أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فؤاد بلحسن الخميسي - كلمات في الفقيد الكبير عبد الهادي التازي














المزيد.....

كلمات في الفقيد الكبير عبد الهادي التازي


فؤاد بلحسن الخميسي
كاتب وباحث

(Belahcen Fouad)


الحوار المتمدن-العدد: 4784 - 2015 / 4 / 22 - 00:39
المحور: المجتمع المدني
    


لست ممن يعرفون الشيء الكثير عن السي التازي، فلم أكن لا قريبا منه ولا متابعا كبيرا له. فأنا مجرد طالب سابق له. أخذت عنه القليل من العلم لكن الكثير من المعنى. فقد أنهضني الدَّين للكتابة حوله. فهنا أقول في حقه ما شاهدته وأدركته واعتقدت أنه من الواجب التذكير به. فالتذكير عمل للغد بدرجة أساسية، غدنا المشترك الذي صنعه معنا أشخاص رحلوا وما رحلوا.
درَّسني السي عبد التازي تاريخ العلاقات الدولية للمغرب - وهل هناك خير منه لينهض، بجدارة، بهكذا مهمة؛ فهو كاتب موسوعة «التاريخ الدبلوماسي للمغرب» (عشر مجلدات) ومئات الأبحاث والمداخلات في التاريخ والسياسة!. في المدرج الكبير رقم 2، السنتين 2005-2006، كان الفقيد الكبير يدخل، بتؤدة ووقار وثقة، كأنه عارف يمشي على علو طفيف من سطح الأرض. ينثر ابتساماته هنا وهناك، لكن بصورة لا تُفقده تركيزه الشديد على منصة الدرس، على مهمته التي كان يراها كرسالة أكثر منها مهنة للعيش. وهذا كان مما يمكن استنتاجه، حينها، بسهوله.
حوالي أزيد من عقد في مدرجات الجامعة، لم أزدد إلا تأكيدا أن الرجل كان الأبهى والأجمل، كان سيد المنصة الجامعية بلا منازع. فلا أبالغ إذا قلت أن معه، ونادرا مع غيره، كان الدرس يتحول إلى خشبة مسرح، تنبجس منها مختلف أشكال الخطاب وقوالب الإلقاء وصور الفكر (شعر، سرد، أمثال، قص، نكتة، اعتراف،...). كان الفقيد يجول بنا في منعرجات التاريخ الصعبة كأنه أحد شهوده. كان يأخذنا إلى مواقف وسلوك وأدب العمل الديبلوماسي ينظر بعين ثالثة لم تتوفر لكُثر غيره كرجل مهنة سابق. كان يدخل بنا إلى اللاوعي الجمعي ليكشف لنا أثر الوقائع التاريخية الكبرى في صوغ تفكير الجماعة ووعيها كأنثروبولوجي خبير. كان يختار عباراته بعناية كأديب بليغ. دعني أقول أنه كان رشيقا كالطير، وهو الرجل الثمانيني حينها. فاستحق أن نغبطه على ما هو فيه، فكان ذلك واحدا من أهم الدروس لنا، كطلاب، في الطريق.
حدثنا عن الحرب والسلم، عن التاريخ والجغرافيا، عن بداية الدول وعن بداية الاتصال بالدول، عن الاحتلال والاستقلال، عن الدبلوماسيين والأخلاق، عن السلطان محمد الثالث وأسطوله البحري، عن علاقة البعثات الدبلوماسية بقوة الدول، عن التحضر والأخلاق السياسية، عن سبتة واحتلالها، عن العراق وظروفه الصعبة، عن الخميني والثورة الإيرانية، عن أمراء الخليج وبداية تشكل الدول هناك في الصحراء، وغيرها من المواضيع الدقيقة والحساسة في تاريخ بلدي وتاريخ منطقتنا العربية والإسلامية.
قبل أقل من 3 سنوات من الآن، كانت آخر مرة التقيته فيها. توقعت أن تكون فرصة لأستزيد منه -كما توقع غيري. وبالفعل كانت فرصته لينثر درسا آخر وربما الأخير في كليتنا: دخل ساحة الكلية (كلية الحقوق أكَدال، بالرباط) على مهل، سار مستقيما ومرحا إلى المدرج رقم 1، عبْر المدخل الرئيسي لبناية العمادة، مصافحا، بتواضع، من استقبلوه في الطريق - كنت واحدا منهم. كانت المناسبة مناقشة لأطروحة جامعية وكان هو عضوا بلجنة المناقشة. وعلى عكس ما يفعل معظمهم، إن لم أقل جميع أعضاء هذه اللجان، كان هو يرتدي وزرة مناقشة رسمية. للوهلة الأولى، قد يبدو أمر الوزرة طبيعيا ولا يحتاج إلى الوقوف عليه، ولكن حينما يتذكر المرء أن المبادرة إلى ارتدائها جاءت، بعد انقطاع طويل لهذا التقليد داخل الكلية، من السيد عبد الهادي التازي الأستاذ والمؤرخ والباحث والديبلوماسي وعضو الأكاديمية المغربية، لن تضيع الرسالة التي أراد الفقيد أن يوصلها لكل الجامعيين في هذا الشأن؛ والمتمثلة في ضرورة وأهمية احترام تقاليد الجامعة، التي هي شرط بقائها متفردة بعيدا عن الشعبوية الزاحفة التي تلتهم كل ما هو جميل ومختلف فينا كجامعيين.
لقد بلغ التزامه بإنجاح العمل الجامعي حدودا لم أعهدها في غيره. كان يحرص، بتركيز شديد وحاسم، على جو الدرس والنقاش. حتى أنه كان يرفض أن تظهر علينا علامات الكسل. ومن الطرائف المعروفة عنه، أنه كان يستفزه تثاءب أحدهم في الفصل، حيث كان يلقي عتابا لذيذا وجميلا في حق المتثائبين. «كونوا يقظين!»، كان ذاك لسان حاله. ولعل اليقظة سر من أسراره هو بنفسه.
لست بصدد تعداد دروس الرجل في الحياة أو مجهوداته في خدمة المعرفة، فذاك أمر يزيد عما أستطيعه. ولكن أود أن أذَكر بنضاله المعرفي الطويل. فالفقيد لم يمل، لم يستسلم ولم يستأثر الراحة على البحث الدؤوب خدمة للمعرفة الجامعية والتاريخية. بقي حاضرا. فما من إطلالة له إلا وتُشكل حدثا ثقافيا يستدعي إنصات الباحثين والمؤرخين ووسائل الإعلام.
بقي الفقيد متشبثا بالأمل في التغيير، تغيير الممكن، تغيير المستقبل عبر إعادة اكتشاف الماضي والمعنى في تعدده.
كان وطنيا بامتياز، يدافع عن الدولة كدولة للجميع، وعن التاريخ كثروة مشتركة، وعن المستقبل كموضوع للتفكير المستمر.
لم نخسره، نحن كجماعة، فقط، بل خسرته «الحقيقة» كذلك، باعتباره رجلا أحب الوثيقة التاريخية وتحقيقها ودراستها وتأويلها.
أيها الرائع، أشكرك أستاذا ومربيا...
أحببتك بلا شرط، لأنك أعطيتنا بلا قيد...
سلام عليك...
ولروحك بركات الفاتحة...



#فؤاد_بلحسن_الخميسي (هاشتاغ)       Belahcen_Fouad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مع الانسان الضحية .. لا مع الانسان الجاني
- المقاومة أولا .. وأخيرا - فلسطين قضية التحرير الكبرى
- داعش الإرهابية، مأزق الإسلاميين المعتدلين وهذيان القرضاوي -ع ...
- عن جريمة اغتيال مثقف الكرامة المهدي المنجرة - أو بعض مما لم ...
- النسخة الجديدة من حكومة بنكيران في معادلة الربح والخسارة
- بعد سنة من المعاناة والتحدي داخل السجن، المناضلة عفاف بنزكري ...
- في بحث عن اسمها وسط سديم ليلي!
- في رحيل رجل شريف .. عبد السلام ياسين
- في بكائيات المجتمع حول ضحايا البرد والثلج - مقترح للإنتقال م ...
- امتحان الثورة والثوار في مصر
- كلمة في المناضل والمعتقل السياسي معاد «الحاقْد»
- حوار مع الشاعر والمترجم رشيد وحتي: الترجمة عملية تلقي مزدوج
- مستقبل حركة 20 فبراير بين متاهات المأزق ومداخل الهوية الجديد ...
- الربيع العربي .. من إرادة التغيير الشعبي إلى سياسة المحاور ا ...
- اسم أدبي .. فاطمة الزهراء الرياض
- صعوبات تعترض الطلاب الدارسين خارج أقاليم إقاماتهم العائلية . ...
- تعليقا على إطلالة المفكر عبد الله العروي الأخيرة بعد صمته ال ...
- بانوراما دينامية حركة 20 فبراير بعد عام من الحراك - مأزق كثي ...
- بانوراما دينامية حركة 20 فبراير بعد عام من الحراك - مأزق كثي ...
- بانوراما دينامية حركة 20 فبراير بعد عام من الحراك - مأزق كثي ...


المزيد.....




- اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين ...
- يضم أميركا و17 دولة.. بيان مشترك يدعو للإفراج الفوري عن الأس ...
- إيران: أمريكا لا تملك صلاحية الدخول في مجال حقوق الإنسان
- التوتر سيد الموقف في جامعات أمريكية: فض اعتصامات واعتقالات
- غواتيمالا.. مداهمة مكاتب منظمة خيرية بدعوى انتهاكها حقوق الأ ...
- شاهد.. لحظة اعتقال الشرطة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري ال ...
- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
- الرئيس الايراني: ادعياء حقوق الانسان يقمعون المدافعين عن مظل ...
- -التعاون الإسلامي- تدعو جميع الدول لدعم تقرير بشأن -الأونروا ...
- نادي الأسير الفلسطيني: عمليات الإفراج محدودة مقابل استمرار ح ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فؤاد بلحسن الخميسي - كلمات في الفقيد الكبير عبد الهادي التازي