خاصيتها بكونها نمط منظم ومتماسك .
ويعتقد روجرز أن الانسان يتفاعل مع البيئة وبشكل خاص مع الناس المهمين في حياته كالوالدين والاخوة والاخوات والاقارب ويبدأ بتطوير مفهوم الذات الذي يكون قائماً الى حد كبير على تقييمات الاخرين . ويمكن تعلم هذا المفهوم من خلال مجرى التنشئة الاسرية التي يمر بها الانسان سعياً لتحقيق ذاته ( 35 ) والحصول على تقدير اجتماعي ايجابي من خلال ردود الأفعال الاجتماعية نحوه ، حيث تعد الاتجاهات والمعايير والقيم معياراً لتقويم الذات الاجتماعي.
أما شافلسون وجماعته (Shavelson et al , 1976) فقد قاموا بتلخيص البحوث التي أجريت في موضوع الذات وتوصلوا الى تحديد سبعة ملامح أساسية لمفهوم الذات وهي :
" انه منظم – متعدد الجوانب – له تنظيم هرمي – مستقر أو ثابت –نمائي - تقويمي – ومتمايز عن التكوينات الاخرى ( 36 ) .
وبعد أن تم عرض وجهات نظر مدارس علم النفس ومنظريها في التوافق النفسي والاجتماعي ومفهوم الذات فسوف تتبنى الباحثة الاتجاه الظاهراتي (الفينومينولوجي) إطاراً نظرياً لكلا المتغيرين ، إذ يتصف هذا الاتجاه بأنه ينظر الى المفاهيم النفسية ومنها التوافق النفسي والاجتماعي ومفهوم الذات نظرة شاملة كلية ويؤكد بان الظواهر النفسية تتجه نحو أهداف معينة أي انها تتضمن القصدية والغائية في التوافق النفسي والاجتماعي وبناء مفهوم الذات . فضلاً عن أن هذا الاتجاه يتسم بنظرته الانسانية الى الانسان الذي له القابلية للنمو والتطور والابداع ، وكل ما سبق ليس بمعزل عن الاطار المرجعي للانسان المتمثل بخبراته وتجاربه الحياتية .



المصادر العربية
1 . جلال ، سعد (1985): المرجع في علم النفس ، دار الفكر العربي ، القاهرة .
2 . كاظم ، علي مهدي (1990): بناء مقياس مقنن لمفهوم الذات لدى طلبة المرحلة الإعدادية ، رسالة ماجستير(غير منشورة ) ، كلية التربية الأولى ، جامعة بغداد .
3 . منصور ، طلعت وآخرون (1978): أسس علم النفس العام ، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة .
4 . بكر ، محمد الياس (1979): قياس مفهوم الذات والاغتراب لدى طلبة الجامعة ، أطروحة دكتوراه ( غير منشورة ) ، كلية التربية / ابن رشد ، جامعة بغداد.
5 . جورارد ، سدني ، ولاندزمن (1988): الشخصية السليمة ، ترجمة :حمد دلي الكربولي وموفق الحمداني ، مطبعة التعليم العالي ، جامعة بغداد .
6 . صالح ، قاسم حسين (1988): الشخصية بين التنظير والقياس ، مطبعة
التعليم العالي ، بغداد.
7 القيسي ، عامر ياس خضير (1997):النضج الانفعالي وتقبل الذات وتقبل الآخرين عند الطلبة المسرعين والمتميزين وأقرانهم العاديين ( دراسة مقارنة ) ، أطروحة دكتوراه (غير منشورة ) كلية التربية / ابن رشد ، جامعة بغداد .
8 . أبو زيد ، ابراهيم أحمد (1987): سيكولوجية الذات والتوافق ، دار المعرفة الجامعية ، الإسكندرية .
9 . قنديل بثينة (1970): علم النفس عبر العصور ، مطابع الرجوي ، القاهرة .
10 . غنيم ، سيد محمد (1973): سيكولوجية الشخصية محدداتها قياسها نظرياتها ، دار النهضة العربية ، القاهرة .
11 . بكر ، محمد الياس ، مصدر سابق .
12 . أبو زيد ، ابراهيم أحمد ، مصدر سابق .
13 . عبد الدائم ، عبد الله (1975): التربية عبر التأريخ ، ط2 ، دار العلم للملايين ، بيروت.
14. فرحان ، محمد جلوب (1989): دراسات في فلسفة التربية ، مطبعة التعليم العالي ، جامعة الموصل.
15. الحوامدة ، مصطفى (1998): أثر الجنس وأنواع التعليم الثانوي في مفهوم الذات لدى الطلبة الملتحقين بها ، دراسة ميدانية ، مجلة جرش للبحوث والدراسات ، جامعة جرش .
16 . هول ولندزي ، ج (1971): نظريات الشخصية ، ترجمة: فرج أحمد فرج وآخرون ، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر ، القاهرة .
17 . بكر ، محمد الياس ، مصدر سابق .
18 . المراياتي ، كامل جاسم (2001): مخاطر الفجوة بين الذات والآلة " مجلة دراسات اجتماعية " قسم الدراسات الاجتماعية في بيت الحكمة ، بغداد ، العدد 12 ، السنة الثالثة.
19 . كاظم ، علي مهدي (1990): بناء مقياس مقنن لمفهوم الذات لدى طلبة المرحلة الإعدادية ، رسالة ماجستير(غير منشورة ) ، كلية التربية الأولى ، جامعة بغداد .
20 . سمين ، زيد بهلول (2000): قلق المستقبل وعلاقته بمفهوم الذات لدى طلبة الجامعة المستنصرية ، أطروحة دكتوراه (غير منشورة )، كلية الآداب ، الجامعة المستنصرية .
21 . هول ولندزي ، مصدر سابق .
22 . المراياتي ، كامل جاسم ، مصدر سابق .
23 . غنيم ، سيد محمد مصدر سابق .
24 . هول ولندزي ، مصدر سابق .
25 . الكيال ، الكيال، دحام (1977): دراسات في علم النفس ،ط3، مكتبة الشرق الجديد ، بغداد .
26 . نايت ، ومرجريت وركس نايت (1959): المدخل إلى علم النفس الحديث، تعريب : عبد علي الجسماني ، مكتبة النهضة ، بغداد .
27 . الدباغ ، كفاح شيت(1997) مفهوم الذات وعلاقته بمركز السيطرة لدى الأطفال في دور الدولة وأقرانهم ، رسالة ماجستير (غير منشورة)، كلية الآداب ، جامعة بغداد.
28 . داؤد ، عزيز حنا وناظم هاشم العبيدي (1990): علم نفس الشخصية ، دار الكتب للطباعة ، جامعة الموصل .
29 . الدباغ ، كفاح شيت ، مصدر سابق .
30 . زهران ، حامد عبد السلام ـ (1980): التوجيه والإرشاد النفسي ، ط2، عالم الكتب ، القاهرة.
31 . السهروردي ، خنساء ناصر الدين (1989): مفهوم الذات لدى أطفال معوقي الحرب ، رسالة ماجستير (غير منشورة ) ، كلية الآداب ، جامعة بغداد.
32 . داؤد ، عزيز حنا وناظم هاشم العبيدي ، مصدر سابق .
33 . داؤد ، عزيز حنا وناظم هاشم العبيدي ، مصدر سابق .
34 . دنكن ، ميشيل ، مصدر سابق .
35 . الحوامدة ، مصطفى ، مصدر سابق .
36 . الشماع، نعيمة (1977) :الشخصية النظرية التقييم ، مناهج البحث ، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، معهد البحوث والدراسات ، القاهرة .

#سعد_سوسه (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات