أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - ياسر قطيشات - أزمة الدولة العربية بين المدنية والمواطنة















المزيد.....

أزمة الدولة العربية بين المدنية والمواطنة


ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)


الحوار المتمدن-العدد: 7170 - 2022 / 2 / 22 - 18:43
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


توطئة
تشكل الأسئلة المتعلقة بمفهوم الدولة المدنية الحديثة مثار جدل وخلاف في الفكرين العربي والغربي المعاصر، لاسيما في التيار العربي ، الذي يرى ان الامة العربية لم تصل بعد لمستوى مفهوم وفلسفة الدولة الحديثة في الغرب، رغم اتفاق المدارس الفكرية ؛ على أن الدولة العربية القائمة ، تمتلك أدوات الدولة الشكلية، لكنها تفتقد لمضمون الدولة الحديثة او التقليدية ، فان كانت الدولة العربية الحديثة تمتلك عناصر شكل الدولة: الجغرافيا والسكان والسلطة، وربما السيادة ، فإنها لا تمتلك لمظاهر مضمون بقاء الدولة : المجتمع المدني المعاصر ، الديمقراطية ، المواطنة ، حقوق المرأة، الانتقال السلمي للسلطة، حقوق الانسان، التنمية الاقتصادية ..الخ.
والمفهوم التقليدي للدولة، أنشأ فعليا في المنطقة العربية دولاً، وفتت اخرى وفق خارطة الامة الحضارية، بحكم أن هذه الدول هي خليط أو مزيج طبيعي للوحدة العربية الإسلامية القديمة، أو على الأقل التي تفتت بعد تقسيم وسقوط ما يعرف بـ”الخلافة الإسلامية” في الدولة العثمانية الكبرى، إثر اتفاقية سايكس بيكو البريطانية الفرنسية عام 1916م.
مشهد الدولة اليوم
بيد أن اعادة قراءة مشهد الدولة العربية ضمن المنهج الوظيفي – السلوكي، يدفع الكاتب للتشكيك بفلسفة وجود أو امكانية تطبيق “مفهوم الدولة” على الكيانات السياسية حديثة النشأة في الوطن العربي الكبير، فالمنهج اعلاه يتبنى مقولة ان تغييب أي وظيفة من وظائف الدولة التقليدية او الطبيعية، خاصة السلوك الوظيفي المرتبط بالمجتمع، يؤدي الى الغاء مفهوم الدولة من الأساس، فحينما تغيّب أغلب الدول العربية، القائمة حاليا، دور المجتمع المدني ، وتعمل على تفكيكه وإعادة تشكيله وفق مصالح ضيقة لا تلبي الصالح العام، وبما يخدم مصلحة استمرارية السلطة، فهي –أي الدولة- تلغي بذلك وظيفة المجتمع السياسية التقليدية: تداول السلطة، المراقبة، المحاسبة، انتاج النظام وطبيعته.

كما تلغي ايضا الوظيفة الاقتصادية للمجتمع، وبالتالي تلغي بشكل مباشر وظائفه الاجتماعية ودوره في انتاج قيم مجتمعية تخدم تشكيل الثقافة الجامعة للدولة ، ويحل مكانها ثقافة سلطوية فئوية من انتاج النظام أو السلطة المقيّدة لحرية المجتمع.
من هنا ، يغيب دور المواطنة الفاعلة عن لعب دور مؤثر في مكونات السلطة ، في ظل غياب مفهوم فلسفة الدولة، ويصبح المواطن مجرد رعية ، بالفلسفة الدينية والسياسية ، فيغدو الفرد ، ثم المجتمع، عبئا على السلطة، وبالتالي الدولة، فتحاول السلطة القائمة أن تتخلص من هذا العبء –المجتمع- من خلال خلق طبقات اجتماعية واقتصادية متفاوتة، وان اقتضت الحاجة يتم الاستغناء عن الطبقة الفقيرة الساحقة في المجتمع من خلال عمليات التجنيس والهجرة واستقبال اللاجئين ، تماما كما يجري في بعض الدولة الخليجية ذات الكثافة السكانية المحدودة، وكما يجري في الأردن منذ عقود، والهدف الجلي لهذه العملية : اعادة انتاج ديموغرافيا بشرية جديدة تذيب القوة الاجتماعية – السكانية التي يعود لها الفضل في بناء الوطن، وتخفيف عبء مسؤولية هذه الطبقة على اقتصاد الدولة، وتذويب قيمة الهوية والمواطنة التي تشكل مصدر ازعاج للنظام، وخلق حالة موالاة وهمية لأزمة “شرعية” النظام، وتسهيل مهمة !!السلطة السياسية بقلب موازين القوى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية
سلطة لا دولة
وتؤشر الممارسات الواقعية لدور الدولة العربية، منذ الاستقلال حتى الثورات العربية التي اندلعت خلال الفترة 2010-2011م، أن ما تأسس من كيانات سياسية في البقعة الجغرافية المتعارف عليها باسم “الوطن العربي” اليوم، هي نماذج سلطة لا دولة، حيث اختزلت كل الأنظمة التي ورثت تركة الاحتلال الأجنبي والاستعمار بكافة أشكاله، مفهوم الدولة وأدورها في سلطة سياسية تمثل الفرد أو الحزب الحاكم، وينبثق عن السلطة حكومة غير منتخبة ، على الأغلب، وظيفتها تطبيق القوانين وحفظ النظام الحاكم وتقييد الحريات والجباية لصالح ثلة صغيرة حاكمة، ما أفقد أغلب الدول العربية عناصر مضمون وفلسفة الدولة الحديثة سواء الديمقراطية التقليدية أو المدنية المعاصرة.
كما ان السلطات الحاكمة، في البلدان العربية، خلقت لنفسها “شرعيات وجود” متباينة، القاسم المشترك بينها، أن لا شرعية منها تمثل إرادة الشعب أو جاءت بانتخابات ديمقراطية نزيهة، فبعض الأنظمة العربية شكلت سلطة شرعية باسم الثورة والانقلاب، فأخذت البعد الأمني من مفهوم السلطة، وتحولت الى سلطة عسكرية بزي مدني، كما في مصر والجزائر وسوريا والعراق “سابقا” والصومال والسودان وغيرها. ونزعت دول عربية أخرى الى شرعية القبيلة والعشيرة، مثل اليمن ودول الخليج العربي، وبعضها الى سلطة دينية مثل السعودية والسودان، وبعضها الى شرعية “طائفية” كلبنان، وبعضها جمعت بين شرعية الوراثة والدين والقبيلة، كما هو حال الأردن والمغرب والسعودية.
ولم تتمكن الدولة العربية، حتى اليوم، من تشكيل سلطة واقعية ومنظّمة لحماية المجتمع والدولة، بل صنعت سلطة سياسية وأمنية هدفها الدفاع عن النظام القائم، وليس عن الدولة بتكاملها وحدودها، ووظيفتها التسلط على مقدرات البلاد والعباد، فاختفى التفاعل الايجابي السلمي بين المجتمع المدني ومؤسسة الحكم أو السلطة السياسية، وبالمقابل أنتجت بعض الأنظمة العربية، أشباه مؤسسات مدنية تمثل المجتمع والقوى السياسية المعارضة، هدفها الأساس الاستجابة للضغوط الأمريكية والخارجية، وتخفيف الاحتقان الشعبي، لكن تلك المؤسسات ثبت انها مجرد مؤسسات “وهمية” سقطت بسقوط بعض الأنظمة العربية في الثورات العربية الأخيرة، لأنها لم تمثل المجتمع المدني برمته، بل كانت غطاءً لممارسة دور الدولة الأمني والبوليسي والدفاع عن “شرعية النظام الوهمية” أمام المجتمعين المحلي والدولي.
أزمات بنيوية
وتواجه الدولة العربية المعاصرة، سلسلة معقدة من الازمات البنيوية الخانقة، جزء من هذه الأزمات ولدت من رحم الحضارة والثقافة العربية والإسلامية التي أسست لدولة لأمة الشاملة ولم تؤسس لمفهوم دولة وطنية محددة قائمة على أساس الحرية والفكر والابداع وتداول السلطة والتنمية..الخ، فأغلب الدول العربية ما زالت ضعيفة في تركيبها النيوي: فالصومال دولة فاشلة وفق التقارير الدولية، والسودان تم تقسيمه الى بلدين، بفضل الحروب والاسبتداد، والدولة العراقية دخلت في اتون فتن وحروب حتى أصبحت دولة طائفية، ولبنان منقسم على نفسه في نزاع سياسي وطائفي بلا حدود، ودول المغرب العربي ما زالت في مخاض النزاعات الجهوية واستقرار نمط النظام السياسي، ودول الخليج العربي لم تدخل بعد دائرة التجربة الديمقراطية، وتدار البلاد بفقه الشرعية القبلية والدينية.

والثورات العربية الاخيرة كشفت مزيدا عن عيوب “الدولة العربية” التي قامت على بنيان هش سرعان ما انهار مع انتفاضة الشعوب، فمصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن، ونسبيا الأردن، ، لم تشهد لليوم أي شكل من أشكال الاستقرار السياسي، فالمشكلة ، كما توقع البعض، لم تكن في سقوط هذا النظام أو ذاك، والخلاص من الاستبداد، وإنما في مجمل التركيبة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي انهارت بانهيار النظام الذي كان يمسك بتلابيب البلاد وفق منهج النزعة الفردية، فانهارت بنى ومؤسسات الدولة بسقوط النظام، لأنها أسست بشكل سلطوي هرمي يخدم النظام لوحده، دون ان يكون للمجتمع المدني دورا في هذا البناء، فاغلب تلك الدول واجهت مأزق نظام الحكم الفردي؛ ورفضت مشاركة المجتمع المدني في تأسيس دولة ديمقراطية حرة.
هذا هو واقع التحولات التي تشهدها المنطقة العربية اليوم، وهي انعكاس مباشر لشكل ومضمون النظام الاقليمي العربي الذي آلت اليه تداعيات الأزمات التي تعيشها كل وحده من وحداته السياسية المنضوية تحت راية جامعة الدول العربية.

فك وتركيب
ويمكن توصيف وتشريح أزمة الدولة في الوطن العربي في ثلاثة مستويات متلازمة: مستوى سياسي تبرز فيه السلطة بشكل سلطوي في يد فئة قليلة تحتكرها، وتستنزف موارد البلاد وتشيع فيها الفساد والرعب، ومستوى اقتصادي؛ أصبحت فيه الدولة ريعية وتستثمر ثروات الدولة لصالح النظام القائم وتغيب برامج التنمية الحقيقة، ما أدى الى انتشار الفقر والبطالة. ومستوى اجتماعي يقوم على تقسيم فئات المجتمع على أساس طائفي وقبلي وإثني، وخلق حاشية موالية للنظام، من رجال اعمال وسياسيين ورجال دين وواجهات عشائرية وقبلية تمارس دور الوسيط بين فئات المجتمع والنظام، للسيطرة على حركات الاحتجاج الشعبية وتقييد دور مؤسسات المجتمع والأحزاب في توجهاتها التنافسية، فأصبحت تلك “الحاشية” اكثر فسادا من رموز النظام، لأنها امتلكت دعم السلطة من جهة، وشعبية بعض قوى المجتمع من جهة أخرى ، فامتلكت المال والسلطة في آن واحد.
وعلى الصعيد القومي، كأيديولوجية عقّدت من المشهد السياسي في الدولة العربية، فمنذ حرب الخليج الثانية عام 1990/1991م، وما تلاها من احتلال العراق عام 2003م، تغيّر المظهر العام للمنطقة العربية، وانهزمت “فكرة القومية” مقابل “الدولة القُطرية”، وسقطت الحركة القومية ومشروعها، وحل مكانها “مشروع الشرق الاوسط الكبير” الذي طرحته الولايات المتحدة الأمريكية عام 2004م، بهدف اعادة “فك وتركيب” دول المنطقة، ومع سقوط الانموذج القومي، واجهت الدولة العربية ثلاثة انماط من الازمات: أزمة بقاء او تفتيت الدولة الوطنية، وأزمة شرعية واستقرار السلطة السياسية، وأزمة جدل تنوع الثقافة السياسية والاجتماعية في بنى المجتمع العربي.

فشل المشروع القومي
والشواهد التاريخية القريبة تثبت اليوم فشل المشروع القومي، بعد أن تغلبت الاتجاهات القطرية والطبقية الضيقة، وتحولت هموم الامة القومية الى هموم قطرية، ثم تحللت الهموم الوطنية الى شؤون ضيقة، فئوية وعشائرية وطائفية، فتحول النزاع من عربي- اسرائيلي، الى نزاع سني شيعي، والتظاهر لأجل الحرية في حركة الاحتجاج الشعبية، الى حركة البحث عن “العيش والخبز”، وانتشر العنف المجتمعي والقمع السياسي، واتسع نطاق الاستغلال والاستبداد، وانبعثت من شجون الماضي الهويات الاثنية الدينية، وزاد الانقسام داخل المجتمع الواحد، وفقد أبناء الدولة العربية، في خاتمة المطاف، أدنى حقوق المواطنة.
الأمر الذي أدى إلى غياب مشروع الدولة المكتملة، دولة المواطنة والقانون والعدالة، والدولة القادرة على احتواء مواطنيها تحت مظلة مشروع وطني واحد يستوعب الجميع بلا تفرقه دينية او عرقية او أيديولوجية، والأزمة الخطيرة التي تعيشها الدولة العربية اليوم، أدى إلى استمرار العجز في البحث عن بديل نموذجي يؤول دون انفصام أو ازدواجية انتماء الفرد إلى جماعته الضيقة من جهة ، ولهفته إلى أن يكون مواطناً فاعلاً منتمياً إلى دولة يقدسها وتقدس كيانه وحريته وآدميته، من جهة أخرى

تحرير عقل الفرد
إن أول مخرج لأزمة الدولة اليوم يبدأ بتحرير الإنسان العربي ليتمكن من التفكير والإبداع ومحاولة التغيير للأفضل، بيد ان تحرير الانسان يحتاج الى تحرير عقله من أغلال السلطات المتعددة المقيدة لتفكيره : سلطة الماضي، سلطة الحاكم بأمره، سلطة العادات والتقاليد البالية، سلطة المجتمع المحافظ، سلطة الموروث الديني.
وهذا التحرير الشامل لعقل المواطن العربي، سيمكّنه من امتلاك أدوات التغيير لتأسيس المدخل الجاد للدولة المدنية الديمقراطية “دولة المواطنة” التي يراها الكاتب نموذجا واقعي وحيّ لنجاح تجربة الدولة الوطنية العربية في المستقبل.
ويعتبر مفهوم الدولة المدنية؛ مصطلح حديث نسبيا في الخطاب الفكري والسياسي العربي. حيث بدأت تيارات ومؤسسات وقوى عربية عديدة، بعد الثورات العربية الأخيرة، تتداول مصطلح الدولة المدنية، للإشارة الى شكل نظام سياسي جديد يقوم على أساس دولة المواطنة والعدالة والقانون، ليتماشى مع حركة الاصلاح السياسي التي تقودها القوى السياسية التي ورثت تركة سياسية واجتماعية واقتصادية ضعيفة وهشة من الانظمة التقليدية، خاصة بعد سيطرت قوى اسلامية على مقاليد الحكم، وظهور انقسامات بنيوية في جسد المجتمع، تحارب فكرة تشكيل دولة دينية او سيطرة لون واحد من ألوان الحياة السياسية على السلطة، فكانت الدعوة لضرورة اعادة تعريف العلاقة بين الحاكم والمحكوم على قاعدة بناء الدولة وفق مبادئ ديمقراطية معاصرة تجعل للمجتمع المدني الدور الاول والبارز في تحديد معالم الدولة العربية، سواء لجهة شكل النظام السياسي او الدستور أو لعملية تداول السلطة وحق تشكيل المعارضة الحقيقية.
اعادة انتاج الدولة
يكتسب مصطلح الدولة المدنية ميزته العربية، لأنه ينسجم ومتطلبات الوضع الراهن في الوطن العربي، وله مضامينه الخاصة بالتجربة العربية، بسبب النزاعات السياسية والعرقية والدينية والقبلية التي شهدتها الدولة العربية، إذ لا يوجد للمصطلح ذكر مباشر في القاموس الغربي، ولا تجربة حسية حية لدولة ما حتى يُقاس عليها مفهوم الدولة المدنية العصرية، ذلك أن الفكر الغربي أسس منذ القرن السادس مفهوم “الدولة القومية” الديمقراطية التي تقوم على أسس الحرية والعدل والقانون، ونجح في تطبيق العلمانية، كمنهج لفصل تدخل الدين في السياسة، بعكس الثقافة العربية الاسلامية التي لن تنجح في فصل الدين عن السياسية، إلا وفق نظرية الدولة المدنية، وليست العلمانية، بسبب ما يشوب الاخيرة من مفهوم سلبي وخطأ شائع –عند الخاصة والعامة- يقترن بالدعوة الى دول علمانية –غير إسلامية- أسوة بالغرب، علما أن تركيا التي يتولى قيادتها حزب اسلامي منذ عقد تقريبا، هي دولة علمانية بالأساس بضمانة الدستور التركي.
ويرى البعض أن مرتكزات الدولة المدنية، تقوم على أركان الشكل والمضمون والسياق التاريخي والموضوعي، فالدولة المدنية يجب ان تبدأ بدستور جمعي شامل وقواعد قانونية راسخة تنظم الكيان الكلي للدولة، وتنشئ دولة مؤسسات على مبدأ التخصص، ويتم الفصل بين السلطات الثلاث التقليدية، وخلق مؤسسات مدنية فاعلة للنهوض بمستوى الوعي السياسي والاجتماعي، وإعلاء دور الاعلام في صناعة الثقافة الوطنية الجامعة للمجتمع برمته.
وفي المرحلة التالية يتم اعادة انتاج الدولة الوطنية التقليدية لدولة مدنية ديمقراطية، تقوم على العدالة والقانون والمواطنة، ومبدأ المواطنة هو العنصر الفاعل في ضمان استمرارية هذه الدولة، فهو يشمل مجمل واجبات وحقوق المواطن على مختلف المستويات، فهو مفهوم قانوني وسياسي واجتماعي، يشكل القيم الثقافية الجديدة للسلطة وللمواطن على حد سواء، وفق عقد اجتماعي أبدي، بين المواطن والدولة المدنية، فيقدم لها الولاء والانتماء والطاعة، مقابل ان تقدم له الحرية والعدل والكرامة والرفاه، فالمواطنة الحقة تعزز الانتماء وترفع من منسوب المشاركة في الشأن السياسي والاجتماعي العام، كما تلعب دورا في الغاء مظاهر تخندق الفرد في الانتماءات الضيفة “القبلية والطائفية والمذهبية”، لصالح خلق انتماء كليّ للدولة المدنية الديمقراطية.

أين من هنا ؟
لا ريب أن كاتب هذه السطور يتبنى نموذج الدولة المدنية كخيار استراتيجي هام بديل عن مفهوم الدولة الوطنية العربية التقليدية التي فشلت في الحفاظ على مكتسبات المواطن وحقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حتى اندلعت كرة الثورات الشعبية في بعض الدول، فيما تعيش دول اخرى ازمات عميقة في مختلف المجالات.
فالأزمة الحالية المركبة التي تشهدها الدولة العربية، سواء كانت ازمة سياسية خانقة في طبيعة النظام، أو ازمة تفتت بنيان المجتمع وخشية تجزئة دول اخرى على وقع التدخلات العربية والإقليمية في شؤون الدول الوطنية، او لجهة غياب التنمية المستدامة والاقتصاد الصناعي ، ما تسبب في ازدياد نسب البطالة والفقر والجوع والتراجع على سلم التنمية البشرية والحرية والحكم الرشيد، كلها بحاجة الى دراسة مستفيضة وحلول ناججة من واقع تجارب الغرب (دراسة مقارنة) الذي تجاوز أغلب هذه الازمات من خلال خلق دولة المواطنة والمؤسسات

ولا شك أن الواقع المأزوم الذي تعيشه الدولة العربية المعاصرة اليوم، ومحاولة الخوض في حيثيات الازمة، ما هي الا جزءا لا يتجزأ من أزمة التطور الحضاري للأمة العربية، في مختلف ابعادها التاريخية والاجتماعية والفكرية، وهي بحاجة الى وقفة جادة من ذوي الخبرة والاختصاص، وبحاجة الى عقد المؤتمرات وجلسات عصف الذهني والفكري، لمحاولة تحديد الأزمة ووصفها، ثم تفكيك وتشريح أبعادها وأسبابها وتداعياتها المستقبلية، ثم الوصول الى المعادلات التوافقية الناجعة والصحية لنموذج الدولة الوطنية الحديثة، وهي الدولة المدنية التي تقوم على مبدأ المواطنة بشكل رئيسي.



#ياسر_قطيشات (هاشتاغ)       Yasser_Qtaishat#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة الأردنية والمناصب السيادية : صوة خارج البرواز !!
- أزمة المياه في الأردن .. شريان الحياة في خطر !!
- المرأة العربية والبرلمان .. ليس مجرد حضور !!
- أزمة النخب الأردنيّة .. القومُ في السرِّ غير القومِ بالعلن ! ...
- الدولة الصغيرة ... ومتوالية الأمن والسلم الداخلي ..
- النموذج الأردني والهِويّة الجامعة
- الأمن العربي -الطائفي- !!
- نظرية دوركايم والانتحار الاجتماعي ... الأردن نموذجا
- إيران وثورات الربيع العربي!!
- الدولة الفلسطينية استحقاق تاريخي يضع مصداقية المجتمع الدولي ...
- موقف القوى الإعلامية والسياسية من انضمام الأردن إلى مجلس الت ...
- -مشروع- إعادة هيكلة الرواتب والقطاع الحكومي من وجهة نظر الإع ...
- السياسة الخارجية الأردنية ... لا اجتهاد في نص المصلحة الوطني ...
- مجلس التعاون الخليجي ... ثمرة الجهود والتفاعلات السياسية الك ...
- الحصان الأمريكي يجر عربة أوروبا: العلاقات الامريكية – الاورو ...
- واقع الحرية الدينية في العالمين العربي والإسلامي: صورة في قب ...
- الدولة عندما تكون زائدة عن الحاجة- : -إسرائيل نموذجاً-
- الشخصية اليهودية في الميزان !!
- مستقبل توازن القوى الإقليمي في منطقة الخليج العربي
- واقع الجغرافيا السياسية في الخليج العربي (2-2)


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب
- الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل ... / بشير النجاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - ياسر قطيشات - أزمة الدولة العربية بين المدنية والمواطنة