أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد محضار - حديث الأمس: مقتطف من رواية -هلوسة-















المزيد.....

حديث الأمس: مقتطف من رواية -هلوسة-


محمد محضار
كاتب وأديب

(Mhammed Mahdar)


الحوار المتمدن-العدد: 7196 - 2022 / 3 / 20 - 19:25
المحور: الادب والفن
    


ليل صامت ،وحلكة قاتلة ،لحظات ثقيلة تنسل محملة بالألم ،ووحشة تكبر وتتضخم لتصبح كجبل صخري ،يحاصر الذات ،كآبة تتسربل بثوب السديم وتحط الرحال ضيفة ثقيلة على القلب ،يمكن الآن أن نتحدث بهدوء عن زمن شاحب مر من هنا ، يمكن أن نخوض في حوار سطحي ، عن أشياء دارت بيننا ونحن في تلك الشقة الوضيعة بسطح العمارة" اللعينة "هكذا كنت تفضلين تسميتها ، التسمية لا قيمة لها بالنسبة لي أنا على الأقل ، لأن العمارة كانت توفر لي عشا آوي إليه ،وأمارس طقوسي الخاصة ، وأعيش هلوساتي دون رقيب ، كنتِ أنت الشاهد الوحيد على جنوني ، وكنتُ أنا الشاهد الوحيد على غرائزك الغارقة في الضلالة ، لا هي ليست ضلالة ، بل إبداعا ،إبداعا بصيغ متنوعة لا يفهمها إلا المهووسون بغواية الحواس المدركون لجنون التماهي في نشوة الانطلاق نحو لذاذات الذهن والجسد ،صوتك دائما كان يتردد قويا ، يهز أركان المكان ،"الجسد امتداد للنفس والعكس صحيح كلاهما جوهر ومن يقول غير ذلك لا يفهم شيئا في كنه هذه الحياة "، كنت أعلم أن لك منطقا خاصا وقوة إقناع تتجاوز سفسطة عشاق الجدل .
الشيء الأكيد أن لغة التمرد كانت تجمع بيننا ، وقوة الشكيمة كانت توحدنا لهتك بكارة الأعراف السائدة ، وتحطيم صنم التقاليد البائدة والأنماط المتداولة ، فليس كل قديم مقدسا ، ولا كل ما يمت بوشيجة للسَلف غير قابل للنقد ،الشيء الوحيد الذي كنا نختلف فيه هو إيماني القطعي بقوة الحدس لدى بعض الناس ، و كنت أعتبر نفسي واحدا منهم ، كنت دائما أجهر بذلك وأعلنه دون تردد :" الحاسة السادسة حقيقة أكيدة ،عند الصفوة ، ومن طورها نال المبتغى " .لم تكوني تترددين في نعتي بالصوفي المتمدن ، والحداثي المتناقض ، التسمية لا تهم ، لكن ذلك الـتآلف الداخلي لدي بين الإدراك الحسي ، المعتمد على الحواس الخمس و الحدس الداخلي الذي يرى العالم الخارجي بنور الذات كان شيئا عاديا لا يتأثر برأي الغير، كنت مقتنعا بأن الإنسان مزيج من التناقضات التي يُكيّفها حسب الوضعيات التي يواجهها والظروف الزمانية والمكانية التي يصادفها في مساره الحياتي .
وكنت أردد مع الغزالي " الإيمان نور يقذفه الله في قلوب عباده عطية وهدية من عنده" وألح على التأكيد بأن على الفراسةهديَ صاحبها إلى اكتشاف بصائر الأمور وتجاوز وجع الاسئلة الوجودية ، لكن هذا لم يكن ليمنعني من الثورة في وجه من يحاول استغلال جلال هذا الايمان لوضع الطوق حول عنقي وتدجيني للسير وسط القطيع والقبول بالانبطاح لمن يرى نفسه سيد الناس ونور الله في ارضه ، كنت صاحب فكر خاص ، وتفكير لا يتأثر إلا بما يستسيغه العقل ،ويجيزه الحدس ، وغير ذلك لا يهمني في شيء.
سيدتي لا أحد يمكن أن يتصور شيئا من جمال الأمس، جمال أمسنا وروعته ، حتما الشقة " اللعينة " تحفظ لنا الكثيرمن أحاديث الأنس والمؤانسة ،ستقولين :" الأمس مضى ، ونحن اليوم كهلان خذلتنا السنون ،وتجاوزنا قطار الحياة".قد يكون هذا مجرد تخمين مر بخاطري ، وأنا ألقاك اليوم بعد فراق امتد أكثر من ثلاثة عقود ،تقارعين كأس الوحدة وتصارعين من أجل البقاء .سألتك وأنا أعلم أن السؤال لاجدوى منه :"أين كنت يا شقية ؟ ".
كان ردك ، صمتا وابتسامة شاحبة،وعينين ساهمتين ،كررت السؤال مراتِ متتالية ،وأنت في صمتك غارقة ، مابالك ياعشتار منصرفة عني ،أين رحيق الورد المتناثر سحرا على ثغرك العذب؟ أين بريق الحب يشرق من خديك الأسجحين ؟ أين الشوق المتناسل فرحة بكرا على محياك ؟ أين لغة الحداثة ، وحديث الفجر ونحن نتقلب على فراش العشق ؟ بربك لا تتركيني لوجع السؤال ، وأنا الكهل المجنون ، الذي خدلته الأيام ، وتعثرت قدماه في مطبات الحياة ، أناالليل الحالك بلا قمر ، أستحث الخطى نحو النهاية البئيسة ،أنا الوجع الساكن في ذاتي ، وبئس الأمر أن تصبح وجعا لذاتك .
سيدتي الردود الصامتة تصيبني في مقتل ،وأنت لا تترددين في انتقاء أكثرها برودة وجمودا ،سيدتي أرجوك ،قولي شيئا يبدد غيمات الحزن التي تتلبد بها سمائي،فأنا فتاك الحالم الذي طالما زين جيدك بطوق ياسمين،ونثر في طريقك أمداد ورد ورياحين ،
أنا فتاك المتمرد الذي كان يصرخ ملء فيه :"الحياة وأنت سواء ، الحب حقيقة، تعلمت أبجديتها حين عانقت في جسدك دفء الوجود،".
سيدتي، أنا الآن جالس في حضرتك ، منتظرا في هدوء،سماع صوتك الذي ما يزال صداه يتردد في مسمعي ، دون ان تفلح السنون في تبديد ذبذباته الأثيرة ،فهل تتفضلين بالكلام ،وتنفضين الغبارعن ماضينا العميق في تجلياته ؟
ما بالي أقف أمامك مشدوها أخوض في يمٍّ بلا قرار من التساؤلات والتجاذبات الداخلية ؟ مابالي أصر على أن أعود إلى نقطة البداية ، وكأن عقارب الساعات ظلت تابثة في مكانها دون حراك ، وكأن الأمر مجرد يوم وليلة ، مرّا عليّ وانا نائم كفتيان الكهف وكلبهم ؟
ستقولين : " من أنت يا فلان ؟أنا لا أذكر منك إلا شذرات متفرقة يصعب تجميعها والخروج بها إلى بؤرة الواقع ".
أتذكرين صوتك يحطم جبروت الصمت وأنت ترددين مع نتشه :
"عليك أن تصالح نفسك عشر مرات في النهار لانه اذا كان في قهر النفس مرارة فان في بقاء الشقاق بينك وبينها ما يزعج رقادك".
ثم تكملين وعلى وجهك ترتسم ابتسامة قوة وشموخ :" هكذا تكلم زردشت".
أنا اليوم أريد أن أصالح نفسي بك ، أريد أن أطرد الشقاق ،وأقتل بؤس اللحظات الذي حط الرحال في محيطي ،أريد أن أتكلم بلغة تفيض طاقة إيجابية ، أريد أن أستعيد شاعرية الأمس بطعم اليوم ، فلا تحرمي قلبي من متعة التلذذ بهذا الصرح المتوهج بألوان قوس قزح ، المفعم بفلتات فرح مقتنصة من رحم المعاناة ،رحماك سيدتي ،قولي شيئا ،حركي شفتيك ولو بالميم ،فقلبي يلتقط ذبذبات كلماتك الصامتة ،وعقلي يفك شفرتها ، لأنك كنت ومازالت حاضرة في خلايا ذاكرتي .
سيدتي أزمنة الأمس تشهد أننا كنا على ملة واحدة ، تجمعنا سفينة فريدة ،وينظم سيرنا ناموس واحد كتبنا بنوده في الشقة اللعينة ، كتبناها بالدم والدموع في أوقات متفرقة ، وصغنا حروفها بعذاب عمرٍ يصعب على غير اللبيب فهم رموزه المتماهية مع شفرة تاريخنا الجيني ،الشيء الأكيد الآن أنني لا أستطيع أن اترك اللحظة الحالية تفلت مني ، وأذهب إلى حال سبيلي وكأن شيئا لم يكن . أنت قصة حبي المبتورة ، والهوامش المخطوطة على جوانب حياتنا المرتبكة ،تفرض علينا العودة إلى نقطة الصفر ، وتحريك مياه البركة الآسنة .
قواسم الأمس المشتركة لا تسمح لنا بتجديد العهد مع الفرص الضائعة وأنا لن أتركك تذهبين بعد هذا اللقاء الجديد.



#محمد_محضار (هاشتاغ)       Mhammed_Mahdar#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفرصة الأخيرة
- للزمن حكايات أخرى
- العذراء والدم
- أناديك يا زمن الفرح!
- وجود الشيء واحتراقه!
- العجوز و الموت
- لقاء
- تذكرة سفر نحو المجهول
- زمن البرشمان
- العامريات
- أنفة المنكسرين
- سيدة الفجر المغتال
- ليل حزين
- زمن الدم
- قصة قصيرة : عبير الماضي
- نص شعري:تمرد
- قصة قصيرة :رحلة الصمت


المزيد.....




- دينيس فيلنوف يُخرج فيلم -جيمس بوند- القادم
- افتتاح معرض -قفطان الأمس، نظرة اليوم- في -ليلة المتاحف- بالر ...
- -نملة تحفر في الصخر-ـ مسرحية تعيد ملف المفقودين اللبنانيين إ ...
- ذاكرة الألم والإبداع في أدب -أفريقيا المدهشة- بعين كتّابها
- “361” فيلم وثائقي من طلاب إعلام المنوفية يغير نظرتنا للحياة ...
- -أثر الصورة-.. تاريخ فلسطين المخفي عبر أرشيف واصف جوهرية الف ...
- بإسرائيل.. رفع صورة محمد بن سلمان والسيسي مع ترامب و8 قادة ع ...
- الخرّوبة سيرة المكان والهويّة في ررواية رشيد النجّاب
- -عصر الضبابية-.. قصة الفيزياء بين السطوع والسقوط
- الشاعر المغربي عبد القادر وساط: -كلمات مسهمة- في الطب والشعر ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد محضار - حديث الأمس: مقتطف من رواية -هلوسة-