أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آراس بلال - أشرب قهوتي وأغني..كيف يصير النثر شعرا؟














المزيد.....

أشرب قهوتي وأغني..كيف يصير النثر شعرا؟


آراس بلال

الحوار المتمدن-العدد: 7214 - 2022 / 4 / 9 - 17:49
المحور: الادب والفن
    


أحد أسباب صعوبة قراءة النص الشعري المعاصر هو تراكميته، فهو لا يقرأ منفردا منعزلا بذاته ولذاته، بل تبدو القراءة الشعرية أحيانا حتى في مستواها العادي أصعب من الكتابة، أو هكذا يعتقد القارئ، ففي الشعر المعاصر لكي تفهم النص عليك ان تكون مطلعا على مناخه الفكري العام وعلى سلالته الشعرية، فنحن نذهب كل مرة الى المختبر لنميز النص الشعري عن سائر الكلام، وهو نص لا يتموضع في الذائقة القرائية الا بعد ادراك المتلقي ان النص يمتلك سياقه وهو ليس ضربا من العبث وحتى لو اراد الشاعر لنصه ان يكون عبثا، فهناك سياق وتاريخ للنص العابث، وحتى لو اراد الشاعر ان يكون نصه حكائيا كما يفعل رياض الغريب في قصيدته (أشرب قهوتي وأغني)، ليعيدنا الى التساؤل عن كيفية تحول النص من النثري الى الشعري، وهو سؤال قديم ويبدو بسيطا مستهلكا للناقد المختص لكنه ليس كذلك عند القارئ.
فقصيدة الغريب هي نص سردي، إذ مع بدايته:
قبل قليل شربتُ قهوتي
استمعتُ الى فيروزَ
وكأن السنة لم تنته بعد
تذكرت صديقتي البيروتية
وهي تتحدث عن المتشائمين
تبدأ حكاية تدفع القارئ لتصور مشهد، وهذا ما تفعله الحكايات عادة، ويستمر الحكي طوال النص، بادوات ربط الكلام المنثور العادي حتى نهاية النص، لكن القارئ يعيد تعريف النص عند الانتهاء منه، فهو شعر وليس حكاية لأن القارئ يتعرض للمباغتة في مقاطع النص بما يكسر توقعاته، ولعل هذه سمة الشعر وصفته العليا خلافا للحكاية، فبينما تخضع الحكاية للتسلسل المنطقي مهما حاولت الابتكار والمراوغة، يبقى الشعر حرا في تهشيم المنطق عبر اعادة صياغة العبارة وانتاج معنى جديد للكلمات، مثلا:
فقط دعيني التقط أنفاسي
كحبات من المطر
فالتشبيه هذا يخرج القارئ من حدود الحكاية التي كان يتابعها في النص الى اعادة رؤية ما قرأه في سياق لا يجب ان يخضع للتأويل والتتابع المنطقي، فالصورة تدفع القارئ لتخيل شخص ينحني نحو الارض لجمع ما لايجمع.
وتؤكد الانتقالات في داخل النص ان على القارئ عزل المنطق النثري وفتح الباب لقراءة شعرية تعيد تفسير ادوات الربط بين مقاطع وجمل النص، فمجرد وجود هذه الادوات لا يعني بالضرورة التتابع المنطقي المتسلسل بين حركات النص، وهنا يرد النص على سؤال (هل هذا شعر؟) الذي يطرحه القارئ مع كل عملية تلقي للنص الشعري المعاصر، ويكون الرد بالايجاب أو النفي هو نتيجة لعدد المباغتات التي يؤديها النص لفهم القارئ فيخرجه مضطرا من القراءة النثرية الى القراءة الشعرية.
في قصيدة رياض الغريب مثلا، يتعرض القارئ للمفاجأة من النص المتحرك سلسا، بلغة واضحة، عندما يخرج على القراءة النثرية ليقول:
فيروز
مدينة على البحر
وبابل أغنية الشتاء
كان القارئ قبل هذا المقطع قد عبر المباغتة السابقة وعاد ليندمج في قراءة نثرية للنص فإذا به يصطدم بهذا المقطع فيعود مضطرا للقراءة ليفهم كيف وصل ذلك النثر المتحرك بهدوء ومنطق الى هذه الصورة التي تخلخل التلقي بعنف اختلافها ولا منطقيتها النثرية والتي لا يمكن تقبلها الا بالانتقال من القراءة النثرية الى القراءة الشعرية مجددا.
وينتهي النص بصورة صادمة أخيرة:
أريد أن أتجمع
أريد فقط
أن أتلمس بياض الحياة
ففي منطق القراءة النثرية، ان الشاعر ذات انسانية متماسكة وموحدة، جسديا ومعنويا والا لما تمكنت من الكتابة، كما لايمكن تلمس البياض باعتباره لونا نراه ولا نلمسه، ليشوش الشاعر على القارئ حتى وظائف الحواس، وفي القراءة النثرية لا معنى لعبارة (بياض الحياة) وهي عبارة لا يتم تداولها كجزء من اللغة اليومية ولا معنى لها حتى في النص النثري غير الشعري.
في ختام النص يجد القارئ انه كان يتنقل بين ما هو سلسل وماهو مفاجئ، ومجموع هذه التنقلات هو ما يجعل ما يبدو نصا نثريا عاديا، نصا شعريا متفردا، ليعيد القارئ بعد الانتهاء من كل قراءة (بمعنى القدرة على التفاعل والفهم) الى اعادة تعريف الشعر عمليا وبالشواهد على أنه استخدام للغة يحطم عاداتنا اليومية في استخدامها، إنه اكتشاف لطاقة كامنة في المفردات عبر تجاوز الربط والتجاور المتوارث لها.



#آراس_بلال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دور أمريكي سيء
- إنكسار الخطاب الشعري في بغداديات عارف الساعدي
- تآزر التقنية والمعنى..في (من كينونة العطر)
- كيف تؤذي صديقك؟..معد فياض إنموذجا
- مقتدى وبرهم وثالثهما الكهرباء
- مسعود بارزاني بين سيادتين
- مقتدى يلعب بالكهرباء
- مصير رحلات بافل
- خبرة رئاسية مؤلمة


المزيد.....




- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آراس بلال - أشرب قهوتي وأغني..كيف يصير النثر شعرا؟