حرب أكتوبر في الأدب العربي الحديث

عطا درغام

الحوار المتمدن-العدد: 7178 - 2022 / 3 / 2 - 10:52
المحور: الادب والفن
    

إن حرب أكتوبر هي أهم الحروب العربية الحديثة، وأكثرها تمثيلًا لقدرات الإنسان العربي والأمة العربية. فقد شارك الإنسان العربي في هذه الحرب بروحه ودمه، وأسهمت الأقطار العربية بدرجات متفاوتة ومستويات مختلفة عسكريًا وسياسيًا. فجسَّدت الحرب التضامن العربي، وجاءت بميلادٍ جديد للأمة العربية، محا صفحة الهزيمة، وسطَّر صفحات جديدة للشخصية العربية، وأبدع مجموعة من الإنجازات والتغييرات في قضية الصراع القومي العربي الإسرائيلي.
وتجاوزت حرب أكتوبر الجوانب العسكرية لتمتد إلي الأبعاد الاجتماعية والسياسية والنفسية والإعلامية والثقافية؛ فأهمية حرب أكتوبر العظيمة بقدر عظمة الدماء العربية والشهداء العرب والإنجازات العربية التي صنعت الحرب؛ لذا يجب أن تسجلها صفحات الأدب العربي لتبقي في ذاكرة الأجيال.
كانت مفاجأة حرب أكتوبر التي أصابت جبهة الأعداء بالانهيار لدي المواجهة الأولي، وعلي الجانب الآخر . فقد أشعلت جبهة الأدباء العرب حماسًا وانفعالًا؛ فجاءت أعمالهم الأولي عفوية انفعالية تحفل بالانطباعات السريعة ، وليس إبداعات فنية وأدبية. فقد فوجيء الأدباء العرب بحرب أكتوبر، وتمثلت المفاجأة في نوعية التعبير الأدبي عن المعارك؛ فسيطر عليها طابع السرعة والعجلة، ولذا جاءت الأعمال الأدبية الأولي في شكل مقالات قصيرة أو قصائد وقصص قليلة.
سيطر المقال علي أعمال كبار أدباء القصة والرواية والمسرح، بل وعلي بعض الشعراء، هي مقالات قصيرة فيها من التلقائية والعفوية والانطباعات السريعة أكثر مما تحتويه من الإبداع الأدبي والفني في تخصصاتهم الأدبية والفنية، ولكنها تميَّزت بالوعي والنضج والإحساس بأهمية حرب أكتوبر.
جاءت مقالة توفيق الحكيم " عبرنا الهزيمة"، التي صارت مدخلًا للكثير من أناشيد وأغنيات الحرب، ورأي الحكيم في العبور تأكيدًا لأصالة شعبنا وعبورًا للهزيمة التي بداخل نفوسنا، قائلًا:" عبرنا الهزيمة بعبورنا إلي سيناء، ومهما تكن نتيجة المعارك، فإن الأهم الوثبة. نعم عبرنا الهزيمة في الروح".
أما نجيب محفوظ، فقد أبدع أكثر من رواية وقصة بعد حرب أكتوبر، ولكنها لا تدخل في أدب أكتوبر، وتوقف إسهامه الأدبي في الحرب عند مجموعة مقالاته القصيرة جدًا، التي كتبها بالأهرام خلال الحرب وبعدها بعنوان"دروس أكتوبر" ، أشهرها مقالاته"عودة الروح"، التي قال فيها: " إن الحرب ردّت إلينا الروح، وفتحت أبواب المستقبل مهما تكن العواقب. ردَّت الروح بعد معاناة الموت ست سنوات. روح مصر تنطلق بلا توقع، تتعملق بلا مقدمات، تتجسَّد في الجنود، بعد أن تجسَّدت في قلب ابن من أبر أبنائها، تقمص في لحظة من الزمان عصارة أرواح شهداء العطاء من زعمائها واتخذ قراره ووجَّه ضربته. فإلي الأمام، ومهما تكن العواقب، فقد رُدَّت إلينا الروح والعصر والمستقبل".
هذا هو موقف توفيق الحكيم ونجيب محفوظ في أدب أكتوبر، فلا إبداعات أدبية أو فنية، بل كتابة مقالات سريعة معبِّرة، وهو نفس موقف يحيي حقي وعبد الرحمن الشرقاوي ويوسف إدريس وغيرهم من كبار الأدباء، بل إن شاعرًا كبيرًا كنزار قباني لم يكتب شعرًا في حرب أكتوبر، بل كتب مقالات عبر فيها عن تضاؤل دور الكلمة أمام فعل الحرب، ولكنه لم يقلل من شان الكلمة بل دعا الأدباء إلي المشاركة في الحرب بأقلامهم وأوراقهم.
لقد تخلف أدب أكتوبر الذي جاء في بداياته في شكل مقالات قصيرة وشذرات من القصائد والقصص ، اتسمت بالطابعين الانفعالي والحماسي عن مواكبة حرب أكتوبر ؛ لأن الإبداع الأدبي المركب يحتاج إلي ماهو أكبر من الدفقة الشعورية والانفعال المتحمس.
وبعده بسنوات، بعد التأني والدراسة يأتي الحصاد الأدبي بمفهومه الشامل في مجالاته المختلفة ،من شعر وقصة قصيرة ورواية، ومسرح. وهذا ما سنعبِّر عنه من خلال بعض النماذج في شتي الفنون الأدبية المختلفة ،التي عبَّرت عن هذا الحدث التاريخي العظيم.
حرب أكتوبرفي الشعر العربي الحديث
فجَّرت حرب أكتوبر الإبداع الشعري عند الشعراء العرب، وتدفَّقت عبر قصائد الشعر العربي الحديث علي اختلاف اتجاهاته الفنية والسياسية والاجتماعية، وكان الشعر هو الفن الأدبي الأول في حصاد أكتوبر،إذ جذبت الحرب الشعراء إلي أتون معاركها الواقعية، وفجَّرت لديهم الضمير الوطني والقومي. وأبدع الشعراء الكثير من الصور الشعرية التي جعلت من الشعر سلاحًا فعالًا من أسلحة أكتوبر التحريرية.
واستطاعت حرب أكتوبر أن تجدِّد في بنية القصيدة العربية وصورها ورموزها بجذبها إلي الصور التعبيرية، ومزجها بين الواقعي والمتخيل، وتجاوزها للتصوير الفوتوغرافي الآلي لوقائع المعارك الحربية إلي التعُّمق والاستبطان والتنبؤ، والخروج من إطار الرؤية المحدودة إلي الرؤية الشاملة واستشراف آفاق أوسع من معطيات الواقع التفصيلية والجزئية ، والخروج من حرب أكتوبر بالدلالات والتبشير بمستقبل أفضل رسمت خطوطه دماء الشهداء ونضال المحاربين.
فعبَّر صلاح عبد الصبور في رسالته الأولي "إلي أول جندي رفع العلم في سيناء" عن صورة ذلك الجندي العظيم علي شاشة التلفزيون تصويرًا واقعيًا لعملية العبور ورفع العلم وماتجسَّد فيها من معاني الحب والمجد. في الفقرة الأولي من رسالته الشعرية، وفي القسم الثاني من الرسالة تتصاعد الدلالات في عملية العبور ورفع العلم وعودته "إلي وكره" تحقيقًا لآمال البسطاء الفنانين؛ لأن العَلم هو الباقي، ثم يختم رسالته بتصوير ذلك العمل العظيم برفع العلم بيد ذلك الجندي الجسور كتجميع وحشد لأرض مصر وتاريخها وأهلها وطبيعتها ، فيقول في مزيج شاعري مكثف يمتزج فيه الحلم بالواقع:
هيهات من التحديق. حالت صورة الأشياء في العينين
وأضحي ظلك المرسوم منبهما
رأيتك جذع جميز علي ترعة
رأيتك قطعة من صخرة الأهرام منزرعة
رأيتك جانبًا من حائط القلعة
وقد وقفت علي قدمين
لترفع في المدي علمًا
ولأحمد عبد المعطي حجازي قصيدتان " ثلاث أغنيات للوطن" و" أغنية لدمشق"،ويقول في الأغنية الثالثة من "ثلاث أغنيات للوطن" أغنية بهيجة فرحة بالعلم الذي رفعه أبطالنا من جديد فوق أرضنا المحرَّرة بدمائهم واقتحامهم للنار والحديد، فقد رأي حجازي هذا العلم علمنا الوحيد لأنه مخضب بدماء رجالنا، فقد منحوه أرواحهم النبيلة كي يرتفع. وفي هذه الأغنية تتجسَّد عظمة الشعر وجماله وروعة تعبيره بالصورة الشعرية:
كل راياتنا قطع من قماش
وأنت العلم
مصر أنجبت زوجين زوجين
والحب أنجب أبناءهم
واصطفي المجد أجملهم
واهبًا لك أرواحهم يا عَلم
كلما نقلوا إليك في الطريق قدم
نسجوا فيك خيطًا
ومن كل قطرة دم
رسموا فيك لونًا
فهم أنت
وللشاعر فاروق شوشة"أغنيتان لمصر" ، ففي الأغنية الثانية التي تحمل عنوان " اليوم السابع" يبين وجه الوطن الغائب خلف غلالات الأيام الستة السوداء وتعود الروح لمصر:
اليوم السابع جاء
سقطت أحلام المخمورين المزهوين
قذفت ببقايا الوهم الجاثم في سيناء
- الوهم ابتلعته الصحراء-
ويتخيل الشاعر محمد مهران السيد محبوبته مصر التي تتألق من جديد، بعد أن تخلصَّت من الخوف واليأس والهزيمة:
حين رأيت فتاتي آخر مرة
كانت تتألق أكثر من لمعان السيف
تمضي واثقة تحت عطاء الأيام المتخلصة من الخوف
تضحك حينًا
أو تتحدث في لغة منتصرة
وتاتي قصيدة" للصورة لون آخر" للشاعر العراقي معد الجبوري في صورة درامية وفيها الكثير من الحكاية القصصية، ويعرض كيف غيَّرت حرب أكتوبر"تشرين" كل شيء، وأزالت ألوان يونيو"حزيران":
قلتم:
"كان الدم محتقنًا في الأعراق،
الدم في رحم الجرح المقفل محتقن،
لكني أنبئكم
أني في تشرين رأيت الدم يورق
بين رمال الصحراء
قلتم:
"كان العطش المتداخل في العظم،
لكني أنبئكم
أني في تشرين رأيت الماء
يتدفق بين أكف الجند الممتدين
من الجولان إلي سيناء
تشرين:
آخر ما يسقط من تقويم الأحزان
ويعبِّر الشاعر الفلسطيني "معين بسيسو" في قصيدته" جنديًا..كان الله وراء متاريس دمشق" بصدق عن بطولة الجنود العرب الذين كانوا يحاربون من دمشق، ويهبون أجسادهم وأصابعهم لتحرير الأرض غير آبهين بالكاميرات والميكروفونات ، فهم خارج الصوت والضوء يموتون في صمت وجلال:
كان يموت بصمت
ما كان بيده كاميرا، وعلي فمه
ما كان مكبر صوت
كان يموت وراء خطوط الضوء
وراء خطوط الصوت...
قلبي قنبلة لدمشق...
وأصابع كفي العشرة...
عشر رصاصات لدمشق...
حرب أكتوبر في القصة القصيرة
نجد القصة القصيرة هي الفن الأدبي البارز في التعبير عن حرب أكتوبر، بعد الشعر. فقد أتاحت لها الصحف الثقافية مساحات كبيرة للنشر، وتنوعت قصص أكتوبر بين قصص الحرب والمعارك في الجبهتين العسكرية والمدنية، وبين القصص المكتوبة من وحي أكتوبر وزخمه وانطلاقًا من تفجيرات أكتوبر والآمال الكبيرة التي فتح لها طاقات الإبداعات.
وتضم مجموعة"حكايات الغريب" لجمال الغيطاني سبع قصص تتراوح بين القصة القصيرة والقصة الطويلة القصيرة، وتشكل رؤية لأحداث حرب أكتوبر علي المستويين العسكري والمدني. فنطالع أحداث الحرب من خلال تصوير الناس العسكريين والمدنيين. والناس في قصص "جمال الغيطاني" عاديون بسطاء صغار فقراء كادحون، ومع ذلك فهم يُبدون المقاومة البطولية وأعمال الفداء ببساطة؛ فنري كيف يكتشف هؤلاء الناس الصغار ذواتهم وكيف تظهر قوتهم وطاقاتهم الخلاقة خلال عنفوان الحرب.
وقد أتاح عمل الأديب الصحفي كمراسل صحفي حربي، فرصة للاقتراب من الحرب ورجالها ومواقعها والتعايش معها والامتزاج بها. ومن هنا، أفادت الصحافة عمله الأدبي ، وأثرته وزوَّدته بالخبرات الواقعية لعالم الحرب؛ فأغنت أعماله الأدبية بكثافة الصور الواقعية المعبِّرة عن عمق الخبرة بواقع الحرب، وكذا ساعده عمله الصحفي علي الإيجاز في العبارة والتبسط في اللغة.
وفي قصة " الجبل" للأديب السوري حنا مينا،وهي قصة قصيرة طويلة (90 صفحة) يصور بالصورة واللوحة والحدث عملية تحرير مرصد جبل الشيخ علي علي الجبهة السورية بواسطة القوات الخاصة. والقصة مشوقة مكتوبة في خضم الحرب.
وفي قصة "عندما يتقاتل الرجال..ويغنون في ضوء القمر" ففي هذه القصة لا تصور الكاتبة بطولات المحاربين السوريين فحسب، بل تعِّبر عن عروبة الحرب من خلال موقفين لاثنين من المقاتلين المغاربة.
والقصة مكتوبة من أربعة أقسام أو أربع أقاصيص في إطار حرب أكتوبر، ومن داخل مستشفي يضم جرحي الحرب، وترد أحداث الأقاصيص عبر حوار متبادل بين سيدة كاتبة وبين جرحي المستشفي القادمين من ميادين القتال، وتسَّجل السيدة في مفكرتها ما تلتقطه من أفواه الجرحي عن أحداث الحرب وحكايات المعارك البطولية الدموية.
وفي المجموعة القصصية (من وحي أكتوبر) التي تضَّمنت قصتين لصلاح عبد السيد بعنوان(خضر) و(أشعة الدفء الخريفية).ففي قصة(خضر) يصمم الرجل البسط العادي الذي افتدي قريته التي لم تعطه شيئًا، ولم تعترف حتي بشرعيته، ومع ذلك صمم علي حمل قنبلة ألقتها إحدي طائرات العدو علي "وابور المياه" بالقرية. فلم تنفجر وغامر بحياته وتخطي كل من تطوع من شباب القرية لإبعاد القنبلة عن "وابور المياه" ومع انفجار القنبلة بعيدًا عن هدفها تفجَّرت عواطف القرية نحو الرجل البسيط المجهول واعترف أبوه ببنوته.
وفي القصة الثانية" أشعة الدفء الخريفية"، تحاول الكاتبة أن تبيِّن عظمة حرب أكتوبر من خلال عرضها لصور هزيمة يونيو وإلصاق أحداث العبور والقتال العنيف بآثار الهزيمة وتداعياتها، وذلك عن طريق ذكريات تنثال علي رأس بطلة القصة المهاجرة من إحدي مدن القناة.
ويستمد القصاص محمود عبد الوهاب في قصة" عن العبور" رؤيته من العبور؛ فيراه عبور من يأس الأموات إلي قتال الأحياء الشرس ،ويرتبط العبور والاشتباكات العنيفة مع الأعداء بالانتقام لهزيمة يونيو واسترداد الكبرياء.
أما قصة" الخروج من حفر الدفاع السلبي"، هي قصة مباشرة كتبها الجندي المقاتل حسن عطية أحد المقاتلين بصواريخ"سام7" الذين أمَّنوا العبور لقواتنا الباسلة، واصطادوا طائرات الأعداء اصطيادًا
وفي قصتي"بعد كل هذه السنين"و"أمسية الهازلين" للدكتور نعيم عطية توجد هزيمة يونيو وحرب أكتوبر أيضًا، وفيهما حديث عن الابن المقاتل الغائب والأم المنتظرة أبدًا لعودته والتي لم تعترف يومًا بموته.
ويري محمد المنسي قنديل في قصته" سوف نُعيد ترتيب كل شيء" أن الحرب بعث جديد وتحقيق لكل الأحلام، وتردد شخصيات القصة في حين تقوم بأعمال العبور، بأنهم يحاربون فعلًا ولا أحد يحلم.
وفي قصة قاسم مسعد عليوة" لا تبحثوا عن عنوان..إنها الحرب" ، نتابع حرب أكتوبر في داخل بيت شوَّهته القنابل مع جندي جريح وشاب من رجال المقاومة الشعبية، وفتاة تعمل موظفة في المدينة. يعتمد شكل القصة علي تصوير لحظة إغارة العدو الجوية الليلية علي المدينة من خلال الرصد الدقيق للأشخاص الثلاثة والأشياء البسيطة حولهم.
حرب أكتوبر في الرواية العربية
استطاع مجموعة من الروائيين العرب ينتمون إلي عدة أجيال أدبية أن يبدعوا رواياتهم عن حرب أكتوبر ، و يسدوا فراغا كبيرًا في الفن الروائي في خريطة أدب أكتوبر، ويشقُّون طريقًا جديد للرواية العربية الحديثة بعد أن استهلكت موضوعاتها التقليدية في المدينة والقرية.
والروائيون العرب هم : د. عبد السلام العجيلي في روايته" أزاهير تشرين المدماة" وحنا مينه في " المرصد" وكوليت الخوري في رواية " العودة إلي القنيطرة" من سوريا، وجمال الغيطاني في" الرفاعي" ويوسف القعيد " في الأسبوع سبعة أيام" و " الحرب في بر مصر" .وسعيد سالم في"عمالقة أكتوبر" من مصر، ومبارك ربيع من المغرب في روايته" رفقة السلام والقمر".
ويدور عمل د. عبد السلام العجيلي" أزاهير تشرين المدماة" داخل مستشفي عسكري حيث تتدفق صور حرب أكتوبر"تشرين"، مع تتابع وصول جرحي المعارك إلي المستشفي، وتُروي وقائع حرب تشرين إما علي لسان الروائي الرئيسي " الملازم سامي" أحد ضباط الاستطلاع المصاب في أول معاركها علي الجبهة الشمالية "الجولان" أو أن ترد أحداث الحرب علي لسان أبطال الحرب.
ورواية " العودة إلي القنيطرة" لكولييت الخوري، رواية قصيرة فيها الكثير من سمات القصة القصيرة، مثل التركيز علي فكرة محورية أو حدث واحد. والزمن محدود والشخصيات قليلة، وتدور الفكرة المحورية حول تهديد العدو الصهيوني بالاستيلاء علي دمشق، وقيامه بالاختراق الرئيسي في طريقها، وقصف أحيائها ومنازلها الآهلة بسكانها العرب.
وفي رواية " الرفاعي" لجمال الغيطاني التي تحمل اسم بطل واقعي، وهو الشهيد العميد إبراهيم الرفاعي أحد أبطال الصاعقة المصرية، وتصوِّر الرواية معارك حرب الاستنزاف ووقائع المعارك التي خاضها الرفاعي مع مجموعته المجموعة 39 خلال حرب أكتوبر حتي معركته الأخيرة واستشهاده.
ويصور الروائي يوسف القعيد في روايته" في الأسبوع سبعة أيام"، أثر الحرب في قرية مصرية من خلال استدعاء بطلها الفلاح الشاب مصطفي للانضمام إلي وحدته العسكرية بالجبهة قبيل حرب أكتوبر، وتداعيات هذا الحدث وآثاره في شخصية الجندي الفلاح مصطفي وأسرته وقريته، التي تمثل كل قري مصر.
وفي روايته الثانية" الحرب في بر مصر"، يقطع يوسف القعيد شوطًا كبيرًا في اتجاه تحديث الرواية العربية، ويحرص مُبدعها علي تحميلها برؤية سياسية اجتماعية لحرب أكتوبر وللمجتمع المصري بعد حرب أكتوبر؛ فيجسِّد الروائي رؤيته من خلال استشهاد بطلها" مصري" علي الجبهة المصرية يوم وقف إطلاق النار، ومن خلال هذا البطل تعمِّق الرواية قصة الرجل العادي البسيط الذي وجد في الحرب، وفي العبور في تحرير أرض الوطن كل أمنياته.
وتتجلي في رواية" رفقة السلاح والقمر" للروائي المغربي مبارك ربيع، الرؤية القومية لحرب أكتوبر، كحرب لكل العرب وشفاء لجروح الهزيمة، وخطوة نحو تحقيق الآمال المختزنة، وإنهاء الانتظار والدفاع والتحرك إلي الهجوم والفعل مهما تكن النتائج؛ فتعبِّر شخصيات الرواية المُنتقاة من مختلف الأقطار عن العرب والوطن العربي ووحدة الهموم العربية والآمال العربية.
حرب أكتوبر في المسرح المصري.
ويمكن أن نتابع انعكاس حرب أكتوبر علي المسرح المصري من خلال ثلاث مسرحيات ، عبَّرت عن انتصار أكتوبر العظيم.وهي" عملية نوح" لعلي سالم و" رسول من قرية تميرة عن مسألة الحرب والسلام" لمحمود دياب و"العبور" لفؤاد دوارة.
في مسرحية" عملية نوح" المكوَّنة من ثلاثة فصول وثمانية مشاهد، يقدِّم علي سالم رؤيته لحرب أكتوبر من خلال بناء مركب يمزج فيه بين المأساة والملهاة، وبين الواقع والخيال. ويجسِّد فكره في شخصياته ومواقفه وأحداثه الواقعية والمتخيَّلة. ليصوِّر العبور كحل حتمي وحيد لإنقاذ مصر من الهزيمة والغرق والتفكك والانحلال، ولإعادة بناء مصر الجديدة.
ويُبدع علي سالم حدثه الرئيسي ليجسِّد من خلاله رؤيته الفكرية للهزيمة، أسبابها وتداعياتها وطرق الخلاص منها. والحدث الرئيسي الذي تتمحور حوله المسرحية هو الخطر المُحدق بمصر والذي يهددها بالغرق، من خلال رمز بسيط شفَّاف عن حدوث انفجارات تُحدث تشققات في قاع البحر وتتحول إلي أخدود صغير ياكل شواطيء الدلتا ،وياخذ في الاتساع ويهدد مصر كلها بالغرق. تلك القضية المحورية تجسِّدها شخصيات المسرحية ومواقفها وأحداثها بذكاء وإيحاء.ويجعل علي سالم أحداث مسرحيته وحوارياتها تتصاعد من بين صفوف المشاهدين، لإشراكهم وإحداث التفاعل بينهم وبين الممثلين.
ويُطَّور الكاتب رؤيته في قضية محورية عبر حدث يخلقه باسم" عملية نوح"، ويبلور من خلاله رؤيته الكوميدية السوداء للهزيمة وطرق الخروج منها، وتصَّور الشخصيات وهي أنماط فكرية ونماذج اجتماعية، تجسِّد فكر المؤلف ورؤيته؛ لذا جاءت كنماذج للإسقاط السياسي والشخصيات الورقية الجامدة عند مواقفها.
وينتهي علي سالم في مسرحيته من تحليله للهزيمة وأسبابها وطرق الخلاص منها إلي حتمية خطة حرب أكتوبر وضرورة العبور بالشعب، وليس بالصفوة لتحرير الأرض وبناء مصر الجديدة.
وتتميز مسرحية محمود دياب" رسول من قرية تميرة للاستفهام عن مسألة الحرب والسلام" بواقعية قوية الإيحاء، وبمزج ماهر بين العام والخاص وبين المفهومين السياسي والاجتماعي لحرب أكتوبر، والكوميديا الراقية النابعة من مواقف المسرحية وليس من ألفاظها. فقرية " تميرة" تعني بلدنا، والشخصيات أغلبها لفلاحين بسطاء وفقراء ولشباب القرية الأقوياء المشاركين في الحرب، والشخصية الممثلة للعدوان في القرية هي شخصية الثري" الحاج دسوقي" الذي ينتهز فرصة غياب ابن أخيه"فكري" المحارب في حرب أكتوبر لاغتصاب أرضه، ويمتزج عدوان"الحاج دسوقي" علي الأرض بترديده لإشاعات العدو عن سقوط مدينتي السويس والإسماعيلية، فلا ينفصل العدوان الاجتماعي الداخلي عن العدوان السياسي الخارجي. فيتداخل الخاص بالعام ، وينبع العام من الخاص كفن أصيل. كما تنفرد الشخصيات بسمات واقعية متميزة حيَّة وتعبِّر عن نفسها في حوار المسرحية القصير الذكي، وفي مواقفها المنفردة النابعة من تكوينها الخاص. فهي شخصيات من لحم ودم، وليست شخصيات ورقية أو نماذج وأنماط.
وتُعد "العبور" ، أول مسرحية يكتبها الناقد فؤاد دوارة. وتصور المسرحية بدقة مرحلة ما قبل العبور من حرب الاستنزاف وعبور القوات الخاصة إلي تصوير المجتمع المصري وتوق الشعب والجيش للخلاص من الهزيمة وآثارها والعبور نحو التحرير والمجتمع الجديد.
ويجسِّد فؤاد دوارة رؤيته في مواقف المسرحية وشخصياتها التي تنتمي أغلبيتها إلي سلك الجنود الرابضين علي ضفة القناة والمشاركين في أعمال حرب الاستنزاف، مع إبداعه لشخصية فذة مُوحية ترمز لمصر وتجمع بنين الواقعية والرمزية والشاعرية والخيال في شخصية" أم الخير"، فهي فلاحة بسيطة تظهر وتختفي بين مواقع الجنود وتحنو عليهم وتطعمهم وترنو ببصرها إلي الضفة الأخري للقناة وسيناء المحتلة وتردد أغنيات وموواويل من التراث الشعبي تعبِّر بها عن الضمير الجمعي لشعبنا وعن الوجدان الشعبي والأشواق العارمة للعبور وتحرير الأرض وبناء مصر الجديدة.
وزيادة في قوة إيحاءتها جعلها الكاتب تقوم بأدوار عدة شخصيات في المسرحية؛ فهي تارة فلاحة ، وتارة تؤدي دور ممرضة ، إضافة إلي أدوار متعددة لخطيبات وزوجات الجنود، أو كما قالت" أم الخير": " أنا أم الخير وخضرة وإيزيس.. أنا آمنة وفاطمة وحتشبسوت..أنا سكينة وتفيدة ونفرتيتي..أنا منيرة وعلية وشجرة الدر..أنا ناعسة ونبيلة وكليو باترا"، فهي ضمير مصر وروحها المتواجدة في كل مكان وكل موقع.

#عطا_درغام (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات