أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زاهر بولس - الحرب الروسيّة الأوكراينيّة 2022 واسقاطاتها الإقليميّة والمحليّة *معياريّة العدالة تتعلّق بتوازن القوى القادرة*















المزيد.....


الحرب الروسيّة الأوكراينيّة 2022 واسقاطاتها الإقليميّة والمحليّة *معياريّة العدالة تتعلّق بتوازن القوى القادرة*


زاهر بولس

الحوار المتمدن-العدد: 7191 - 2022 / 3 / 15 - 08:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ا

أعلنت دولة روسيا الاتحاديّة "حملة عسكريّة خاصّة" في أوكرايينا/ اوكرانيا من أجل منع توغّل حلف شمال الأطلسي في اوروبا شرقًا، يوم 24.2.2022 ، واستبقتها باعتراف باستقلال جمهوريتي اقليم دونباس، ديينتسك ولوغانسك، اللتان سارعتا بطلب تدخّل روسي لحماية الرّوس في الجمهوريّتين، كما فعل النظام السوري في العام 2015، فاجتاحت القوّات الروسيّة الاقليم ودمّرت البنية العسكريّة الاوكرانية، والتي أقيمت بمساندة الغرب لضرب روسيا، وساندت قوّات الجمهورتين، إلا ان الحرب طالت كلّ اوكرايينا ومدنها الرئيسيّة، على رأسها العاصمة كييف لعدم تجاوب الناتو بمطلب التعهّد بعدم ضم اوكرايينا إلى حلفهم.

إن اتّخاذ قرار الحرب في أي دولة هو قرار معقّد مركّب إلى أبعد الحدود. ولا تكاد تعرف منه الناس سوى التصريح العلني لمتّخذ القرار. ولكن القرار يحمل في جعبته المُعلَن والمُضمَر، تتدخل في صيرورته عدّة عوامل ومستويات وأعماق، قد يكون فيها المركزي الذي حدّد نقطة التفجّر، والأقل مركزية، والهامشي، وأحيانًا يكون الهامشي ظاهريًا هو الأعمق تأثيرًا. فللتاريخ حضور وللعرق وللقوميّة والدين واللغة والثقافة والقدرات العسكرية وتوازناتها والتحالفات والاقتصاد والجغرافيا والسياسة (الجيوسياسة) والموارد.. وغير ذلك. وحتّى نحيط بإدراك القضيّة سأقوم بتفكيك العوامل المركزيّة وإعادة تركيبها.

من هم الروس والاوكراين وما طبيعة الترابط بينهما؟
تتضارب الآراء حول أصل الرّوس السلاف، ولكن الرأي الغالب أن هذه القبائل هاجرت من المناطق الاسكندنافية، في الغالب من السويد، وانتقلت إلى محيط كييف ومنطقة أوكرايينا، وأسست إمارة عاصمتها كييف في أواخر القرن التاسع الميلادي، وتعتبر كييف عاصمة الروس الأولى، وأوكرايينا موطنهم الأوّل، وهذا ما يجعل الأمر أكثر تعقيدًا، فللروس على المستوى العاطفي شعور بالأحقيّة على اوكرايينا وبوحدة المصير أمام عداوة غرب يتربّص بهم. ويرون بالعملية العسكرية الخاصة حربًا دفاعيّة عن وطن، على المستوى النفسي- الشعبي على الأقل، وإن لم يصرّحوا علانية عن ذلك لاعتبارات دولية وقانونيّة.

فهل كان للأوكراين الحق بالانفصال عن روسيا الأم من الأساس، وهل كانت أوكرايينا لتستطيع الحياد بين معسكرين؟ هذا يعيدنا إلى بواطن كتب التاريخ، وتحديدًا إلى كتاب المؤرّخ اليوناني ثوكيديدس "تاريخ الحرب البيلوبونيزيّة" (THUCYDIDES: History of Peloponnesian War, THE MELIAN DIALOGUE)

حوار ميلوس- ثوكيديدس
نشبت الحرب البيلوبونيزيّة بين الأعوام (431-404 قبل الميلاد) على أرض اليونان القديمة، بين حلفين، الحلف الديلي بقيادة أثينا ضد الحلف البيلوبونيزي بقيادة اسبارطة، وطلبت أثينا من قيادة جزيرة ومدينة ميلوس الانضواء تحت راية أثينا ضد اسبارطة، والاستغناء عن استقلالها، ودفع الضرائب. وجرى حوار ملفت أثناء التفاوض ما بين مندوبي أثينا ومندوبي ميلوس، الذين تحدّثوا عن حق ميلوس بالحياد والحفاظ على علاقة ودّية بين الطرفين. في النهاية رفضت ميلوس العرض الأثيني، فما كان من أثينا إلا أنّها اجتاحت ميلوس ودمّرتها.
أمّا الحوار ذاته فقد عُرف في كتب التاريخ ب"حوار ميلوس" وهو جدير بالدراسة والتمعّن، ليس المكان للخوض في ثناياه هنا، سوى ما سأذكره:

"الأثينيون: نحن من جهتنا لن نستخدم عبارات تجميليّة... ومن جهتكم نطلب منكم ألّا تتخيّلوا انّ بامكانكم التأثير علينا بقولكم أن رغم كونكم مستعمرة اسبارطيّة، لم تشاركوا اسبارطة الحرب، أو انكم لم تأذوننا ابدًا، وفي المقابل نوصيكم بأن تحاولوا أخذ ما باستطاعتكم اخذه، آخذين في الاعتبار ما نعتقده بالحقيقة نحن الاثنين، لأنّكم تعلمون كما نعلم، عندما تُناقَش هذه الأمور بين أناس عمليين، معياريّة العدالة تتعلّق بتوازن القوى القادرة، والتي في الحقيقة تعني أنّ القوي يفعل ما تسمح به قوّته، وعلى الضعيف أن يقبل ما عليه أن يقبل"...
"اهل ميلوس: إذن، لن توافقوا على كوننا اصدقاء طبيعيين، أصدقاء بدل أعداء، لا نتحالف مع أي جهة؟"..
"الأثينيّون: كلّا، لأن ما يؤذينا ليس منسوب عدائكم، إنما المنظور الآخر، اذا استخدمنا مصطلح الصداقة معكم، سوف ينظر اليها رعايانا على انّها إشارات ضعف من جانبنا، بينما كراهيتكم لنا اثبات على اننا أقوياء". ذاكرين ضمن حوارهم، بالحري تهديدهم، أن قانون الحرب الطبيعي أن تحكم حيث تستطيع: "إنه ليس قانونّا اخترعناه، ولا أوّل من استخدمه حين سُنّ، هكذا وجدناه حين جئنا، وأبدًا نورثه لمن يأتي بعدنا".
هذا معناه أنّ الامبراطوريات لا تبقى على حال، فمصيرها إمّا التمدّد على حساب الآخرين، أو التفكّك والتقلّص، وتمدّد الآخرين على حسابهم. وعلى القادر على التمدّد عسكريًا أن يُشرْعِن تمدّده لإقناع شعبه وجنده أولًا، وأجزاء من شعوب العالم، وبضمنه شعوب الدول التي تعاديه، بمفاهيم تحمل قيمًا أنسانيّة تقدميّة تمهّد لمسير العسكر. فالدول، مهما كانت، تحملها مصالحها القوميّة العليا أولًا، متناغمة مع مصالح طبقتها الحاكمة، والتي تتدخّل إلى حدّ ما بصياغة هذه المصالح العليا، بقدر ما تستطيع، لتهنأ من خيراتها، أو تتفادى تحمّل جريرة خيباتها إن حدثت. والدول القويّة جاذبة، والضعيفة نافرة.

وفي هذا السياق، فقد حاصرت دول الغرب الاتحاد السوفييتي منذ انتهاء الحرب العالميّة الأولى، وقبلها روسيا القيصريّة، حتّى اليوم، بدءًا بدعم المليشيات الداخلية لتمزيق الدولة الفتيّة وافشال ثورتها، مرورًا بتفكيك الاتحاد السوفييتي ومجمل المنظومة الإشتراكيّة، طامعين من تفكيكها بالسيطرة على ثرواتها الطبيعيّة، متّبعين مبدأ الحصار وسباق التسلّح المكلف لإرهاق الاقتصاد السوفييتي، كي يثوّروا الشعب ضدّ النظام، إضافة إلى أخطاء النظام التراكميّة، وفي نهاية المطاف الأوّل، نجح الغرب بتفكيك المنظومة برمّتها.

لقد كانت مساحة الاتحاد السوفييتي الكليّة 22,276,060 كيلومترًا مربّعًا، وأمست بعد العام 1991 بمساحة تبقّى منها تَباعًا 17,075،400 كيلومترًا مربّعًا، أي خسرت ما مقداره 5،200،660 كيلومترًا مربّعًا. وقد وافقت قيادة الدّولة في الاتحاد السوفييتي، لاحقًا روسيا، على تفككها في مقابل حفنة من الوعود، أهمها مما يعنينا في هذه المقالة الوعود بعدم توسّع حلف شمال الأطلسي بسلاحه الفتّاك شرقًا من خلال ضم جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقًا، وفي المقابل تم تفكيك حلف وارسو العسكري الذي قاده الاتحاد السوفييتي، والموافقة على انفصال الجمهوريات والاعتراف باستقلالهم. رغم وجود بديل الحسم العسكري الداخلي في حينه كما فعلت الصين في ذات الفترة تحت وطأة ظروف شِبِه شَبِيْهَة.

وفي السياسة لا مكان للوعود حينما تتغيّر موازين القوى، وأمست الولايات المتحدة الأمريكيّة الدولة الأعظم من ناحية القدرات العسكرية والاقتصاديّة، وتحوّل العالم من نظام توازن هيمنة القطبين، إلى نظام عالمي يحكمه قطب واحد، الولايات المتحدة الأمريكيّة، تدور في فلكه منظومة الغرب، يحاول تأبيد هيمنته نهائيًا، فيقوم بتفكيك الكيانات المنافسة ومحاصرتها (الصين وروسيا)، وهو ما تعارف على تسميته بعصر العولمة، وهو عصر انفلات الولايات المتحدة الأمريكية للهيمنة على العالم دون قوّة مضادة تردعها، كما كان في عصر الحرب الباردة الذي امتدّ من العام 1945م حتّى العام 1991 م.

إن انهيار المنظومة الاشتراكيّة، وتفكّك الاتحاد السوفييتي، لم يشفع للرّوس، بل ببوادر ضعفه ازدادت اطماع الغرب بمزيد من السيطرة والتفكيك للاستيلاء على موارد روسيا الطبيعيّة، وعلى المزيد من أراضيها بشكل او بآخر.

على مدى سنوات، وتحديدًا منذ تولّي فلاديمير بوتين سدّة الحكم، حتّى اليوم، تم تحديث وتطوير الصناعات العسكريّة الروسيّة في شتّى المجالات، وبأدق التكنولوجيّات العاليّة، منافسة من جديد هيمنة الولايات المتحدة عسكريّا، آخذة عِبَر الماضي بالحسبان، وعلى رأسها التأخّر بالتحوّل من صناعات الثورة التكنولوجيّة الميكانيكيّة، إلى الثورة الرّقميّة الدقيقة. بالإضافة إلى تطوير الصناعات المدنيّة، وتطوير الاقتصاد بالارتباطات العالميّة، وفوق هذا توثيق روابط التحالف مع الصين بعد إدراكهما أن سقوط إحداهما في براثن الغرب معناه سقوط الثانية تاليًا. وازدياد قوة إحداهما هو بالضرورة زيادة قوّة الثانية، وقوّة الحلف، وهذا ما افتقرت إليه الاتحاد السوفييتي، إذ رغم تشابه النظامين، الصيني والسوفييتي، إلا أن التنافر كان سيّد الموقف، وحتّى هذا التقارب هو تقارب مرحلي لن نخوضه الآن. لكن نجاح روسيا في مسعاها إلى ضم ما استطاعت من دولة/ إقليم اوكرايينا سيفتح شهيّة الصين لاسترجاع تايوان تحت جناحها، والروابط التاريخيّة والسكّانيّة واللغويّة ما بين الصين وتايوان شبيهة بالعلاقة والترابط ما بين روسيا وأوكرايينا، فتايوان جزء عضوي حي من الصين، كما أن أوكرايينا جزء عضوي حي من روسيا الاتّحاديّة، تمّ استئصالهما من قِبَل الغرب الاستعماري، ومن المصلحة القوميّة العليا لروسيا والصين استرجاهعما، فقد قال الأثينيون لموفدي ميلوس: "أن قانون الحرب الطبيعي أن تحكم حيث تستطيع"، فما بالكم حين يجري الحديث عن قضيّة عادلة، عن اقليمين عضويين حيّين من امبراطوريّتين عُظمَتَيْن، الصين (تايوان) وروسيا (اوكرايينا)؟ ولن تقفا عند هذا الحدّ لأنّ "معياريّة العدالة تتعلّق بتوازن القوى القادرة" كما ذكر الوفد الأثيني لوفد جزيرة ميلوس.


روسيا وسوريا وأوكرايينا وخطوط الغاز الطبيعي والنفط
في السابع عشر من كانون الأوّل من العام 2010م، وكان يوم جمعة، قام شاب تونسي يدعى طارق الطيّب محمّد البوعزيزي، بإضرام النار في نفسه أمام مقر ولاية سيدي بوزيد، احتجاجًا على مصادرة البلدية لعربته التي كان يبيع عليها الخضار والفواكه، وحين اشتكى لدى الشرطة صفعته شرطيّة أمام الملأ وقالت له بالفرنسيّة: إرحل.

وعلى أثر إشعال النار في نفسه، ولاحقًا وفاته، تحرّكت هبّة شعبيّة تحوّلت سريعًا إلى انتفاضة ضد السلطات التونسيّة، وهتف الناس في الشوارع "إرحل" ضد الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، حتّى نجحت الثورة بإسقاطه، الأمر الذي أرعب دول الغرب الرأسمالي الإستعماري، وأكثر حين رأوا تأثير الروح الثوريّة التي انتقلت من قطر عربي (ولا أقول دولة) إلى آخر ليتفاجأ العالم بوحدة شعبيّة من المحيط إلى الخليج وبتعاطف الشعوب الإسلاميّة معها، الأمر الذي عملت الدول الإستعمارية، مدى عقود، على تمزيق روح الوحدة هذه، والتعاطف فيما بينها، وكان تدمير دولة الخلافة العثمانيّة، وتقسيمات سايكس- بيكو، وما تلاه من تهجير للفلسطينيين، وإقامة كيان استعماري غريب على أنقاضها، قمّة نجاحاتهم، ولم تكن ليبيا وسوريا بمعزل عن الأحداث.

أما في ليبيا فقد عمل حلف شمال الأطلسي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكيّة، على خداع الرّوس باستغلال قرار دولي استصدروه، ومن خلاله تمّت تصفية الرئيس الليبي العقيد معمّر القذّافي، وإغراق ليبيا ببحر من الفوضى الدمويّة إضافة لما كانت به، وكانت روسيا أكبر الخاسرين لمصالحها هناك، إضافة إلى احتمال الاستعاضة عن مصادر الطاقة الروسيّة بالليبيّة لقربها النسبي الجغرافي من اوروبا، ممّا تحوّل لاحقًا إلى درس جديد تعلّمته القيادة الرّوسيّة في كيفيّة تعاملها مع دول الغرب وحلف شمال الأطلسي، رغم أنّ الأمر كان واضحًا! ممّا حدّد طبيعة تعامل روسيا لاحقًا مع النظام السوري الذي يرأسه بشّار حافظ الأسد، وكما لكلّ قطر خصوصيته رغم شدّة التشابهات، فلسوريا خصوصية مركّبة أملاها موقعها الجيوسياسي، والدور السياسي للنظام والتركيبة السكّانيّة، وأمور عديدة أخرى، كنّا قد تناولناها في مقالات سابقة، تحكمها عوامل محليّة وإقليميّة وعالميّة مركّبة معقّدة، ما يعنينا منها في هذا المقال الدور الرّوسي، بقيادة فلاديمير بوتين، وما يرتبط مباشرة بالمصالح الرّوسيّة وعلاقتها لاحقًا بالحرب الرّوسيّة الأوكراينيّة (2022).

فبالنسبة للغاز الطبيعي والنفط، فإن أوكرايينا تعتبر دولة ترانزيت (ناقلة) لمرور أنابيب الغاز الطبيعي والنفط، الأرخص سعرًا، لنقل كميّات هائلة لا غنًى عنها، من روسيا الاتحاديّة ألى دول الاتحاد الأوروبي، وكميّة أقل للمملكة البريطانية المتحدة، لوجود مصادر طبيعيّة خاصة بها، مما يفسّر هامش تحركها الأعلى بالحرب. وقد حاولت أوكراينا التحوّل من دولة ترانزيت لنقل موارد الطاقة، إلى دولة منتجة لها، تضخّها من محيط اقليم القرم، مما سيضر بالمصالح الرّوسيّة القوميّة العليا. وبدأت تعدّ العدَّة لهذا المشروع بإيعاز من الغرب، مما أثار حفيظة الرّوس.

تقع شبه جزيرة القرم شمالي البحر الأسود؛ يحدها من الشرق بحر آزوف، ومساحتها 26,945 كم2 وعدد سكانها 2,355,030 نسمة وفقًا لتعداد 2019م. وكان اسمها فيما مضى «اق مسجد» أي «المسجد الأبيض» بلغة تتار القرم المسلمين قبل أن يستولي عليها الروس عام 1783م. وهي ذات أهمية قصوى لاحتوائها قاعدة بحرية روسية تعد الوحيدة من نوعها في المياه الدافئة، إلى حين التدخل الرّوسي في سوريا، وهي مقر أسطول البحر الأسود الروسي. وتشهد المنطقة منذ أوائل 2014م أزمة سياسية بعدما أجرى سكان القرم استفتاءً ضمت من بعده روسيا شبه الجزيرة إلى قوام روسيا الاتحادية والذي اعتبرته أوكراينا ومعها دول الغرب الاستعماري احتلالًا وتعدِّيًا على سيادة أوكراينا ووحدة أراضيها. وبهذا تكون روسيا قد أفشلت مشروع الغرب بالإصطفاف خلف اوكراينا لضرب مشروع تمرير الغاز والنفط من روسيا عبر اوكرايينا إلى دول الاتحاد الاوروبي وبريطانيا.

في هذه الأثناء تكون الأزمة السوريّة قد تفجّرت بتدخلات كلّ ذوي المصالح، وبدأ الغرب من جديد بمحاولة لمحاصرة روسيا الاتّحاديّة اقتصاديًا، من خلال اسقاط نظام البعث برئاسة بشّار الأسد، لتمرير خطوط الغاز الطبيعي والنفط القادم من دول الخليج عبر سوريا إلى أوروبا، كخطوط امداد للطاقة بديلًا عن الخطوط الرّوسيّة عبر اوكرايينا. ممّا حدّد طبيعة التحالف القادم بين النظام السوري المتعطّش لدعم دولة عظمى، في ظل العزلة المفروضة عليه عربيًا وعالميًا، فاستدعت سوريا واستجلبت التدخّل العسكري الرّوسي، ممّا حسم في النزاع على السلطة وبقاء بشّار الأسد وحزب البعث على رأس السلطة. وكما ذكرت، فإن قضيّة سوريا مركّبة ولا يمكن التعاطي معها من خلال عامل واحد أو اكثر، لكني اخترت هذه الزاوية لربطها مع الحرب الروسيّة الاوكراينيّة (2022م)، ورؤية التأثير العالمي على الإقليمي وبالعكس.


روسيا وسوريا وتركيا ومرافئ المياه الدّافئة
وضمن مجمل العوامل الهامّة المؤثّرة التي حسمت بتدخّل روسيا على خط الأزمة السورية، بعد صمود النظام فيها بعكس التوقّعات، العرض السوري عام 2017 بتأجير ميناء طرطوس على الساحل السوري في قلب المياه الدافئة، في قلب البحر الأبيض المتوسّط، بوساطة ايرانيّة، للاستخدامات العسكرية بما فيها النووية، مما يجنّب السفن الحربيّة الرّوسيّة مشقّة العودة إلى قواعدها داخل البحر الأسود مرورًا بالمضائق التركيّة، العضو في حلف شمال الأطلسي.
وفعلًا تقدّمت السلطات الرّوسيّة بطلب إلى السلطات التركيّة للعبور بسفنها الحربيّة عبر المطائق التركيّة، وهي العضو في حلف شمال الأطلسي، الأمر الذي رفضته تركيا، في بداية الحرب الروسيّة الأوكراينيّة (2022م)، رضوخًا لأوامر الولايات المتّحدة الأمريكيّة، ودول حلف ناتو. وبهذا تكون روسيا قد تحضّرت للآتي من المواجهات في قلب القارّة الاوروبيّة، من أجل الحفاظ على مصالحها القوميّة العالميّة الكبرى بتدخّلها في الأزمة السوريّة، مما كان له عميق الأثر على بقيّة دول الاقليم حول سوريا، وأكثر.

فلسطين والحرب
لكل حرب اقليميّة تشارك فيها إحدى الدول العظمى أو اكثر اسقاطاتها بعيدة المدى على كل أنحاء العالم. فعلى سبيل المثال، فإن انتصار الرّوس في الحرب على اوكرايينا (2022م)، هو بالتالي إضعاف للموقع العالمي للولايات المتحدة الأمريكيّة، وإضعاف لموقفها في مفاوضاتها حول الملف النووي الإيراني، وسيزيد من قوّة موقف ايران، خصوصًا بعد ما ثبت من دعم مباشر لحكومة اوكرايينا في إقامة أكثر من خمس عشرة منشأة عسكريّة اوكراينية تديرها الولايات المتحدة بنفسها على الأراضي الاوكراينيّة لإنتاج الأسلحة البيولوجيّة والكيماويّة، قامت القوّات الرّوسيّة بتدميرها في الأيام الأولى للحرب، والكشف عن محاولات استجلاب شركات خاصّة لتخصيب اليورانيوم في مفاعلات اوكراينا لإنتاج أسلحة نوويّة تحت عباءة وإشراف الولايات المتّحدة التي تكيل بمكيالين، بما يخالف الاتفاقات بين روسيا والناتو والحكومة الاوكراينيّة، والأهم مخالفة القانون الدولي، الذي طالما تغنّت به الولايات المتحدة الأمريكيّة في مفاوضاتها، التي تحاول أن تظهر بها على انّها الحامي لهذه القوانين والأعراف الدوليّة!

كتب الصحافي "بن- درور يميني" في إحدى أهم الصحف "الإسرائيليّة!"، يديعوت أحرونوت/ آخر الأخبار، الجمعة 28.2.2022، في الأيام الأولى للحرب، ما مفاده: "هنالك عبرتين علينا رؤيتهما بوضوح. أولًا الخلط السكّاني بين أعداء ليست وصفة لأخوّة الشعوب، إنما وصفة لصراع مستديم، والتي عادة ما تؤدّي إلى حرب، لا توجد حلول سهلة. لكن من الواضح أن هنالك فرقًا بين عرب إسرائيل(!) مثلًا، الذين بغالبيتهم يتهرّبون من فكرة الانضمام إلى الدّولة الفلسطينيّة، إذا ما قامت، وبين اولئك الذين بيننا ممّن يصرّون على الاستيطان بمحاذاة التجمّعات السكّانيّة الفلسطينيّة المعادية، لكي يحوّلوا الخليط السكاني القليل- الذي أصبح قائمًا- إلى خليط كبير الذي من شأنه أن يجرّ إلى خراب كبير. وثانيًا، الضمانات الدوليّة لا تساوي ثمن الورق المكتوبة عليه".
فإذا ما وحّدنا هذه الصياغة مع تصريح رئيس الحكومة نفتالي بينيت، في مقابلته التي أجراها الصحافي بن- كسبيت من على صفحات صحيفة "معاريف" وسؤاله حول النّقب وحول وادي عارة، منطقتين فلسطينتين تابعتين لفلسطينيي (48)، بتاريخ 28.1.2022، يعتبر بينيت أن ممارسة الفلسطينيين البدو حياتهم الطبيعيّة على أرضهم احتلالًا لأراضي الدول، ويجب تجميع كل البدو في مناطق محدّدة محدودة، حتّى لو اضطر إلى بناء جدار حديدي حولهم، والتصريح هنا ليس جزافًا، ففي السابق، ما فُهم تصريحًا بالهواء تحوّل إلى جدار اسمنتي فاصل يسجن الفلسطينيين في مدنهم وقراهم في الضفّة الغربيّة وغزّة، فالاحتلال والاستعمار في كل فلسطين، ونفس الذهنيّة تعمل في كافّة مناطقها الجغرافيّة، ففلسطين والشعب الفلسطيني واحد والمستعمر واحد، يقطّع أوصال الشعب الفلسطيني ويشظّيه لئلّا تتطور مستقبلًا مطالب انفصاليّة عن الكيان، أو طلب ضم مناطق فلسطينيّة لدول جواريّة في حال نشوء تغيّر عالمي يتبعه بالضرورة تغيّر اقليمي في التوازنات له استحقاقاته، وهذا ما أرعب الكيان الصهيوني في الحرب الروسيّة- الاوكراينيّة، مما جعل نفتالي بينيت يقفز إلى موسكو ليلتقي ببوتين خوفًا من استحقاقات الحرب التي يبدو فيها ان الميزان يميل إلى صالح روسيا والصين في هذه المرحلة، رغم أن ظروفًا دوليّة كهذه في فتراتها الحرجة هي دومًا فرصة مواتية نادرة للشعوب الأخرى ذات الروابط القويّة (تاريخ، لغة، قوميّة، دين) كالشعوب العربيّة والاسلاميّة، وشعوب امريكا الجنوبيّة، وغيرها، لتتحرّر، وتتوحّد، ولتنشيء كيانات ما بعد تفرقة الإستعمار لها.



خاتمة:
إنّ هذه الحرب الروسيّة- الاوكراينيّة (2022م)، ومهما كانت نتائجها، فما قبلها لن يكون كما بعدها، واستكفي هنا بهذا القدر، تاركًا عوامل اضافيّة فاعلة مهمّة، منها تخفّي المنظومات الثقافيّة والدينيّة والمذهبيّة ككتائب إدراكيّة لها تأثيرات عميقة بعيدة المدى، وقضايا أخرى، قد نتناولها في مقال منفصل.



-انتهى-



#زاهر_بولس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شَاغَلَتْنِي بِشَوْكِ الوَرْدِ
- شِفَاهُ لا خَمْرٍ
- مفهوم انزياح المصطلح
- يا لجمالكِ بغدادُ
- مِنْ أَرْدَانِ العِهْنِ بَنَان
- رُحِّلْتَ
- فَاكسِرْ لهُ عُنُقًا
- وكأنَّ بي مسّ
- الرُّوْحُ وَهَّاجَةٌ للجُسُدِ
- المعركة كانت وستبقى ضد مشروع الغرب الاستعماري وربيبته الحركة ...
- وَقْعُ الأَصَائِلِ
- مُثَلَّثُ ابْلِيْسَ يَنْقُرُ كَالعُصْفُوْرِ
- إِبْرِ النَّبْلَ
- وَكَمَا أَعَدَّكَ
- يَا صَدِيقِي المُنْتَظَر
- عَلَى هَذَا النَّهْدِ عَلَّقْتُ قَصِيْدِي
- علَّقت على النّهدِ قَصِيدي
- عَازِفُ الرِّيْحِ
- كَمَنْ جَوَاذِبِيْ يَدَيْكَ كَانَتْ!
- رَهَا تَخْتَالُ كَالرَّشَا


المزيد.....




- أوروبا ومخاطر المواجهة المباشرة مع روسيا
- ماذا نعرف عن المحور الذي يسعى -لتدمير إسرائيل-؟
- من الساحل الشرقي وحتى الغربي موجة الاحتجاجات في الجامعات الأ ...
- إصلاح البنية التحتية في ألمانيا .. من يتحمل التكلفة؟
- -السنوار في شوارع غزة-.. عائلات الرهائن الإسرائيليين تهاجم ح ...
- شولتس يوضح الخط الأحمر الذي لا يريد -الناتو- تجاوزه في الصرا ...
- إسرائيليون يعثرون على حطام صاروخ إيراني في النقب (صورة)
- جوارب إلكترونية -تنهي- عذاب تقرحات القدم لدى مرضى السكري
- جنرال بولندي يقدر نقص العسكريين في القوات الأوكرانية بـ 200 ...
- رئيسة المفوضية الأوروبية: انتصار روسيا سيكتب تاريخا جديدا لل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زاهر بولس - الحرب الروسيّة الأوكراينيّة 2022 واسقاطاتها الإقليميّة والمحليّة *معياريّة العدالة تتعلّق بتوازن القوى القادرة*