أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - سيماء علي مهدي - الموقف الدولي والاقليمي من الازمة الليبية















المزيد.....



الموقف الدولي والاقليمي من الازمة الليبية


سيماء علي مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 7099 - 2021 / 12 / 7 - 14:01
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


الفرع الاول: الموقف المصري: تمثل ليبيا من أهمية استراتيجية لمصر سواء كدولة جوار تتشارك مصر في شريط حدودي طويل معها ، أو كدولة مستقبلة لأعداد كبيرة من العمالة المصرية ، خاصة الفنية منها ، أو كتهديد أمني يتعلق بتحول ليبيا في ظل الانقسام السياسي إلى بؤرة مصدرة للإرهاب في المنطقة ، وبالتالي فالتحرك المصري في ليبيا ليس فقط أولوية على أجندة الأمن القومي المصري ، بل هو أيضا يسهم بشكل كبير في مجمل المشهد السياسي الليبي إقليميا ودوليا .والمصالح المصرية في ليبيا ثلاثة أنواع:
النوع الأول المصالح الحدودية الأمنية ، وهي نوعيـة المصالح التي تتقاطع مباشرة مع واقع التوتر السياسي في الداخل الليبي ، ومع قضايا وملفات مكافحـة الإرهاب .
النوع الثاني المصالح الاقتصادية ، وهي المصالح التي تتعلق بالعلاقة التجارية بين البلدين كون ليبيا أحد الدول التي تعتمد على المنتجات المصرية لتغذية سوقها المحلي في عدد من القطاعات ، كما أن ليبيا أحد أهم أسواق العمالة المصرية في المنطقة .
النوع الثالث المصالح السياسية ، وهي التفاعلات التي تحرص مصر أن تكون جزءا منها لما تقدمه لثقل مصر الإقليمي والدولي ، ضف إلى ذلك علاقة مصر بمختلف الأطراف في ليبيا و كذلك علاقتها بعدد من الدول المهتمة بالشأن الليبي.
فبعد الانقلاب على جماعة الإخوان المسلمين سنة 2013 اتجهت مصر إلى دعم معسكر مجلس النواب في طبرق شرق ليبيا المدعوم من ميليشيات حفتر ، و استهدف المسعى المصري تحقيـق تـوازن سیاسی و عسكري في منطقة شرق ليبيا على الحدود مع مصر ، خصوصا بعد الضربة العسكرية الجوية للتنظيمات الإرهابية في درنة شرق ليبيا سنة 2015 ردا على فيديو يظهر مقتل 20 مصريا مسيحيا على يد تنظيم داعش و رفع حظر السلاح عن حكومة طبرق في مسعى لتقويتها في مواجهة جماعات الإرهاب و معسكر فجر ليبيا و هو ما لم يلقى آنذاك تأييدا دوليا.
دعمت مصر حفتر منذ بداية عملية الكرامة سنة 2014 ، التي انطلقت في مقاطعة برقة الشرقية في ليبيا ، و ساعدت أجهزة المخابرات المصرية في إعادة تشكيل أفراد المخابرات الليبية القدامي ضمن جهاز جديد و تدخلت القوات الجوية المصرية لمهاجمة الميليشيات الإسلامية في ليبيا وتوفير الاستطلاع لقوات حفتر على الرغم من وجود حظر أسلحة مفروض الأمم المتحدة على ليبيا ، غير أن ذلك لم يمنع مصر تسلیم مركبات مدرعة و أسلحة وقطع غيار لقوات حفتر، وقام السيسي مباشرة بحشد قواته الجوية والقوات الخاصة بشكل مكثف في المنطقة الغربية العسكرية على الحدود المصرية الليبية, في شهر أب من عام 2016م، أنشأ السيسي لجنه خاصة لإدارة الملف الليبي وعيّن لها رئيس الأركان السابق وصهره الفريق محمود حجازي، ومنحها كافة الصلاحيات، والاستقلالية التامة، للتعامل مع الملف الليبي من جميع جوانبه، الأمنية والعسكرية والسياسية، بالتنسيق فقط مع رئاسة الجمهورية.
ومارست مصر مرة أخرى نفوذا كبيرا عن طريق صهر السيسي(حجازي), لتنظيم لقاء يجمع بين حفتر ورئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني فايز السراج في القاهرة في أيار 2017 ، وبعقيلة صالح “رئيس مجلس النواب في طبرق” ، وعقد عدة لقاءات بعدد من المسئولين والسياسيين ورجال الأعمال الليبيين.
كان من مهام قيادات المنطقة العسكرية الغربية في مصر تأمين وتسهيل عملية انتقال المعدات العسكرية الي الأراضي الليبية, وبشكل مستمر يقوم الجيش المصري بتدريب أفراد مليشيات خليفة حفتر في قاعدة محمد نجيب العسكرية المتواجدة بالنطاق الشمالي الاستراتيجي للدولة المصرية، والدورة العسكرية للفرد المقاتل في مليشيات خليفة حفتر التي يتلقاها في قاعدة محمد نجيب العسكرية تتراوح مدتها من 30 الي 45 يوما.
خلال شهر حزيران 2020م، وكما نقلت مصادر عسكرية، تم حشد مكثف للطائرات الحربية المقاتلة، وطائرات نقل الجنود، والقوات الخاصة. ونقل ذخيرة بشكل مكثف “ذخيرة عمليات وليس تدريب” في المنطقة الغربية العسكرية، وعقدت المخابرات الحربية المصرية لقاءات في أراضي الشرق الليبي مع شيوخ قبائل ليبية، من اجل التنسيق لتدريبهم وتسليحهم كما صرح السيسي في خطابه أثناء زيارته للقوات الجوية يوم السبت الموافق 20 حزيران 2020م، وقد نقلت مصادر أن طائرات الرافال التي ظهرت في سماء سرت يوم الأربعاء الموافق 10حزيران 2020م، ونفت فرنسا أنها تابعة لها، كانت تابعه للقوات الجوية المصرية، وكانت تقوم بعمليات استطلاع.
وفي النهاية يظل الملف الليبي من أكثر الملفات التي تستحوذ على أولويات السياسة الخارجية للدولة المصرية ومن أكثر الملفات التي تمكنت فيها مصر من ترجمة مصالحها وأهدافها إلى واقع سياسي ملموس .
الفرع الثاني: الموقف التونسي: "أمن تونس من أمن ليبيا"، "نقف على مسافة واحدة من كل الأطراف"، "الحل يجب أن يكون ليبيا"، ثلاث عبارات تلخص الموقف التونسي من الأزمة الليبية والذي لم يتغير على مدار عمر الأزمة، رغم تعاقب الحكومات والرؤساء. فمن (المنصف المرزوقي) (2011-2014) إلى (الباجي قايد السبسي) (2014 – 2019)، وأخيرا الرئيس (قيس سعيد)، لم تختلف تلك العبارات بمنطوقها أو فحواها، خلال محاولة أي منهم التعبير عن موقف بلاده من أزمة جارتها الشرقية.
الفرع الثالث: الموقف الجزائري: يستند الموقف الجزائري من الأزمة الليبية إلى جملة من المبادئ المستمدة من العقيدة الأمنية التقليدية التي ورثتها الجزائر، منذ استقلالها عن الاستعمار الفرنسي, أبرزها:( لا لانتهاك سيادة الدول والتدخل في شؤونها الداخلية، ولا للتدخل الأجنبي في الصراعات الداخلية، ولا للخيار العسكري لتسويتها، ولا لتدخل الجيش الجزائري خارج حدود البلاد). وفي الحالة الليبية، ترى الجزائر أن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول يقتضي أن يكون حل الأزمة الليبية ليبيا، وأنه كلما تدخلت دول أجنبية بغرض تعزيز نفوذها عبر التحالف مع طرف ضد آخر، طال أمد اللااستقرار في ليبيا, كذلك الحل العسكري لحسم النزاعات الداخلية لا يجدي نفعاً, كما ترى ضرورة إشراك جميع الأطراف الليبية في مسار التسوية، بما يضمن عدم عودتهم إلى التمرد والعمل المسلح مستقبلًا, في هذا السياق استقبلت الجزائر، في 13 حزيران 2020، رئيس مجلس النواب الليبي بطبرق، عقيلة صالح، وجددت الجزائر، خلال استقبال صالح، موقفها الداعي "إلى الحوار بين الأشقاء الليبيين، من أجل الوصول إلى حل سياسي باعتباره السبيل الوحيد الكفيل بضمان سيادة الدولة الليبية ووحدتها ، بعيدًا عن التدخلات العسكرية الأجنبية". إذًا، على الرغم من اختلال ميزان القوى الميداني لصالح قوات حكومة الوفاق الوطني ضد قوات حفتر، ورغم تهديداتٍ سابقة صريحة أطلقها الأخير بنقل الحرب إلى داخل الأراضي الجزائرية، فإن الجزائر ظلت متمسكة برفض الحسم العسكري وضرورة إشراك جميع الأطراف في مسار التسوية السلمية للأزمة. ومما يؤكد هذا استقبال الجزائر رئيسَ حكومة الوفاق الوطني، فايز السراج، بعد أسبوع من زيارة صالح، لتأكيد مساعي الجزائر لاستئناف الحوار الوطني الليبي "لإيجاد حل سياسي للأزمة ، بعيدًا عن التدخلات العسكرية الأجنبية".
الفرع الرابع: الموقف المغربي: انطلقت محاولات الدبلوماسية المغربية لحل الأزمة الليبية، والتي تعتبرها جزءا لا يتجزأ من أمن الدول المغاربية, وذلك من خلال تنظيم جولات لقاء بين الفرقاء الليبيين في مدينة الصخيرات تحت رعاية أممية، والتي امتدت ما بين آذار إلى كانون الاول 2015 والتي أفرزت اتفاقا سياسيا ليبيا تشكلت على إثره حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، والتي حظيت بتأييد المجتمع الدولي، واعتبرتها الأمم المتحدة الحكومة الشرعية الممثلة للدولة الليبية. ومنذ التوقيع على اتفاق الصخيرات، و حفتر يحاول العصف به عن طريق فرض الخيار العسكري بمعية أطراف إقليمية ودولية، وقد جاءت عملية بركان الغضب التي مثلت فعليا انقلابا واضحا على اتفاق الصخيرات. وعدم إشراك المغرب في مؤتمر برلين، لم يمنعه من لعب دور في الأزمة الليبية، عبر تقريب وجهات النظر بين أطراف النزاع الليبي، بحيث قام رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا بزيارة مغاربية شملت المغرب وذلك لدراسة مستجدات الملف الليبي, وقد واصلت الدبلوماسية المغربية تفعيل دورها لحل الصراع الليبي في ظل تسارع الوضع الميداني وفشل التسوية السياسية، بحيث شهدت العاصمة الرباط حراكا في 26 و27 من تموز 2020 تمثل في زيارة وفود ليبية وعلى رأسها ممثل الشرعية في ليبيا رئيس المجلس الانتقالي طارق المشري، وفي الطرف المقابل رئيس مجلس برلمان طبرق، عقيلة صالح. موضحا في الوقت نفسه أن المملكة ضد تعدد المبادرات التي لا تزيد الوضع إلا تعقيدا. مشيرا إلى أن ليبيا بحاجة إلى دعم لاستمرار المسار السياسي، لأن الحرب ليست في مصلحة الجميع.

الفرع الخامس: الموقف التركي: كانت تركيا تحتل ليبيا قرابةَ 360 سنة تحت راية الغزو العثماني التي اتسمت بالقمع، ما نتج عنه اندلاع عدة ثورات أسفرت عن تنازل الدولة العثمانية عن ليبيا لإيطاليا في عام 1912م مقابل بعض الجزر بموجب اتفاقیة (أوشي لوزان)؛ وبناءً على هذه الخلفية صرَّح أردوغان بأن هناك مليون تركي يعيشون في ليبيا، وعليهِ أنْ يقاتل هناك مثل كمال أتاتورك الذي كان مقاتلًا في الجيش العثماني في ليبيا.
تطورت الأزمة الليبية بصورة متسارعة لصالح الجيش الوطني الليبي، ما دعا حكومة فايز السراج إلى طلب الدعم والتدخل من تركيا لتعزيز عمليات ميليشياتها في مواجهة تقدم قوات الجيش الوطني، وخلال أشهر قليلة من وصول الدعم العسكري التركي تغيرت موازين القوى على الأرض لصالح حكومة السراج التي باتت في موقع أقوى وأفضل في أي مفاوضاتٍ مستقبلية للوصول إلى تسويةٍ تقرر مصيرَ ليبيا, ومن بين ثنايا هذا التدخل تبرز عدة دوافع حفزت تركيا للتدخل وهي:
1- تسعى تركيا جاهدةً عبر مساراتٍ مختلفة، وبالاستفادة من أجواء الحرب الليبية، للخروج بحُزمةِ مكاسب تُمكّنها من تأمين مصدرٍ دائمٍ للطاقة، إذ ظلَّت على مدى العشرين عامًا الماضية تستورد 95% من احتياجاتها النفطية من ليبيا، بل ستسعى لأن تلعب دورَ موزّعِ النفط الليبي إلى أوروبا بدلًا عن المؤسسة الوطنية الليبية للنفط؛ وحسب نشرة «أوبك» لعام 2017م، تحتلُّ ليبيا المركز الخامس عربيًا في احتياطي النفط الخام المؤكَّد، الذي يصل إلى 48.5 مليار برميل، وهو ما يعادل 3.76% من الاحتياطي العالمي. بينما تتصدَّر السعودية الدولَ العربية بأكبر احتياطيٍ مؤكَّد يصلُ إلى 263.9 مليار برميل، يمثل 20.7% من الاحتياطي العالمي؛ وبالنسبة للاحتياطي المؤكَّد من الغاز الطبيعي، جاءت ليبيا في المركز الثامن عربيًا باحتياطيٍ يُقدر بـ 1.5 ترليون متر مكعب. كما تتصدَّر ليبيا الدولَ العربية في احتياطات النفط الصخري، وتحتلُّ المركز الخامس عالميًّا بعد أن ارتفعت احتياطاتها من 48 مليار برميل إلى 74 مليار برميل، ويقع هذا المخزون الضخم من النفط الصخري شمال غرب البلاد وجنوبها الغربي، وترفع هذه الكمية الجديدة من المخزون العمرَ الافتراضي لإنتاج النفط الليبي من 70 إلى 112 عامًا. كما ارتفعت احتياطات الغاز الليبي إلى ثلاثة أضعاف من 55 ترليون قدمٍ مكعب إلى 177 ترليون قدمٍ مكعب، ويُقدَّر احتياطيها الإجمالي بـ613 مليار برميل .
2- ترى تركيا أنَ حضورها في ليبيا هو مفتاح اللعبة الذي سيعطيها مزيدًا من القوة والتأثير. تريد أن تثبت مكانتها وتعمِّق نفوذها هناك لتحقيق عدة أهدافٍ منها، السعي لإحداث نظامٍ إقليميٍ جديد في المنطقة يجعلها تصعد من لاعبٍ إقليمي إلى لاعبٍ متميز حتى تتمكَّن من تثبيت ركائز «الإخوان المسلمين» بمنطقة المغرب العربي ومصر. على المستوى الداخلي التركي ينظرُ أردوغان إلى كسب نقاطٍ إضافية من جرَّاء العوائد التي سيحصل عليها من تدخُّله في ليبيا بما سيدعمُه في الانتخابات القادمة، إذ يسعى لجلب أصوات القوميين والإسلاميين بإشعال حربٍ تؤجّج المشاعر القومية والدينية، وخلق أزمةٍ على المستوى الدولي من شأنها أن تُثير دويًّا في الرأي العالمي. كما يسعى إلى تصدير أيديولوجيته إلى الدول العربية التي لا يزال ينظر إليها بعين الريبة والمنافسة إستراتيجيا وعقديا، ويتهمُها بأنها ساهمت في القضاء على الدولة العثمانية؛ ويطمح مخططو السياسات الأتراك إلى إنشاء وتعزيز هويةٍ تركيةٍ وهمية لدى بعض السكان الليبيين في أجزاءٍ من غرب ليبيا على أساس روايةٍ زائفة للتاريخ مرتبطة بالعصر العثماني؛ ومن أجل تحقيق هذا الهدف يتم الحشد القومي عن طريق أذرع تتفرع من الوكالة التركية (MIT) تقوم بترويج تراث العصر العثماني واللغة التركية.
فمذكرة التفويض التي صادق عليها البرلمان التركي تتيحان لأنقرة إمكانية تقديم كل أنواع الدعم العسكري والأمني لـ«حكومة الوفاق» بما فيه بناء قواعدَ عسكرية فوق الأراضي الليبية. الجدير بالذكر أن مذكرة التعاون العسكري بين السراج وأردوغان تشمل إنشاء قوة الاستجابة السريعة ضمن مسؤوليات الأمن والجيش في حكومة السراج، ونقل الخبرات والتدريب والاستشارات والتخطيط العسكري المشترك والتعليم العسكري والدعم المادي والمعدات من قِبل تركيا، وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون العملياتي، وأنظمة الأسلحة واستخدام المعدات التي تغطي مجالات نشاط القوات البرية والبحرية والجوية، وإنشاء مكتبٍ مشترك للتعاون الأمني والدفاعي في تركيا وليبيا مع عددٍ كاف من الخبراء والموظفين؛ وفي خطوة متقدمة بحثت أنقرة و«حكومة الوفاق» إمكانية استخدام تركيا قاعدة مصراتة البحرية وقاعدة الوطية الجوية في ليبيا. أما إمدادات السلاح والدعم العملياتي, فتستخدم تركيا الطريقين البحري والجوي لإيصال إمدادات التسليح إلى ليبيا، وقد خصصت ميزانية ضخمة لتطوير الإنتاج العسكري المحلي في مجال بناء السفن المتطورة السريعة والغواصات، وبناءِ القوة العسكرية الجوية، وزيادة أسطول الطائرات بدون طيار؛ وقد وصلت سفينة «أمازون» التركية إلى ميناء طرابلس في مايو 2019م، تحمل على متنها 40 مدرعة لصالح الميليشيات المسلحة المدعومة من «حكومة الوفاق» في طرابلس. وأعلنت قوات «الجيش الوطني الليبي» في أب 2019م عن استهداف وتدمير طائرة إمداد عسكرية تركية ضخمة تحمل ذخائرَ وطائرات مسيرة وصواريخَ متعددة الأغراض, يتم الدعم العسكري التركي بالسلاح، عبر ثلاثة محاور؛ الأول: يتضمن ما تنتجه تركيا من طائرات مسيرة وحاملات جنود مدرعة مع تسليحها، ومضاداتٍ للدروع والأسلحة الخفيفة والمتوسطة، والثاني: يشمل الأسلحة القديمة في مخازن الجيش التركي من طائرات ومدرعات ودبابات ومدفعية، أما المحور الثالث: يتم عبر شراء أسلحة أوروبية شرقية أو أمريكية، لصالح الجيش التركي، ومن ثم إرسالها إلى الميليشيات في ليبيا، مع الحصول على مكاسبَ مادية من إعادة البيع.
يندرج التدخل التركي في ليبيا ضمن حلم حزب العدالة والتنمية في تركيا بإحياء أمجاد الإمبراطورية العثمانية(العثمنة الجديدة)، وبدء تنفيذ مخطط تركي تم إحياؤه عقب أحداث «الربيع العربي»، وجاءت دوافع أنقرة في هذا الاتجاه متجسدة في دعم «حكومة الوفاق» سياسيا وعسكريا، وما لحق بهذا التدخل من تداعيات ومخاطر على ليبيا نفسها وعربيا ودوليا. جاء التدخل في ليبيا فرصة تاريخية لتركيا لتعزز من حضورها لا في إفريقيا فقط وإنما في البحر المتوسط الذي تخوض فيه صراعاً مصيرياً مع اليونان وفرنسا، ووفر لها غطاء لتوسيع بصمتها العسكرية من خلال الحضور العسكري في كل من قاعدة الوطية الجوية ومصراتة والخمس وطرابلس، ورفع مبيعات السلاح التركي متمثلاً في طائرات “بيرقدار” الشهيرة، والعربات القتالية المدرعة، بالإضافة لإتاحة الفرصة للاقتراب أكثر من ملف الهجرة “غير الشرعية” المهم لأوروبا.

الفرع الخامس: الموقف القطري: تعد قطر واحدة من الدول تتدخل في الشأن الليبي منذ بداية الأحداث وذلك بتوظيف جماعة الإخوان المسلمين، المدعومة من الدوحة، من خلال قياداتٍ سياسية وإسلاموية، أبرزها عبد الحكيم بلحاج و كل من علي وإسماعيل الصلابي, أما الوجود العسكري القطري في ليبيا, فقد شارك مئات الجنود القطريين على الأراضي الليبية في العمليات إلى جانب "الثوار"، وتركز دورهم خصوصاً على التنسيق بين الحلف الأطلسي و"الثوار". ونشر موقع "سوفريب" الأمريكي المتخصص في الشأن العسكري تقريرا حول الدور الذي تلعبه قطر في الصراع بليبيا، وكيف تسعى الدوحة إلى إذكاء نار الصراع في طرابلس لضمان مصالح خاصة, وخلص التقرير إلى بعض الأحكام الرئيسية:
1- كانت قطر راعياً رئيسياً للميليشيات التي قاتلت النظام السابق في الحرب الأهلية الليبية الأولى (2011). من المحتمل أن تكون الدولة قد احتفظت بمعظم وكلائها في المنطقة وتستخدم نفس الوسائل - المالية والسياسية - لدعم حكومة الوفاق.
2- من غير المرجح أن تغير قطر استراتيجيتها. هناك احتمال واقعي بأن تزيد قطر من تمويلها لحكومة الوفاق والميليشيات التابعة لها لضمان أمن طرابلس ضد قوات الجيش الوطني الليبي.
3- في حالة فوز حكومة الوفاق من المرجح أن يزداد عرض القوة القطرية في ليبيا وفي حالة فوز الجيش الوطني الليبي من المرجح أن تحاول قطر الحفاظ على وكلائها في البلاد لزعزعة استقرار النظام.
الفرع السادس: الموقف السعودي: سارعت السعودية إلى تبني موقف واضح من ثورة ليبيا بالوقوف ضد نظام القذافي, وقد صوتت في الجامعة العربية لصالح فرض حظر جوي فوق ليبيا، كما تساهم بعضها بشكل أو بآخر في "عملية أدويسا" العسكرية ضد نظام القذافي, لان نظام القذافي "مشهور بمشاكله مع دول الخليج "، ولاسيما مع النظام السعودي وبالتالي كانت فرصة مناسبة لأنظمة الخليج لمحاولة التخلص من القذافي ومساندة الثورة الشعبية .
بعد وفاة القذافي في كانون الثاني 2012 ، اتفق البلدان على استعادة العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء ، كما اقترح رئيس مجلس الغرف السعودية في تشرين الثاني 2012 تشكيل مجلس أعمال سعودي- ليبي ، وفي شباط 2013 قال وزير الطاقة الليبي (عبد الباري العروسي ) خلال زيارته إلى الرياض ، أن ليبيا مستعدة للسماح لشركة أرامكو السعودية بالاستثمار في ليبيا في قطاع النفط رغم أن السياق السياسي والأمني في ليبيا منذ عام 2011 شكل عقبة أمام تحقيق العديد من هذه المبادرات و على الصعيد الدولي ، فإن دعم المملكة العربية السعودية للثورة الليبية مكن المملكة إلى جانب دول الخليج الأخرى من ترسيخ نفسها كدولة مسؤولة و تقريب وجهات النظر فيما يخص العلاقة بين الرياض وواشنطن بعد اختلاف وجهات نظرهما حول الانتفاضات الأخرى في المنطقة. كما عملت السياسة السعودية من خلال استغلال مجموعة سلفية تتبع تعاليم العالم الإسلامي (ربيع بن هادي المدخلي) القريب من الدولة ، و بالفعل نمت المجموعة المدخلية بسرعة لتقوم بدور مهيمن في أجهزة حفتر الأمنية ( على الرغم من علمانيته المعلنة ) والمؤسسات الدينية الليبية ، إذ أن إيمان الجماعة بالطاعة الكاملة للزعيم الوطني ( وهو مفهوم يعرف باسم ولي الأمر ) و المعادية لتيار الإخوان المسلمين جعلها حليفة للمملكة ، و تعمل هذه المجموعة بشكل شبه مستقل, فهي تستجيب للبيئة السياسية الليبية وخطب من المملكة العربية السعودية ، ولكنها تتصرف أيضا بما يتماشى مع تفكيرها الديني ومصالحها الانتهازية ، فإن الأهداف المستقلة للمجموعة تجعلها أقل مرونة مما قد ترغب فيه الرياض .
الفرع السابع: الموقف الاماراتي: شكلت الثورات العربية فرصة للقوى الإقليمية الطامحة إلى التمدد، ورغم أن الإمارات تفتقر إلى المقومات الجيوسياسية والسكانية والتاريخية اللازمة لأداء هذا الدور، فإن أبو ظبي تمكنت من تجاوز نقاط ضعفها هذه بتوظيف مواردها الاقتصادية والمالية وعلاقتها المتينة بالإدارات الأمريكية المتعاقبة وبعض العواصم الأوروبية الفاعلة، وقدمت نفسها على أنها شريك قوي قادر على تحقيق مصالحه ومصالح حلفائه على حد سواء, ارتكزت الإمارات في سياستها الخارجية ما بعد الثورات العربية على عدد من الركائز، أهمها: (محاربة الإسلام السياسي ودعم عودة الدكتاتوريات العسكرية. وبسط السيطرة على الموانئ والطرق البحرية الاستراتيجية), ومن هذا المنطلق وفرت الإمارات الدعم العسكري والسياسي اللازم لخليفة حفتر، فعلى المستوى العسكري أنشأت قاعدة “الخادم” العسكرية، ووفرت طائرات مقاتلة وطائرات بدون طيار استخدمت في حرب بنغازي 2014، وشاركت طائراتها على نحو مباشر في قصف قوات فجر ليبيا في طرابلس، أما على المستوى السياسي فقد اخترقت العملية السياسية بقيادة بعثة الأمم المتحدة بشراء ذمة مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا برناردينو ليون تميز التدخل الإماراتي بمواكبة التطورات الدولية والتكيف الفعال معها، ففي المرحلة الأولى في ظل حكم إدارة أوباما قدمت أبو ظبي نفسها على أنها شريك يمكن أن يضبط الأوضاع في المنطقة دون إحداث فوضى، ووظفت ملفات أمنية واقتصادية تتقاطع فيها مصالحها مع شركائها لتمرير رؤيتها ومشروعها، كما اتجهت لبناء علاقات خارجية استراتيجية مع الصين وروسيا، وهو ما ضمن لأبو ظبي حرية الحركة في عدد من الملفات المختلف عليها مع الإدارة الديمقراطية, ومع قرب انتهاء ولاية أوباما دخلت السياسات الإماراتية مرحلة جديدة، وتحولت إلى نهج أكثر حدة، حيث ضخت المزيد من الدعم العسكري المباشر بإرسال طائرات مقاتلة حديثة وأخرى بدون طيار، انطلقت من قاعدة “الخادم” العسكرية شرق البلاد، وجلبت مرتزقة من تشاد والسودان ليشاركوا في المعارك العسكرية وتأمين المنشآت النفطية الواقعة تحت سيطرة خليفة حفتر. بعدها شكل صعود ترامب إلى سدة الحكم فرصة للتحرك بحرية أكبر، وهو ما دفع أبو ظبي إلى اتخاذ خطوة جريئة تمثلت في تمويل مجموعة فاغنر الروسية، ودعم الهجوم على الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في طرابلس في نيسان 2019، رغم دعمها لمسار الحوار واستضافتها لمحادثات ناجحة بين رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج وحليفها خليفة حفتر قبلها بشهرين، وهو ما قاد إلى تغيرات جذرية تجاوز تأثيرها المشهد المحلي إلى المشهد الإقليمي والدولي.
الفرع الثامن: الموقف الايطالي: اتسم موقف إيطاليا منذ البداية بحالة من الغموض حيال الأزمة الليبية، لكن مع قدر من الانحياز إلى جانب حكومة الوفاق الوطني في ليبيا برئاسة "فائز السراج" منذ تشكيلها في عام 2016، إذ يدعون بقدرته على تحقيق أمن واستقرار البلاد، فضلًا عن حماية مصالح إيطاليا الاستراتيجية في ليبيا، وهو الموقف الذي تعارض مع مواقف بعض الدول الأوروبية الأخرى مثل فرنسا التي تدعم بدورها قائد الجيش الوطني المشير "خليفة حفتر". بيد أن هذا الموقف الإيطالي قد تغير بعد الاتفاق الذي وقعته أنقرة وحكومة الوفاق حول مناطق النفوذ البحري في البحر المتوسط، والاتفاق الآخر بشأن التعاون الأمني والعسكري بين البلدين والذي يسمح لتركيا بنشر قواتها في ليبيا، بما يهدد بشكل مباشر أمن واستقرار المنطقة، وهو ما دفع الحكومة الإيطالية إلى إعلان رفضها لهذا الاتفاق، ورفضها لأي تدخل خارجي في الصراع الليبي وتمسكها بالحل السياسي. مؤكدة أنها ستواصل عملية تعزيز الاستقرار الشامل في ليبيا عبر التدخل السياسي لا العسكري.
وأبدت كل من فرنسا وإيطاليا موقفهما الرافض لتدخل أردوغان في ليبيا، وأدانتا إرسال قوات تركية إلى طرابلس لدعم الميليشيات المسلحة وحكومة فايز السراج، ونددوا بتخطيط تركيا لإقامة قاعدتين عسكريتين في ليبيا. كما ذكر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي «ناتو» "يانس ستولتنبرغ"، في 14 آيار 2020م، بقرارات اتخذها رؤساء دولِ وحكومات «الناتو»، خلال قمة بروكسل لعام 2018م حول ليبيا؛ وشدد على أن الحلف مستعد لمساعدة ليبيا في المجالات الدفاعية والأمنية، إذا تلقى طلبا من السراج.
الفرع التاسع: موقف الولايات المتحدة: قامت الولايات المتحدة في بداية الثورة بالضغط على مجلس الأمن لصدور القرارين 1970 و 1973 بشأن الحالة الليبية ، ومضمونهما : إحالة الوضع في ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية ، وحظر الأسلحة والسفر ، وتجميد الأصول الليبية في الدول الغربية ، وإقامة منطقة حظر طيران جوي في الأجواء الليبية ، وقامت بترؤس حلف عسكري ضم عددا من الدول لمساعدة ثوار ليبيا للتخلص من القذافي ، فقام حلف الناتو بضربات جوية على أهداف عسكرية لقوات القذافي وبعد مقتل القذافي وانتصار الثورة الليبية بعد أشهر على انطلاقها ، حاولت الولايات المتحدة الأمريكية احتواء الثورة في ليبيا ، فاستخدمت الأسلوب غير المباشر في السيطرة على مخرجات الثورة الليبية ، لتخوفها من أن يكون تنظيم القاعدة في بلاد المغرب وسط الثوار الليبيين ، وقد أثر ذلك على رغبة واشنطن في دعم الثوار الليبيين عسكريا ، فقد رفضت بعض الدوائر الرسمية الأمريكية تسليح الثوار ؛ خوفا من وصول هذه الأسلحة إلى يد تنظيم القاعدة ، وإلى حين التعرف على المعارضة الليبية . وبعد التدخل الروسي، سرع ذلك من خطى واشنطن لخشيتها من أن تؤسس روسيا لحضور إستراتيجي في ليبيا يتخطى فكرة دعم الجيش الوطني عسكريا ، كما يمكن أن يعزز لاحقا بنشر منظومات دفاعية في ليبيا، قد يترجم إلى قاعدة جوية روسية، وهو ما يشكل خطرا على الناتو, خاصة بعد الطلعات الجوية المستمرة للطائرات الروسية في السماء الليبية من طراز (MIG 14) و (SU-29) .

الفرع العاشر: الموقف الروسي: رفضت في البداية التدخل الخارجي في مسار الثورات العربية ، إذ أكدت الخارجية الروسية في بيانها الصادر في 11آذار 2011 ، ثقتها بأن شعوب المنطقة قادرة على القيام بالتغيير ذاتيا ، ودونما تدخل خارجي في شؤونها وفرض وصفات الإصلاح عليها ، وعلى الرغم من عدم استخدام روسيا لحق النقض ( الفيتو ) لمنع صدور قرار الحظر الجوي على ليبيا ، فقد انتقدت بشدة الطريقة التي نفذت بها الولايات المتحدة وحلفاؤها القرار ، لكنها بعد سقوط القذافي اعترفت بالمجلس الانتقالي ممثلا شرعيا ووحيدا وسلطة حاكمة في ليبيا . ومع الوقت زاد دور “موسكو” تدريجيًا وتوُج بنشر أفراد من مجموعة “ڤاجنر” القريبة من الكرملين لدعم قوات “حفتر”، وذلك وفقًا لتقديرات عديدة. ومن منظور عسكري، بات لـ”موسكو” نفوذًا متناميًا بفضل واقع أن تحالف “حفتر” المسلَح يفتقر إلى القوة القادرة على حسم المعركة نهائيًا، حيث يعلم الرُوس أكثر من غيرهم أن حرب المدن الطويلة الأمد ستفرض نفسها، حتى لو تمكن جيش “حفتر” من دخول “طرابلس”، وبالتالي ستظل هناك حاجة للدعم العسكري الروسي. وبجانب هذا الدعم، تقدِم روسيا دعمًا سياسيًا للمشير “حفتر”، حيث عرقلت “موسكو” صدور بيان عن مجلس الأمن في نيسان 2019م يدعو “حفتر” لوقف هجومه على العاصمة “طرابلس”، وقد تكون” روسيا” لعبت دورًا ولو محدودًا في تحوُل الموقف الإيطالي، حيث انفتحت حكومة “كونتي” اليمينية الثانية على “حفتر” الذي زاره وزير الخارجية في كانون الاول2019م، وباتت “روما” على تواصلٍ مستمر مع “حفتر”.
والواقع أنه رغم التماهي الروسي مع مبدأ وجود جيش نظامي وطني في ليبيا، فإنّ ذلك لم يمنع “موسكو” من التنسيق مع “أنقرة”، فيما نظر إليه على أنه محاولة؛ لإعادة إنتاج التوافق النسبي بين الطرفين في الملف السوري، بل وتبنِى مبادرة مشتركة لوقف إطلاق النّار واستئناف المفاوضات، عندما أصدر الرئيسان “بوتين” ، و”أردوغان” دعوة مشتركة مفاجئة في 8 كانون الثاني 2020 ؛ لوقف إطلاق النّار داعين الفصائل الليبية إلى وقف العمليات العسكرية بدايةً من (12 كانون الثاني 2020) ، والعودة إلى المفاوضات السياسية، وقد حاولت “موسكو” و”أنقرة” استعمال نفوذهما على حلفائهما في “ليبيا”، حيث رفض المشير “حفتر” التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار أعدَه البلدان بينما وقع عليه “السراج” وحده، وبالتالي فشلت المبادرة نتيجةً للخلافات حول نقاط جوهرية، منها مطلب “السراج” بانسحاب قوات الجيش الوطني الليبي من مواقعه التي سيطر عليها في معركة “طرابلس”، وهو ما رفضه المشير “حفتر”، كما رفض “السراج” تسليم المليشيات سلاحها للجيش الليبي، وتجميد مذكرتي التفاهم الموقعتين مع “تركيا” مطالبًا بانسحاب قوات الجيش الليبي إلى ما قبل 4 نيسان 2019 م، وتمسكه بمنصب “القائد الأعلى للقوات المسلحة”.
الفرع الحادي عشر: الموقف الفرنسي: دورها يعد محوريا منذ اندلاع الثورة على العقيد معمر القذافي في شباط 2011. فالرئيس الأسبق "نيكولا ساركوزي" رغم ارتباطه سابقا بعلاقات صداقة قوية مع القذافي، لدرجة انتشار الحديث عن تمويل مفترض لحملة ساركوزي الانتخابية من طرف القذافي. لكن لماذا تدعم فرنسا خليفة حفتر، الذي توجد شبهات حول علاقته بسيف الإسلام القذافي؟ , شخصية حفتر تحقق تقاربا "غير معهود" بين باريس وموسكو، كما أن دولا أخرى تدعم حفتر، "دون أن ننسى الصراع على المعادن والنفط والنفوذ بين إيطاليا، أكبر العارفين بليبيا، وفرنسا، التي مازالت في الواقع تكتشف هذا البلد". يضاف إلى هذا، كما يقول الخبير بشؤون شمال أفريقيا، "الهوس الموجود لدى فرنسا بخصوص الإسلام السياسي، وحفتر يروج لنفسه على أنه يحارب الجماعات الإسلامية المتطرفة، وهو ما تجد فيه فرنسا تسويقا وتبريرا لدعمها له". ورغم كل شيء تحاول فرنسا علنيا ورسميا الظهور بمظهر الوسيط الذي يحاول تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين والتنسيق مع الطرف الآخر: حكومة السراج، حتى أن ماكرون استقبل الخصمين معا السراج وحفتر، في قصر الإليزيه. ومن جهة اخرى تدعم باريس حفتر لوجستيا وعسكريا واستخباراتيا.
الفرع الثاني عشر: الموقف البريطاني: كانت المملكة المتحدة من بين الداعمين الرئيسيين لتدخل الناتو في ليبيا ، ولم تكن بنفس الشدة مع أحداث الربيع العربي في دول أخرى و هذا يعود ذلك للعلاقات المضطربة مع القذافي, وعملت حكومة المملكة المتحدة بالتنسيق مع فرنسا والولايات المتحدة والشركاء الآخرين في الاتحاد الأوروبي و الشركاء الدوليين لتبادل المعلومات وتنسيق الاستجابات الدولية, و توصلت إلى قرار دعم التدخل العسكري لمعالجة الأزمة المتفاقمة في ليبيا ، كما لعبت المملكة المتحدة دورا رئيسيا في اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتعبئـة الدعم لقرار مجلس الأمن الدولي 1970 وقرار رقم 1973 , و التزمت المملكة المتحدة بشكل بدعم الحكومة الليبية ، كما وافقت لندن على تدريب حوالي 2000 من العسكريين الليبيين في بريطانيا ، كما وقع البلدان اتفاقية بقيمة 62.5 مليون جنيه إسترليني فيما يخص برنامج الأمن والعدالة والدفاع في ليبيا، و ركزت حكومة المملكة المتحدة جهودها على تعزيز العملية السياسية من أجل تسوية سياسية في ليبيا وخلق أساس أكثر استقرارا يمكن من خلاله تقديم الدعم الفني لمؤسسات الدولة الليبية ، و في عام 2014 عين رئيس الوزراء آنذاك "جوناثان باول" مبعوثا خاصا لليبيا و دعمت المملكة المتحدة عملية الحوار التي قادتها الأمم المتحدة والتي تم إطلاقها في عام 2014 أسفرت عن توقيع الاتفاقية السياسية الليبية الصخيرات في كانون الاول2015 .
الفرع الثالث عشر: الموقف الصيني: اختارت الصين تجنب الصدام مع القوى الغربية حيال التطورات في ليبيا ، والتزمت موقفا تميز بـ " الغموض المدروس " بسبب علاقاتها الاقتصادية الكبيرة مع النظام الليبي . فقد تضاعفت واردات الصين من النفط الليبي عشر مرات سنة 2010 مقارنة بـ2009 لتتحول ليبيا إلى خامس مزود للصين بواقع 341.000 برميل يوميا ، إضافة إلى الحضور الصيني القوي في قطاع الطاقة والبني التحتية بليبيا ، الذي عكسه عدد الصينيين الذين تم إجلاؤهم ، والذي ناهز أربعين ألفا , وكان لقضية أمن الطاقة الاهتمام الأكبر في الدبلوماسية التي اعتمدتها الصين للحفاظ على مصالحها , وقد أيدت بعض القرارات بخصوص ليبيا ، مما مكن الناتو من القيام بدور في ليبيا تحت شعار حماية المدنيين ، مستندا إلى قرارات جامعة الدول العربية ومجلس الأمن .
الفرع الرابع عشر: الموقف الايراني: أصبحت ليبيا منذ الإطاحة بالعقيد معمر القذافي، ساحة للتنافس بين العديد من القوى الإقليمية والدولية، وبالرغم من البعد الجغرافي بين إيران وليبيا وعدم وجود قاعدة شيعية كبيرة ترتكز عليها طهران لتعزيز حضورها في الساحة الليبية، فإن الدور الإيراني في ليبيا لا يمكن إنكاره، وهو ما يتضح في مؤشرات ودلائل عدة. ويأتي موقف إيران من الأزمة الليبية متسقًا إلى حد كبير مع الموقف التركي الداعم لحكومة الوفاق الوطني بزعامة فايز السراج، وذلك بالرغم من التنافس بين البلدين في العديد من المناطق والأقاليم الجغرافية. قد أكد وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، في مؤتمر صحافي مشترك بأنقرة مع نظيره التركي، "مولود جاويش أوغلو"، في حزيران 2020، على دعم الحكومة الشرعية في ليبيا، مشددًا على أنها قادرة على إنهاء الحرب الدائرة هناك. وأشار ظريف إلى أن بلاده لديها وجهات مشتركة مع الجانب التركي بشأن سبل إنهاء الأزمة في ليبيا واليمن, وكشفت بعض التقارير عن تورط إيران في تهريب أسلحة وعتاد على متن سفن شحن إلى الميليشيات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق في ليبيا بالتنسيق مع حليفتها تركيا. ودوافع ذلك:( تعزيز حضورها في شمال أفريقيا- فتح سوق جديدة للأسلحة الإيرانية- مواجهة الخصوم الاستراتيجيين- السيطرة على حصة من النفط الليبي ).
الفرع الخامس عشر: الموقف الاسرائيلي: أيدت إسرائيل الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية في تعاملها مع الثورة الليبية . وإصدار قرارات الإدانة ضد النظام الليبي في مجلس الأمن ، وفرض الحظر الجوي عليها . كما أيدت فيما بعد التدخل العسكري المباشر في ليبيا . وقد استغلت إسرائيل أحداث العنف الدموية التي حدثت في ليبيا ، للترويج لفكرة أن إسرائيل دولة ديمقراطية هادئة تعيش وسط منطقة غير مستقرة ، وأن إسرائيل هي الحليف الوحيد للغرب في المنطقة .
في النهاية يمكن اقول, بأن ليبيا تعد أغنى بلد بالقارة السمراء من حيث احتياطات النفط، وعدد سكانها أقل من عدد السكان والمقيمين في الإمارات، بل تتفوق على دول الخليج في نقطة قربها من أوروبا، التي تعد سوقا لصادرتها النفطية، ومصدرا للاستثمارات ونقل التكنولوجيا, لكنها مرت في عقدها الأخير 2011-2021 بظروف سياسية وأمنية قاهرة شكلت عائقاً أمام تحقيق أهداف الثورة ببناء دولة الحرية والعدالة والرفاهية، وقد كان أحد أهم وأكبر تلك المعوقات( التدخلات الخارجية), وقد مرت التدخلات الخارجية بمراحل مختلفة؛ ابتداء من تدخل حلف شمال الأطلسي خلال الثورة 2011، مروراً بالتدخلات الإقليمية والدولية الداعمة للانقلاب والمناهضة له، وانتهاء بالتدخل الأممي للوساطة بين الأطراف الليبية، ثم أخيراً مرحلة التدخل المباشر بقوات رسمية وشبه رسمية، مع عدم إغفال تدخلات الفاعلين غير الحكوميين من أمثال الشركات الأمنية والمرتزقة. لكن الآمال معقودة اليوم حول السلطة التنفيذية الجديدة للخروج من دائرة المراحل الانتقالية المغلقة، وتحقيق ما سعى له الشعب الليبي عندما أطلق ثورته التي أطاحت بنظام معمر القذافي. بعد أن مرت بحروب واشتباكات دامية، فضلاً عن تقلبات سياسية واجتماعية عديدة، ما أدى إلى تعاقب 6 حكومات على إدارة شؤون البلاد، اثنتين منها لم يعترف بهما دولياً.
المصادر:
1-زياد عقل, التحرك المصري في ليبيا: محورية الدور وتعدد الأدوات, الملف المصري, العدد38, القاهرة, مصر, 2017, ص18.
2-مبروك ساحلي, تحديات بناء الدولة في دول الربيع العربي: دراسة حالة ليبيا, مجلة دراسات شرق أوسطية, المجلد22, العدد86, مجلة دراسات شرق أوسطية, الاردن, 2019, ص31.
3-خالد حنفي على ، " مسارات متشابكة : إدارة الصراعات الداخلية المعقدة في الشرق الأوسط " ، المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية ، القاهرة ، 2015 ، ص 75
4-الدور المصري في ليبيا: المحددات والمسارات, وحدة التحليل السياسي, المعهد المصري للدراسات, نشر بتاريخ 2حزيران 2020, ص6ومابعدها
5-وزارة الدفاع الفرنسية: الطائرات التي رصدت فوق مدينة سرت الليبية ليست تابعة لنا, نشر على الرابط: https://www.defense-arabic.com/2020/06/10/
6-يسرى ونّاس, الحياد التونسي من الأزمة الليبية.. سعيد على خطى أسلافه , موقع الاناضول,نشر بتاريخ 18/5/2020, على الرابط: https://www.aa.com.tr/ar/
7-الموقف الجزائري من الأزمة الليبية: بين التغير والاستمرارية, المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات, قطر, 2020, ص1وما بعدها.
8-نورة الحفيان, السياسة المغربية تجاه الأزمة الليبية, المعهد المصري للدراسات, 13آب2020, ص11.
9-جمال جوهر, التدخل التركي في ليبيا يضع المنطقة على حافة الحرب, الشرق الاوسط جريدة العرب الدولية, العدد 15012, السبت 9كانون الثاني 2020.
10-ليبيا الخامسة عربيًا في احتياطي النفط الخام والثامنة في الغاز الطبيعي, بوابة الوسط, نشر بتاريخ 9أيلول2018, على الرابط: http://alwasat.ly/news/libya/218940, كذلك: النفط الصخري.. ليبيا الأولى عربياً والخامسة عالمياً, موقع عين ليبيا, نشر بتاريخ 15شباط2019, على الرابط: https://www.eanlibya.com/
11-استراتيجية تركيا طويلة المدى في ليبيا ، ليبيا تايمز ، نشر بتاريخ 07 حزيران 2020, على الرابط: https://bit.ly/2Cy27YS
12-وكالة: مذكرة التفاهم الليبية التركية للتعاون الأمني والعسكري تدخل حيز التنفيذ, موقع سبونتك, نشر بتاريخ 26/12/2019, على الرابط: https://arabic.sputniknews.com/
13-عبد المجيد ابو العلا, التدخل العسكري التركي في ليبيا .. صوره وتداعياته على الجماعات الإرهابية, المركز العربي للبحوث والدراسات, نشر بتاريخ 12كانون الثاني2020, على الرابط: http://www.acrseg.org/41453
14-رامي التلغ, الدور القطري في ليبيا ... مسلسل التخريب الذي لا يعرف النهاية, بوابة افريقيا الاخبارية, نشر بتاريخ 4تشرين الاول 2019, على الرابط: https://www.afrigatenews.net/article
15-ياسر محمد, موقع أمريكي يكشف الدور القطري في إذكاء نار الصراع في ليبيا, بوابة إفريقيا الإخبارية, نشر بتاريخ 20تشرين الاول2020, على الرابط: https://www.afrigatenews.net/article
16-لماذا تؤيد السعودية ثورة ليبيا وتتخوف من احتجاجات البحرين واليمن؟, موقع DW, نشر بتاريخ 4/3/2011, على الرابط: https://www.dw.com/ar/
17-حمزة علويط, تحديات بناء الدولة في دول الربيع العربي: دراسة حالة ليبيا, رسالة ماجستير, جامعة العربي بن مهيدي أم البواقي, كلية الحقوق والعلوم السياسية, قسم العلوم السياسية, 2019, ص70
18-يوسف لطفي, التدخلات الخارجية في ليبيا .. الأسباب والنتائج, مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات, نشر بتاريخ 22/11/2021, على الرابط: https://fikercenter.com/2021/11/22/
19-باسم راشد, تأمين النفوذ: دوافع تغير موقف إيطاليا في الأزمة الليبية, مركز المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة, نشر بتاريخ 28كانون الثاني2020, على الرابط: https://futureuae.com/ar/Mainpage/Item/5225/
20-الاتحاد الأوروبي يدعو لوقف إطلاق نار وسحب المرتزقة من ليبيا, سكاي نيوز عربية, نشر بتاريخ 10حزيران2020, على الرابط: https://www.skynewsarabia.com/middle-east/
21-عمر ياسين خضيرات, مواقف القوى الدولية والإقليمية من ثورات الربيع العربي وأثرها على النظام الإقليمي الشرق أوسطي (2010 –2015), مجلة اتحاد الجامعات العربية للآداب, المجلد14, العدد1, 2017, ص138 ومابعدها.
22-أحمد بن ضيف الله القرني, النفوذ التركي في الأزمة الليبية.. التداعيات السياسية والأمنية, المعهد الدولي للدراسات الايرانية, 2021, ص27.
23-عزت سعد, موقف روسيا من الأزمة في ليبيا وشرق المتوسط, مجلة شؤون عربية, العدد 183, 2020, على الرابط: https://arabaffairsonline.com
24-سهام أشطو, السياسة الفرنسية في ليبيا.. دور "متناقض" في مشهد معقد أصلاً, DW عربية, نشر بتاريخ 18/4/2019, على الرابط: https://www.dw.com/ar
25-صدفة محمد محمود, الدور الإيراني في ليبيا... المؤشرات والدوافع والآفاق, موقع المجلة, نشر بتاريخ 17 تشرين الاول 2020, على الرابط: https://arb.majalla.com/node/106411/



#سيماء_علي_مهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق: خدمة العلم بين التعجيل والتأجيل
- دور المنظمات الاقليمية في تحقيق السلم والامن: منظمة إيغاد نم ...
- لماذا تدفن مواهبهم
- طفلك صنيعتك
- الانظمة السياسية المقارنة
- الانظمة الحزبية
- الهيكل العام للاحزاب السياسية والهيئات القيادية الرئيسية فيه ...
- الاعضاء الحزبيون
- الاحزاب السياسية(مفهومها-نشأتها- نظرة معارضيها ومؤيديها)
- اتفاقية السلام الاماراتية البحرينية- الاسرائيلية
- مظلومية المرأة العراقية مجتمعيا


المزيد.....




- ضغوط أميركية لتغيير نظام جنوب أفريقيا… فما مصير الدعوى في ال ...
- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - سيماء علي مهدي - الموقف الدولي والاقليمي من الازمة الليبية