أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آراس بلال - إنكسار الخطاب الشعري في بغداديات عارف الساعدي














المزيد.....

إنكسار الخطاب الشعري في بغداديات عارف الساعدي


آراس بلال

الحوار المتمدن-العدد: 7106 - 2021 / 12 / 14 - 15:48
المحور: الادب والفن
    


يشغل الرثاء مساحة واسعة في الشعر، عربيا وعالميا، على مر تاريخ الأدب، ويختلف هذا الغرض الشعري عن غيره بإنه قسري، هو نتيجة حدث خارجي بالكامل (الموت)، وجمالية الرثاء في قسريته وكلما ابتعد عنها الى الصنعة والتفكر فقد الكثير من قوته، وهذه القسرية هي التي تجمع الموت كحدث قسري أيضا بشعر الرثاء، ليكون هذا الاخير مندمجا حد الذوبان في الحدث الخارجي الذي دفع لإنتاجه.
في قصيدة (بغداديات) يتعرض الشاعر عارف الساعدي للقسر ويخضع له حتى ان القارئ يشعر بهذا الخضوع وكأنه انكسار مؤلم يستسلم له الشاعر سريعا وينسجم معه متخليا عن صنعته الافتعالية الى حد تغيير مسار القصيدة بعد مقطع من انطلاقتها كقصيدة متفائلة تتحدث عن عودة المدينة الى الحياة:
بغداد تولد من دخان القصف ثانيةً
فتغسل وجه نهريها
وتبتكر الأغاني مرةً أخرى
ويُكتَشفُ الحمامُ
في هذا المقطع تتزاحم إشارات الحياة (تولد، تغسل، تبتكر، يكتشف)، فيكون القارئ أمام مشهد ولادة صعبة لكنها سعيدة، غير ان القارئ يكتشف بسهولة انه امام مسكوكات تعبيرية متداولة وشائعة، شعرا ونثرا، انها جزء من الخطاب العام في سياق التشجيع الاعلامي، والشاعر يؤكد لاحقا انه يدرك هذا الاكتشاف فيعمل على الخروج من الخطاب العام الى الخطاب الخاص، من الاعلامي الى الشعري وهذا ليس في موازنة مع شخصية وعمل الشاعر، بل هو تمييز بين حالتي الخطاب، فيأتي المقطع الثاني ليقول:
بغداد موَال تسلل من جنوب القلب
عند تخومه انصهر المغني
وانزوى حلمٌ وراء الناي
حيث بكاؤه عذبٌ وأحرفه رخامُ
هاهي المدينة خلافا للمقطع الاول تتحول الى (موال) كإشارة للحزن والتسلل هو معاناة، وجنوب القلب هو جنوب البلاد التي جاء معظم سكان بغداد منها، لينصهر المغني (الشاعر) وخطابه وينزوي حلم التفاؤل وراء القصيدة (الناي) ممهدا للعودة الى الحقيقة، فينتقل الخطاب منكسرا من التفاؤل الى الحزن، وكأن الخطاب الشعري ينتقل من خطاب المهوال الذي يفاخر بسجايا الشخص الميت الى خطاب النادبة التي تعرض آلام الفقدان والخسارة، وليتحول خطاب التفاؤل المصطنع الى الواقع الذي يفرض نفسه بأحرف رخامية، وهذا الانكسار في الخطاب الشعري يكون مقبولا وجماليا بحسب قدرة الشاعر على ادارته ليبدو الخطاب متماسك البناء والايقاع، وفي هذا النص كانت ادارة الخطاب ناجحة في مداراة الانكسار ودمجه في السياق الجمالي لذلك لايواجه القارئ صعوبة في الانتقال الى المرحلة الاخرى من الخطاب، اي بقية المقاطع التي تتجه الى الرثائية والندب:
في الليل
حين تنام هذي الأرض
تنكسر السماء على نوافذنا
فتسقط دونما كفين فوق سطوحنا العزلاء
من سيلم أدمعنا على حلم المخدة؟
أو يلم صراخ أطفالٍ؟
يهدهدهم أنين الطائرات
وتحت أصوات الصواريخ البعيدة
أسلموا دمهم وناموا
وعلى هذا المنوال يستمر احياء الذاكرة الحزينة في المقاطع التالية للقصيدة، حتى نصل الى المقطع السابع (الاخير):
المساكين وحدهم واليتامى
حملوا الحرب
فوقهم أعواما
نزفوا عمرهم
بلابل سكرى
واكتفوا أنْ يُقال عنهم
نشامى
ليجد القارئ انه ابتعد كثيرا عن مناخ المقطع الاول، التفاؤلي/الاحيائي، ليكتشف ان الشاعر اراد شيئا بينما فعل الشعر ما يريد، وهو ما يؤكد ان الصنعة لا تقاوم طويلا امام الذات الشعرية، الذاكرة واللغة، ولا يبقى للشاعر الا التغطية على الانكسار بين الارادتين، فيعود للرضوخ لذاته بلا مكابرة فيتخلى عن القصد الأول ويسمح للقصيدة بالظهور، وفي الصدق نجاة وجمال، وهذا ما يفعله الساعدي بنصه، فيكون الانكسار جزءا من بناء القصيدة وشريكا في جماليتها، لتتحول القصيدة الى مرثية كبيرة للإنسان في البلاد وتتلاشى المدينة كظاهرة ثقافية تاريخية مصطنعة لتبقى أحزان البشر هي الموضوع الاكبر للقصيدة، ويكون انكسار المبنى أساسا لبناء المعنى، وهو بناء يؤكد ان الذات الشعرية التي تقف خلف القصيدة لن تتمكن من الغاء ذاكرتها.



#آراس_بلال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تآزر التقنية والمعنى..في (من كينونة العطر)
- كيف تؤذي صديقك؟..معد فياض إنموذجا
- مقتدى وبرهم وثالثهما الكهرباء
- مسعود بارزاني بين سيادتين
- مقتدى يلعب بالكهرباء
- مصير رحلات بافل
- خبرة رئاسية مؤلمة


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آراس بلال - إنكسار الخطاب الشعري في بغداديات عارف الساعدي