أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - محمد علي الماوي - حول تكتيك العمل النقابي(ارشيف)















المزيد.....



حول تكتيك العمل النقابي(ارشيف)


محمد علي الماوي

الحوار المتمدن-العدد: 7110 - 2021 / 12 / 18 - 14:10
المحور: التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
    


ننشر هذا النص من ارشيف الشيوعيين الماويين وهو نص وقع كتابته من قبل رفاق في الهجرة عندما كانت قيادة "التنظيم" في السجن في قضية "جريدة الشعب السرية" و"الشعلة" سنة 1978- 1980
1) يعود بنا النص الى فترة تكتيك العمل النقابي الذي وقع صياغته بعد الاضراب العام في 26 جانفي 1978 واعتقال اغلب القيادات النقابية للااتحاد العام التونسي للشغل.واثر تنصيب النظام نقابة عبيد البوليسية والصورية قرر الشيوعيون الماويون مقاطعة النقابة المنصبة والعمل عل مواصلة التمسك بالاتحاد الشرعي واصدار جريدة الشعب بصفة سرية و في المقابل طورالانتهازيون آنذاك (تحريف والتروتسكيون) تكتيك الافتكاك وقبلوا بالعمل مع النقابة البوليسية
2) جسد هذا النص بداية الصراع الداخلي (رفاق الهجرة ورفاق الداخل)ضد طرح "تكتيك الحرية السياسية" الذي رغم نشره في الهجرة في جريدة "الشعلة" لم يكن محل اتفاق من قبل الجميع بل وقع دحضه بعد نقاشات دامت سنة باكملها (وفي انتظار التحصل على نص الحسم ,انظر نص برنامج الحرية السياسية برنامج اصلاحي- في نقد حزب العمال الش)
3) والى جانب الانحراف اليميني المتضمن في هذا التكتيك والذي بلغ حد التنظير للبرلمانية والوفاق الطبقي بتعلة محاربة "الاوتقراطية" الحاكمة وهو توصيف يطمس عمالة الانظمة الرجعية نجده يطور اطروحات يسراوية تنظر الى امكانية تحويل اتحاد الشغل الى نقابة حمراء في حين ان الواقع بين ان اتحاد الشغل استوعب العناصر الشيوعية وتمكن من ترويضها فتحول لونها من الاحمر الى الاصفر.
4) وتجدر الاشارة الى ان العناصر التي دافعت آنذاك عن "تكتيك الحرية السياسية" في المهجر او في الداخل هي عناصر تفسخت او التحقت بمجموعات اصلاحية تنظر للتحول السلمي والوفاق الطبقي

حول تكتيك العمل النقابي

بعد أحداث 26-1- 1978التي ضرب خلالها الاتحاد العام التونسي للشغل كان لا بد على
الشيوعيين أن يعد لوا تكتيكهم في الحركة النقابية بما يتماشى وطبيعة الظروف الجديدة ولضمان بقائهم على صلة وطيدة مع الحركة العمالية من خلال النقابة الجماهيرية الوحيدة الاتحاد العام التونسي للشغل.
وقبل التعرض للتكتيك ثم لمسألة العلاقة بين الأهداف والتكتيك والإجابة على بعض الأسئلة الملحة في عمل الشيوعيين داخل النقابة في الظرف الراهن، نبدأ بالتأكيد على أهداف الشيوعيين في الحركة النقابية.
I أهداف الشيوعيين في الحركة النقابية:

يحتل العمل في النقابات بالنسبة للشيوعيين مكانة رئيسية تحدد مصير منظمتهم وبقائها ومناعتها. وقد سبق لـ"ستالين" معلم البروليتاريا أن أشار إلى أن سر قو ة أو ضعف الأحزاب الشيوعية في الغرب يكمن بالذات في تواجدها أو عدم تواجدها في النقابات. وتحث كل مقررات الحركة الشيوعية العالمية على ضرورة سعي الشيوعيين المتواصل من أجل التواجد في النقابات والبقاء فيها بأي ثمن ولو أدى بهم الأمر إلى استعمال شتى الحيل والمراوغات للبقاء على صلة وطيدة مع الجمهور. وشجب
"فلاديمير" في مؤلفه القيم "اليسارية مرض الطفولة في الشيوعية" مواقف بعض اليساريين الغربيين الذين ينفرون من العمل في النقابات الرجعية ونعت رغبتهم في إقامة نقابات ثورية نقية ومطهرة من كل الأدران والانتهازية بأنها حماقات صبيانية.
ويكتسي العمل في النقابات أهمية أعظم بالنسبة لمجموعة صغيرة من المثقفين الثوريين بالفكر الشيوعي لأن المسألة تتعلق بصهر الفكر الشيوعي في قاعدته الاجتماعية من أجل فرز العناصر البروليتارية الطليعية ذات التجربة والنفوذ والإخلاص الكامل لمصالح الط/ الع(الطبقة العاملة). وتشكل تلك العناصر نواة الحزب الشيوعي. ويجسم تواجد الشيوعيين في النقابات رغبتهم الملحة في المحافظة على العلاقة الوطيدة بين الطليعة والطبقة وبين الحركة الثورية والحركة العمالية لأن مصيرهما مشترك ولا يمكنهما الانفصال عن بعضهما البعض دون أن يؤدي ذلك إلى إضعافهما معا وعزل إحداهما وتذييل الأخرى للطبقات والفئات المعادية للثورة. أما اندماجهما فيؤدي إلى وضع أساس متين لكل منهما. فالحركة العمالية ترفد الحركة الثورية بالعناصر المهيأة موضوعيا للثورة. وتتولى ا لحركة الثورية تنظيم تلك العناصر وتوعيتها وكذلك دفع الحركة العمالية في الاتجاه الصحيح ولقد أشار "لينين" إلى أن مهمة الشيوعيين "لا تقوم على خدمة الحركة العمالية في كل طور من أطوارها خدمة هامدة غير فاعلة بل على تمثيل مصالح الحركة بمجملها ودلها على هدفها النهائي ومهماتها السياسية وصيانة استقلالها السياسي والفكري". ويتم ذلك بالقيام بالدعاية والتحريض وتكوين النوى الشيوعية في كل التجمعات العمالية والمزج بين العمل الشرعي والعمل غير الشرعي وبين المطالب اليومية للطبقة العاملة والأهداف القريبة والبعيدة وهي الإطاحة بالأوتقراطية عبر الانتفاضة الشعبية المسلحة وسن الحرية السياسية والإطاحة بكافة الإمبرياليين والإقطاعيين والكمبرادوريين المحليين وإقامة السلطة الشعبية كخطوة لا بد منها لإنجاز الثورة الاشتراكية والتحول نحو الشيوعية وذلك اعتمادا على المبدأ اللينيني القائل: إن النضال ضد الحكومة في سبيل مطالب جزئية هو عبارة عن مناوشات ومنازلات صغيرة في المواقع الأمامية أما المعركة الحاسمة فلا تزال أمامنا، بيد أن فرز العناصر البروليتارية الطليعية ليس الهدف الوحيد للشيوعيين في الحركة النقابية. فهناك هدف آخر يقترن به وهو تحويل النقابة الرجعية الإصلاحية إلى نقابة ثورية حمراء مسلحة ببرنامج الثورة الوطنية الديمقراطية ويقودها العمال الشيوعيون.
إن النقابة الحالية الاتحاد العام التونسي للشغل هي نقابة رجعية يهيمن عليها الفكر الإصلاحي لبعض الشرائح الكمبرادورية الإقطاعية المستنيرة المتأثرة بالفكر الإصلاحي الذي تطوره الإمبريالية العالمية ونقاباتها المناضلة )جامعة النقابات الحرة، النقابات الأمريكية( ولكنها تضم جمهورا واسعا من العمال والنقابيين الشرفاء المهيئين لقبول الفكر الثوري بدرجات متفاوتة وللتجاوب مع شعاراته وأطروحاته النظرية بصفة من الصفات. وإذ يعمل الشيوعيون داخل هذه النقابة فلهدف تحويلها تدريجيا من نقابة رجعية إلى نقابة ثورية، من نقابة تخدم مصالح الإمبرياليين والكمبرادوريين والإقطاعيين إلى نقابة تخدم مصالح الط/ الع والشعب، من نقابة تعمل على تحقيق بعض الإصلاحات الطفيفة في ظل النظام القائم إلى نقابة تساهم تحت قيادة الحزب الشيوعي في الإطاحة بالنظام القائم وتجند أوسع الفئات العمالية لإنجاز هذا الهدف الثوري.
تلك هي النقابة الحمراء التي نعمل على بنائها. ويجدر هنا التنبيه إلى خطأ شائع إلى حد ما في
الأوساط الثورية تعتبر بمقتضاه النقابة الحمراء نقابة ثورية نقية لا ينتمي إليها سوى العمال الشيوعيين ،هذا الخطأ يحمل في طياته بذور الفوضوية النقابية التي تستعيض عن الحزب الشيوعي، طليعة الط/ الع وهيئة أركانها المناضلة بالنقابة الثورية كمنظمة وحيدة لقيادة نضال الط/ الع.
إن النقابة بالمفهوم الشيوعي هي أداة وسيطة بين الطليعة العمالية المنظمة في الحزب الشيوعي والطبقة التي لم يرتق وعيها ولن يرتقي إلى مستوى الطليعة إلا في المرحلة العليا للاشتراكية وتظل تبعا لذلك خارجة عن إطار الحزب. ويتمثل دور النقابة في تجنيد الفئات الواسعة من الط/ الع الخارجة عن الحزب وجرها تحت قيادته لإنجاز مهام الثورة.
إن النقابة الحمراء هي النقابة التي يقودها العمال الشيوعيون. وفي بلادنا وفي كل البلدان الأخرى المماثلة )المستعمرة وشبه المستعمرة وشبه الإقطاعية( فإن النقابة الحمراء هي النقابة المسلحة ببرنامج الثورة الوطنية الديمقراطية والعاملة على تحقيقه تحت قيادة الحزب الشيوعي. أما في البلدان الرأسمالية المتطورة فإن النقابة الحمراء هي النقابة المسلحة ببرنامج الثورة الاشتراكية. وسواء كان البلد متطورا أو متخلفا من الوجهة الرأسمالية، فإن النقابة الثورية - أو إذا شئنا: النقابة الطبقية- تتشكل الأغلبية الساحقة من أعضائها من عمال غير شيوعيين لأنه لو كان بالإمكان تحويل كل العمال أو أغلبهم إلى شيوعيين دفعة واحدة لفقدت النقابة دورها ولكان من الضروري الاستغناء عنها والاكتفاء بالحزب كمنظم ومعبئ لجمهور العمال الواسع، غير أن النقابة تحتفظ بدورها بالضبط لوجود فئات عمالية واسعة، نصف واعية، أو متخلفة وغير مؤهلة بعد للانتساب للحزب الشيوعي الذي يجب أن يبقى نقيا بالفعل وثوريا حتى النهاية. وليتسنى له ذلك يجب أن لا يضم في صفوفه سوى أشد العناصر العمالية ثورية وأكثرهم وعيا وخبرة والتزاما بقضية الط/ الع.
حتى في المرحلة الاشتراكية يبقى الفارق قائما بين العناصر الطليعية والعناصر المتخلفة من الط/ الع لمدة طويلة من الزمن نظرا لالتحاق أعداد وافرة من أشباه البروليتاريين والفلاحين والمنتجين الصغار بصف البروليتاريا نتيجة تطور مشركة وسائل الإنتاج ومكننة الريف ونمو التصنيع بصفة عامة.
وتحتفظ النقابة طوال تلك الفترة بدورها التعبوي والتنظيمي إلى جانب الحزب الماسك بجهاز الدولة.
لذلك وجب علينا نبذ هذا لمفهوم الخاطئ، الرائج حول طبيعة "النقابة الحمراء" لأنه يؤدي في صورة عدم التفطن له ونبذه إلى نفي دور الحزب كقائد واحد للصراع الطبقي وفي أقل الحالات سوءا إلى الانعزال عن جمهور العمال والانحسار في بوتقة عمل ضيقة جدا.
هذه هي أهدافنا نرسمها بوضوح منذ الوهلة الأولى بيد أن تحقيقها لن يتم بصورة آلية بمجرد الإقرار برغبتنا الذاتية في تحقيقها. فأنبل الأهداف وأشدها ثورية يتحول إلى لغو كلام وأحلام عابثة إن لم تأخذ بعين الاعتبار الواقع الموضوعي ولم تستوعب قوانينه الباطنية، لذلك وجب علينا في سبيل تحقيق أهدافنا بأكمل وأضمن طريقة ممكنة أن نتفاعل مع حركة أوسع الجماهير وأن نكيف تكتيكنا مع درجة
وعيها ومراحل هبوطها وصعودها ومع جملة من الاعتبارات كالتي أفرزتها أحداث جانفي 1978 وهي انعدام الإطار النقابي من جهة واشتداد التناحر بين مختلف أجنحة الرجعية من جهة أخرى.
II خصوصيات تكتيكنا في الحركة النقابية:
سواء قبل أو بعد أحداث جانفي 1978 لم تتغير أهدافنا الأساسية في الحركة النقابية. فلقد كانت وبقيت الانصهار في الط/ الع من أجل فرز العناصر البروليتارية الطليعية، نواة الحزب الشيوعي ،وتحويل النقابة الرجعية إلى نقابة ثورية. بيد أن تكتيك العمل من أجل تحقيق تلك الأهداف تغير. ففي الفترة الأولى )أي قبل 26/1( كنا نعمل على التواجد في أطر الاتحاد ونشكل داخله ما يمكن تسميته بالمعارضة النقابية. وكنا نمزج بين العمل الشرعي المتمثل في المساهمة في كل مظاهر النشاط العلني من انتخابات وندوات ومطالبات قانونية وديمقراطية واسعة بما فيها الدفاع عن استقلالية الاتحاد العام التونسي للشغل عن الحزب الحاكم وذلك كشعار تكتيكي لتأجيج التناقضات في صلب الشرائح الرجعية الحاكمة وتوفير مناخ سانح لتطوير مهماتنا الثورية وإنجازها بأفضل طريقة ممكنة، وبين العمل اللاشرعي وهو شكل نشاطنا الرئيسي ويتمثل في بث الفكر الشيوعي والفكر الوطني الديمقراطي في صفوف العمال والنقابيين الآخرين من أجل بعث النوى الشيوعية داخل النقابات وتعزيز وتنمية تيار المعارضة النقابية الثورية لتحويل النقابة الرجعية الإصلاحية إلى نقابة ثورية.
أما بعد 62/1 فقد طرأت تغييرات جديدة وجب أخذها بعين الاعتبار في صياغة التكتيك النقابي. فلقد ضرب النظام الدستوري الإطار النقابي الوحيد القائم الذات وفككه واستبدله بنقابة ذات طابع بوليسي معادية أشد العداء لكل تحرك جماهيري مهما كانت محدوديته ورامية عرض الحائط بوقاحة متناهية بمطالب العمال والنقابيين الآخرين. وعبر أصحابها عن ولائهم المحموم والذي لا تشوبه شائبة للنظام الحاكم. ومن جهة أخرى تدرب العمال في فترة ما قبل26جانفي على روح المطالبة الملحة بتحسين ظروف عيشهم ولم يكتفوا بذلك بل ارتقوا درجة جديدة في النضال فترددت في العديد من مؤسسات الشغل مطالب متعلقة بصيانة الكرامة واحترام الذات البشرية. وخرج النضال من مرحلة المطالبات الاقتصادية الصرفة ليقتحم، وإن بصفة جنينية، مرحلة النضال السياسي. وتجسم هذا النفس الجديد بالمظاهرات في شوارع العاصمة ومدينة صفاقس والتجمهرات الصاخبة أمام دور الاتحاد ليس وحسب في تونس العاصمة بل وكذلك في العديد من المدن الأخرى. ثم جاء الإضراب العام الذي أعلنت عنه قيادة الاتحاد تحت الضغط الجماهيري المتزايد. كانت جموع العمال والأجراء الآخرين المنضوين تحت لواء الاتحاد تطالب بالمزيد من الجرأة والنضال وتخوض صدامات مباشرة مع أعوان البوليس في الشوارع يحركها إيمانها بضرورة صيانة مصالحها بأي ثمن. فتحطمت أساليب وطرق التعامل الدارجة لذلك الحين. وقد دلت المظاهرات التي سبقت يوم 26/1 والتجمعات في دور الاتحاد
ومظاهرات يوم 26/1 نفسها أن الشعارات السياسية بدأت تشق طريقها في صلب الجماهير العمالية فأخذت ترددها بحماس كبير مثل الشعارات المعادية للمتطرفين في السلطة وللثراء الفاحش والنهب الذي يتعرض له الشعب. تلك هي بصفة إجمالية بعض المعطيات الجديدة التي أملت إدخال تعديلات على تكتيكنا. ولا ضرر من الوقوف عليها بمزيد من الإلحاح لإزالة نواحي الغموض العالقة بها. لقد اندثر الإطار النقابي الذي كنا نتحرك فيه وكان يمثل بالنسبة لنا جسرا متينا للربط بالحركة العمالية. بيد أن جموع العمال والنقابيين الشرفاء المنخرطين في الاتحاد العام التونسي للشغل ارتقى وعيهم بدرجة محسوسة بالمقارنة مع ما كان عليه من قبل وظلوا محتفظين بطاقات نضالية هامة كان لابد من توظيفها لدفع العمل الثوري إلى الأمام. وفضلا عن ذلك فإن أحداث 26/1 والسياق العام الذي اندرجت ضمنه بينت أن تناقضات الرجعية بلغت شوطا كبيرا في الاحتداد فتفجرت على الساحة عندما لجأت الشرائح المتطرفة في الحكم إلى تصفية الشرائح المعتدلة وإلى تصفية الشرعية السياسية القديمة وفرض شرعية سياسية جديدة أشد غطرسة واشتدادا. وفي المجال النقابي إلى تصفية الشرعية النقابية القديمة المتمثلة في الاتحاد العام التونسي للشغل ومقرراته وقيادته المنبثقة عن المؤتمر 14 وفرض شرعية نقابية جديدة منبثقة عن مؤتمر صوري عقد في ظروف حالة الطوارئ المفروضة على البلاد وتنصيب عناصر رجعية متطرفة على رأس نقابة بوليسية تحمل هي الأخرى اسم الاتحاد العام التونسي للشغل.
فبلورنا تكتيكنا الداعي إلى الدفاع عن الاتحاد العام التونسي للشغل الحقيقي والتمسك بمقرراته وقيادته الشرعية ومقاطعة عبيد ونقابته البوليسية. ولقد واجهنا معارضة الانتهازيين من كل الألوان الذين رأوا في طرحنا هذا ضربا من ضروب "اليسارية" لسببين على حد الزعم: أولهما أن الحركة النقابية تلقت بعد 26/1 ضربة قاسية أصبح متعذرا بعدها أن تدخل في أبسط شكل من أشكال المواجهة كالمقاطعة مثلا، وثانيهما أنه على الشيوعيين أن يعملوا حتى في أشد النقابات الرجعية مما ينفي على حد زعمهم كل مبرر لمقاطعة نقابة عبيد البوليسية. بيد أن الانتهازيين أبعد من أن يستوعبوا مبادئ العمل الشيوعي أو أن يقوموا بتحليل عياني للواقع الملموس. لقد ضربت الحركة النقابية بالفعل في 62/1 ودخلت
الحركة العمالية في حالة جزر بالمقارنة مع فترة الصعود التي تواصلت طوال سنتي 76-77وتوجت بالإضراب العام يوم 26/1 بيد أنها بقيت تحتفظ بطاقات ثورية خلاقة، فضلا عن أن النظام بضربته القمعية في 26/1 ألب ضده أطرافا جديدة، كانت لحد ذلك الحين تدين له بالولاء، وأقحمها في سلك المعارضة. وبما أن مهمتنا تتمثل في إنضاج الظروف الثورية واستغلال كل العوامل الموضوعية السانحة لذلك فإننا طورنا تكتيك مقاطعة نقابة عبيد البوليسية لاعتقادنا الراسخ منذ البداية أنه سيحظى بقبول أوسع الأوساط النقابية ولأنه التكتيك الوحيد الذي يمكننا من تكريس القطيعة لأطول مدة من الزمن بين أجنحة الرجعية المتعارضة.
لقد تدربت جماهير العمال في خضم أحداث 26/1 على النضال ضد الحكم الأوتقراطي واكتسبت رصيدا من التقاليد النضالية الجديدة جعلتها مؤهلة لتقبل شعارات تتسم بشيء من الجرأة في إطار حالة الجزر التي كانت عليها الحركة. لم يكن تكتيكنا هجوميا، وهذا أمر لا شك فيه، لأنه لم يطرح شعار الانتفاضة ولا حتى الاستعداد لها كحدث وشيك بل كان تكتيكا دفاعيا خاصا بفترات الجزر. لقد كان يطرح شعار تنظيم الصفوف وبناء الهياكل النقابية وتعزيز المواقع الدفاعية لتحقيق مطلب ظرفي وهو إعادة بناء الاتحاد العام التونسي للشغل في إطار الدفاع عن الشرعية القديمة وإنضاج ظروف الحرية السياسية ولكنه تكتيك دفاعي جريء يميز فترة دفاعية لم تول فيها الحركة الجماهيرية تماما على أعقابها بل ظلت تحتفظ رغم الانتكاس ببعض القدرات على المواجهة الآنية. وهذا ما يفسر رفعنا لشعار المقاطعة في فترة ارتداد الحركة. ذلك ما لا يمكن لبعض الانتهازيين فهمه لأن مبادئ النضال لا تعدو أن تكون بالنسبة لهم سوى وصفات جاهزة ومرقمة يستظهرون بها حسب حالات المرض المشخص بطريقة بدائية جدا. أما حجتهم أننا ننفر من العمل في أشد النقابات رجعية فهي دليل آخر على عقمهم السياسي مما جعلهم يخطئون الهدف مرة أخرى لأن قضية العمل في النقابات الرجعية حسمناها منذ زمن بعيد في وقت كان فيه الانتهازيون يطورون نظرية النقابة الموازية للنقابة الرجعية ويأنفون أنفة
الفئات الثورية الأرستقراطية عن العمل في صلب الاتحاد العام التونسي للشغل لمجرد كونه نقابة رجعية، بيد أن المسألة المطروحة للحل بعد 26/1 لا تتعلق بما إذا كان على الشيوعيين العمل في النقابات الرجعية وأشدها رجعية أو لا وبما إذا كان عليهم أن يناوروا ويستعملوا شتى الحيل
والمراوغات للبقاء حيث يوجد الجمهور أم لا، وإنما بمعرفة ما إذا كان من المفيد سياسيا أم لا العمل في نقابة عبيد المنصبة. وجوابنا أن العمل في نقابة عبيد مضر للغاية من الوجهة السياسية لأنه يساعد الديكتاتورية العسكرية البوليسية على ترميم أوضاعها وتقوية صفها في مواجهة الحركة الشعبية عموما والحركة النقابية على وجه الخصوص في حين أن غايتنا هي عزل هذه الديكتاتورية وتأجيج التناقضات الكامنة في صلبها لتفجيرها والاستفادة منها في تنمية قدرات الحركة الثورية وتعزيز مواقعها. وبما أن
الظروف كانت تسمح بذلك فلقد وظفناها في هذا الاتجاه وطرحنا جانبا نظريات أصحاب أهل الكهف الذين غاب عنهم أن أوضاع 26/1 تختلف عن أوضاع ما قبل 62/1 وأن الحل الذي اهتدوا إليه، أي العمل في أشد النقابات رجعية، كان عليهم الاهتداء له في السابق. أما اليوم فإن واقع الحركة يطرح
مشاكل أخرى ويتطلب حلولا أخرى. ولقد أكدت الأحداث بوضوح صحة تقييمنا للوضع وصحة خطتنا التكتيكية مما جعل الانتهازيون يولون الأدبار مضطرين إلى رفع شعار المقاطعة للالتحاق بالركب وعرقلة مسيرته بوسائل تخريبية جديدة.
III علاقة الأهداف بالتكتيك:
ليس الدفاع عن الاتحاد العام التونسي للشغل هدفا في حد ذاته وإنما الهدف هو تحقيق الانصهار في الط/ الع وخاصة في شرائحها الأكثر وعيا وتقدما عبر الاتحاد العام التونسي للشغل وتحويل هذه المنظمة النقابية الإصلاحية إلى منظمة نقابية ثورية يقودها الشيوعيون. ولقد استفدنا من التناقضات في صلب الرجعية الحاكمة لإفساح مجال واسع للعمل يمكننا من التقدم في تحقيق أهدافنا. فطرحنا على النقابيين ضرورة تنظيم صفوفهم والعمل على إعادة بناء هياكل الاتحاد العام التونسي للشغل في مؤسسات الإنتاج والجهات والقطاعات والتصدي لمحاولة الزمرة البوليسية المنتصبة على رأس "الحركة النقابية" والرامية إلى احتواء نقابات الاتحاد العام التونسي للشغل وجرها للعمل تحت قيادتها. وعملنا على تطوير وحدة الحركة النقابية في مواجهة الدكتاتورية لأن تلك الوحدة شرط أساسي لبلورة العمل الثوري الشيوعي والوطني الديمقراطي وعزل الديكتاتورية ومحاصرتها لإضعافها وتقوية إمكانيات الحركة الثورية. كان تكتيكنا إذا يندرج في هذا الإطار النقابي الواسع ،إطار الوحدة النقابية، التي نعمل على تحقيقها بكامل الحزم. إن الوحدة النقابية هي قبل كل شيء وحدة القاعدة النقابية العريضة التي وإن كانت لا تزال خاضعة لهيمنة الفكر الإصلاحي فهي مؤهلة موضوعيا لقبول الفكر الثوري شرط أن نجيد أساليب عملنا وطرق اتصالنا بها وأن نقوم بالدعاية والتحريض في صفوفها بمواظبة. وهي ثانويا الوحدة مع القيادات النقابية الإصلاحية المتمسكة بشرعية الاتحاد العام التونسي للشغل والمناهضة للتسلط الأوتقراطي على الحركة النقابية. ولقد طرحنا برنامج التقاء واسع جدا يتضمن الدفاع عن الاتحاد العام التونسي للشغل ومقرراته وقيادته الشرعية ومقاطعة عبيد ونقابته البوليسية وعملنا على تطبيقه بربط الاتصالات المتنوعة مع مختلف الأوساط النقابية القاعدية والقيادية فكان التجاوب عميقا لدى القاعدة النقابية التي سرعان ما شرعت في عملية إعادة البناء على مختلف الأصعدة. فتكونت اللجان النقابية وصدرت جريدة الشعب السرية المعبرة عن وجهة نظر المقاومة النقابية والعاملة على توحيد صف الحركة النقابية في إطار الاتحاد العام التونسي للشغل، بينما اختلف الأمر مع القيادات النقابية التي كانت العناصر التحريفية المندسة في الحركة النقابية تؤثر على جزء منها وتعمل على جره في ركابها. كانت تلك القيادات مترددة في بداية الأمر أمام الدخول في عمل مواجهة منظمة من أجل فرض كيان الاتحاد العام التونسي للشغل في ظروف اللاشرعية. فلقد كانت متعودة على أشكال النضال السلمي والبيروقراطي ولما تغيرت الأوضاع وتبعا لذلك أشكال النضال تجلى عجزها على اقتحام مجال العمل اللاشرعي فأخذت تراوح في نفس المكان يتنازعها التناقض بين رغبتها الذاتية في مواجهة الأوتقراطية من أجل استرجاع مكانتها على رأس المنظمة النقابية التي ضُربت وعجزها الفعلي عن القيام بخطوات جريئة في هذا الاتجاه، أضف إلى ذلك احترازها من العمل مع الشيوعيين. بيد أن التردد لم يكن السمة الوحيدة للقيادات النقابية، فلقد انساق البعض منها الأشد يمينية وكراهية للفكر الشيوعي والفكر الثوري
عموما، في مخطط التحريفيين الداعي إلى التشهير بنا وبمبادرتنا في الميدان النقابي وشهرت بنا فعلا بينما لم تقم بأية بادرة لضرب نقابة عبيد وإعادة بناء الاتحاد العام التونسي للشغل إذا استثنينا الإمضاء في بعض العرائض وما شابه ذلك من أشكال النضال السرية التي لا تكلف أصحابها أي عناء، بيد أننا لم نيأس ولم نتخل عن دعوة هؤلاء القادة الإصلاحيين إلى العمل المشترك من أجل إعادة بناء الاتحاد العام التونسي للشغل وتركيز هياكله الشرعية لإيماننا العميق بأهمية الوحدة النقابية التي تمثل مطمحا من مطامح الجماهير العمالية التي لم ترتق بوعيها بعد إلى درجة فهم الطبيعة الخيانية للقادة
الإصلاحيين نظرا أن تناقضها مع الأوتقراطية وأذنابها في الحركة النقابية هو التناقض الأشد حدة مما يجعل التناقض بينها وبين القيادات الإصلاحية يكاد لا يكتسي أية أهمية من الناحية العملية. ومن جهة أخرى تمثل الوحدة النقابية بالنسبة لنا المناخ العام الذي نتحرك فيه لبلورة أهدافنا الأساسية وتحقيقها.
ولكننا في نفس الوقت الذي ندعو فيه إلى الوحدة النقابية الواسعة فإننا نصر على التمايز المطلق مع الإصلاحيين ومع كل التيارات السياسية الأخرى والمحافظة على استقلاليتنا الإيديولوجية والسياسية والتنظيمية باعتبارها الشرط الأساسي للتقدم فعليا في تحقيق أهدافنا الأساسية المتمثلة في فرز العناصر البروليتارية الطليعية وتحويل النقابة الإصلاحية إلى نقابة ثورية. ونستند في عملنا هذا على المبادئ الماركسية اللينينية المتعلقة بالجبهة الموحدة كما أشار إلى ذلك الرفيق "جورج ديميتريف" عندما قال:"إن الجبهة المحدة لا تعني في التطبيق قطعا التراجع عن المبادئ الحزبية ولا محو الشخصية الحزبية بل مجرد الإقرار ببرنامج مشترك ملموس ضد رأس المال". وتجسم استقلالنا فعليا بالمزج بين العمل النقابي الواسع من أجل بناء وتركيز اللجان النقابية القاعدية والقطاعية والجهوية.
وهي لجان تضم ليس وحسب الشيوعيين والعمال الثوريين بل كل العمال والنقابيين الذين لم يتخلصوا بعد من الأفكار الإصلاحية بالإضافة إلى كل النقابيين الإصلاحيين شرط أن يلتزموا بالدفاع عن شرعية الاتحاد العام التونسي للشغل طبقا للأرضية الواسعة التي صغناها وعلى أساسها خضنا عملية إعادة البناء النقابي وبين العمل الثوري الذي يهدف إلى تركيز النوى الشيوعية داخل الهياكل النقابية من النقابات الأساسية إلى الهياكل الجهوية والقطاعية من أجل تحويلها تدريجيا وبقدر ما يقتضي الأمر جزءا جزءا من نقابات رجعية إصلاحية إلى نقابات ثورية وذلك في سياق خطتنا المتمثلة في تحويل الاتحاد العام التونسي للشغل في مجموعه من نقابة إصلاحية إلى نقابة ثورية. وكنا نمزج بين الدعاية والتحريض في صفوف العمال ونسعى إلى تنظيمهم طبقا لمختلف مستويات التنظيم وانطلاقا من درجة وعيهم والتزامهم. فمن الاتصالات الفردية إلى حلقات التثقيف الواسعة إلى حلقات التثقيف الضيقة إلى الخلية وهي الوحدة القاعدية للتنظيم الشيوعي. وتمثل خلايا المؤسسات الصناعية أهم وحدة يعمل الشيوعيون على بنائها بكامل الحرص لأن خلايا المؤسسات تمثل النواة الرئيسة التي يقوم
عليها التنظيم الشيوعي. ولقد عبر "لينين" عن أهمية هذه الأطر التنظيمية بقوله: "إن قوة الحركة الأساسية تكمن في درجة تنظيم العمال في المصانع الكبرى لان المصانع الكبرى والمعامل تضم الجزء المهيمن من الط/ الع ليس وحسب من حيث العدد بل من حيث النفوذ والمستوى والنضالية أيضا. يجب أن يصبح كل معمل قلعة لنا". وإلى جانب ذلك يقوم بترويج المفهوم الثوري للعمل النقابي.
هناك مفهومان متعارضان للعمل النقابي: المفهوم الرجعي والمفهوم الثوري. ويحول المفهوم الرجعي النقابة إلى أداة إصلاحات اجتماعية تمكن العمال من افتكاك بعض المكاسب الاقتصادية والاجتماعية في ظل النظام القائم دون الخوض في السياسة. ويعرف هذا المفهوم بـ" التريدنيونية" التي تجعل من النقابة أداة من أدوات الحكم البورجوازي في البلدان الرأسمالية والحكم الكمبرادوري الإقطاعي في بلدنا تتمكن بفضلها من احتواء الحركة العمالية وتكبيلها حتى لا تنهض للثورة الاجتماعية وللنضال القومي والطبقي ضد الإمبريالية وعملائها. بينما يعتبر الماركسيون اللينينيون النقابة أداة من أدوات الصراع الطبقي تخوض تحت قيادة الحزب الشيوعي النضال ضد الرأسمالية والإمبريالية والإقطاعية من أجل إنجاز مهام الثورة الاجتماعية في البلدان الرأسمالية والثورة
الوطنية الديمقراطية في البلدان المستعمرة والشبه مستعمرة وشبه الإقطاعية. وتحارب الم الل بصفة خاصة نظرية الحياد التي لا تختلف عن "التريدنيونية" لأنها تدعو مثلها إلى الانحصار في النضال الاقتصادي والتخلي عن النضال السياسي الذي يعود بالوبال على حد زعمها على مصلحة الط/ الع.
وتمثل نظرية الحياد شكلا من أشكال الهيمنة الإيديولوجية للبورجوازية على الحركة العمالية لأنه ابتداء من الوقت الذي تنجح فيه البورجوازية في الفصل بين النضال السياسي والنضال الاقتصادي وتحصر الط/ الع في النضال الاقتصادي يسهل عليها تكبيلها وإبقائها أبدا تحت سيطرتها. وتلعب نظرية الحياد أيضا دورا خطيرا في ضرب الأحزاب الشيوعية ومحاولة إضعاف نفوذها على الحركة النقابية وذلك بافتعال معارضة بينها وبين النقابات تحت شعار "الاستقلالية النقابية"، وهي نظرية
معادية للشيوعية وللط/الع والثورة وعلى أنقاضها وأنقاض كل المفاهيم الرجعية للعمل النقابي يجب أن تبنى النقابة الثورية التي يقودها العمال الشيوعيون والمسلحة ببرنامج الثورة الوطنية الديمقراطية.
نحن نعمل في إطار وحدة الحركة النقابية ونناضل ضد النزعة الانشقاقية للقادة الإصلاحيين لأن مصلحة الط/ الع وأوسع الجماهير في النضال ضد الديكتاتورية العسكرية والبوليسية تقتضي ذلك ،ونعلم جيدا أن هذا العمل صعب جدا لأن الإصلاحيين يختلقون شتى التعلات ويلجؤون إلى المناورات بما في ذلك المناورات الانتخابية لرفض العمل الموحد مع الشيوعيين ولعزلهم وتشويههم. وهم لا يتورعون عن شق صفوف الحركة النقابية وإضعافها لفرض أهدافهم الإصلاحية، بيد أن ذلك لن يدفعنا إلى اليأس أو إلى التخلي عن العمل من أجل الوحدة النقابية. نحن نتمسك بها ونتوجه إلى العمال والنقابيين القاعديين ونشهر أمامهم بمناورات الإصلاحيين الانشقاقية ونقدم البرامج والمقترحات العملية لتحقيق الوحدة النقابية وصيانتها. بيد أننا لن نتخلى بأية ذريعة كانت عن نشاطنا الشيوعي المستقل وعن العمل من أجل تركيز النوى الشيوعية داخل النقابات ومؤسسات الشغل وعلى التشهير بالإصلاحية وبمفاهيمها الرجعية وعلى التقدم خطوة خطوة في تحويل الاتحاد من نقابة إصلاحية إلى نقابة ثورية
.
ومن مظاهر الانحراف اليميني في مجال تطبيق تكتيك العمل النقابي عدم الإمساك بناصية أهدافنا الطبقية والاكتفاء بتكتيك العمل النقابي الواسع دون ربطه بالأهداف المحددة فيفقد التكتيك محتواه الطبقي ويتحول إلى تكتيك انتهازي يميني. لا يجب أن ننسى أننا شيوعيون وأن هدفنا هو قبل كل شيء بناء حزب الط/ الع وتحويل الحركة النقابية من مواقعها الإصلاحية إلى مواقع ثورية وهو عمل يتطلب الكثير من الصبر والأناة لأن الأهداف لن تتحقق بين يوم وليلة بل عبر عمل طويل النفس من الدعاية والتحريض والتثقيف والتنظيم. ولكن الصبر والأناة لا يعنيان تأجيل الأهداف إلى أجل غير مُسمى والتمسك بصفة وحيدة الجانب بما هو عاجل أي وحدة الحركة النقابية. ويكمن جوهر الانتهازية اليمينية في اعتبار الحركة كل شيء والهدف لا شيء وفي التضحية بمصالح الط/ الع الآجلة من أجل مكاسب آنية وظرفية. إن أهم مكسب يجب أن نسخر له كل جهودنا هو بناء حزب
الط/ الع وبناء نقابة العمال الثوريين باعتبارها أهم أداة تساعد الحزب على تجنيد الطبقة في النضال ضد الإمبريالية والإقطاعية، ويشكل الفصل الميكانيكي بين الأهداف والتكتيك وبين المهام المتشابكة زمنيا وبين العمل النقابي الواسع والعمل الشيوعي والعمل النقابي الثوري أهم مظهر من مظاهر الانحراف اليميني في تطبيق تكتيك العمل النقابي لأننا في نفس الوقت الذي نناضل فيه من أجل وحدة الحركة النقابية على أساس برنامج إعادة البناء النقابي الواسع ونوحد فيه جهودنا مع النقابيين بما في ذلك النقابيين الإصلاحيين نعمل على تركيز النوى الثورية داخل النقابات وافتكاك قيادة ما أمكن منها دون تردد أو مماطلة.
والمظهر الآخر من مظاهر الانحراف اليميني هو عدم فهم أهمية الحركة النقابية ودورها والتنظير لنوع من القسمة العادلة بين مختلف قطاعات النشاط الجماهيري.
من الأكيد أنه علينا العمل في مختلف قطاعات النشاط الجماهيري وبعثها إن لم توجد بعد مثال ذلك الحركة الفلاحية والحركة النسوية والحركة التلمذية.. إلخ. بيد أننا غير قادرين على التواجد في جميع الحركات في نفس الوقت وبنفس الدرجة والمقدار لا سيما ونحن في مرحلة تكوين جنينية، نخبة من المثقفين الثوريين مسلحين بالفكر الشيوعي نعمل على الانصهار في الط/ الع من أجل تبليغها هذا الفكر وتحويلها من طبقة في حد ذاتها إلى طبقة لذاتها أي إلى طبقة واعية، من البديهي إذا أن أهم قطاع يجب التركيز عليه هو القطاع النقابي الذي يضم الفئات العمالية الأكثر تنظيما ورسوخا في التقاليد النضالية بالمقارنة مع جموع العمال المشتتين والغائبين عن الإطار النقابي.
وللحركة النقابية أهمية أخرى لا يجب أن تغيب عن أذهاننا فهي تمكننا، علاوة عن الارتباط بالعمال الطليعيين، من الارتباط بالريف عبر العمال الفلاحيين وبالقطاع النسوي عبر العاملات النسائيات. وهكذا عندما ننصهر في القطاع النقابي نكون قد أمسكنا بالحلقة المركزية التي تتحكم في مصير كل الحلقات الأخرى لطالما نتمكن بفضلها من المزج بين ما هو رئيسي أي الانصهار في الط/ الع لفرز العناصر الطليعية وما هو ثانوي في الظرف الراهن، بعث الحركات الجماهيرية، الفلاحية والنسوية على الأخص، ونقتصر الآن على الإعداد لذلك من خلال العناصر الواعية نسبيا التي نرتبط بها في الحركة النقابية إلى أن تتمهد الظروف لبعث حركات جماهيرية على أسس صحيحة.
إن النظرة التي تعادل ميكانيكيا بين مختلف القطاعات الجماهيرية ولا تبرز بصفة عملية قطاعا رئيسيا تركز عليه الجهود في فترة معينة لا تنطلق من الواقع ومتطلباته بل مما يجب أن يكون عليه الواقع ولذا تقع بالضرورة في الخطأ وتقيم بنيانا نظريا مجرد أو عديم الجدوى من الناحية العملية ولا تعي وعيا عميقا بأهمية العمل في الحركة النقابية في الظرف الراهن وإن أقرت بذلك نظريا.
تحتل الحركة النقابية حاليا مركز الصدارة بالمقارنة مع بقية القطاعات الجماهيرية من حيث
احتضانها لأوعى الفئات العمالية وأقربها للروح التنظيمية ومن حيث زخمها النضالي وحيويتها والمركز الصدامي الذي تتصدره في مواجهة الأوتقراطية إلى حد أننا على تمام الصواب عندما نشير إلى أن الجبهة النقابية تحدد مصير نشاطنا الثوري في الظرف الراهن وأن التركيز عليها يمكننا من حسم قضية الانصهار في الط/ الع وبطول المدة قطع أشواط هامة في حسم قضية الانصهار في القطاع الفلاحي والنسوي أيضا.
والمظهر الآخر من مظاهر الانحراف اليميني هو إيلاء التحالف مع القادة الإصلاحيين أهمية أكثر مما يجب إلى درجة أننا ننسُب سبب عزلتنا، أو السبب الرئيسي لها، إلى عدم نجاحنا في تحقيق هذه المهمة. ولا حاجة بنا إلى التأكيد على أن هذا الخطأ يرجع إلى عدم فهم خصائص تكتيك العمل النقابي وفصل الأهداف عن التكتيك. فإذا أقررنا أن التكتيك معد لبلوغ أهداف طبقية محددة وإذا أقررنا أن هدفنا الرئيسي في الظرف الراهن هو الارتباط بالط/ الع من أجل فرز العناصر البروليتارية الطليعية التي تشكل نواة حزب الط/ الع فإن أول ما يجب أن يسترعي اهتماماتنا هو صياغة أساليب عمل صحيحة تمكننا من حسم مسألة الانصهار الفعلي في صلب الط/ الع وتقويم تلك الأساليب كلما اعوجت أو حادت بنا عن الهدف المطلوب، أما العزلة كظاهرة فعلية في نشاطنا السياسي فلا تعود إلى أسباب ظرفية وجزئية مثل "الفشل" في تحقيق التحالف مع القادة الإصلاحيين وإنما إلى أسباب عميقة مثل محدودية تجربتنا في مجال العمل الجماهيري بالخصوص والعمل السياسي بوجه عام. وتلك نقطة ضعف فادحة تعرقل عملنا إلى أبعد حد، أضف إليها نزعة الجمود العقائدي والسلوك الانعزالي إزاء الجماهير الملازمين على حد السواء لضعف التجربة وللهضم الرديء للم الل، ولن نتخلص من العزلة إلا إذا قيمنا تجربتنا في الحركة الجماهيرية ولازمنا اليقظة إزاء نزعة الجمود العقائدي والانعزالية ووعينا حقا بضرورة الارتباط بالناس، وصغنا البرامج العملية الملموسة لمختلف القطاعات الجماهيرية وألممنا إلماما كاملا بطبيعة العلاقة بين أشكال النضال الأساسية الثلاث: النضال الفكري والنضال السياسي والنضال الاقتصادي، وربطنا النضال الفكري بواقع الحركة التي ننشط فيها وأمسكنا عن عدم تحويله إلى صراع عقيم وهامشي مع الفئات الانتهازية المسحوقة ينجز في بوتقة ضيقة بعيدا عن الحركة الجماهيرية وعن مشاغلها.
وفيما يخص التحالف مع القادة الإصلاحيين فلقد سبق أن بينا أن إنجازه لا يرجع بالنظر فقط إلى رغبتنا الخاصة في القيام به وإنما تكمن الصعوبة في تخوف هؤلاء القادة من اقتحام مجال العمل اللاشرعي والاحتراز من العمل مع الشيوعيين وهو احتراز ملازم لطبيعتهم الطبقية وميولهم المتهادنة مع الأوتقراطية، ونعتقد أن أنجح طريقة لجر هؤلاء القادة الإصلاحيين إلى التحالف معنا هي الضغط عليهم جماهيريا ودفعهم إما إلى سلوك المواقف الجريئة وإما إلى الانكشاف أمام القاعدة النقابية.
ومن مظاهر الانحراف اليساري في تطبيق تكتيك العمل النقابي التمسك بالأهداف دون ربطها بالتكتيك العملي، تكتيك العمل الواسع من أجل إعادة بناء الاتحاد وتحقيق الوحدة النقابية في النضال ضد الأوتقراطية وأذنابها.
نحن لا نرمي إلى إعادة بناء اتحاد رجعي تسيطر عليه قيادة بيروقراطية معادية لمصالح العمال وعموم الشغالين بيد أن الواقع أفرز تناقضات حادة بين البيروقراطية النقابية الإصلاحية
والبيروقراطية الحزبية المتطرفة أدى إلى انفجارات عنيفة ساهمت إلى حد ما في تقوية جانب الحركة النقابية، ذلك أن البيروقراطية النقابية عمدت في إطار تناقضها مع البيروقراطية الحزبية إلى تقديم
تنازلات للحركة الجماهيرية وإلى تبني العديد من مطالبها بعد أن كانت تلعب دور أداة النظام القمعية في صلب الحركة النقابية وتندد بأغلب إضرابات العمال وتعتبرها غير شرعية وتخنق كل مبادرة ديمقراطية وإلى مسايرة عدة إضرابات جذرية مثل إضراب عمال الفلاحة والمناجم وغضت الطرف عن الأفكار التقدمية فعبرت هذه الأخيرة عن نفسها في صحيفة الاتحاد وفي مداولات المنظمة مثل اجتماع الهيئة الإدارية في أيلول 1977 واجتماع الهيئة الإدارية التي قررت الإضراب في كانون الثاني 1978 ومداولات المجلس القومي حيث تمكن الاتجاه التقدمي، الوطني الديمقراطي بصفة إجمالية، من السيطرة على المجلس. وقد صدرت في جريدة الاتحاد أهم التدخلات التي تندد بمختلف أشكال هيمنة الاستعمار الجديد في بلادنا وبالاستغلال الإقطاعي المسلط على جماهير الفلاحين وبالحلول التصفوية وبهيمنة المعسكرين الإمبرياليين الأعظم... إلخ.
ولقد فرضت النضالات والإضرابات التي شنها العمال في غضون السنتين المنقضيتين 78-.77 وواقعا جديدا فاضطرت البيروقراطية النقابية إلى التعامل معه إلى حد ما على أمل احتوائه وتجويفه في مرحلة لاحقة حين عمد الشق الرجعي المتطرف الماسك بالسلطة إلى استفزاز الحركة الجماهيرية وتصعيد القمع ضدها باتجاه ضربها الضربة التي كان يعتقد أنها الحاسمة فكانت مجزرة 26/1 البشعة.
ومن هنا جاء تكتيكنا طارحا ضرورة الدفاع عن الشرعية القديمة ضد الشرعية الجديدة التي كرستها مجزرة 26/1، الدفاع عنها لا كهدف في حد ذاته وإنما كوسيلة لمضايقة الطغمة العسكرية البوليسية وتأليب أوسع الناس ضدها ولإنضاج ظروف الإطاحة بها عبر الانتفاضة الشعبية المسلحة من أجل الحرية السياسية.
فالنضال من أجل الحرية السياسية نضال سلمي وعنيف. فهو سلمي عندما تكون القوى الثورية في مرحلة إعداد الجماهير وتنظيم صفوفها انطلاقا من درجة الوعي الذي هي عليه وتحسيسها انطلاقا من مشاكلها الخاصة الاقتصادية والاجتماعية بأهمية خوض النضال السياسي الواعي من أجل الإطاحة بالأوتقراطية وبالإمبريالية والإقطاعية. وهنا تلجأ القوى الثورية إلى شتى أشكال النضال البرلماني و"الإصلاحي"- إن صح التعبير- لمراكمة التحولات الكمية الضرورية في ظل النظام القائم. وهو عنيف عندما تبلغ التحولات الكمية درجة يصبح معها الانفجار الثوري العنيف مطروحا على جدول أعمال الساعة فتخوض الجماهير الشعبية بقيادة الط/ الع وحزبها الطليعي الانتفاضة المسلحة من أجل الإطاحة بالأوتقراطية وبعث حكومة ثورية مؤقتة توطد انتصارات الثورة وتسحق مقاومة القوى المعادية للثورة وتطبق برنامج الحد الأدنى، برنامج الحرية السياسية.
ولن يحدث الانفجار الثوري بصفة تلقائية قطعا بل لا بد من تحضيره طبقا للأسلوب اللينيني بجلب الجماهير إلى الثورة المسلحة والعمل "بصورة تصبح معها الثورة ثورة الشعب بأسره". ولأجل ذلك يجب صياغة شعارات ونداءات للجماهير من شأنها أن تفسح المجال لاندفاعها الثوري. وقد أشار لينين إلى ضرورة القيام بالإضرابات السياسية التي يمكن أن تكون لها أهمية كبرى في بدء الثورة المسلحة وخلالها وكذلك إلى فرض المطالب بالطرق الثورية، مطلب يوم من8 ساعات مثلا، أي بتجاوز سلطة القانون وخلق سلطة موازية – سلطة "لاشرعية".. "لا تأخذ السلطات بعين الاعتبار ولا تهتم بالقانون وتتجاهل المشروعية وهيئات الحكم الموجودة وتحطم التشريع الساري المفعول وتقيم نظاما جديدا بقدرته الخاصة وسلطته الخاصة". (انظر تاريخ الحزب البلشفي)
بيد أن "اليسارية" الثرثارة والعقيمة تنفي أهمية النضال السلمي والبرلماني، النضال من أجل إصلاحات طفيفة في ظل النظام القائم، تنفيه في الواقع العملي وإن أقرت به نظريا. ولا ترى العلاقة بوضوح بين النضال السلمي والنضال الثوري وظروف تحول أحدهما إلى الآخر وتتمسك بشكل واحد للحركة: الشكل الثوري. فتقفز بذلك على الواقع الموضوعي متوهمة بذلك أنها تسلك أشد الطرق ثورية وأنها جذرية بما لا يقاس فتزُايد وتتقمص مظاهر "ثورية رهيبة" وتلعن دعاة النضال من أجل إصلاحات طفيفة متهمة إياهم بالإصلاحيين واليمينيين.
ويؤثر الفكر اليساري التروتسكي والفوضوي على الثوريين المخلصين فيتجلى ذلك في العجز عن فهم العلاقة بين الأهداف والتكتيكات العملية المعدة لتحقيق تلك الأهداف. ومن هنا أبرز مظهر من مظاهر الانحراف اليساري في صفوف الشيوعيين والثوريين المتعاطفين معهم وهو فصم عرى الوحدة القائمة بين الهدف والتكتيك والإمساك بالأول وإهمال الثاني وتطبيق شعار الإصلاحيين معكوسا "الهدف كل شيء"، "الحركة لا شيء".
الهدف هو بمثابة المنار الذي يهدي خطى الشيوعيين في نضالهم اليومي ضد الإمبرياليين والإقطاعيين ومن أجل صيانة مصالح الط/ الع والشعب والذود عنها. وإن أهم مقياس لاختبار الثوريين الحقيقيين هو التأكد مما إذا كانوا أوفياء دوما لأهداف الط/ الع الثورية مكرسين حياتهم بدون مساومة من أجل تحقيقها. كما أن أبشع شكل من أشكال الانتهازية على الإطلاق هو التخلي ولو ظرفيا عن الأهداف الثورية تحت شعار "التعقل" و"الرصانة" المشبوهة وبلورة تكتيكات التهادن مع الأعداء أيا كان نوعهم وأيا كانت الحجة المستحضرة لذلك.
بيد أن تحقيق الأهداف الثورية لن يتم بالسهولة التي نتمناها. فالثورة أشبه شيء بأزقة متشبعة وملتوية وسط الأحياء الشعبية العتيقة منها بشارع عريض طويل يرى أوله من آخره، لذلك يرى الشيوعيون أنفسهم مضطرون في العديد من الحالات إلى اعتماد تكتيكات متشعبة ومعقدة تشعب الواقع الموضوعي وتعقده. ومن هذه الزاوية يجب فهم تكتيك الدفاع عن الشرعية القديمة في إطار العمل على تحقيق الأهداف الثورية الاستراتيجية والتكتيكية.
ندافع عن الشرعية القديمة وهي لا محالة شرعية رجعية أوتقراطية معادية للشعب الذي لا تتلاءم مصالحه إلا مع حكومة مؤسسات ثورية توفر له الحرية السياسية. وعلى مدى استراتيجيي مع حكومة ديمقراطية شعبية تحميه من الهيمنة الإمبريالية بكل أشكالها وتقمع عملائها من إقطاعيين
وكمبرادوريين وتصادر أراضيهم وممتلكاتهم وتحقق له الرخاء والتقدم الاجتماعي. بيد أن دفاعنا عن الشرعية القديمة يدخل في إطار النضال "الإصلاحي" الذي لا غنى عنه بالنسبة لكل حركة ثورية جدية أي في إطار التراكمات الكمية من أجل إحداث الانفجار العنيف.
إن الدفاع عن الشرعية القديمة هو عمل إصلاحي من وجهة النظر الاستراتيجية ولكنه ثوري من الوجهة التكتيكية لأنه يوفر إمكانية عزل القوى الرجعية الأشد تطرفا التي تضايقت حتى من شرعيتها وتخلت عنها بكل فظاظة مريقة الدماء في سبيل ذلك وعاملة على فرض شرعية جديدة أشد رجعية وخنقا للمبادرة الجماهيرية.
ندافع عن الشرعية القديمة ولكننا لا نلتزم بها. ندافع عنها بقدر ما تمكننا من تجميع القوى ضد الطبقة الرجعية الحاكمة. وعلى هذا الأساس ندافع عنها بحزم مطبقين مقولة "جورج ديميتروف" التي تفيد بأن الشيوعيين من دعاة الديمقراطية السوفيتية ومن أنصارها بيد أنهم يدافعون عن كل شبر من الحريات البورجوازية تتخلى عنه شرائح البورجوازية الفاشية. ولا نلتزم بها لأن لا أحد في هذا العالم بوسعه أن يفرض علينا التزاما من هذا القبيل وإنما نعمل في نفس الوقت على نفيها بتطوير الدعاية والتحريض الشيوعيين وفرز العمال الطليعيين وتكوين الخلايا والنوى الشيوعية في المؤسسات والنقابات وتثقيف النقابيين بروح الفكر الوطني الديمقراطي ونشهر بالمفهوم الإصلاحي للعمل النقابي ونطور بدلا عنه المفهوم الثوري وندعو لأهمية النضال من أجل الحرية السياسية والديمقراطية الشعبية ونحث العمال وجماهير الشعب على النهوض للإطاحة بالأوتقراطية
والإمبريالية والإقطاعية. دفاعنا عن الشرعية النقابية القديمة لا يهدف إلى إعادة بناء اتحاد رجعي إصلاحي على رأسه قيادة بيروقراطية كما في السابق لأننا نعمل في نفس الوقت على تسليح العمال وعموم النقابيين ببرنامج نقابي وطني ديمقراطي نسعى إلى أن يصبح برنامج الاتحاد في المؤتمر الاستثنائي الذي ندعو إلى انعقاده. ولكننا لن نخرق الوحدة النقابية إذا رفض برنامجنا وتبنت القاعدة النقابية برنامجا آخر إصلاحيا بل نواصل خوض النضال مثلما كنا في السابق بالمزج بين العمل الشرعي وشبه الشرعي في الأطر النقابية الرجعية والعمل غير الشرعي الموازي للأطر الرجعية إلى أن يقع القضاء على الإصلاحية وتهيمن على الحركة النقابية قيادة شيوعية وبرنامج وطني ديمقراطي وتتحول النقابة من أداة إصلاحات اجتماعية إلى أداة صراع طبقي تعمل على تعبئة جماهير العمال ضد الإمبريالية والإقطاعية للإطاحة بها.
ندافع عن الوحدة النقابية على أساس الشرعية النقابية القديمة ونعمل في آن واحد على نفيها بتحطيم المفاهيم الإصلاحية وتطوير المفاهيم الثورية وخلق وحدة من طراز جديد. وبين الهدف الذي نصبو إليه والحركة الموضوعية يوجد طريق ملتو ومتشعب يجب أن نجيد السير فيه بكل حنكة مطبقين شعار الصرامة في المبادئ والليونة في التطبيق، فلا تهادن ولا تطرف، لا تخلف عن سير الحركة ولا قفز فوقها بل سعي حثيث لإيجاد العلاقة الصائبة في كل زمن بين ما هو عليه الواقع في فترة محددة وبين ما يجب أن يكون عليه في الفترة الموالية.
ومن مظاهر الانحراف "اليساري" أيضا التسرع والتعجيل في إنهاء وظيفة التكتيك بجرة قلم
وكذلك التبني الشكلي للتكتيك. ويتجلى ذلك في رفض القيام بأي عمل جدي من أجل الوحدة النقابية وسلوك مسلك وحيد الجانب مع القادة الإصلاحيين، كالتشهير بهم دون البحث عن التحالف معهم والتفكير في تكوين النوى والعناصر الثورية دون الارتباط بالحركة النقابية الواسعة انطلاقا من أرضية الاتحاد الشرعي.
إن مثل هذا الانحراف لن يؤدي إلا إلى عزل الشيوعيين عن الحركة الجماهيرية وإلى تمكين الإصلاحيين من السيطرة عليها وقيادتها ولن يؤدي بالمقابل، وخلافا لما يعتقده ذووا التفكير "اليساري"، إلى تكوين العمال الثوريين لأن مثل هذه العناصر لا تتربى خارج إطار الحركة
الجماهيرية في برج عاجي كما كان التفكير في السابق عندما كانت تسود نظرية "الكوادر" المزعومة ونظرية الدعاية قبل التحريض وغيرهما من النظريات اليسارية الدغمائية الانعزالية.
إن مظاهر الانحراف اليميني واليساري تهدد بنفس الدرجة والمقدار العلاقة الصائبة بين الأهداف والتكتيك، وتعمل إما على إفراغ التكتيك الثوري من محتواه الطبقي ودفع الشيوعيين إلى التفسخ والانحلال في إطار إصلاحي وإما إلى تحنيط التكتيك وضرب فاعليته وجدواه وعزل الشيوعيين عن الحركة الجماهيرية التي لا يمكنهم بدونها تحقيق أية مهمة ثورية جدية. ولسنا في حاجة على تحديد أي من الانحراف اليميني أم اليساري أخطر من الآخر لأن كلاهما يمثل خطرا فعليا وملموسا على تكتيك العمل النقابي وبالتالي على نشاطنا في الظرف الراهن.


IV توضيحات إضافية حول بعض المسائل الملحة في تكتيك العمل النقابي:
1- كيف نواجه مختلف الحلول التصفوية؟
بعد ضرب الاتحاد وتنصيب هياكل نقابية صورية اغتصب أصحابها باطلا اسم الاتحاد تبلورت بعض المواقف التصفوية التي عملت وتعمل على جر الحركة النقابية إلى الركوع أمام ألد أعداء الط/الع والشعب. وأحد شكل من أشكال التصفية وأخطرها في الظرف الراهن، الشكل اليميني الذي من أبرز دعاته التحريفيون بالإضافة إلى بعض العناصر التروتسكية المتفسخة المعروفة بـ"وطنية النظام" وهي العناصر التي انساقت في ركب التحريفية الصينية الجديدة وآلت على نفسها أن تخدم ركابها ومخططاتها الهيمنية في بلادنا. وفي المدة الأخيرة برز من صلب القيادة الشرعية للاتحاد العام التونسي للشغل بعض القادة المتخاذلين الذين يطورون نظرية أنصاف الحلول.
منذ أن تنصبت نقابة عبيد البوليسية في شباط 1978 والبلاد آنذاك في حالة حصار، بادر التحريفيون بترويج نظرية العمل في نقابة عبيد البوليسية محاولين إيهام الجماهير العمالية والنقابية بأن الاتحاد لم يقع تصفيته من قبل النظام الأوتقراطي وإنما وقعت فقط تصفية قيادته وفرضت عليه قيادة غير شرعية في مؤتمر شباط، وبذلك يحاولون إضفاء شرعية الاتحاد على نقابة عبيد البوليسية والتنكر للاتحاد الحقيقي فكان المطروح بالنسبة لهم الدخول في هذا الاتحاد المزعوم، أي نقابة عبيد البوليسية والتنديد في صلبها بكل الإجراءات اللاشرعية التي فرضت في مؤتمر شباط الصوري.
فعبروا عن رغبتهم العميقة في البقاء إلى جانب النظام الأوتقراطي ضد الحركة النقابية ومعاضدته في عمله الانقلابي الإجرامي. وكانوا بمثابة من يسعى لإقناع النظام الأوتقراطي هذا بالتخلي عن عبيد الذي أفلست ورقته ولفظته الأغلبية النقابية الساحقة منذ الوهلة الأولى وتعويضه هو وزمرته بهم على رأس النقابة البوليسية المنصبة في مؤتمر شباط 1978. وقد نشطوا من أجل جر العمال وعموم النقابيين في هذا المخطط التصفوي اليميني. بيد أن الشيوعيين وعموم الثوريين وكافة النقابيين الشرفاء تصدوا بكامل الحزم لنقابة عبيد البوليسية ولفظوها كالجسم الغريب عن الحركة النقابية وأعلنوا أنه لا مجال للتعامل معها بأية صيغة من الصيغ.
ورأى التحريفيون أنفسهم مضطرين أمام تيار الرفض العارم إلى إخفاء حقيقتهم لفترة من الزمن والتظاهر بمظهر المدافعين عن الشرعية القديمة ولكنهم حاولوا في نفس الوقت تأطير تيار المقاطعة وتليين قناته بالزج به في مستنقع النضال العرائضي السلمي وطريق الاستجداء أمام الأوتقراطية. وقد ر وج التحريفيون لفكرة إمضاء العرائض وتوجيهها للنظام الأوتقراطي لدعوته للتراجع في موقفه المتصلب ورد الاعتبار للاتحاد وقيادته الشرعية، يطرحون أسلوب العمل هذا كبديل لأسلوب العمل الثوري من أجل فرض الاتحاد فرضا وإعادة بناء هياكله القاعدية والجهوية والقطاعية ولفظ نقابة عبيد البوليسية والتنديد بها ومطاردة كل أعوانها في المؤسسات والقطاعات والجهات ومواصلة العمل طبقا لمقررات الاتحاد السابقة لـ26/1 وتحضير مؤتمر خارق للعادة لإرجاع الشرعية النقابية إلى نصابها. ولقد ندد التحريفيون على وجه الخصوص بمبادرة الشيوعيين النشيطة في الحركة النقابية وقاموا بحملة استفزازية قذرة ضدهم من أجل تشويههم والوشاية بهم لمصالح البوليس والعمل على عزلهم وإقصائهم من الحركة النقابية حتى يخلو لهم الجو فيروجوا داخلها بنجاح نظرية العودة إلى نقابة عبيد وافتكاكها من الداخل.
وكان التروتسكيون المتفسخون، أعوان الاشتراكية الإمبريالية الصينية يعاضدونهم في مشروعهم هذا ويضفون عليه مسحة من "التنظير الماركسي" حول العمل في أشد النقابات رجعية على حد زعمهم. ولكن لا هؤلاء نجحوا في تحقيق مآربهم لطالما كان الشيوعيون لهم بالمرصاد يفضحون مشاريعهم التصفوية ويدفعون تيار المقاطعة إلى الأمام ويحو لونه إلى تيار نشيط لا يقتصر على التنديد بنقابة عبيد البوليسية وإنما يبني هياكل الاتحاد الشرعي ويخوض النضالات المطلبية المشروعة ويشن الإضرابات من أجلها ويصدر جريدة الاتحاد ويوزعها في كل الجهات والقطاعات.
وفيما يواصل هذا التيار التصفوي اليميني بشريحتيه أعماله التخريبية ضد الحركة النقابية نلاحظ أن القادة النقابيين الإصلاحيين كانوا متذبذبين ومترددين في مواقفهم ومحجمين عن اقتحام ميدان العمل الجدي من أجل فرض كيان الاتحاد فضلا عن أن البعض منهم انساق تماما في مخطط التحريفيين المعادي للحل النقابي الثوري ولكن لم يبرز منهم في المرحلة الأولى من ينظـر لأنصاف الحلول ويدعو بإلحاح إلى الحوار وإلى العمل في نقابة عبيد البوليسية لافتكاكها من الداخل.
وفي نهاية السنة الماضية ضرب النظام الأوتقراطي التيار الجذري في الحركة النقابية وز ج بأهم عناصره في السجن فانتعش من جديد تيار الردة والاستسلام في الحركة النقابية وتعززت صفوفه ببعض القادة النقابيين المتخاذلين الجدد الذين اندفع البعض منهم ينادي بالمشاركة في الانتخابات تحت لواء نقابة عبيد البوليسية بدعوى العمل على افتكاكها من الداخل والبعض الآخر يصيغ المواقف اليمينية المتهادنة مع الأوتقراطية والداعية إلى الحوار معها في إطار ما يسمونه "الوحدة القومية" والتزاما بـ" ميثاق الرقي" المزعوم.
ولقد تطورت في الأيام الأخيرة نزعة الارتداد والاستسلام بصفة ملحوظة لدى القادة النقابيين
الإصلاحيين، ويقوم البعض منهم بمناورات خطيرة لفرض خطه التصفوي على الحركة النقابية ولو أدى به ذلك إلى الانشقاق والتشهير بالعناصر النزيهة والصامدة وإقصائها من الاتحاد الشرعي. إن كل الأعمال الخيانية الإجرامية متوقعة من هؤلاء القادة المتخاذلين الذين يشجعهم النظام الأوتقراطي على قطع المزيد من الأشواط في هذا الاتجاه موهما إياهم بجدوى الحوار.
من هنا تطرح على الشيوعيين في الحركة النقابية مهمة التصدي للمواقف التصفوية والانهزامية وإحباطها. وهي مواقف لا تختلف عن بعضها جوهريا وتصب في مصب واحد: ضرب المقاومة النقابية عبر التنكر للاتحاد وشرعيته والاعتراف بنقابة عبيد البوليسية على أنها الاتحاد الحقيقي المزعوم. يبقى الاختلاف بينهما شكليا ويخص طريقة الاستسلام. ففي حين ينظر البعض للمشاركة من أجل عزل عبيد وافتكاك الهياكل من الداخل لا يزال البعض الآخر ينادي بالحوار وبالتمسك
بـ"الوحدة القومية" وبـ"ميثاق الرقي" ناهجا بذلك نهجا استسلاميا محتشما. ولكن سوف لن يطول الأمد بأصحاب هذا الطرح الأخير حتى يكشفوا عن وجوههم الحقيقية ويدافعوا عن أشد المواقف خيانة بدون قناع.
ونحن نعتقد أن مواجهة دعاة الردة والاستسلام في الحركة النقابية قضية حاسمة يتوقف على نجاحها مصير كل نشاطنا الثوري ونعتقد راسخين في اعتقادنا أن للحركة الجماهيرية ما يكفي من روح الصمود والمقاومة لحفر قبر المرتدين والتصفويين وفرض المواقف الجذرية الرافضة للحوار مع الأوتقراطية وأذنابها في الحركة النقابية والعاملة على فرض كيان الاتحاد بدون مساومة.
ويرتكز اتجاه العمل للنجاح في هذه المهمة، مهمة ضرب المواقف التصفوية وفرض كيان الاتحاد وتطوير تكتيكنا والتقدم في تحقيق أهدافنا المحددة، يعتمد على المحاور التالية:
أوّلا: مواصلة بناء اللجان النقابية القاعدية والقطاعية والجهوية للاتحاد الحقيقي ومركزة العمل وتعزيز القدرات الذاتية وتدعيم الصلة مع الهياكل الشرعية والنقابيين الشرفاء على أساس النقاط التالية: 1- مقاطعة عبيد ونقابته البوليسية مقاطعة تامة لا مساومة فيها. 2- التمسك بالاتحاد الحقيقي وبمقرراته وهياكله الشرعية والالتزام عمليا بإعادة بنائها والالتفاف حول ما هو قائم منها.
3- الدعوة لمؤتمر خارق للعادة والسعي منذ الآن لتحضيره وفرضه على النظام. 4- قيادة مطالبات العمال والالتزام بتحقيقها. 5- النضال من أجل إطلاق سراح المساجين النقابيين والسياسيين وسن العفو التشريعي العام.
ثانيا: القيام بحملة دعائية في الأوساط النقابية ضد بعض المفاهيم الرجعية مثل الحوار مع النظام و"الوحدة القومية" و"العقد الاجتماعي" التي صدرت في بيان الهيئة الإدارية للاتحاد وهي مفاهيم ير وج لها القادة النقابيون المتخاذلون في صلب الاتحاد الشرعي.
لقد حكمت أحداث 26/1 والمجزرة التي دبرها النظام في تلك الأثناء على كل المفاهيم البالية بالفناء فلفظتها القاعدة النقابية الراسخة بعد أن تأكدت بفضل تجربتها الخاصة من مدى رجعيتها ومعاداتها لمصالحها. وأصبح من الضروري أن يطور القادة النقابيون نظرتهم للأشياء وأن يتخلوا عن أوهام الحوار و"الوحدة القومية" و"العقد الاجتماعي" التي لم تخدم ولم يكن بوسعها أن تخدم سوى ألد أعداء الط/ الع والشعب.
يجب أيضا تطوير العمل القاعدي ونقد البيروقراطية وإجبار القيادات النقابية على الانطلاق من رغبات القاعدة والاعتماد عليها وعدم اتخاذ المواقف الانقلابية التي لن تؤدي إلا إلى بث الانشقاق في صلب الحركة النقابية وتشتت صفوفها وخدمة أعدائها. يجب تحسيس القاعدة النقابية بمسؤوليتها في مراقبة القرارات ومحاسبة قياداتها والمحافظة على المبادرة المطلقة في كل ما يتعلق بمصيرها.
وبإمكاننا ولربما من واجبنا الإيحاء للقواعد النقابية بإمضاء العرائض وتوجيهها للنشر في الصحف للتذكير بتمسكها بالاتحاد الشرعي ورفضها لنقابة عبيد البوليسية ودعوتها إلى مؤتمر خارق للعادة وإلى سن العفو التشريعي العام.
ثالثا: الدفاع عن الوحدة النقابية والتمسك بها رغم كل المحاولات التي يقوم بها القادة النقابيون الانشقاقيون الذين لم يتورعوا في سبيل فرض حلولهم التصفوية على التآمر على العناصر الثورية داخل الإطار النقابي لإقصائها وعزلها تمهيدا لتمرير خطهم التصفوي. يجب أن نلتزم بتعاليم الحركة الشيوعية العالمية التي تحث كل شيوعي على أن "يضع نصب عينيه أن الانشقاق داخل الحركة النقابية لا يمثل تهديدا لمكتسبات الط/ الع المباشرة وحسب بل وتهديدا للثورة الاجتماعية". ونشير إلى أنه "بقدر ما يتضح الخط الانشقاقي لأعدائنا بجلاء بقدر ما يجب إظهار أكثر صرامة في إبراز مسألة الوحدة النقابية..." وإنه "... يجب أن تطرح مسألة الانشقاق داخل الحركة النقابية لكل منخرطي النقابات ليس فقط عندما يصبح الانشقاق وشيكا بل بمجرد ما تبرز ملامحه" (من وثائق الأممية الشيوعية).
إن المساعي الانشقاقية للقادة النقابيين التصفويين ولدعاة الحوار بجميع أصنافهم تلحق أضرارا بليغة بمصالح الط/ الع والحركة الثورية وتقدم جليل الخدمات للأوتقراطية وتشجها على المضي في خطها المتصلب وعلى تصعيد القمع ضد الحركة النقابية وضد الثوريين عموما. ولذا يجب تحسيس القاعدة النقابية بمدى خطورة تلك المساعي ومحاصرة القادة الانشقاقيين والعمل على عزلهم وتحطيم نفوذهم للحد من التأثيرات السلبية لنشاطهم التصفوي الهدام.
هكذا يجب مواجهة الحلول التصفوية في الحركة النقابية حسب اعتقادنا.
6- ما هو موقفنا حاليا من القادة النقابيين الشرعيين وما هو موقفنا منهم إذا تخلوا عن شرعيتهم؟
ينقسم قادة الاتحاد الشرعي من حيث المواقف السياسية التي عرفوا بها بعد أحداث 26/1 إلى ثلاث فئات. الفئة الأولى هي فئة القادة المتخاذلين الذين يد عون بحماس كبير للحوار مع النظام الحاكم ،البعض منهم ينادي بالمشاركة في الانتخابات في نقابة عبيد البوليسية ويمارس هذا الشعار عمليا في بعض الجهات والقطاعات. ويهيئ هؤلاء القادة أنفسهم للتنكر تماما لشرعية الاتحاد والالتحاق بركب عبيد وزمرته البوليسية بيد أنهم لا زالوا يتمالكون عن السقوط فوريا لكونهم يمثلون في الظرف الراهن قلة قليلة ضعيفة النفوذ في الأوساط النقابية وهي تناور لتعزيز مواقعها وكسب الأنصار قبل أن تسفر عن وجهها. هذه الفئة من الناس يجب محاصرتها وشلها وإحباط مناوراتها وفضحها وتقليص نفوذها وتنبيه كافة النقابيين القاعديين إلى خطورة المنزلق الذي تريد أن تدفع فيه الحركة النقابية والسعي عبر الضغط عليها إلى إرجاعها إلى موقع المقاطعة والتخلي عن طرحها التصفوي والاستسلامي. وإذا حدث أن تخلت بسفور عن أرضية المقاطعة وأقرت بشرعية عبيد ونقابته فمن الضروري التشهير بها بصرامة واعتبارها لا تختلف عن أعوان الأوتقراطية والتعامل معها على هذا الأساس.
أما الفئة الثانية فتتكون من القادة النقابيين الذين لهم مواقف متجذرة نسبيا، فهم يرفضون الحوار مع الأوتقراطية وزمرة عبيد البوليسية ويعبرون عن تمسكهم بالاتحاد ويتعاطفون بصفة من الصفات مع المواقف الثورية في الحركة النقابية ولربما لديهم استعداد للمساهمة فيها لأن التجربة بدأت تنُمي لديهم اليقين بأن الطريق الوحيد لفرض كيان الاتحاد والذ ود عنه هو طريق النضال الحازم وليس طريق المساومة وأنصاف الحلول. فلقد أقنعتهم أحداث 26/1 إلى أي حد يذهب النظام الحاكم في التطرف لفرض كيانه وقطع كل إمكانية للتعبير الحر وإن كان ذلك في حدود معقولة، بيد أن هؤلاء القادة يجر ون وراءهم تراثا من الممارسات البيروقراطية والسلمية مما يجعلهم يجدون صعوبة كبيرة في
اقتحام ميدان العمل اللاشرعي السري المفروض على الحركة النقابية إذا أرادت الحفاظ على ذاتيتها ومناعة إطارها التنظيمي. علاقتنا بهؤلاء القادة النقابيين يجب أن تتمثل في تشجيعهم على قطع المزيد والمزيد من الخطوات باتجاه التجذر والقطع مع الممارسات القديمة وتبني أساليب العمل الجديدة الضامنة وحدها لفرض كيان الاتحاد. ويجب أن نشكل معهم كتلة نشيطة داخل الاتحاد معادية عداءا مطلقا للحوار مع الأوتقراطية وأذنابها وعاملة على تطبيق برنامج الحد الأدنى ذي الخمس نقاط ،وتجاوزه باتجاه التعميق والتجذير. هنالك من بين هؤلاء القادة من له مؤهلات التحول من مواقعه الإصلاحية إلى مواقع وطنية ويجب أن نتعامل معهم في هذا الاتجاه وأن نوطد علاقتنا معهم أقصى الإمكان وأن نتبادل وإياهم التجارب وأن نستشيرهم في مختلف القضايا التي تتعلق بحياة الاتحاد وأن نحسسهم بخطورة المواقف التصفوية التي يروجها القادة المتخاذلون حتى ينهضوا ضدها بحزم ويحبطوا سيرها.
الفئة الثالثة تتكون من القادة النقابيين الذين يتأرجحون بين التجذر والانخذال فهم تارة مع المواقف الثورية يتعاطفون معها ويساندونها وتارة يتوجسون خيفة منها أو يناهضونها أو يساندونها خلسة ويناهضونها علنا، وتارة أخرى مع المواقف المتخاذلة يزكونها ويدعمونها أو يلازمون الصمت إزاءها فيكون ذلك من قبلهم بمثابة المشاركة فيها. إن تأرجحهم هذا بين اليمين واليسار يعكس طبيعتهم الطبقية. فهم يوجدون في موقع وسطي بين أشد الشرائح رجعية في المجتمع وبين الشعب
ويحاولون عزل القوى الرجعية المتطرفة بمساعدة الشعب ولكنهم في الوقت نفسه يخشون أن تتنامى في صفوف الشعب الروح الثورية فتؤدي إلى الإطاحة بهم وبمصالحهم الطبقية. ولذلك تجدهم في الميدان النقابي يتحولون من مواقع المناهضة للأوتقراطية وأذنابها من صنف عبيد مناهضة شاملة إلى مواقع التوفيق والبحث عن أنصاف الحلول معها.
موقفنا من هذه الفئة يتمثل في الإمساك عن التشهير بها لطالما لم تنضم بصورة سافرة إلى المواقف اليمينية المتعنتة ولطالما لم تندد بصفة صريحة بالمواقف الثورية في الحركة النقابية. يجب أن نعمل على كسبها لصفنا وسد الطريق أمام التحاقها بالفئة الأولى والانضمام إليها لأن كسبها لمواقفنا أو على الأقل إبقاءها مدة من الزمن في موقف المحايد الإيجابي، نعني بذلك أنها لا تشهر بنا علنا ولا تساند الأوتقراطية علنا، يضمن لنا تطوير خطنا الثوري بأقل صعوبة ممكنة.
هذا هو باختصار موقفنا من القادة النقابيين الشرعيين ويبقى العامل الحاسم لجلب هذه القوى إلى صفنا وإبقائها معنا أطول مدة ممكنة هو تنمية القوى التقدمية الحقيقية داخل الاتحاد أي العمال وعموم النقابيين القاعديين لأن تطوير القوى التقدمية هو الضمان الوحيد لمنع تدهور الوضع وإيقاف تيار الاستسلام والانقسام. إن تكتيكنا مع القادة النقابيين الشرعيين يدخل في عداد تكتيك "تطوير القوى التقدمية وكسب القوى الوسط ومعارضة القوى المتعنتة" )ماو- قضايا التكتيك الراهنة في الجبهة المتحدة ضد اليابان).
قد يحدث أن نفشل في إبقاء القادة النقابيين الشرعيين في صلب المقاومة النقابية المتمسكة بالاتحاد والرافضة للنقابة البوليسية ولسياسة الأمر الواقع التي فرضها النظام بعد أحداث 26/1 وأن يتغلب تيار الردة اليميني على تيار المقاطعة اليساري وأن يتخلى هؤلاء القادة عن الحد الأدنى الذي نساندهم من أجله وهو رفض الشرعية النقابية الجديدة والتمسك بالشرعية القديمة، في هذه الحالة سنضطر إلى التشهير بهم ولكن ذلك لن يدفعنا إلى التخلي عن تكتيك مساندة الاتحاد الشرعي ضد نقابة عبيد
البوليسية لطالما أن الاتحاد الشرعي يستقطب الجمهور النقابي الواسع ولطالما أن نقابة عبيد البوليسية لا تمثل إلا ألد أعداء الط/ الع والحركة النقابية.
ويظل تكتيك مساندة الاتحاد الشرعي ضد نقابة عبيد البوليسية ساري المفعول لطالما لم تتغير الظروف الموضوعية التي فرضت تحديده ولن يتغير قطعا إلا بتغيير الظروف ولا يحق لنا إنهاؤه بطريقة اعتباطية وانطلاقا من اعتبارات ذاتية وإنما فقط عندما يتضح أنه لم يعد يتماشى مع طبيعة الواقع الموضوعي، في هذه الحالة يكون شكل النضال القديم قد امتلأ واستنفذ كل إمكانياته وأصبح يتضارب مع حركة الواقع فنغيره آنذاك بشكل جديد يضمن لنا أكمل ما أمكن من النجاعة في الاتصال بالجمهور والبقاء في صلبه لتوعيته وتنظيمه وقيادته. ولقد حدد لنا لينين الاتجاه الصحيح في مسألة التكتيك بوجه عام عندما أشار: "وأخيرا فيما يخص التكتيك سنكتفي بما يلي.. إن الاشتراكية الديمقراطية لا تبديل بها، لا تقيد نشاطنا بأي مشروع أو أسلوب يوضع سلفا من مشاريع وأساليب النضال السياسي فهي تعترف بجميع وسائل النضال على أن تتلاءم وقوى الحركة الواقعية وتتيح الحصول على الحد الأقصى من النتائج التي يمكن الحصول عليها في ظروف معينة"،(لينين- المهمات الملحة لحركتنا).
ذلك هو موقفنا من القادة النقابيين الشرعيين سواء في الظرف الحالي أو في صورة تخليهم عن
"شرعيتهم"، أي عندما يوقعون على أنفسهم بأنفسهم حكم الموت السياسي، لأن تخليهم عن الشرعية النقابية سيكون بمثابة الحكم بالموت وسنسعى إلى أن لا يؤدي سقوطهم إلى تخلي الجمهور النقابي الواسع عن تلك الشرعية والالتحاق بركب نقابة عبيد البوليسية، وهو أمر ممكن تماما لأن عوامل الوضع الثوري لا تزال قائمة رغم النكسة والارتداد ولا يزال الجمهور الواسع يختزن طاقات نضالية خلاقة يجب تفجيرها وتنميتها بالدعاية والتحريض والتنظيم وقيادة النضالات المطلبية اليومية.
(النسخ والتقديم:محمد علي الماوي)



#محمد_علي_الماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصين سنة 1977 (ترجمة *)
- حول الاستراتيجيا والتكتيك (3 حلقات)
- التكتيك(1):أشكال النضال والتنظيم(الحلقة 3)
- استراتيجية الثورة الوطنية الديمقراطية وأشكال النضال والتنظيم
- أفغانستان: فشل السياسة الامريكية ومعزوفة الانتقال الديمقراطي ...
- عودة الى قضايا الاستراتيجيا والتكتيك
- -برنامج الحرية السياسية -برنامج إصلاحي
- الحزب والجبهة(مقتطف من البرنامج السياسي)
- الارتباط بالجماهير والصعوبات الحالية
- حتمية الانصهار للخروج من العزلة
- أسباب ضعف القوى الثورية(الجزء الثاني)
- الصراع الرجعي على السلطة واسباب ضعف القوى الثورية
- في نقد برنامج المنظمة -الشيوعية- الماوية
- المنظمة الشيوعية الماوية في مفترق الطرق:(اما الماوية او الار ...
- وحدة الشيوعيين بين المقول والممارسة (لدى منظمة الع -الش-)
- الموقف المتذبذب من الاسلام السياسي لدى منظمة الع -الش-
- الارث التصفوي لدي منظمة العمل -الشيوعي- تونس
- تونس- منظمة العمل الشيوعي: الاستراتيجيا الغائبة والتكتيك الخ ...
- تونس- منظمة العمل الشيوعي: دون استراتيجيا لايمكن للتكتيك ان ...
- المناشير والاستقرار النقابي


المزيد.....




- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران


المزيد.....

- هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟... / محمد الحنفي
- عندما نراهن على إقناع المقتنع..... / محمد الحنفي
- في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة / عبد الرحمان النوضة
- هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟... / محمد الحنفي
- حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك ... / سعيد العليمى
- نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس ... / سعيد العليمى
- نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى وقواعد العمل السرى فى ظل الدولة ال ... / سعيد العليمى
- نِقَاش وَثِيقة اليَسار الإلِكْتْرُونِي / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - محمد علي الماوي - حول تكتيك العمل النقابي(ارشيف)