أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات المحسن - أبناء الله والدولة














المزيد.....

أبناء الله والدولة


فرات المحسن

الحوار المتمدن-العدد: 6950 - 2021 / 7 / 6 - 15:40
المحور: الادب والفن
    


سياج الحديقة المطلي حديثا باللون الأصفر الفاقع كان متكأنا البارحة، كنا السبعة من صبية المنطقة متقاربي الأعمار، ويا للصدفة الغريبة فنحن نتشابه بالكثير من الملامح والأجساد لا بل حتى الثياب التي نرتديها كانت متقاربة في خطوطها وألوانها، لا أعتقد أن ذلك قد جاء مصادفة، فقد نشأنا في بيوت متلاصقة متداخلة لذا كنا مثل عائلة واحدة. من النادر أن نختلف على ما يكون بعيدا عن مشتركاتنا وطباع وسلوك أهلنا، حتى المزاج نتشابه فيه، رغم كثرة ما كنا نتشاجر حوله، والذي يعتبره أهلنا عراك صبية في بيت واحد، وما عادوا يولونه أهمية أو حتى انتباه. جميعا خرجنا بمزاج لا يختلف عن بعضنا البعض سوى ما ينقاد لخليط من الجينات المتلاقحة والمتوارثة. حقيقة الأمر لم افهم هذا اللغز المحير، ولكن هذا الموضوع يتحدث عنه أخي الكبير مشرق بإلحاح مشوب بالتهكم، ويؤكده دائما مشرق الآخر ابن خالتي حليمة، ربما تلك المعلومة من مساوئ التعليم الذي زج فيه المشرقان نفسيهما. يشاطرني الاعتقاد بتشابهنا مَن يتفرس فينا أو يتحدث معنا، وما زاد من تشابهنا، أننا ولحد اليوم أبناء لآباء عاطلين عن العمل. آباؤنا المرميون خارج الزمن لم نعرف عنهم غير العمل في حِرف لا يفصحون عنها، وتلك المهن محدودة وموسمية وتبور في الكثير من الأحيان، حسب ما يعلنون، وما لا يعلنون. لا بل تتعرض للمد والجزر والعرض والطلب مع وضع المدينة لا بل البلد بأكمله.هكذا يقولون ويبررون بطالتهم الدائمة، واختفاؤهم الزمني القصير عنا. فالأوضاع السيئة للسوق جعلت الكثيرين من سكان الحي يفضلون الدردشة فوق أرصفة الشوارع أو عند أبواب البيوت، هكذا يعلنون، ونحن ليس بعد أهلا لمناقشة مثل هذا الأمر أو الظن بغيره.
هكذا كانت الأيام لا بل الأشهر تسقط سهوا أو تعمدا من حساب الجميع. تدار بينهم ونستمع لها في الليالي المقمرة، تلك الحكاية المملة الرتيبة والسخيفة، يقال فيها دائما. آباؤنا كانوا قد قدموا إلى هذا الحي من كل فج عميق، من مدن الشمال بجلال جبالها مثلما يقولون، من مدن الملح في الجنوب مثلما يصورون، من مدن الشرق حيث يستوطن الناس دون تعريف، كما يدعون، ومن الغرب أتوها حفاة بثياب رثة ودفوف ومزامير تعلن عن نفسها من بعيد. تجمعوا في تجاويف هذه البيوت الكالحة الألوان القميئة المؤسية، ليتعارفوا ويتقاسموا مصيرا واحدا.هكذا يرون ونحن نستمع ببلاهة لبدعهم،وعلينا أن نورث لأبنائنا ذات الحكاية دون تحوير أو سهو، هكذا كان وسوف يكون حينا وسكانه.
دون وجل ذهبت بظنوني حول علاقتنا ووجودنا في الحي، نحن الذين يسمينا الكبار توددا عصابة صغار الذئاب، هل كنا فعلا ذئابًا ؟ من الجائز ذلك، فنحن مثلها نتشابه في السحنة وردود الفعل والعيون الصغيرة المتقدة، وأحيانا بكثرة وليونة حركات الجسد. ولو كان الفرو يغطينا مثلها لما ابتعدنا كثيرا عن شراهتها ووحشيتها.
البارحة كنا نحن المتشابهون السبعة والمساء يدفع حمرة الشمس خلف نخل البستان القريب، نتضاحك ونلهو ونتنصت أصوات الأمهات المناديات على أطفالهن أن لا تبتعدوا عن الأبواب، فنشعر بأن التحذير ما زال يشملنا رغم تسميتنا بالذئاب، فتضغط أصابعنا على حديد السياج البارد ضجرًا.
ـ مدينتنا الأخرى كانت كبيرة قبل أن نأتي إلى هذا الحي.
ـ وكيف عرفت ذلك وأنت ولدت هنا ؟
ـ لا يهم ذلك فأمي حدثتني عن مدينتنا الكبيرة.
ـ وما كانت تفعله أمك هناك.
ـ حدثتني أمي عن جدي صاحب الثروة والبساتين والذي ما زال يعيش هناك.
ـ صاحب الثروة والجاه .. من أين جاءت خالتي حذام بتلك الحكاية؟! .. اذهب واسأل أباكَ الفاجر عن الحقيقة .. ابن القحبة ..
ـ ومَن يا ترى أبوه فيهم هههههه ؟

فضج الشارع بضحكاتنا وتشابكت أيادينا بالعراك. لم تكن مفردة ابن القحبة لتعني شيئا ملوثا في حينا المخبول، فهي تتردد أبدا مثل كلمتي نعم وكلا، بل كانت مفردة تلوكها الألسن بتلذذ ولا تعني على الإطلاق واحدا منا دون سواه. تنسل من بين شفاهنا وتتكرر دون توقف أو حتى دالة، مجرد كلمة عابرة كنا نلوكها وصدورنا مليئة بالهزل. ولكنها مثيرة وضاجة ومشاكسة هكذا عرفناها. مَن منا نطق بها أولا ؟ ومن هو المعني بها لا يهم، فنحن خليط هجين بسحنة متشابه. آباؤنا المنكسرون لا يبذلون جهدا في البحث عن أجوبة لكل ما يحدث، يتنفسون الجنس ودخان السجائر ويرتشفون بقايا الخمر الذي يعافه الزبائن. أمهاتنا مثل دجاجات ينخن بسهولة لأي ديك يراودهن عن أنفسهن، فتنشطر بيضاتهن عن أفراخ مثلنا يدعون بعد حين بعصابة صغار الذئاب. آباؤنا يفسحون المجال للأغراب، وينسلون تباعا خلف الأبواب يتنصتون التوجع والآهات مثلما يتمايلون مع المزامير وصوت الصناجات والدفوف، ومهمتنا نحن عصابة صغار الذئاب ، ملء الحي ضجيجًا ومراقبة البعيد.
أخي الكبير مشرق وابن جارتنا مشرق الآخر وابن أختي الكبرى المسمى مثلهم مشرقا ، كانوا في وقت مضى عصابة صغار الذئاب، ومثلما يحفظون الحكايات ذاتها قبلهم كان آباؤنا أيضا. سلسلة طويلة من ذئاب تكبر وتكبر. ولكن لم يفصح أخي مشرق وقتها عن مغزى جملته التي أخبرني إياها حين قال.
ـ نحن جميعا أبناء الله والدولة ذئاب كنا أم دجاجات.
وراح في هستيريا من ضحك مجنون.



#فرات_المحسن (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتخابات كاتم الصوت
- مهزلة يسمونها انتخابات ج2
- مهزلة يسمونها انتخابات
- تلك الأيام من الرعب
- أشباح من عزلة كورونا
- دونية ووضاعة بعض الطقوس الدينية
- صوتك حلو ..ج الثاني
- صوتك حلو ..ج الأول
- مصطفى الكاظمي وأجندة الدولة العميقة
- فوبيا
- فلم سينمائي
- من أكل الطلي الهرفي
- مهام ليست بالسهلة ولكنها ليست مستحيلة
- هل هناك تحولات مرتقبة للانتفاضة العراقية
- الأكاديمي حين يخطئ
- ما آل أليه حال سائرون
- مطاردة الأشباح
- وحدة قوى التيار الديمقراطي هل من مرتجى؟
- الإطاحة بعمر أحمد البشير كان طبخة سعودية
- هل السيد عادل عبد المهدي رجل مجموعة مستقبل العراق؟


المزيد.....




- بمناسبة أربعينيّته.. “صوت الشعب” تستذكر سيرة الفنان الراحل أ ...
- خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية بالاسم فقط “هنــــ ...
- في ذكرى رحيل فلاح إبراهيم فنان وهب حياته للتمثيل
- الفنان صبيح كلش .. حوار الرسم والتاريخ
- مرتديًا بذلته الضيقة ذاتها .. بينسون بون يُصدر فيديو كليب سا ...
- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات المحسن - أبناء الله والدولة