أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - سعد سوسه - نشاطها السياسي وأثره في توليها الوزارة ج 2















المزيد.....


نشاطها السياسي وأثره في توليها الوزارة ج 2


سعد سوسه

الحوار المتمدن-العدد: 7108 - 2021 / 12 / 16 - 06:33
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


في الرابع عشر من أيار 1959, ألقى الزعيم عبد الكريم قاسم خطاباً بمناسبة عقد مؤتمر اتحاد الصناعات في الجمهورية العراقية, لمح فيه بشكل غير مباشر إلى الشيوعيين بأنه يعمل على إشراكهم في الحكم, إذ قال : " أنني نصير الفقراء ونصير العامل ونصير الفلاح ونصيركم, وأنني نصير المرأة وأنتصر إليها فأن المرأة أيها السادة لأول مرة في تاريخ المشرق العربي سوف تشاركنا في الحكم, أيها الأخوات أيها السادة أن المرأة قريباً سوف تشاركنا في الحكم وسوف تكون عضواً في الوزارة القادمة" ( 13 ) .
كان ذلك الخطاب إشارة واضحة إلى الدكتورة نزيهة الدليمي, المقربة من عبد الكريم قاسم, الذي عدها شيوعية لكنها غير مرتبطة بالتزامات تجاه الحزب الشيوعي في ذلك الوقت, حسب ما أكدته البرقية التي بعث بها همفري ترفليان إلى حكومته في التاسع عشر من تموز 1959اذ يقول : " أطلعت على تقارير سرية تشير إلى أنه في أيار من هذه السنة, عدها قاسم (ويقصد نزيهة الدليمي). شيوعية ولكنها غير مرتبطة بالتزامات تجاه الحزب الشيوعي في الوقت الحاضر. ولذلك فقد يكون صحيحاً أيضاً أنها أبعدت نفسها عن الحزب بشكل وقتي أو دائمي. وأنني أنقل أليكم هذه المعلومات لأنني أعتقد بأنها صحيحة على الأكثر. وقد تكون هذه المعلومات متطابقة مع خطة قاسم الواضحة بأن يضع في حكومته عدة أشخاص من ذوي الميول الشيوعية, ولكنه في الوقت نفسه لا يدع مجالاً للحزب الشيوعي أن يكون ممثلاً في الحكومة بصفته حزباً " ( 14 ) .
في الخامس من تموز عام 1959, عقد الزعيم عبد الكريم قاسم مؤتمراً صحفياً قال فيه : " أن التعديل الوزاري قريب جداً وقاب قوسين أو أدنى وان المرأة عندما تشترك في الوزارة فهي تمثل المرأة مهما كان عددها, ليست القضية قضية العدد وإنما الأصل هو المبدأ.... أن المرأة ستشترك في الوزارة قبل ذكرى ثورة 14 تموز" (15 ) .
ساهمت تلك الخطابات في طمأنة الحزب الشيوعي الذي سارع إلى إيقاف حملته التثقيفية للمطالبة بالاشتراك في الحكم, وهذا ما يظهر في تقرير اللجنة المركزية الصادر عن اجتماعها المنعقد في الخامس عشر من تموز عام 1959, الذي أشار إلى أن طرح شعار المشاركة في الحكم بمعزل عن قيادة الحكم, هو عمل انعزالي خاطئ, وان مبادرة الحزب في طرح الشعار مبني في اعتباره على التعديل الوزاري المنوي أجراءه آنذاك.
في الثالث عشر من تموز عام 1959, صدر المرسوم الجمهوري رقم 480 بالتعديل الوزاري الجديد, وهو الثالث منذ قيام الثورة. وكالاتي :
" استناداً إلى المادة الثانية من قانون السلطة التنفيذية رقم 74 لسنة 1959 ونظراً لاستحداث وزارات جديدة وإلغاء وزارات أخرى أو بتبديل أسماء بعضها وضرورة إشغال المناصب الوزارية الشاغرة قبل يوم 14 تموز 1959 وبالنظر لما تقتضيه المصلحة العامة رسمنا بما هو آت :
أولاً: تبدل أسماء الوزارات التالية كما في أدناه :-
- وزارة التربية والتعليم بوزارة المعارف.
- وزارة العدلية بوزارة العدل.
- وزارة المواصلات والأشغال بوزارة المواصلات.
ثانياً : تلغى الوزارات التالية على أن تندمج بوزارات أخرى وفقاً للقانون رقم 74 لسنة 1959.
– وزارة الاقتصاد.
– وزارة الإعمار.
ثالثاً : تستحدث الوزارات التالية :
- وزارة التخطيط.
- وزارة البلديات.
- وزارة الأشغال والإسكان.
- وزارة النفط.
- وزارة الإصلاح الزراعي.
- وزارة التجارة.
- وزارة الصناعة.
رابعاً : يعين الوزراء بالمناصب التالية :
الدكتور طلعت الشيباني وزيراً للتخطيط بدلاً من وزارة الإعمار.
الدكتورة نزيهة الدليمي وزيرة للبلديات.
السيد عوني يوسف وزيراً للأشغال والإسكان.
الدكتور فيصل السامر وزيراً للإرشاد.
السيد عبد اللطيف الشواف وزيراً للتجارة.
الدكتور إبراهيم كبة وزيراً للإصلاح الزراعي ووزيراً للنفط وكالة.
تسند وزارة الصناعة بالوكالة إلى السيد محمد حديد وزير المالية.
خامساً :على رئيس الوزراء تنفيذ هذا المرسوم. كتب ببغداد في اليوم السابع من شهر محرم الحرام سنة 1379هجرية المصادف لليوم الثالث عشر من شهر تموز سنة 1959م.
رئيس الوزراء مجلس السيادة " (16 ) .
وبصدور ذلك المرسوم, شغلت الدكتورة نزيهة الدليمي منصب وزيرة البلديات, لتكون أول امرأة في تاريخ العراق والمشرق العربي الحديث تصل إلى منصب وزاري, وذلك بعد أن أصبح المرسوم الجمهوري سابق الذكر نافذاً من خلال نشره في جريدة الوقائع العراقية .
تعددت الآراء في موضوع تعيين الدكتورة نزيهة الدليمي في منصب وزاري, فمنهم من يعتقد بان عبد الكريم قاسم أراد أن يعد ذلك مظهراً من مظاهر تقدمية نظامه, وأن يثبت للعالم الخارجي أن العراق أول دولة عربية تقدم على مثل هذه الخطوة, في حين عده آخرون حلاً وسطاً أكد استقلالية عبد الكريم قاسم من جهة, وهدأ الشيوعيين من جهة أخرى, مقابل التراجعات التي قدموها بإيقاف حملتهم التثقيفية للاشتراك في السلطة وأن ذلك تم بالاتفاق بينها وبين عبد الكريم قاسم لسد النافذة التي فتحها الحزب الشيوعي, بمطالبته بالاشتراك بالوزارة, وأن اختيارها كوزيرة لم يكن له تأثير في سياسته .
الراجح في أمر تعيين الدكتورة نزيهة الدليمي في الوزارة هو محاولة عبد الكريم قاسم كسب ود الشيوعيين, وإقناعهم بأنهم اشتركوا في الوزارة عن طريق حصول نزيهة الدليمي على وزارة البلديات, كما انه لم يكن يعدها شيوعية فاعلة ومؤثرة, وبالتالي فهي لا تؤثر في سياسته, وهذا ما أكده تقرير السفارة الأمريكية في بغداد إلى خارجيتها الذي نص على : " أن هذه التعيينات جاءت حلاً وسطاً بين عبد الكريم قاسم والحزب الشيوعي العراقي, إذ ليس فيهم من هو شيوعي معروف " , وكان تعليق السفارة البريطانية في بغداد حول ذلك التقرير قول سفيرها : " أنني أؤيد هذا التقويم وأعتقد انه ينبغي أن ينظر إلى هذه التعيينات كأقل ما يعتقد قاسم انه ملزم بتلبيته من مطالب الحزب الشيوعي للمشاركة في الحكومة التي لا تكون مجازفة تثير ردة فعل عنيفة من الشيوعيين وفيما لو كان هذا صحيحاً فأن هذه التعيينات لا تطابق سياسة قاسم الأكثر شدة تجاه الشيوعيين مؤخراً " . وأكد ذلك وزير الخارجية العراقي هاشم جواد عن لقائه بالسفير البريطاني في بغداد, إذ قال له : " لا يوجد أي وزير في الحكومة منتم للحزب الشيوعي, وحتى نزيهة الدليمي فما هي إلا ذيليه لهم, مثلما كان عوني يوسف ذيلياً للملا مصطفى البرزاني" , أما عن مدى معرفة نزيهة الدليمي بأمر تعيينها كوزيرة, وهل كان بالاتفاق مع عبد الكريم قاسم, فالراجح انه لم يكن صحيحاً, إذ أنها تذكر في لقاء معها نشرته جريدة الشرق الأوسط في السادس والعشرين من تشرين الأول عام 2007 " اتصل بي مرافق الزعيم في ذلك الصيف القائظ من عام 1959 طالباً مني الحضور إلى وزارة الدفاع, لم أكن أملك ثمن التاكسي, لذلك ركبت الباص رقم (4) الذاهب إلى الباب المعظم, حيث تقع وزارة الدفاع, ثم نزلت وسرت مسافة طويلة تحت الشمس الحارقه, من البوابة الخارجية حتى بلغت مكتب قاسم,وأنا أتساءل عن سبب استدعائي. وبعد لقائي به قال انه بصدد استحداث وزارة جديدة للبلديات وطلب مني اقتراح هيكل لها وان أكون وزيرتها, نظرت له بدهشة وقلت أنا مواطنة بسيطة وطبيبة لا تفهم شيئاً بالوزارات, لكنه ضحك وشجعني قائلاً انه يثق بي وبقدرات النساء على المشاركة في بناء البلد" .
على الرغم من ذلك عد الشيوعيون تعيين نزيهة الدليمي في الوزارة نصراً لهم, وراحوا يتظاهرون ابتهاجاً ورددوا هتاف " نزيهة صارت بالحكم موتوا يبعثية" , كما أبرقت هيئة تحرير صحيفة اتحاد الشعب الناطقة باسم الحزب الشيوعي العراقي إلى رئيس الوزراء البرقية التالية: " بانتقائكم العناصر الوطنية المخلصة إلى الوزارة أنزلتم ضربة جديدة على الاستعمار والرجعية وأنجزتم خطوة جديدة لتوطيد الحكم الجمهوري الديمقراطي وتعزيز التضامن بين الشعب وحكومته الوطنية تحت زعامتكم" . وفي السادس عشر من تموز 1959 حضرت الدكتورة نزيهة الدليمي أول اجتماع لمجلس الوزراء, بصفتها وزيرة للبلديات ضمن التشكيلة الوزارية الجديدة .
قدمت نزيهة الدليمي خدمات كثيرة إثناء مدة تسلمها لوزارة البلديات على الرغم من قُصر تلك المدة, إذ أنها لم تدم سوى عشرة أشهر, حاولت خلالها تقديم الخدمات البلدية إلى كافة المناطق, من خلال النزول إلى ميادين العمل والإشراف المباشر على تنفيذ المشاريع, ويذكر المحامي طارق حرب إنها في آب من عام 1959 زارت منطقة الزعفرانية التي كان والده مختاراً لها ويقول : " دهشنا واستغربنا, إذ هل سيتولى وزير زيارة هذه المنطقة الشعبية وهذا الوزير امرأة... شاهدناها وكانت ترتدي النظارات بسبب الغبار الذي يسببه الشارع العام في المنطقة.تفقدت المنطقة وسألت الكبير والصغير والرجل والمرأة عن حاجة المنطقة ووعدتنا خيراً في تنفيذ مطالبنا. وبعد أيام شاهدنا المكائن التي ابتدأت بتبليط الشارع العام للمنطقة" .
كانت نزيهة الدليمي تجوب كافة مناطق العراق, وتعقد الاجتماعات مع كل رؤساء البلديات, ففي العشرين من آب عام 1959, عقد مؤتمر مهندسي مشاريع الماء والكهرباء في الجمهورية العراقية, وكان الهدف منه وضع دراسة فنية لمشاريع الماء والكهرباء في كل لواء وقضاء وناحية, سواء من ناحية تأسيس مشاريع جديدة أو من ناحية توسيع المشاريع التي كانت قائمة, إذ أن تلك المشاريع كانت تنفذ بشكل ارتجالي وعلى أساس تقدير غير دقيق, وتنفذ بكثير من التبذير وفي تصريح لها لجريدة اتحاد الشعب, أعلنت فيه بأنه تم تكليف المهندسين لإجراء مسح دراسي شامل لمشاريع الماء في العراق, وتوقعت أن يستغرق ذلك شهرين, وآخر لمشاريع الكهرباء يستغرق ستة أشهر, الغرض من ذلك هو معرفة الوزارة كل شيء عن حاجات البلديات في هذه الناحية ووضع خطط مستقبلية على ضوئها .
كان هم الدكتورة نزيهة الدليمي ينصب نحو تحقيق مشروع آخر ومهم هو أن يكون رؤساء البلديات وأعضاء هيئاتها منتخبين من قبل الشعب, وليس معينون من قبل الحكومة, وسعت إلى تحقيق ذلك من خلال دعوتها لعقد مؤتمر في الخامس من أيلول عام 1959, لرؤساء ومهندسي البلديات, لدراسة ميزانيتها وإدارتها ومشاريعها, كما جاءت بهيئة قانونية من أجل وضع قانون ينظم عملية انتخاب أعضاء المجالس البلدية باعتبارها مستقلة عن الحكومة, وقدمت ذلك القانون إلى الزعيم عبد الكريم قاسم ولكن الأخير رفضه ولم يسمح به , دون ذكر أسباب رفضه, أما فيما يتعلق بتوجهها لترسيخ أسس الديمقراطية في الجمهورية العراقية هو إصدارها لقرار عمم على كافة المديريات التابعة للوزارة, وعلى رؤساء البلديات, منعت بموجبه منعاً باتاً فصل عمال البلديات لمجرد أنهم أعضاء في النقابات الخاصة بهم, كما نص القرار على إعادة جميع العمال الذين فصلوا قبل ذلك للأسباب آنفة الذكر .
ساهمت الدكتورة نزيهة الدليمي في تنشيط وزارة البلديات, وأخذت بتنظيم عمل الوزارة, إذ وافق مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في الثاني عشر من آب 1958على إقرار لائحة نظام وزارة البلديات, بعد أن قدم بكتاب الأخيرة المرقم 11627في السابع والعشرين من تموز ودقق من قبل ديوان التدوين القانوني حسب كتاب وزارة العدل المرقم ( ل 142 / 19 بتاريخ 11 / 8 / 1959 ) فضلاً عن تعديل عدد من لوائح القوانين المرتبطة بوزارة البلديات مثل قانون تبليط الشوارع رقم 83 لسنة 1936 لائحة نظام تعديل نظام الطرق والأبنية رقم 44 لسنة 1935 , ولائحة قانون تأجيل استيفاء رسم تأسيس مشروع المجاري في العاصمة بغداد لمدة سنة واحدة .
سعت الوزيرة الدكتورة نزيهة الدليمي إلى تطوير خدمات البُنى التحتية, لاسيما ما يتعلق منها بصحة الناس, إذ أنها قدمت طلباً إلى مجلس الوزراء في الخامس من آب 1959, اقترحت فيه تعيين الدكتور محمد الجلبي, رئيس الصحة القائم بأعمال مدير الصحة العام عضواً في هيئة إدارة مصلحة ماء بغداد, ووافق المجلس على ذلك الطلب كما تم تعيين عبد المهدي القيم مديراً عاماً لمصلحة المجاري في العاصمة بغداد, كونه من المهندسين الأكفاء, ويحمل شهادة الماجستير في الهندسة الصحية وهندسة الإنشاءات من جامعة مشيكان الأمريكية
لم تقتصر جهود الوزيرة نزيهة الدليمي على ما سبق ذكره, بل إنها عملت على تطوير عمل الوزارة من ناحية الخبرات العلمية, إذ إنها أوفدت عدداً من المهندسين إلى الدول المتقدمة في مجال الخدمات البلدية للإفادة من خبراتها في تطوير عمل الوزارة, ففي السادس عشر من آب عام 1959, تم إيفاد مدير البلديات العام في الجمهورية العراقية إلى كل من جيكوسلوفاكيا وهولندا, كما تم إيفاد عدد آخر من الموظفين إلى دول أوربية مختلفة كألمانيا الديمقراطية, وهولندا وبلجيكا والسويد والمملكة المتحدة, لغرض انتقاء الخبراء والمهندسين الذين تحتاجهم الوزارة في ديوانها, والمديريات التابعة لها , فضلاً عن استقدام أربعة مهندسين من ذوي الخبرة في شؤون الماء والكهرباء من ألمانيا الديمقراطية, لدراسة حاجة الوزارة والمديريات التابعة لها من الفنيين أما في مجال تحديث وسائط العمل فقد تم استيراد عدداً من المعدات الميكانيكية الحديثة من دول متقدمه في هذا المجال كالاتحاد السوفيتي, فضلاً عن اعتماد الشركات ذات الاختصاص في تجهيز المشاريع كالماء والكهرباء والصرف الصحي
شهدت مدة وزارة الدكتورة نزيهة الدليمي توتر في العلاقة بين عبد الكريم قاسم والحزب الشيوعي, وكان ذلك التوتر قد بدء منذ مطالبة الحزب الشيوعي بالاشتراك في السلطة, وخروج التظاهرة المليونية في الأول من أيار 1959, إذ أنها كشفت لعبد الكريم قاسم بان الحزب ليس مجرد قوى سياسية داعمة له ضد خصومه, بل انه يشكل خطراً عليه من حيث انه يملك نفوذاً شعبياً هائلاً, ويفكر أن يكون شريكاً في الحكم, وقد يزحف لاحقا على السلطة , وكان من نتيجة ذلك أن أغلقت صحيفة الحزب الرسمية في عدد من ألوية العراق, كما رفضت الحكومة طلب إجازة الحزب الشيوعي العراقي على الرغم من إصدارها لقانون الجمعيات (صدر بالرقم ( 1) لسنة 1960 في الأول من كانون الثاني على أن يدخل حيز التنفيذ ابتداءً من السادس من كانون الثاني 1960( يوم عيد الجيش ), وأعلنه عبد الكريم قاسم بمناسبة الذكرى التاسعة والثلاثين لتأسيس الجيش العراقي ) ( 17 ) , فضلاً عن حملات الاعتقال التي طالت عدداً من الشيوعيين في مختلف مناطق العراق, رافق ذلك حملة صحفية أخذت على عاتقها نشر فتاوى علماء الدين في النجف وكربلاء, التي نصت على أن الانتماء للحزب الشيوعي وتقديم الدعم له من اكبر الآثام التي يستنكرها الدين, وان صلاة المسلمين الذين يعتنقون الشيوعية وصومهم غير مقبولين بسبب غياب الإيمان, ولا يجوز للشاب الذي يحمل المبادئ الشيوعية أن يرث أباه ( 18 ) وكانت اشد تلك الفتاوى, الفتوى التي أصدرها السيد محسن الحكيم المرجع الأعلى في النجف الأشرف يوم الثاني عشر من شباط 1960 التي نصت على : " بسم الله الرحمن الرحيم ولله الحمد, لا يجوز الانتماء إلى الحزب الشيوعي فان ذلك كفر والحاد أو نزوع للكفر والإلحاد أعاذكم الله جميع المسلمين عن ذلك وزادكم أيماناً وتسليماً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته" ( 19 ).
واصل عبد الكريم قاسم تحجيم دور الحزب الشيوعي, فاصدر في السادس عشر من شباط 1960 مرسوماً جمهورياً بالرقم 116, والقاضي بإعفاء الدكتور إبراهيم كبه من منصبه كوزير للإصلاح الزراعي ( 20 ) , وكان الأخير قد شغل حقيبة وزارة الاقتصاد بعد قيام الثورة ثم وزارة الإصلاح الزراعي في الثالث عشر من تموز 1959, وهو ماركسي الفكر, كان حازماً وله صوت مسموع في مجلس الوزراء, وقد عده الشيوعيون ممثلاً لهم في الوزارة, كما كان له دور فاعل في معظم الاتفاقيات الاقتصادية التي عقدت مع الدول الاشتراكية, فضلاً عن دعمه للشيوعيين في مطالبهم للاشتراك في السلطة ( 21 ). وفي الثالث عشر من أيار 1960, صدر المرسوم الجمهوري ذي الرقم 263 ونص على تعيين الدكتورة نزيهة الدليمي بمنصب وزيرة دولة بدلاً من وزيرة البلديات, وتعيين السيد عباس البلداوي بدلاً عنها ( 22 ).
كان سبب إعفاء الدكتورة نزيهة الدليمي من وزارة البلديات وإعطائها حقيبة وزيرة دوله يصب ضمن أطار التوجه الجديد لعبد الكريم قاسم, وهو أبعاد الشيوعيين عن الوظائف العليا وتفتيت الحزب الشيوعي, وتأجيج الصراع بين قيادته, ويرى زكي خيري إن من المفروض أن تترك الدكتورة نزيهة الدليمي الوزارة نهائياً بعد تحويلها إلى وزيرة دولة, ولكن الحزب الشيوعي لم يشأ سحبها حرصاً منه على عدم الإكثار من أسباب القطيعة مع حكومة عبد الكريم قاسم(23 ) , إلا إن الأخير أراد أن يبعد كل ما له تأثير شيوعي على مجلس الوزراء بصورة كُلية, وذلك بإخراجه عدداً من اليساريين أو المتعاطفين معهم, بل وحتى ( جناح الوسط ) الذي كان يمثله الحزب الوطني الديمقراطي بعد إعفاء ممثليه في السلطة, ففي الخامس عشر من تشرين الثاني 1960, أجرى عبد الكريم قاسم التعديل الوزاري الخامس على وزرائه, والمتضمن إعفاء الدكتورة نزيهة الدليمي من منصب وزيرة الدولة ( 24 ) .
نتيجة لاشتداد الأزمة بين الحزب الشيوعي العراقي وعبد الكريم قاسم, تصاعدت التضييقات على المنظمات الديمقراطية وأعضاءها, وشنت حملة اعتقالات شملت أعداداً كبيرة من الشخصيات الديمقراطية والوجوه الاجتماعية, وتوسعت إلى حد كبير عمليات اغتيال الشخصيات الشيوعية والديمقراطية واليسارية في عدد من ألوية العراق( 25 ) . كانت الدكتورة نزيهة الدليمي من ضمن الشخصيات التي تعرضت للمضايقات والتهديد, إذ تم مهاجمة وغلق فروع رابطة المرأة العراقية في عدد من المدن, فضلاً عن إغلاق مدارس محو الأمية التي كانت تشرف عليها .
نتيجة لتلك الممارسات وشعوراً من قيادة الحزب الشيوعي العراقي بالخطر على حياة الدكتورة نزيهة الدليمي, صدر أمراً من قيادته في آب عام 1961, بإرسال وفد من كوادر الحزب للدراسة في المدرسة الحزبية في الإتحاد السوفيتي, وكانت هي من ضمن أعضاء الوفد , وبقيت هناك حتى قيام انقلاب الثامن من شباط 1963 .
المصادر




1 . حنا بطاطو,الكتاب الثالث, الشيوعيون والبعثيون والضباط الأحرار, ص99- 110.
2 . جريدة اتحاد الشعب, العدد 147, 18 / تموز / 1959.
3 . ليث عبد الحسين الزبيدي, ثورة 14تموز 1958في العراق, ط2, منشورات مكتبة اليقظة العربية, بغداد, 1981.ص 204.
4 . جريدة اتحاد الشعب, العدد 147, 18 / تموز /1959 ؛ ليث عبد الحسين الزبيدي, المصدر السابق, ص204.
5 . صالح مهدي دكله, من الذاكرة, سيرة ذاتية, تقديم : نزيهة الدليمي, ط1, دار المدى للثقافة والنشر, سوريا, 2000, ص54.
6 . صالح مهدي دكله، المصدر السابق, ص83.
7 . ثمينة ناجي يوسف ونزار خالد, سلام عادل سيرة مناضل, ج1,ط2, دار الرواد للطباعة والنشر, بغداد, العراق, د. ت., ص209.
8 . ثمينة ناجي يوسف ونزار خالد, المصدر السابق,ج1, ص215.
9 .حنا بطاطو, الشيوعيون والبعثيون والضباط الأحرار, ص 179- 198
10 . إبراهيم كبة, هذا هو طريق 14تموز, دار الطليعة, بيروت, د.ت, ص15.
11 . محمد حسن الجابري, الصراعات السياسية في العراق 1958- 1963, دار المرتضى, بغداد, 2007, ص58- 59.
12 .جعفر عباس حميدي, تاريخ الوزارات العراقية في العهد الجمهوري , المصدر السابق, ج3, ص 3.
13 . جريدة الزمان, العدد 6514, 15 /أيار / 1959.
14 . العراق في الوثائق البريطانية 1958- 1959 , ترجمة وتعليق : خليل إبراهيم حسين الزوبعي, ج4, 1تموز- 24كانون الأول 1959, ط1, بيت الحكمة, بغداد, 2002, ص44.
15 . جريدة الثورة, العدد 208, 6 /تموز /1959.
16 . نوري عبد الحميد العاني وآخرون, تاريخ الوزارات العراقية في العهد الجمهوري 1958- 1968, مراجعة : واثق محمد نذير الغلامي , 13 تموز 1959- 31كانون الأول 1959, ج3, ط1, بيت الحكمة, بغداد, 2001, ص8-9.
17 . نوري عبد الحميد العاني وآخرون, تاريخ الوزارات العراقية في العهد الجمهوري 1958 – 1968, ج4, ط1, بيت الحكمة, بغداد, 2001, ص 6 – 10.
18 . احمد الحسيني, الأمام الحكيم السيد محسن الطباطبائي, النجف, 1384هجري, ص 89- 92 ؛ وسن سعيد الكرعاوي, السيد محسن الحكيم دراسة في دوره السياسي والفكري في العراق 1964- 1970, ط1, مؤسسة آفاق للدراسات والأبحاث العراقية, 2009, ص187- 188.
19 . كاظم الحلفي, الشيوعية كفر والحاد, مطبعة القضاء, النجف, 1960, ص5.
20 . جريدة الوقائع العراقية, العدد 308, 25 / شباط /1960.
21 . نوري عبد الحميد العاني وآخرون,المصدر السابق,ج4,ص97 – 98.
( ) 22 . جريدة الوقائع العراقية, العدد 347, 14 / أيار/ 1960.
23 . نوري عبد الحميد العاني وآخرون, المصدر السابق, ج4, ص164.
24 . جريدة الوقائع العراقية, العدد 375, 20 / تشرين الثاني /1960.
25 .رحيم عجينة, الاختيار المتجدد ذكريات شخصية وصفحات من مسيرة الحزب الشيوعي العراقي, مطبعة أوفسيت اليقظة, بغداد, د.ت, ص61.



#سعد_سوسه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نشاط نزيهه الدليمي السياسي وأثره في توليها الوزارة ج 1
- دور نزيهة الدليمي في المؤتمر الوطني الثالث للحزب الشيوعي الع ...
- دور علماء الدين والشعراء في تحرير المرأة العراقية
- أوضاع المرأة العراقية في ظل الاحتلال والانتداب البريطاني
- الأوضاع العامة للمرأة العراقية ومراحل تطورها1918-1924
- شيئا ما
- خواطر
- قصص قصيرة جدا جدا
- افكارتقلقني
- الدافع المعرفي (Cognitive Motive)
- أصبحت في الخمسين . نص قصير ,
- رسالة اعتذار
- امرأة يغطيها البرد قصة قصيرة
- ماتبقى من 2020
- تكملة قصص نهاية 2020
- قصص نهاية 2020
- كان لي وطن
- هل يفعلها الكاظمي كما فعلها قيس سعد ؟
- حتى الدعاء ق . قصيرة
- حازم . . ق قصيرة


المزيد.....




- “800 دينار جزائري فورية في محفظتك“ كيفية التسجيل في منحة الم ...
- البرلمان الأوروبي يتبنى أول قانون لمكافحة العنف ضد المرأة
- مصر: الإفراج عن 18 شخصا معظمهم من النساء بعد مشاركتهم بوقفة ...
- “سجلي بسرعة”.. خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت ف ...
- إيران - حظر دخول النساء الملاعب بعد احتضان مشجعة لحارس مرمى ...
- هل تؤثر صحة قلب المرأة على الإدراك في منتصف العمر؟
- اغتصاب وتحويل وجهة وسطو وغيرها.. الأمن التونسي يوقف شخصا صدر ...
- “الحكومة الجزائرية توضح”.. شروط منحة المرأة الماكثة في البيت ...
- جزر قرقنة.. النساء بين شح البحر وكلل الأرض وعنف الرجال
- لن نترك أخواتنا في السجون لوحدهن.. لن نتوقف عن التضامن النسو ...


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - سعد سوسه - نشاطها السياسي وأثره في توليها الوزارة ج 2