أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فؤاد بلحسن الخميسي - الابتزاز الجماعي كنهج لتدبير الفضاء العام: اللقاحات بين الاختيار والاذعان (حالة المغرب)















المزيد.....


الابتزاز الجماعي كنهج لتدبير الفضاء العام: اللقاحات بين الاختيار والاذعان (حالة المغرب)


فؤاد بلحسن الخميسي
كاتب وباحث

(Belahcen Fouad)


الحوار المتمدن-العدد: 7111 - 2021 / 12 / 19 - 02:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المغاربة تحت ضغط مستمر!
في الوقت الذي ينتظر فيه المواطنون من الحكومة الجديدة، تحت قيادة عزيز أخنوش، حزمة إصلاحات اجتماعية واقتصادية حقيقية وسريعة للدفع في اتجاه الخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد، ها هم يجدون أنفسهم في خِضم معركة حقوقية-قانونية جديدة على خلفية قرار حكومي يجعل من الحصول على «جواز التلقيح» شرطا لالتحاق العاملين بالقطاعين العام والخاص بعملهم، ولاستفادة المواطنين من الخدمات العامة والخاصة والتمتع ببعض الحقوق والحريات. الأمر الذي شكل حالة زيادة غير مسبوقة منذ بداية الأزمة وإلى الآن في منسوب الضغط على المجتمع والاقتصاد (وهي حالة تجمع بين الارتفاع في أسعار المواد الاستهلاكية والحرمان غير الدستوري من حقوق وخدمات أساسية وسُوء التواصل الحكومي مع المواطنين، بالإضافة إلى استعمال خطاب انقسامي داخل المجتمع يميز بين الأغلبية التي يحق لها التعبير عن رأيها والتمتع بحقوقها (الملقحون) والأقلية التي لا مجال لسماع صوتها ولا حق لها في الاحتجاج على المس بحقوقها (غير الملقحين).
لم يكن قرار الحكومة المباغت هذا، والذي صدر في شكل بلاغ بتاريخ 18 أكتوبر 2021، قرارا غير دستوري وغير حكيم وغير ملائم فحسب، بل إن خطورته تجاوزت ذلك – وهذا ما لم ينتبه له كثيرون-، حيث أنه يُخرج فئة واسعة من المغاربة من دائرة المواطنة، ويرهن مواطنتهم بشرط واقف؛ شرط إذعان لا يقبَل الاستئناف أو التفاوض أو الحلول الوسط. ويمكنُك أن تلتفت إلى أن هذه المقتضيات- لو طُبقت بحَرفيتها- أشد وأوسع وأخطر من عقوبة سحب الجنسية أو عقوبة الحرمان من التمتع بالحقوق السياسية، على سبيل المثال. فمن الناحية الحقوقية، نحن أمام نوع من التجريد العام من الحقوق يطال فئات واسعة من المواطنين (تم رفض تسليم بطاقة التعريف الوطنية لأحد أصدقائي بحجة كونه غير ملقح!، وآخر تم رده من باب البنك الذي يودِع فيه أمواله!).
وعمليا، هذا القرار، يثير مجموعة من الملاحظات:
1. يشبه هذا القرار قرارات مماثلة اتخذتها حكومات قليلة في العالم. وتحت ضغط احتجاجات المواطنين ورفض القطاع الخاص، خففت بعضها من تطبيقه، كالحكومة الفرنسية مثلا. ففي العديد من الدول، وبالرغم من سريان حالة الطوارئ الصحية، مازال المواطن يتمتع بهامش واسع من الحريات لرفض هكذا قرارات، بينما تتجه السلطات المغربية إلى تأويل سلطوي، غير ديمقراطي، لإجراءات الطوارئ؛ حيث تميل أكثر فأكثر إلى منع أي تظاهرات تحمل صوتا مغايرا في زمن الجائحة، سواء في القضايا المرتبطة بالجائحة نفسها أو في قضايا عامة أخرى (كالوقفات التضامنية مع المعتقلين السياسيين والصحفيين أو الرافضة لقرار التطبيع مع الكيان الصهيوني، وغيرها).
2. والأخطر من هذا، هو أننا بدأنا نسجل خطابا إقصائيا ودعاية عدوانية تجاه الرافضين لتلقي اللقاح أو تلقي الجرعة الثالثة منه؛ وذلك بناء على منطق أقلية/أغلبية (انزلق وزير الصحة هو الآخر في تجاه هذا الإدراك القاصر للمسألة)؛ كما لو كنا بصدد قضية سياسية تستوجب تصورا عدديا للحقيقة! بينما الأمر يتعلق بحقوق أساسية للمواطنين لا تقبل التصرف. الحديث عن اعتبار تلقي الأغلبية للتلقيح بمثابة استفتاء شعبي عام حول البرنامج الوطني للتلقيح، هو تأسيس لعملية إقصاء ممنهَــج للرأي الآخر، كما أنه لا يستند إلى توجه كبير وبارز في الرأي العام الوطني، وإنما يتوسل احتكار القرار وفرض الإذعان والقوة العمومية. وإن هذا الصنف من الخطاب، سواء كان مصدره السلطة أو مقربين منها أو إعلامها أو أناسا عاديين، يبقى خطابا لا يستند لا إلى معلومات يقينية ولا إلى واقع الحال فيما يخص عملية التلقيح في المغرب. ففيما يخص المعلومات اليقينية، يمكن أن أُذَكر هنا بأن فئات مِهنية عديدة سِيقت إلى مراكز التلقيح بصورة إجبارية أو شبه إجبارية (رجال السلطة وأعوانها، رجال الأمن، رجال التعليم،...)، وكذلك الأمر بالنسبة لفئات أخرى دُفعت إلى تلقي التلقيح تحت وابل من الضغوط. والآن، يُعطي أنصار هذا الخطاب الحق لأنفسهم في التحدث باسم من سِيق عَنْوَة إلى المستشفيات؟! هذا دون الحديث عما يتردد في الشارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي من اختراق المال والمحسوبية والزبونية لعملية التلقيح ذاتها؛ حيث تَمكن البعض من الحصول على الجواز دون تلقي التطعيم فعليا. وهي حقيقة معترف بها رسميا (نتذكر دورية رئيس النيابة العامة بالمغرب حول تزوير الوثائق الصحية المرتبطة بفيروس كورونا، وكذا الحملات الأمنية على ما سمي بعصابات تزوير الجوازات). أما فيما يخص واقع الحال، فهو يؤكد اليوم أن رفض إجبارية الجواز -ومِن ثَم إجبارية التلقيح- لا يقتصر على غير الملقَّحين، بل يمتد إلى مَن طُلب منهم تلقي جرعة ثالثة ومَن طُرد أبناءهم من المدارس أو اضطروا إلى تلقي جرعة أولى لدخولها ومَن يدافعون عن الحق في اختيار تلقي التلقيح أو عدمه من زاوية نظر حقوقية بحتة، سواء كانوا ملقَّحين أم لا.
فإذن، نحن بصدد إقحام منطق الأرقام بطريقة متطرفة وغير صحيحة في نقاش مرتبط بالحقوق الأساسية للإنسان والمواطن، من دون أن نتحقق من الأرقام أو نستوعب معطيات الواقع، ومن دون أن ندرك الأبعاد الحقوقية والإنسانية للمسألة.
3. حتى القرارات الكبرى التي يكون لها أثر الصاعقة أو يكون من شأنها أن تُربك جوهريا واقع المواطنين والمقاولات والإدارات، لا ترى الدولة من حاجة إلى الشرح المسبق لها ولا إلى إمهال فاصل زمني لاستيعابها: لدينا سلطة تتمسك بحقها في اتخاذ القرارات، وعلى الباقي الإذعان! وبالمقابل، حين تكون بعض القرارات غير ملائمة أو تُحدِث نتائج عكسية أو نتائج سيئة، لا يجري محاسبة من يقف وراءها بنفس الحزم والشدة! كأننا بصدد إجراء اختبارات اجتماعية تجريبية عالية التوتر على المواطنين والبلاد لقياس قدرة التحمل الجماعي للضغوط! ولا أدري لمصلحة من يتم هذا؟!
فعلا، إن الأنظمة السلطوية لا يهمها البحث عن بدائل وتأنيس الفضاء العام، وإنما الحسم المرجِّح لمنطق القوة والإذعان! يمثل المغرب اليوم أحد تطبيقات هذا النموذج. السياسة بالضغط والتخويف والهيمنة على الإعلام الرسمي واستثمار الانقسام في الرأي العام. هل نحن بصدد دولة تدير مصالح شعب بكل فئاته فعلا، أم بصدد فئة صغيرة تدير البلاد لفائدة فئة معينة ضد باقي فئات المجتمع؟!
4. وبالعودة إلى مسألة اللقاح ذاتها، يمكن التأكيد على أن من اتخذ قرار فرض إجبارية جواز التلقيح ومن يناصرونه لا يستوعبون أن تعدد المواقف من اللقاح مسألة طبيعية، ومن ثمة ضرورة التعاطي المتعدد الأبعاد مع مسألة تلقيه من عدمه من جهة، وتفهم مواقف المواطنين اتجاهه من جهة أخرى (هذا من دون أن يعني ذلك تبرير مواقفهم بالضرورة؛ فإذا كان وزير الصحة، مثلا، يعتبر مواقف هؤلاء خاطئة، فمن واجبه أن يتفهمهم ويُحاورهم). وإذا عُدنا بالقصة الكاملة إلى الوراء قليلا، نجد أن التشكيك في اللقاحات لا يطال اللقاحات المستعجلة الحالية الخاصة بفيروس كورونا حصرا، بل يطال حتى اللقاحات التي طال على استعمالها ردحا من الزمن؛ كَـِلقاحَي «شلل الأطفال» و«الحَصبة» مثلا. وهذا الأمر سارٍ في دول جد متقدمة، خاصة مع بروز بعض الأبحاث التي عملت على إثبات بعض الروابط التلازمية بين بعض اللقاحات التقليدية المستعملة منذ عقود وظهور بعض الأمراض المتفاوتة الخطورة لاحقا [فهذه اللقاحات تستعمِل مواد إضافية كـ «الزئبق» و«الألومنيوم»، وهذا الأخير يعجز الجسم في بعض الحالات عن التخلص منه من خلال عملية البول، ومع الوقت تظهر بعض الأعراض المرضية بسبب ذلك كالعياء المزمن والالتهابات المزمنة للعضلات والمفاصل والاضطرابات في التركيز أو في الذاكرة أو في النوم،...)]. حتى أنه يمكنني أن أشير هنا إلى أبحاث رائدة ومهمة لـلبروفيسور «رومان جيراردي» في هذا الشأن، والتي رُصد في بعضها بقاء بعض المواد الإضافية المذكورة آنفا لسنوات طويلة في عضلات ودماغ بعض الأفراد وظهور أعراض مرضية مزمنة لدى الأغلبية العظمى من هؤلاء. وتُعد أبحاثه اليوم أساسا لتغذية نقاشات هامة حول الموضوع في دول عدة.
فإذن، النقاش الجاري في المغرب طبيعي، بل وصحي، ومن شأنه المساهمة في تطوير جودة عمليات التلقيح واللقاحات ذاتها. فلماذا كل هذا التعصب، وهذه اللاتسامحية في المغرب؟
ولهذا، يجب أن يبقى أمر تلقي اللقاح من عدمه مسألةَ عمليةٍ تفاضليةٍ بين مكاسب ومخاطر تَلقيه يشارك فيها كل من الفرد المعني بدعم من استشارة طبيب مختص، استنادا على فكرة حرية الاختيار.
5. فيما يخص الموقف الرافض لتلقي اللقاح، يمكن أن أنبه إلى مسألة أساسية: أنت، مثلا، لا تحتاج إلى الاعتقاد بنظرية المؤامرة الدولية حتى ترفض تلقي التطعيم أو تشكك فيه أو تُدين إجباريته أو تتمهَّل في تلقيه أو تُرْجِئ ذلك. كما أنك لا تحتاج إلى أن تكون معارضا للنظام المغربي حتى تدين قرار الحكومة بِرَهن تمتع المواطنين ببعض حقوق المواطنة بتلقي اللقاح (شخصيا، سواء في مسألة تدبير فترة الجائحة ككل، أو في مسألة إجبارية الجواز الصحي، لا أنصح بالخلط بين مستوى المواقف السياسية من الحكومة والنظام المغربيين والمستوى الصحي والحقوقي في البلاد. هذان المسألتان، في الوقت الراهن، لا تحتاجان لا إلى أيديولوجيا متضخمة أو عمياء ولا إلى مواقف ارتجالية غير مستندة على الحكمة والعلم. فللسياسة والمواقف مجالهما وموضوعاتهما). لا بل إنه ليس من الضروري أن تكون من الرافضين للقاحات رأسا حتى يكون لك رأي مُشكك أو حَذِر تجاه اللقاحات المتعلقة بكورونا بخاصة (بمعنى قد تقبل بفكرة أن اللقاح هو الحل بالنسبة للجائحة القائمة دون أن تقبل بالطريقة التي يجري بها تفعيل برامج التلقيح. كما أنه قد يكون لك موقف إيجابي من مفهوم اللقاح عموما دون أن يكون لك نفس الموقف الإيجابي من بعض اللقاحات الخاصة بكورونا. بل إنك قد تقبل أن يتلقى طفلك لقاحا حول بعض الأمراض دون أن تقبل أن يتلقى لقاحا حول كورونا، مثلا). وهذا ما لا يستوعبه بعض المتعصبين لأطروحة "ضرورة إذعان الأقلية لما اختارته الأغلبية". فأن يكون لك موقف سلبي أو رافض للقاحات يمكن أن يستند إلى حجج بسيطة جدا، ومعقولة جدا في آن. كيف ذلك؟ أولا، يتعلق الأمر بلقاحات جديدة، مُنحت رُخَصا استثنائية للطوارئ من لدن منظمة الصحة العالمية تحت ضغط الجائحة – فهي إذن لقاحاتُ ضرورةٍ في ظرف معين ولم تَأخذ بعد صفة اللقاحات "الناضجة". ثانيا: معظم هذه اللقاحات تُنتجها شركات ذات سمعة سيئة (كذب، رشى، تدليس، سعي مَرضي وراء الربح، تقديم استشارات وتوجيهات علمية غير دقيقة، عمليات تشويه مكثَّف ومبرمج للآراء العلمية المخالفة حتى ولو كان مصدرها مختبرات وخبراء محترمين في الأوساط العلمية، انتهاكات لحقوق الأفراد (خاصة في الدول النامية)، متابعات قضائية، غرامات كبيرة بسبب مخالفة القوانين) [بخصوص سمعة هذه الشركات، أقترح مشاهدة وثائقي «تجارة الوباء» للصحفي الاستقصائي تامر المسحال]. ثالثا: يتعلق الأمر بفشل ذريع في التواصل مع المواطنين حول هذا الشأن على جميع مستويات هرم السلطة في المغرب بلا استثناء (أين رئيس الحكومة اليوم من هذه المسألة؟ وهل من المعقول أن يتجنب الناطق الرسمي باسم الحكومة الحديث عما يجري في الشارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وفي منصات بث المواقف السياسية من رفض لهذا القرار؟ هل الطريقة التي يتحدث بها وزير الصحة تعكس روحا وطنية تُقدر ظروف المواطنين -جميع المواطنين- زمن أزمة كبرى؟ لماذا لا تتواصل اللجنة العلمية أو منسقها مباشرة مع المواطنين؟ أين تقاريرها ومَحاضِرها؟ إلخ إلخ). رابعا: هناك أزمة ثقة بين فئات واسعة من المواطنين والدولة؛ لأنهم يعتقدون أن تدبيرها لملف التلقيح يحمل الكثير من الغموض؛ ففي الحد الأدنى، يسجلون أن المواطن، حتى الساعة، لم يُمكن من معرفة دقيقة وشاملة حول طبيعة وأصناف وحجم الآثار الجانبية الناتجة عن تلقي اللقاح لدى أفراد طرأت لديهم مضاعفات صحية متفاوتة الخطورة (لا أحد من السلطات الصحية يخرج ليقول للناس: بالنسبة للمواطنين المصابين بالأمراض كذا وكذا، يُستحسن أوْ لاَ يُنصح بتلقيهم اللقاح كذا أو كذا، لأن المعطيات السريرية عندنا تثبت أن هناك مضاعفات سلبية من نوع كذا وكذا تَم تسجيلها عند الفئات كذا وكذا، وأن هذه النسبة تتراوح بين كذا وكذا! – فلا يوجد هناك ربط بين تطور عملية التلقيح وتقديم خلاصات علمية وافية حول مآلاتها التفصيلية). فالاستمرار في إنكار الآثار الجانبية غير مفهوم وغير منطقي ما دام الناس يُوَثِّقون ويُعاينون بأنفسهم تلك الآثار على الأرض. خامسا: كيف ستُقنع أشخاصا بتلقي التلقيح وأنت، كحكومة، تتنصل من تأمين أبسط حاجياتهم المعيشية والعلاجية في حالة تأثرهم بمضاعفات خطرة عَقِب تلقي اللقاح؟ (سيدة -أعرفها جيدا- أصيبت بإسهال حاد، اضطرت على إثر ذلك إلى التنقل بين الأطباء والعيادات، وأجرت عشرات الكشوفات والتحليلات المختبرية، ليس آخرها عملية جراحية لاستخراج عينات من المعدة قصد تحليلها في المختبر؛ وقد كلَّف كل هذا صرف مبالغ مالية كبيرة، جزءٌ منها في عيادات ومختبرات خارج المدينة. ولم تتلق هذه السيدة أي عناية خاصة من لدن السلطة الصحية، ولم تتحمل هذه الأخيرة أي مسؤولية، ولو جزئيا. وكأن هذه السيدة التي أمست مريضة جراء تلقيها اللقاح أصبحت لا شيء بعد تلقيها له!).
6. هناك العديد من الأسئلة يمكن طرحها هنا:
- هل احتاجت جميع الدول التي خرجت نسبيا من الأزمة إلى مثل هذه القرارات المتطرفة؟ بالتأكيد لا، بعضها فرَض إجباريته بصورة مشددة، وهي قليلة (الفاتيكان، طاجاكستان [بالنسبة للبالغين]،...)، بعضها فرض إجباريته مع إمكانية الحصول على إعفاء طبي (تركمانستان مثلا)، بعضها فرضه على فئات معينة لا أكثر (إيطاليا مثلا)، بعضها جعله اختياريا لكن مع التضييق المحدود على المواطنين (الصين، فرنسا، سويسرا، مثلا)، بعضها حصر الإجبارية في بعض الأماكن والنشاطات التي تَشهَد تجمعات حاشدة (بريطانيا، مثلا)... فإذن هناك أمثلة عدة للتطبيق. هذا بالإضافة إلى أن بعض الدول تجعل من إقرار هذه الإجراءات تمر عبر قنوات النقاش العام المفتوح في البرلمان وخارجه، ثم التصويت عليها في البرلمان قبل تنزيلها. كما أن بعض الدول تركت هامشا من القرار للحكومات المحلية باعتبار خصوصياتها (ويلز [بريطانيا]، موسكو [روسيا]، سان فرانسيسكو [أمريكا]،...)، ولم تتخذ قرارا مركزيا باتا ووحيدا. بل إن دولا طرحت صيغاً لطيفة لدفع الناس إلى التلقيح (مجانية بعض الخدمات، هدايا، مزايا،...)، وهذا حتى تتجنب اللجوء إلى أسلوب الإذعان.
- هل هناك دراسات علمية أثبتت أن الأفراد غير الملقحين هم السبب الرئيس في إحداث موجات وبائية حتى نوجه إليهم كل هذا الضغط، ما دام حتى الملقَّحين يمكنهم أن ينقلوا الفيروس؟ شخصيا، لم أعثر على إجابات بهذا الشأن. أين رأي اللجنة العلمية المغربية؟ على حد علمي، لا يوجد.
- بما أننا لم نصل بعد إلى مستوى تصير معه مراكز علاج المصابين تحت ضغط شديد لا يُحتمل، فلماذا كل هذا الضغط؟ لنفترض أن الإجابة هي: إن فرض تلقي التلقيح هو لفتح الاقتصاد ودفعه للعودة إلى حالته الطبيعية. هذه الإجابة التي تقدمها بعض التصريحات الرسمية يمكن الرد عليها: ثمة دولا لقَّحت شعوبها بصورة أوسع لكنها لم تسلم من ظهور موجة وبائية جديدة (أيسلاندا وبريطانيا مثلا)، بل إن بعضها اضطر إلى غلق بعض المحافظات جراء التفشي الجديد للفيروس (الصين).
- لماذا هذا الإصرار على تلقيح القاصرين مع أننا لم نتيقن بعد من طبيعة النتائج بعيدة المدى للقاحات على صحتهم؟ هذا مع العلم أن لجنتنا العلمية لم تُثبت أن التلاميذ هم السبب الرئيس في تفشي الوباء أو ظهور موجاته المتكررة.
- لماذا لا نعطي المرأة الحامل حق اتخاذ القرار بشأن أخذ اللقاح من عدمه؟ راعَني أن أرى نساء حوامل تأخذن اللقاح في وقت يمكن إمهالهن شهرا أو شهرين أو حتى أكثر إلى حين إنجابهن!. ثم هل هناك ضمانات كافية كون تلقي لقاح فايز مثلا، لن تكون له مضاعفات مستقبلية على الأجنة، ما دام هذا اللقاح، بتقنية صنعه الجديدة (تقنية حقن الحمض النووي الريبي المرسال (ARNm) لبروتين السنبلة الموجود على سطح الفيروس) مازال في طور التجريب أصلا ويحتاج لسنوات للتحقق من نتائجه وآثاره الجانبية؟
- لماذا لا تقدم الدولة أرقاما ومعدلات بناءً على الشرائح العمرية التي تلقت اللقاح ثم تُوفيت أو مرضت أو تلقت عناية استشفائية مركزة نتيجة لذلك؛ أو بناء على الأماكن الأكثر خطورة من حيث نقل العدوى؛ حتى نعرف من هي الفئات الأَوْلى بالتلقيح من غيرها من منطلق تعرضها للخطورة أكثر من غيرها؟ (أين اللجنة العلمية مرة أخرى؟!)
- لماذا تلقيح الأشخاص الذين ثبت يقينا أنهم أصيبوا فيما مضى بالفيروس، مادام جهازهم المناعي تَمكن من صد الفيروس بيولوجيا وتلقائيا في المرة الأولى، وما دام جهازهم المناعي أصبح أكثر تحفزا واستعدادا وفعالية تجاه إصابة جديدة محتملة؟ (انتهت دراسة أجراها باحثون من "يال للصحة العامة " (Yale Public Health)، إلى أنه يمكن إصابة الأشخاص غير الملقحين من جديد بـ«كوفيد-19» كل 16 شهرا. وأن احتمال تكرار إصابة شخص تكون جد منخفضة في الثلاثة أشهر الأولى (حوالي 5%). وبعد 17 أشهر، يصل هذا المعدل إلى 50% [هذا مع العلم أن تغير هذه المعدلات مؤكَّد؛ بالنظر لطبيعة مناعة كل فرد وسنه وعوامل أخرى]. فإذن، لماذا تلقيح أشخاص ثبتت فعالية مناعتهم الذاتية بلقاح ليس له من دور غير تحفيز المناعة الذاتية هذه أصلا. ففي حالة تطعيم هؤلاء، نكون بصدد انتظار أن تُفضي عملية التلقيح إلى نتيجة هي قائمة بالفعل داخل جهاز مناعة المصابين المتعافِين، وذلك على الأقل بعد حوالي سنة وأكثر من إصابتهم الأولى! أليس هذا أمرا عبثيا؟ أو لنقل في الحد الأدنى: أليس هذا بأمر غير مسؤول وغير مؤسَّس على أي مقاربة معقولة أو علمية مقنعة؟
- ألا تستدعي إشارات منظمة الصحة العالمية بكون الجرعة الثالثة المعزِّزة لا تستند على أدلة علمية وافية من السلطات الصحية الحذر في هذا الشـأن؟ (سأعرض ملاحظة جوهرية لاحظتها وأنا بصدد تشخيص جزء من الخطاب الذي يدور حول تعزيز المناعة: هناك محاولة لإسكات العلم بهذا الشأن (يمتد هذا الأمر إلى الدول المتقدمة). سأوضح: يجري الحديث عن أن الجرعة المعززة تزيد من الكفاءة المناعية كحقيقة علمية. طيب، لنفترض أن هذا صحيحا. لكن، لماذا لا يجري التصريح بخطاب علمي مماثل عن مدى قدرة الإصابة الأولى لدى المتعافين على تعزيز الكفاءة المناعية؟ هناك إحجام عن الحديث عن هذا الأمر. والأشد إثارة للاستغراب، هو أنه، من الناحية العلمية، لدى الدول والمختبرات المصنِّعة للقاحات ولدى مختبرات أقل كفاءة حتى، الإمكانات التقنية للقيام بتحاليل مقارنة بين مضادات الأجسام التي يمكن أن تفرزها جرعة لقاح أولى أو ثانية من جانب، والتي يمكن أن تُفرزها الجرعة الثالثة المعزِّزة من جانب ثان، والتي يمكن أن تفرزها المناعة الطبيعية لشخص سبق أن تعرض للإصابة من جانب ثالث. وبإجراء هذه المقارنات يمكن أن نجيب بصورة علمية حاسمة عن الأفضلية في إنتاج أجسام مضادة بين المناعة الذاتية الطبيعية لشخص سبقت إصابته والمناعة المصطنعة الناتجة عن الحقنة الأولى أو الثانية، والمناعة الاصطناعية للجرعة الثالثة المعززة. والسؤال الذي يُطرح هنا: لماذا الإبقاء على هذا الغموض وتجنب الإجابة بصورة صريحة وعدم الحسم من خلال خلاصات علمية دقيقة؟ ومَنِ المستفيد من إبقاء هذا الغموض غير الشركات المنتجة للقاحات؟!
- كيف يكون اللقاح إجباريا ولا يكون التكفل بمن ظهرت عليهم أعراض جانبية إجباريا هو الآخر؟ خاصة وأن عديدا ممن ظهرت عليهم أعراض جانبية خطيرة تُركوا لمصيرهم، مما كبدهم مبالغ استشفاء طائلة ومعاناة حقيقية وأمراض نفسية خطيرة وألحق أضرارا اجتماعية ونفسية بالأسر التي يعولونها والمقربين منهم أيضا (شخصيا، أعرف أفرادا وأسرا من هذا النوع).
- ماذا لو كان قرار إجبارية الحصول على الجواز لولوج الإدارات والمقاولات والخدمات العامة مدخلا لتكريس التمييز بين المرتفقين غير الملقحين؛ حيث يصير حارس الأمن أو الموظف الذي أوكلت له مهمة الضبط في مدخل المرفق يغض الطرف عن معارفه غير الملقحين بينما يمنع غيرهم من ولوج المرفق بدعوى عدم التوفر على الجواز؟ فلا أحد يستطيع أن يثبت مدى التزامه هو بتطبيق المساواة بين المرتفقين وطالبي الخدمات. بل أكثر من هذا، ماذا لو أن هذا القرار تحول إلى سبب جديد لتفاقم ظاهرة الرشوة في المرافق العمومية وحتى الخاصة؟ (-ملقح؟ -لا. -اِدفع!).
- أين رأي المجلس الوطني لحقوق الإنسان، باعتباره هيأة دستورية راعية لحقوق المواطنين، في هذه النازلة الحقوقية بامتياز؟ ما نفع هذه الهيئة إن لم يكن تقديم الرأي في محطة حقوقية أساسية من تاريخ البلاد؟
ختاما، المطلوب أن نُخرج عملية التلقيح من دائرة التسييس المجاني، وألا نحولها إلى قضية مواجهة بين الدولة والمجتمع أو فئات منه. وهذا رهين بمعالجة أزمة الجائحة بمنطق لا يميل إلى تأويل سلطوي لصلاحيات الطوارئ من لدن الدولة، وبتأسيس النقاش العام على أرضية منطقية وعلمية خارج سردية المؤامرة من لدن مختلف الفئات السياسية والشعبية. فالظاهر، وفي ظل انعدام الثقة، يميل الوضع إلى حالة من حوار طرشان. لأنه في العمق، لا الدولة بصدد قتل جماعي للناس، ولا المواطنين يعارضون فكرة اللقاح في ذاتها. وكما قال روائي فرنسي -لا أذكر اسمه حاليا- في تعبير لطيف: «الشيطان في التفاصيل، والتفاصيل هي الفيروس».
نحتاج إلى الهدوء والحكمة، حتى نتبين الخيط الأبيض من الأسود. فالفيروس يتغير كل يوم بينما التصورات تأبى إلا أن تحتكم إلى معطيات سابقة وتتشرنق ضمن نمطية غير مفيدة وغير عملية.
تتساقط عديد من الأطروحات، بينما ما يزال التدبير يخطط استنادا إليها: أمست المناعة الجماعية مجرد فكرة بلا مضمون (كيف لنا أن نؤمن بتحقيق المناعة الجماعة والفيروس يتطور بهذه السرعة، وبين المُلَّقحين، وحتى من الإنسان إلى الحيوان [أفكر حاليا في سلالة مارسيليا التي لم يتحدث عنها الإعلام، بينما - تؤكد دراسات موثوقة تابعها أحد أبرز الخبراء المستقلين حول الفيروسات وكورونا في العالم في الوقت الراهن، ديديي راوولت- أن هذه السلالة لم تتطور من السلالة الأصلية (الصينية) ولا من المتفرعة عنها (ألفا، بيتا، غاما أو غيرها)، بل انتقلت مباشرة من حيوان الفيزون (Vison) داخل مزارع فلاحية في الريف الفرنسي. فإذن حتى فكرة "انتقال وانتشار الفيروس يعود إلى غير الملقحين" أصبحت نسبية جدا)، كما أن اللقاحات نفسها أصبحت أكثر فأكثر هشاشة (تحدثت عن أمثلة أعلاه)، والمناعة الطبيعية للمجموعات تتوسع (لا أقول أنها مناعة فعالة مطلقا-كل شيء نسبي في هذه القصة)، وتصوُّرنا، علميا وشعبيا، لمدى خطورة الفيروس وسلوكه في تغير بالتزامن مع إدراكنا لطبيعته،... كل هذا في تغير مستمر، ولهذا من الطبيعي أن تتغير معه خطاطات العلاج والتواصل بشأن الجائحة. وهذا ما يجب أن تُدركه الدولة والسلطات الصحية قبل المواطنين.
4 نونبر 2021



#فؤاد_بلحسن_الخميسي (هاشتاغ)       Belahcen_Fouad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عقوبات ضد الشعوب في زمن كورونا خارج إطار القانون الدولي وبشه ...
- تعبُر الفراشة إلى الحلم، تتدحرج الدبابة في المنحدر (خاطرة)
- لا يمكن للأمازيغي أو العربي إلا أن يكون متسامحا، وإلا فهو يس ...
- الفيروس واللقاحات والمعلومة بعد عام من الجائحة
- عن تسييس الفيروس في المغرب لتمرير التطبيع... هل كذبوا علينا؟ ...
- مأزق الكائن ووعي المصير: الفيروس، الحياة، العلم، التغيير
- خريطة التحليل الجيوستراتيجي في مسألتي المقاومة وإيران (جزء 2 ...
- خرائطية التحليل الاستراتيجي في مسألتي المقاومة وإيران (جزء 1 ...
- توجيهات بسيطة جدا لتحسين بعض جوانب البحوث الجامعية
- العنف، القوة، الرياضة والمدينة: كيف يهذب الأيكيدو العنف خدمة ...
- المقاومة المدنية كفن للعيش!
- نحن والقُبَّرَة والمدينة!
- تقدير موقف: افتتاحية صواريخ محور المقاومة في ميزان ثقافة اله ...
- العالم في 2030 من وجهة نظر المفكر جاك أتالي!
- القراءة الحرة والكتاب وأنت!
- هي ذي «وانغاري ماثاي»
- المدينة كفضاء للتفكير والعيش: المغامرة؛ المفارقة؛ الأمل!
- إلى أين يسير المغرب؟ مفارقات العقل الثوري وانتحارية الدولة ا ...
- نهج المعارضة السورية على ضوء حكمة الملكة بَلقيس
- كلمات في الفقيد الكبير عبد الهادي التازي


المزيد.....




- عداء قتل أسدًا جبليًا حاول افتراسه أثناء ركضه وحيدًا.. شاهد ...
- بلينكن لـCNN: أمريكا لاحظت أدلة على محاولة الصين -التأثير وا ...
- مراسلنا: طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي ...
- بدء الجولة الثانية من الانتخابات الهندية وتوقعات بفوز حزب به ...
- السفن التجارية تبدأ بالعبور عبر قناة مؤقتة بعد انهيار جسر با ...
- تركيا - السجن المؤبد لسيدة سورية أدينت بالضلوع في تفجير بإسط ...
- اشتباك بين قوات أميركية وزورق وطائرة مسيرة في منطقة يسيطر عل ...
- الرئيس الصيني يأمل في إزالة الخصومة مع الولايات المتحدة
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: إصابة إسرائيلية في عملية طعن ب ...
- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فؤاد بلحسن الخميسي - الابتزاز الجماعي كنهج لتدبير الفضاء العام: اللقاحات بين الاختيار والاذعان (حالة المغرب)