أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - فؤاد الصلاحي - النافذة المكسورة وازمات الدولة العربية المعاصرة















المزيد.....

النافذة المكسورة وازمات الدولة العربية المعاصرة


فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)


الحوار المتمدن-العدد: 7220 - 2022 / 4 / 16 - 23:55
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    


أجرى أحد خبراء علم النفس الاجتماعي تجربةً في ستينات القرن الماضي يمكن الاستفادة منها ليس في مجال الجريمة التي اهتم بها بل في مجال السياسة أيضا... ملخص فكرته انه ترك سيارتين بأبوابٍ مفتوحةٍ ولوحات أرقام مفقودة في منطقتين مختلفتين .. بدأ المارة في الحيِّ الاول بتخريب السيارة وسرقة محتواها ثم تم تدميرها بالكامل وفي المنطقة الاخرى تطلّب الأمر وقتاً أطول للمارة للبدء بتدمير السيارة هنا تدخل الباحث بكسر إحدى نوافذ السيارة فبدأ الناس بكسر المزيد من النوافذ وسرقة محتوياتها..
وفي منتصف الثمانينات تم إجراء تجربة مماثلة على منازل سكنية..
خلاصة الفكرة او النظرية اذا اعتبرناها كذلك .. ان إهمال معالجة أي مشكلة في بيئةٍ ما -بغض النظر عن صغر حجمها- سيؤثّر على مواقف الناس وتصرفاتهم تجاه تلك البيئة بشكلٍ سلبي ممّا يؤدي مشاكل أكثر وأكبر... والعكس صحيح أيضاً، فمعالجة المشاكل الصغيرة في وقتٍ سريعٍ سيؤدي الى بيئة أفضل وسلوك أحسن...
فمن قاموا بتخريب السيارة ليسوا مجرمين بل أناس عاديين لكنهم وجدوا شيء مهمل أمامهم فدفعهم إلى تدميره.. اي ان إهمال معالجة الفوضى والعبث السياسي والامني وهو لايزال في بداياته يقدم رسالة للأخرين لمزيد من العبث والفوضى لتوقعهم غياب من يراقب او يعاقب.. ويمكن ملاحظة هذه التجربة في مجالات التعليم والوظيفة والبيئة والمرور كما في السياسة والاقتصاد وتجريف الهوية لصالح عصبويات مناهضة للدولة والمواطنة.. وهكذا فإنّ تجاهل المشاكل المتراكمة سيؤدي إلى مشاكل أكبر بكثيرٍ في المستقبل..

فمشاكل الدول العربية متراكمة من سنوات طوال وهي محل نقد ومتابعة من الصحافة حينا والمشتغلين بالبحث العلمي حينا اخر ناهيك عن رصد بعض منظمات المجتمع المدني ..فهناك ضعف في عمل مؤسسات الدولة والتفاف على القوانين او تغييبها احيانا لصالح مراكز القوى والجماعات النافذة ، وهناك تزاوج بين السلطة والبيزنس وما ينجم عنه من توظيف الدولة وسلطاتها لصالح مشاريع تجارية واستثمارية غالبيتها لا تخدم المواطن العام .. وهناك ضعف في عمليات الاستثمار المتجددة التي تخلق فرص عمل لخريجي الجامعات والمعاهد الامر الذي تزايدت معه معدلات البطالة والفقر والبؤس العام .. وكلما ارتفع أصوات الناس في الحديث عن ازماتهم تمت معاقبتهم امنيا ومعها تزايدت تقييد الحريات العامة وانتهاكات حقوق الانسان ..

الدولة العربية الراهنة تعاني من ازمان بنيوية حادة في جذرها ومؤسساتها وخطابها وفي تشوهات النخب السياسية ومعها تشوه خطابها أيضا ،،ولهذا لم يكتمل مسار نموها منذ حضورها الحداثي في خمسينيات القرن الماضي بل المظهر السائد انها تترنح بين حضورها المادي وضمور الحضور المعنوي والرمزي .. ومع الازمات الكبيرة التي ارتبطت بالربيع العربي تزايدت تلك الازمات وباتت اغلب الدول الجمهورية في مسار الدول الفاشلة او الضعيفة ويرجع ذلك الى عجز في معالجات الازمات التي تتراكم يوما بعد اخر ، وعجز النخب السياسية حتى في إدارة هذه الازمات وتقليل مضاعفاتها وان كنا نرى ان هذه النخب هي من صنعت الازمات وراكمتها لأنها تتمكن معها من قهر المواطن ماديا ومعنويا ومن ثم التحكم بسلوكه وخياراته وهو ذاته مسلك الرأسمالية العالمية التي فاضت بسماتها السلبية الى حلفائها في منطقتنا العربية بل ودول العالم الثالث بشكل عام ..
المواطن العربي في دول الربيع خرج ثائرا للمطالبة بالتغيير وتحسين ظروف معيشته من خلال انتفاضات شعبية سلمية شكلت وعيا متقدما في مدركات الافراد والجماعات دون حدود طبقية ،، فلم تتفهم النخب السياسية هذا الامر وذهبت تناور وتتحايل على المطالب الشعبية حتى عمت الفوضى ومعها بدأت تنهار مظاهر الدولة وتنزلق مجتمعاتها الى حروب أهلية وباقل توصيف تنزلق الى دول فاشلة .. مع ان الامر كان ممكن تفاديه منذ عشر سنوات لو تم معالجة المشكلات الاقتصادية والأمنية والسياسية أولا بأول بروح الدستور والقانون ووفق مصلحة الوطن والشعب .
تم اهمال الكثير من المشكلات الأساسية والحياتية للمواطنين حتى دخلت مجتمعاتهم نفق مظلم تزداد فيه حجم المعاناة للغالبية من افراد المجتمع ،، وباستمرار هناك من ينادي بسرعة حل المشكلات العامة داخل المجتمعات وان تكون السياسات الاقتصادية موجهة لصالح افراد المجتمع وليس في مصلحة البيزنس السياسي وفق نخبة قليلة العدد أصبحت تسيطر على السلطة والثروة .
تزداد الأمور سوء في دول الربيع التي تتعرض لتدخلات خارجية تسربت في البداية من تلك النوافذ المكسورة ثم أصبحت حاضرة وفاعلة بل ومقررة في الشأن الداخلي والسياسات العامة من داخل مؤسسات صنع القرار ذاته ... انظروا الى لبنان واعلانه حالات الإفلاس وحجم التدخلات الخارجية ومثله ليبيا وأين وكيف تتشكل الحكومات الليبية ، ومثلها سوريا ومعها حجم ونوع القوى داخل أراضيها وعلى حدودها ،، وبالمثل انظروا الى السودان واليمن والعراق وغيرها ..
عندما تهمل الدولة تجاوز القانون والدستور وعندما تهمل معالجة المشكلات الصغيرة فهي تكسر نوافذ المجتمع والسيادة لدخول الخارج وتمكينه من صناعة العبث والفوضى بالتوافق مع وكلاء الداخل .. الامر الذي يمكن القول معه انه من المشكوك فيه استمرار حضور الدولة في اكثر من بلد عربي ، ومن المشكوك أيضا ان تعرف هذه الدول حالات الاستقرار والتنمية، بل سيمر عليها زمن طويل وهي تشهد مظاهر العبث السياسي واللانظام وما ينجم عن ذلك من تدمير ممكنات الحياة الاجتماعية والاقتصادية بل والرمزية للمواطنين .

لذا لابد من عودة الوعي الى النخب السياسية والمدنية وتفعيل روح المقاومة داخل المجتمع وتعزيز الاصطفاف الوطني وفق كتلة تاريخية يتأسس معها مشروع سياسي لإعادة بناء الدولة والمجتمع والخروج من نفق الازمات وإعادة الامل للمواطن الفرد ولعامة المجتمع ..
ان اهم ميزة للإنسان قدرة على التفكير الخلاق مقرونا بالعمل والإرادة يمكن تغيير كل مظاهر البؤس في حياته ومجتمعه وهذا يتطلب اطار مؤسسي يشكل رافعة لإبداع الافراد كما يشكل فضاء للنخب السياسية بتجديد وعيها الوطني وولائها لمجتمعها وارضها واستيعاب متغيرات العصر المتدفقة في مختلف المجالات والاستفادة منها في تنمية مجتمعاتها والسير في ركاب الحضارة العالمية .

في هذا السياق اشير بعبارة مختصرة للمشهد اليمني وقد تم تجريفه من الداخل والخارج انه حان الوقت لإصلاح النّوافذ المحطمة في مجتمعنا وواقعنا تدريجيا للخروج من مظاهر العبث والفوضى وإعادة بناء الدولة وفق مشروع وطني لامجال فيه للمذهبية والطائفية او محاولات استملاك السلطة من جماعة او حزب ، وتفعيل المؤسسات العمومية وفق نصوص الدستور والقانون حتّى يدرك من يهمه الأمر ان هناك من يهتم ويتابع ويراقب ، وان مصالح المجتمع ذات أولوية ، وان النوافذ المكسورة لم تعد كذلك .. هذه الدعوة تعبير عن روح المواطنة والمدنية من اجل الخروج من حالات التيه ونفق الأزمات الى رحابة المستقبل والدولة الحديثة والمواطنة ..!



#فؤاد_الصلاحي (هاشتاغ)       Fuad__Alsalahi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملاحظة في متغيرات المشهد السياسي اليمني
- قراءة أولية موجزة لاعلان الهدنة في اليمن
- في معنى و دلالات المشهد الراهن في اوكرانيا
- أمريكا تدفع اوروبا وروسيا نحو حافة الهاوية
- في امريكا واوربا العودة الى الادوار الاجتماعية للدولة
- عن القضية الفلسطينية -2-
- ايران و السعودية .. حوارات سياسية ام صفقات سياسية
- مناورات ايران مع امريكا والسعودية
- الاتجاه شرقا ...-مقدمة قصيرة -
- مسار متجدد لحرب باردة لم تنتهي
- السعودية في عين العاصفة الامريكية -2-
- نحو صناعة ايدولوجيا حداثية
- في بلادنا أزمات متراكمة تدفع ثمنها الطبقة الوسطى
- كورونا بين السياسة والعلم والدين ..!
- ملاحظة في مفهوم المثقف ..!
- ايران والخليج ..(مواجهة ام تخفيف التوتر ) :
- ظاهرة العنف بين السياسي والديني
- سيناريوهات المشهد الانتخابي الأمريكي ونتائجه
- السودان بين مطرقة الخارج وسندان الداخل
- كلمة عن القضية الفلسطينية


المزيد.....




- اختيار أعضاء هيئة المحلفين في محاكمة ترامب في نيويورك
- الاتحاد الأوروبي يعاقب برشلونة بسبب تصرفات -عنصرية- من جماهي ...
- الهند وانتخابات المليار: مودي يعزز مكانه بدعمه المطلق للقومي ...
- حداد وطني في كينيا إثر مقتل قائد جيش البلاد في حادث تحطم مرو ...
- جهود لا تنضب من أجل مساعدة أوكرانيا داخل حلف الأطلسي
- تأهل ليفركوزن وأتالانتا وروما ومارسيليا لنصف نهائي يوروبا لي ...
- الولايات المتحدة تفرض قيودا على تنقل وزير الخارجية الإيراني ...
- محتال يشتري بيتزا للجنود الإسرائيليين ويجمع تبرعات مالية بنص ...
- نيبينزيا: باستخدامها للفيتو واشنطن أظهرت موقفها الحقيقي تجاه ...
- نتنياهو لكبار مسؤولي الموساد والشاباك: الخلاف الداخلي يجب يخ ...


المزيد.....

- واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!! / محمد الحنفي
- احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية / منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
- محنة اليسار البحريني / حميد خنجي
- شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال ... / فاضل الحليبي
- الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟ / فؤاد الصلاحي
- مراجعات في أزمة اليسار في البحرين / كمال الذيب
- اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟ / فؤاد الصلاحي
- الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية / خليل بوهزّاع
- إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1) / حمزه القزاز
- أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم / محمد النعماني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - فؤاد الصلاحي - النافذة المكسورة وازمات الدولة العربية المعاصرة