أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عزالدين بوروى - ملفات عن الحياة الموت وأشياء أخرى














المزيد.....

ملفات عن الحياة الموت وأشياء أخرى


عزالدين بوروى

الحوار المتمدن-العدد: 7205 - 2022 / 3 / 29 - 10:04
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الملف الثاني: حول سؤال المعنى.

كان سؤال المعنى دائمًا يؤرقني، كوني لم أجد له أي جواب على طول مسيرتي الحياتية. سؤال "المعنى " يرهق العقل والبدن، ويقلق دواخلنا، ويجعلنا حيارى كوننا لم نجد الأجوبة الكافية لمعضلة الحياة ومعانيها المضمرة.
انتظرت طويلًا إلى حين فُرضتْ عليّ شروط معينة ورمتني الأيام في حضن إحدى المستشفيات العمومية ، ليس كمريض وإنما كمتطوع للسهر على رعاية أحد الأقارب لمدة ليست بالهينة. تطوعي هذا جعلني قريبا من المرضى ومعايشة المرضى ، منهم من وافته المنية ومنهم من نجا بأعجوبة.
هشاشة الأوضاع بالمستشفى وغياب الساهرين على صحة المرضى الذين يسارعون الزمن أملا في البقاء ستفرض عليّ أن ألعب أحد الأدوار: دور الممرض.
كنت أظل الليل بأكمله متجولًا بين الأسرة حاملًا معي أسئلةً وجودية بحجم آلام أولئك المرضى.
مرت الأيام وبدأت الأمور تتعقد شيئًا فشيئا ، كثرت وثيرة الوفيات ، وأصبحت الأمور تحدو حذو الكارثة ، هناك من كان يلفظ أنفاسه الاخيرة في ساعات متأخرة من الليل، ولا أحد كان يستطيع نقل جثته صوب مستودع الأموات. لم تكن الجثة الوحيدة ، وإنما جثث كثيرة كفّنتها بهذه اليد التي تزيل الغبار الآن عن هذه الملفات العالقة بالذاكرة. منهم من كان يلفظ أنفاسه الأخيرة وفي عينيه بريق أمل ورغبة جامحة في الاستمرار والبقاء على قيد الحياة رغم مرارتها.
تلك الوجوه ،ذلك الأمل، ذلك الضعف ، تلك الإنهزامية ، وأشياء أخرى لا تزال محفورة بالذاكرة بإزميل الزمن الصدئ. حسبتني حينها "حفار قبور" أو ربما ناقل موتى ، كيف لا وأنا ظللت على طول ليالي أكتوبر الباردة أنقل جثثهم واحدة تلو الأخرى نحو مستودع الأموات. ألفت ذاك الروتين وأصبحت الموت والحياة عندي سيان ،لقد غاب المعنى ،وأصبحت الجثث الملقاة أمامي لا تحرك فيّ ولا إحساسًا واحدا. تبددت المشاعر وعادت الأرواح رخيصة ، كوني اطلعت على آمالها التي ظلت عالقة بقارورات الأكسجين ، لكنها كانت آمال زائفة ، آمال تشبه إلى حد كبير فقاعات الصابون ،سرعان ما كانت تتبدد في الهواء ، وتظل الحقيقة الواحدة ،ليس الموت، وإنما الخذلان. فما أصعب أن تفارق حياةً ألفتها بتناقضاتها ومرارتها.
بدا الموت حينها مزحة، فارغا من أي معنى كما الحياة. أما أنا فقد ألفتُ نقل الجثامين ، وهذا هو طبع الإنسان منذ بداية الخليقة إلى يومنا هذا ، يألف كل شيء ، يا له من خسيس!!
إنتهت مهمتي داخل المستشفى ،لكن لم تنته الأسئلة عن هزّ مملكتي الرمادية ، أرهقتني كثيرا إشكالية المعنى مباشرةً بعد خروجي بخفي حنين من مستشفى المدينة ، كان سؤال : ما معنى الحياة ؟ يشدني شدا …
على مرآي كان الناس يموتون واحدا تلو الآخر ، وكنت أنا في تلك اللحظة مشغولا بتفكيك قسمات وجوههم ومحاولة قراءة باطن الأشياء. حقا توصلت في النهاية أن الأمر كان شبيها بخدعة ،مسرحية ، أو شيء من هذا القبيل.
جلستُ مطولا مع ذاتي بعد هذه الأحداث ، وظللت أدقق النظر في أصابع يدي، كيف استطاعت هذه الأعضاء الصغيرة حمل كل تلك الجثث ووضعها داخل مستودع الأموات الذي كانت تنبعث منه رائحة نتنة تشبه رائحة الجيفة؟ كيف استطاع قلبي تحمل كل تلك الأجواء المشحونة ؟ كيف استطاعت أذناي الصبر على سماع كلمة "الموت" مرات عديدة ؟ كيف وكيف؟
عرفت متأخرًا أن هناك خطأ منذ البداية ، وأننا كبشر في مرحلة "نهاية الفهم".

(يتبع)



#عزالدين_بوروى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملفات عن الحياة والموت وأشياء أخرى…
- مائتا عام مرت على اهتزاز عرش القيصر
- السير بخطى ثابتة نحو الهاوية/ نسخة معدلة من المقال السابق
- السير بخطى ثابتة نحو الهاوية
- تأهيل للقراءة بالنسبة لأشباه القراء
- قرية أبريل/ علي عبدوس
- خاوة-خاوة
- انتصار على السيورانية
- اليسار باقٍ مادام التناقض قائما...
- الله ذلك المجهول


المزيد.....




- العلماء الروس يبتكرون مسيرة جوية على هيئة طائر تنقل 100 كيلو ...
- بعد ضبطه وبحوزته 55 ألف دولار.. إخلاء سبيل مصمم أزياء مصري ش ...
- كيف يمكن تجنب تجاعيد النوم؟
- بلينكن: لست متأكدا من أن إسرائيل مستعدة لتقديم تنازلات مقابل ...
- أمل كلوني: أؤيد الخطوة التاريخية التي اتخذها المدعي العام لل ...
- بايدن يتهم ترامب باستخدام -لغة هتلر-
- المغرب.. السجن النافذ والغرامة لمستشار وزير العدل السابق في ...
- -رويترز-: إيرلندا ستعلن الأربعاء اعترافها بدولة فلسطين
- تشييع جثمان حسين أمير عبد اللهيان يوم الخميس
- المطبات الجوية على الطائرات.. ما مصدرها؟ وكيف تتعامل معها؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عزالدين بوروى - ملفات عن الحياة الموت وأشياء أخرى