أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات المحسن - طلاء الأظافر














المزيد.....

طلاء الأظافر


فرات المحسن

الحوار المتمدن-العدد: 7130 - 2022 / 1 / 8 - 17:06
المحور: الادب والفن
    


أحنت جدتي جسدها فسمعنا همهمة وتوجعًا. لم تكن لتستطيع الانحناء بالكامل لتوصل يديها إلى قدميها. تلك الساعة اجتاحتها رغبة وإلحاح غريبان، بأن تطلي أظافر قدميها بطلاء اختارته البارحة من المخزن المجاور للمكتبة العامة في الشارع المؤدي إلى وسط المدينة.
كانت تتوجع، ولكنها تكابر،هكذا هي دائما مذ عرفتها،تتلوى دون أن تكف عن تكرار المحاولة، انحنت بما استطاعت من قدرة، ثم صرخت بألم مكتوم وتلفتت حولها، لقد أثارت انحناءتها آلام المفاصل التي اشتد وجعها هذا العام، وبدت قدما جدتي ويداها وكأنها تحجرت. أكثر الأوقات نسمعها تتألم عندما تريد الحركة، أو تهم لتناول شئً من فوق رفوف المطبخ المعلقة عند الجدار، فتجول بنظرها أول الأمر ثم تصرخ طالبة المساعدة، فيسارع الجميع لنجدتها. مع كل ذلك الألم، نصحها طبيبها الخاص بالمشي، لا بل طلب منها أن تحمل نفسها وتسير لمسافات معقولة، فذلك حسب قوله، فيه شيء من العون، ويمنحها بعض الراحة. قبلت جدتي النصيحة، رغم قناعتها غير الكاملة التي أظهرتها بزم شفتيها وهز يدها.
اليوم كانت إرادتها جامحة لتطبيق نصيحة الطبيب، وخالطتها رغبة عارمة بالذهاب لشراء طلاء الأظافر باللون الأرجواني الغامق، الذي عرض البارحة في إحدى الإعلانات التلفزيونية. دخلت المخزن، الذي لا يبعد عن بيتنا سوى مائتي متر، واقتربت من المنضدة الزجاجية، ودون تردد أشارت بالضبط على تلك الزجاجة ذات اللون الأرجواني الفاقع دون غيرها.
بعد عودتها، وحين رأتني أطالع زجاجة الطلاء وهي ترتج بين أصابع يدها المرتعشة، وجهت لي كلامها بشيء من الحدة وبوجه عابس، متسائلة عن الذي يجعلني أنظر نحوها والزجاجة، بهذا الفضول غير المبرر، وأردفت بكلمات زجر تخرج من تحت طقم أسنانها، مَن الذي علمك هذا الفضول السخيف، بالرغم من أن سنوات عمرك لم تتجاوز العشر. ابتسمت لها، وأجبت بأني أحب اللون الأرجواني وأحبك أيضا يا جدتي. ولكن علامات التوجع والعبوس كانت ترتسم فوق جبهتها المغضنة فلم تهتم بما قلته.
حاولت جدتي الانحناء مرة أخرى، فانطبع الألم فوق تجاعيد وجهها، وصدر عنها أنين موجوع، حين ذاك تنبه جدي، فأعتدل في جلسته، فسقطت الصحيفة من يديه، ولكن ابتسامة رضية ارتسمت فوق شفتيه، وهمس بصوت مسموع وهو يقرب فمه من رقبة جدتي، لا تتعبي حالك أيتها الوردة الجميلة، دعيني ألون لك تلك الأظافر الحلوة الطرية بيدي، فتوشح وجه جدتي بلون وردي، وبانت ابتسامة عريضة فوق ثغرها المجعد، وظهرت أسنانها الاصطناعية اللامعة. رفعت يدها وراحت تمسد شعره بأصابعها المتيبسة، حين جلس القرفصاء فوق وسادة طويلة قرب قدميها، وفتح بيد مرتعشة زجاجة طلاء الأظافر الأرجوانية اللون، وراح يدندن بهدوء لحن أغنية قديمه. كانت أصابعه بالكاد تستطيع أن تمسك الفرشاة الصغيرة، فهو مثل جدتي مصاب بالتهاب المفاصل.



#فرات_المحسن (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار
- شيء من سيرة حسوني الغريب
- الناجي الوحيد
- انتخابات الهيونطة
- مازلت أتوطن كابوسي
- دعوة لكابوس
- جرذ حفر الباطن
- قيل لي
- إخفاء المعلومة حول الطرف الثالث خدعة سياسية
- أبناء الله والدولة
- انتخابات كاتم الصوت
- مهزلة يسمونها انتخابات ج2
- مهزلة يسمونها انتخابات
- تلك الأيام من الرعب
- أشباح من عزلة كورونا
- دونية ووضاعة بعض الطقوس الدينية
- صوتك حلو ..ج الثاني
- صوتك حلو ..ج الأول
- مصطفى الكاظمي وأجندة الدولة العميقة
- فوبيا


المزيد.....




- خامنئي يبث رسالة باللغة العربية: لن نساوم الصهاينة أبدا ويجب ...
- خامنئي يبث رسالة باللغة العربية: لن نساوم الصهاينة أبدا ويجب ...
- حضور لافت للسينما العراقية في مهرجان عمان السينمائي
- إستذكار الفنان طالب مكي ..تجربة فنية فريدة تتجاوز كل التحديا ...
- براد بيت اختبر شعورا جديدا خلال تصويره فيلم -F1-
- السويد.. هجوم جديد بطائرة مسيرة يستهدف الممثلية التجارية الر ...
- -البحث عن جلادي الأسد-.. فيلم استقصائي يتحول إلى دليل إدانة ...
- تقرير رويترز 2025: الجمهور يفضل الفيديو والصحافة البشرية وهك ...
- هكذا تصوّرت السينما نهاية العالم.. 7 أفلام تناولت الحرب النو ...
- بعد أسابيع من طرح الفيلم ونجاحه.. وفاة نجم -ليلو وستيتش- عن ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات المحسن - طلاء الأظافر