أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - النفط والفدرالية















المزيد.....


النفط والفدرالية


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 1656 - 2006 / 8 / 28 - 10:18
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


مقدمة وملخص المقالة:
يجري العمل بنشاط في لجنة النفط والطاقة في مجلس الوزراء هذه الأيام حيث تعقد سلسلة من الاجتماعات برئاسة الدكتور برهم أحمد صالح نائب رئيس مجلس الوزراء العراقي وبحضور وزراء النفط والكهرباء والمالية والتخطيط والتجارة والعدل وممثل إقليم كوردستان وعدد من المستشارين تهدف لدراسة المفاهيم والمقترحات الخاصة بقانون الثروة الهايدروكاربونية المؤمل انجازه قريبا.
ومن الواضح ان هذا القانون ستكون له آثار اقتصادية خطيرة – ايجابا او سلبا – على الاقتصاد العراقي ومستقبل العراق عموماً.

يسلط كريك موتيت الضوء على خطورة التعامل مع موضوع النفط على العراق فيرى ان تلك القرارات "يمكن ان تحطم الدولة":
"إن درجة المركزية في السيطرة على النفط وعائداته هي جوانب هامة من السؤال المتعلق بالفدرالية. وإذا تمَّ اتخاذ الأحكام الخاطئة بشأن قرارات النفط – إما بعدم إعطاء نصيب عادل للأقاليم التي يتوفر فيها النفط، أو بإعطاء الأقاليم استقلالية ذاتية بالغة على حساب المصالح الوطنية المشتركة - فان هذه القرارات يمكن أن تحطمّ الدولة أو تقسمها في نهاية المطاف. ولكن، طالما أن قضية الفدرالية هي أحد جوانب الدستور الأكثر جدلاً، فمن المستغرب وضع مسودة قانون النفط – و حتى إمكانية الموافقة عليه – قبل أن تنتهي عملية إعادة النظر في الدستور.
وفي الوقت الراهن، مع أن هناك جدل ساري حول قضية تقسيم الإيرادات بين المركز والأقاليم، فانه لا يوجد أي جدال تقريباً حول التقسيم الحاصل بين مؤسسات الدولة والشركات الخاصة. "

في هذه المقالة الثالثة من مقالات حول النفط, سأتناول ملاحظاتي الخاصة عن العلاقة بين النفط والفدرالية. العلاقة بين النفط والفدرالية علاقة خطيرة بالنسبة الى مكونات الشعب العراقي, وهي بالنتيجة خطيرة ايضاً بالنسبة للصوص النفط العراقي والطامعين بأمتصاص نعمته حتى اخر قطرة ممكنة. ومثلما يدرس العراقيون الطرق الكفيلة بتحقيق اكبر مردود لهم من نفطهم, يدرس اللصوص والطامعين الطرق الكفيلة بإعاقة ذلك.

يعتمد الخط النهائي الذي تتخذه السياسة النفطية, وتوزيع ارباح النفط بين البلاد اولاً وبين الشركات العالمية ثانيا واللصوص (المحليين) ثالثاً, يعتمد علىسلطة كل جهة من الجهات و قدرتها التفاوضية. وتعتمد هذه الأخيرة على الشكل السياسي للبلاد والخيارات التي اتخذت فيما يتعلق بالسياسة النفطية فيها. في هذه المقالة نركز على تأثير سلطة الفدرالية على النفط على نسب توزيع ارباح النفط بين الأطراف الثلاثة وصولا الى توقع الخط الذي يفترض ان يتبعه كل منها. من يفترض ان يسعى لزيادة تلك السلطات للفدراليات على النفط ومن سيكون من مصلحته لتقليصها وقصرها على السلطة المركزية قدر الإمكان؟. السياق الذي سأتبعه في المقالة هو تحليل مختصر لمزايا سلطة المركز وسلطة الفدراليات لكل من اطراف الصراع, ثم اقتطافات من اراء خبراء النفط والمعنيين بالأمر.

لقد ناقشنا بشكل خطوط عريضة, الجوانب الأساسية من هذه المعركة في مقالتين سابقتين ( أود هنا التنبيه الى الخطأ الذي حصل في المقالة الثانية حيث جاء اسم الأستاذ "حمزة الشمخي" خطأً بدلاً من الأستاذ "حمزة الجواهري" فإعتذاري لهما.)

توزيع ارباح النفط وتوزيع سلطة إدارة النفط.

فصل قضية إدارة صناعة النفط عن قضية توزيع العائدات

العلاقة النفطية بين المركز والفدراليات تنقسم بشكل رئيسي الى قسمين: توزيع ارباح النفط وتوزيع سلطة إدارة النفط. وينبه طارق شفيق (مدير تنفيذي مؤسس في شركة النفط الوطنية العراقية, الحياة 10/06/06/ ) على اهمية فصل قضية إدارة صناعة النفط عن قضية توزيع العائدات:
" فالقضية الأولى ينبغي اختبارها من ثم النص عليها مع أخذ إدارة صناعة النفط في الاعتبار بطريقة تأتي بصناعة نفط عراقية رصينة وتسعى إلى تكاملها من اجل الحصول على مردود يتماشى مع غناها الطبيعي
ومعالجة القضية الثانية ينبغي أن ترتكز إلى الإنصاف والعدالة واحتياجات كل محافظة وإقليم، في سياسة التطور الاقتصادي والاجتماعي للبلاد والشعب بعيداً من الاستناد إلى أسس عرقية أو طائفية وإغراء السيطرة على الثروة المخزونة تحت ارض كل منها. إن المعادن في باطن الأرض لا يملكها أصحاب الأرض التي فوقها. والمادة 108 تؤكد ذلك.
- في حال عدم تغير مواد الدستور فإن الأقاليم والمحافظات يحتمل أن تتجه إلى اعتماد اتفاقات الإنتاج المشتركة غير المدروسة أو العادلة بالجملة، والى التعاقد مع شركات الدرجة الثانية، ما يؤدي إلى نتائج مدمرة مر ذكرها. وذلك سيعد من قبل النقاد تخصيصاً من الباب الخلفي. وأنها سياسية معروف عنها مسبقاً انها مرفوضة من الشعب."

توزيع العائدات : ألأسئلة الأساسية

ارباح النفط: للقطر عموماً ام لأصحاب الأرض؟

رغم ان الدستور ينص على ان النفط ملك الشعب وعلى توزيعه بشكل عادل, إلا ان الفكرة المقابلة : توزيع ارباح النفط لأصحاب الأرض, أي ساكني الفدرالية ذات النفط, تجد اقوياء يدافعون عنها في داخل الفدراليات (المرشحة) الغنية بالنفط طبعاً.
هل الفكرة عادلة؟ هل هي منسجمة ام متناقضة؟ هل تثير إشكالات اساسية يصعب حلها؟ ما هي تجارب العالم في حالات مشابهة؟ هل ينتج عنها نظام متماسك ام سهل التزوير والسرقة؟ هل الفكرة سليمة من ناحية المبدأ؟
هذه هي الأسئلة التي سنحاول الأجابة عنها.

من الواضح مباشرة ان فكرة تستند الى تخصيص ثروة لجماعة دون اخرى لاتتسم بالعدل بشكل اولي. لكن مؤيدي الفكرة يسوقون بضعة دفاعات عنها, اولها ان المناطق النفطية في العراق هي بالذات مناطق ظلمت اكثر من غيرها في زمن الدكتاتورية واهمل تطويرها فلم تحصل على حقها من النفط, وقد حان الوقت لتعويضها عن ذلك.
وفي هذا نقول انه بالرغم من ان ما ذكر عن اهمال تلك المناطق وحرمانها حقوقها من ثروة العراق صحيح, لكنه لا يبرر توزيع ثروة النفط كلياً او جزئياً على تلك المناطق. فتصنيف مناطق كمناطق محرومة ومن ثم اتباع سياسة مالية لتعويضها وجعلها تلحق بالمناطق الأكثر حظاً, مسألة عادلة لاغبار عليها, لكن هذا يجب ان يتم على اساس دراسة درجة تخلف تلك المناطق ونوعية التخلف وأمكانيات تطويرها, بغض النظر عن كونها تختزن النفط تحتها ام لا.

بدأ نقول ان مبدأ توزيع النفط على ساكني ارضه في نفس الوطن مبدأ سخيف ومتناقض. ما هو موقف السليمانية مثلاً, ان ارادت كركوك (بفرض الحاقها بكردستان العراق) استناداً الى نفس مبدأ (حق النفط لمن يسكن ارضه) ان تحصل لبلديتها على حصة خاصة اكبر من عائدات النفط ومن قرارات استثماره؟ لاشك ان توازن القوة هو الذي سيحل مثل تلك الإشكالات وليس المبدأ الأعرج المذكور اعلاه.

والفكرة لذلك متناقضة غير منسجمة مع فكرة التعايش في وطن واحد له مؤسسات واحدة. فلنفرض ان فدرالية كردستان حصلت على حصة خاصة من نفط ارضها فكيف وأين ستصرف هذه المبالغ؟ هل سيحصل التعليم مثلاً على مصاريفه منها؟ وإن كان الجواب ايجاباً فهل تقرر الفدرالية نفسها ما يحتاجه التعليم أم انه من اختصاص المركز؟ هل للمركز مثلاً ان يعترض على ان ما يخصص للتعليم في تلك الفدرالية اقل مما يجب (نسبة الى الإستثمار مثلاً) مما يجعل المنطقة اقل مستوى تعليمياً مما يفترض, لحساب تأمين جو مناسب لإستثمار رؤوس الأموال؟ وما ينطبق على التعليم ينطبق على البنية التحتية وغيرها.

هل يثير توزيع ارباح النفط على الفدراليات (جزئياً) اشكاليات صعبة؟ لنفترض ان الدولة ارادت وضع حد ادنى للأجور, هل سيكون بالإمكان ان يكون ذلك اعلى في الفدراليات النفطية من الباقي؟ ان كان الجواب نعم, افلا يعني ذلك هجرة ذوي الفرص القليلة في العمل الى تلك الفدراليات كما يسيل الماء نحو المنخفضات؟ ونفس الأمر ينطبق على الإعانة الإجتماعية, والوضائف الجيدة لذوي التعليم العالي. ولنفرض ان كل ذلك تم تنظيمه بشكل ما وصارت الفدراليات مسؤولة عن خدماتها بشكل عام, ثم لنفرض انه ولسبب ما انخفضت اسعار النفط او عوائده التي تحصل عليها الفدرالية, فهل يحق لها ان تطالب عندذاك بدعم مالي مركزي؟ وهل من حق الآخرين الإعتراض على انه عندما كانت الأمور في صالحها, عملت الفدرالية على ان تحصل على اكثر من الآخرين, والآن يجب ان تقبل بالعيش اقل من الآخرين؟ ولنفرض ان تلك الخسارة كانت بسبب سؤ تصرف الحكومة الفدرالية فيما كانت تملكه من اموال, فكيف يكون الأمر؟

تجارب العالم في هذا الموضوع

من المفيد هنا ان نتساءل عن تجارب العالم في هذا الموضوع الشائك, ويشار هنا بأهتمام الى "تجربة الآسكا" التي وردت هنا وهناك في بعض الكتابات مؤخراً, وفي هذا سألت الأستاذ حمزة الجواهري, المختص في إنتاج وتطوير حقول النفط والغاز, عمل في شركة نفط العراق التي تأممت عام 1975 وأدمجت مع شركة النفط الوطنية العراقية عام 1976, فأجابني مشكوراً بشرح مفصل اقتطف منه ما يلي:

أما بالنسبة إلى سؤالكم عن قانون ألاسكا فهو ببساطة شديدة أن السكان الأصليين هناك يستلمون حصصا من إيرادات النفط والغاز كعائد شخصي لهم، كتعويض لهم عن استثمار الأرض من قبل الشركات التي تعمل باستخراج الثروات بجميع أنواعها، لأن هذه الأراضي تعتبر ملكا مشاعا وفيها مصدر رزقهم حيث جل السكان هناك يعتمدون على الصيد والرعي، ولكن فقدوا الكثير من المساحات الغنية بالمراعي والمصايد الخصبة بالحيوانات البرية. أضف إلى ذلك أن القانون الأمريكي بشكل عام ينص على أن مالك الأرض يملك بذات الوقت ما تحت الأرض من ثروات، وهذه الحالة مختلفة في ألاسكا، حيث الأرض هناك ملك مشاع للجميع، لذا فإن المشرع الأمريكي كان يتوجب عليه استيعاب هذه الحالة الجديدة.
في الواقع هذا غير وارد في دساتير الدول الأخرى، حيث الدستور العراقي ينص على أن الثروات الطبيعية في باطن الأرض ملك للشعب العراقي جميعا وليس لمن يملك الأرض، وهذا يعني أن العراقي أينما كان يملك حصة بالنفط أو أي شيء تخزنه أرض العراق وفي أي مكان. أضف إلى ذلك أن مساحات شاسعة في العراق تعتبر ملكية مشاعية للعراقيين جميعا."

أي ان ملخص ما تفضل به الأستاذ حمزة الجواهري هو ان القانون الأمريكي يعطي الحق بثروات الآرض الى مالكيها, وفي حالة كون المالكين مشاعيين مثل الاسكا فقد تم تعويضهم. ولكن بالمقابل فهؤلاء لاحق لهم بما يوجد في بقية الأراضي الأمريكية على عكس الحال في العراق ومعظم الدول الآخرى حيث يستفيد الجميع من كل امكانات البلاد من الناحية القانونية, وهو امر اسهب الأستاذ الجواهري في شرحه في رسالته.
وفي كل الأحوال فأن ذلك الحق لسكان الاسكا كان موجها الى من سيفقد فرص الصيد والرعي بسبب عملية استخراج النفط, وهذا ليس بالضبط ما يدعو اليه وتطالب به حكومات الفدراليات النفطية المرشحة في العراق. المسألة الأساسية ان الحكومة الأمريكية تصرفت بالطريقة التي تضمن أن " تبقى القوانين والأنظمة منسجمة في كل البلاد لا تستثنى منها منطقة ما."
فإذا تصرف العراق على هذا الأساس فيجب ان توزع الأرباح عراقياً وليس محلياً. فالدعوة الى توزيع الأرباح محلياً, دعوة للتناقض مع النظام الأقتصادي العام في العراق الذي يقضي دستوره الجديد كما تقضي انظمته الأخرى الأقدم بأن "ثروات البلاد للشعب العراقي", فالشعب هو صاحب الأرض والشعب هو صاحب الحق "بالتعويض".

فدرالية النفط تشجع الإحتراب الداخلي بسبب المناطق المشتركة

نبه الدكتور عصام الجلبي وزير النفط السابق الى خطورة النظر إلى الثروات النفطية وفق الأطر الفدرالية
المقدمة "ذلك أن الحقول النفطية تقع في مناطق مشتركة ،مما يعرض البلاد إلى أخطار الإحتراب الداخلي."
وعزى الجلبي مشاكل العراق مع العالم ومع دول الجوار "بسبب وجود حقول مشتركة متنازع عليها" ،معتبرا أن النفط الذي "هو نعمة.. يتحول إلى نقمة بسبب سوء استخدامه"،
موضحا تصوراته وأفكاره في إدارة الثروة النفطية.. حيث نصح بأن " تكون للعراق شركة نفطية وطنية واحدة.. تتولى إدارة ثروات البلاد."

من دون سياسة مركزية موحدة

حول السياسة المركزية الموحدة يكتب السيد طارق شفيق, مدير تنفيذي مؤسس في شركة النفط الوطنية العراقية:

" من دون سياسة مركزية موحدة لن يكون هناك انسجام وتنافس بين شركة النفط الوطنية (التي تعمل على الانتاج والتسويق وتصدير النفط من اجل توفير دخل الدولة) وبين الأقاليم والمحافظات (تعمل على استكشاف من اجل مخزونات اضافية لا حاجة لها)، وبين مختلف الاقاليم والمحافظات وفي وضع من عدم التنسيق والحسد بين الذين يملكون والذين لا يملكون. وسيؤدي ذلك الى صناعة نفط سقيمة تسبب عدم الاستقرار وتفتت البلد.

- إن أعلى فائدة من النفط المنتج يمكن ان تأتي فقط من عمليات نفط وطنية حيث الاستثمار المباشر لدولار واحد عن كل برميل مطور، يأتي بعائد يزيد على 55 دولاراً في سوق اليوم
وليس منطقياً ان يقتصر مثل هذا العمل المربح على شركات النفط العالمية.

- إذا فسرت الفقرة الدستورية (احدث تقنية لمبادئ السوق وتطوير الاستثمار) خارج مضمونها المشروط بـ «ضمان اكبر منفعة للشعب»، فان مبيعاً بالجملة لثروة النفط العراقي المستقبلية يتوقع ان يذهب الى عمليات شركات النفط العالمية فقط، وهذا يؤدي الى الغاء تأميم مخزونات النفط والغاز العراقية. وسيعيد ذلك العراق الى مرحلة الامتياز وكل ما فيها من مشاكل بما في ذلك تفتيت السيادة بسبب اعتماده المالي المطلق عندئذ على شركات النفط العالمية.

- ونتيجة تفعيل المادتين 109 و111 على المدى البعيد هي أن الأقاليم والمحافظات الغنية بالنفط والغاز ستمضي الى مستقبل فيه السيطرة لها حصراً على نحو ثلثي النفط العراقي. وبما أن مخزونات النفط تهبط في الحقول المنتجة تتناقض وتبنى حقول جديدة في الأقاليم والمحافظات، سيكون للأخيرة قوة اقتصادية اكبر من تلك التي للحكومة الفيديرالية."

إدارة النفط: كردستان

لمناقشة توزيع الحق في ادارة حقول النفط من المفيد ان نلقي نظرة على ما جرى ويجري بصدد ذلك في فدرالية كردستان.
ففي مقالة مهمة تلقي الضوء على بعض اشكالات هذا الجزء وتحت عنوان لمَنْ يتم حفر الآبار؟ يكتب كريك موتيت ما يلي:
"يسند الدستور للحكومة الفيدرالية صلاحية التحكم ب" الحقول الحالية " فقط. وبموجب كل التفسيرات، تسيطر الأقاليم والمحافظات على جميع الحقول الأخرى. بيد أن معنى " الحقول الحالية " غير واضح.

أشارت إحدى الدراسات التي أعدّها خبير النفط كامل مهيدي إلى أنه من غير الواضح فيما إذا كان مصطلح " الحقول الحالية" يشير إلى جميع الحقول المُكتَشَفة، أو إلى الحقول التي تنتج النفط حالياً ( التي يقدّر إنتاجها بـ 87% من احتياطي العراق المعروف)، أو إلى الحقول التي تمِّ تطويرها بشكل كامل (36% تقريباً من الاحتياطي).

فسّر وزير الموارد الطبيعية الكردستاني د. هورامي مصطلح الحقول الحالية على أنها الحقول التي تنتج النفط الآن. بل أنه ذهب إلى أبعد من ذلك عندما أكدَّ مجادلاً أن الأقاليم والمحافظات يجب أن تسيطر على جميع الإيرادات من الحقول التي لم يتم تطويرها، وأنه يجب أن يكون لها حق النقض الفعّال حتى بالنسبة الى الصلاحيات المحددّة التي أسندها الدستور للحكومة الفيدرالية.

من الأهمية بمكان مناقشة القضية السياسية حول من يحصل على الإيرادات، والقضية الأكثر فنية حول من له السيطرة الإدارية.

يدور الجدل الكبير حول السؤال التالي: من يجب أن يسيطر على القرارات المتعلقة بالنفط، مثل الاستراتيجية، والسياسة، والإدارة التشغيلية، ودور القطاع الخاص، بما فيها توقيع العقود؟ إن الذين يجادلون بأنه يجب تقوية الاستقلال الذاتي الإقليمي قلقون لأنه في النظام المركزي يمكن أن لا تُعطى الأولوية للاستثمار

وفي الوقت ذاته يجادل كثير من التكنوقراطيين بأن إعطاء الكثير من اللامركزية يؤدي إلى خطورة وجود نظام بيروقراطي غير متناسق، حيث يكون فيه لكل إقليم مقاربته وإجراءاته.

إن الجيولوجيا لا تعترف بالحدود الإدارية، وهناك عدة حقول نفط تمتد عبر أكثر من مقاطعة وربما عبر أكثر من إقليم واحد. وفي غياب تنسيق واضح، فإن السلطات المتنافسة الراغبة بقوة بزيادة إنتاجها إلى أقصى درجة ممكنة، يمكنها أن تدمر طبقات الأرض لحقل نفطي واحد وذلك بزيادة الإنتاج في الجانب الذي يخصها – هذه المشكلة أدّت على المستوى الوطني إلى نزاعات بين العراق والكويت.

لكن قضية فيدرالية النفط يجب أن لا تنفصل عن القضية الكبيرة المساوية لها في الاهمية وهي قضية الخصخصة. صدرت ملاحظات الدكتور حورامي حول الدستور بعد أسبوعين من توقيع حكومة إقليم كردستان عقداً لإنتاج النفط مع الشركة الكندية " Western Oilsands "، وكان هذا رابع عقد توقعه حكومة كردستان الإقليمية. فقد وقعّت عقوداً مع الشركة النرويجية DNO في حزيران/ يونيو 2004، ومع شركات تركية Genel Enerji في كانون الثاني/ يناير 2004، ومع شركة Petoil في نيسان/ ابريل 2003. أعلنت شركة DNO منذ فترة وجيزة عن اكتشاف النفط قرب زاخو في محافظة دهوك.

لقد أثارت الوضعية القانونية لهذه العقود جدل ساخن، حيث تجادل وزارة النفط في بغداد بأن للوزارة فقط الحق بتوقيع هذه العقود. ومن الناحية الأخرى، تجادل السلطات الكردية بأن حكومة كردستان الإقليمية مخوَّلة بموجب الدستور بتوقيع العقود – مع أن العقود الثلاثة الأولى قد تم توقيعها قبل الصياغة الأولى للدستور. ليس من الواضح أبداً كيف ستتم تسوية هذا النزاع.

غير أن الشروط التفصيلية لهذه العقود – تقسيم الإيرادات، الشروط القانونية، وحتى المدة الزمنية للعقود – غير معروفة بشكل كبير حيث لم يتم الإفصاح عنها. إن معرفة المواطنين ومنظمات المجتمع المدني بشروط الإيرادات هي بمثابة دفاع هام ضد الفساد وتسمح بالمراقبة الديمقراطية أيضاً.

لكن مع أن الشركات الخاصة حذرة حول الشكوك القانونية، إلا أنها تستفيد من التفاوض مع المؤسسات الأضعف. إن الأقاليم لا تملك الخبرات الاستراتيجية التفاوضية التي تمتلكها وزارة النفط في بغداد. وإذا ما تمَّ الإقتداء بالسابقة الكردية في أمكنة أخرى، فإن النتيجة ستكون سباقاً إلى القاع، حيث تتنافس الأقاليم المختلفة مع بعضها بعضاً لجذب الاستثمارات، وذلك بإعطائها حصصاً أكبر من الإيرادات – وشروطا" قانونية سخية – إلى الشركات الخاصة." كريك موتيت (22/06/2006)
http://www.niqash.org/content.php?contentTypeID=171&id=1254


وعن عقود المشاركة بالإنتاج التي وقعتها حكومة كوردستان, يكتب الإستاذ حمزة الجواهري:
" من نافل القول هنا أن نشير إلى أن عقود المشاركة بالإنتاج التي وقعتها حكومة كوردستان على أساس المشاركة بالإنتاج، تعتبر هدرا للثروات الوطنية واستباحة لحقوق العراقيين أينما كانوا، والمثير للغضب حقا هو وأنها مازالت نافذة والشركات مستمرة في جهود تطوير الحقول المكتشفة وفق تلك الاتفاقيات بالرغم من أننا والكثير من أبناء الشعب وحتى مؤسسات عالمية متخصصة قد تحدثت عن مدى الإجحاف بمثل هذه العقود. أضف إلى ذلك أن حكومة كوردستان لم تنشر تفاصيل تلك العقود مع شركة "دي أن أو" الدنماركية أو غيرها وتجاهلت كل الدعوات الصادقة لوقف العمل بها ومراجعتها قبل فوات الآوان.

. ولكي يكون القارئ على بينة أكثر من حجم الأرباح الفاحشة والمجحفة، علينا حسابها: فلو أرادت حكومة كوردستان تطوير حقول نفط بإنتاج نصف مليون برميل يوميا، وهذا ما ذكرته الكثير من المصادر، فإن هذه الشركات سوف تستثمر ما قيمته مليارين ونصف مليار دولار خلال ثلاث أو أربع سنوات، وذلك وفق أعلى التقديرات العالمية، لكن الشركات سوف تحصل على كميات نفط مقدارها مائتي ألف برميل يوميا، أي تجني من خلال هذا التوظيف بعد ثلاث سنوات من الآن ما مقداره خمسة مليارات ومئة مليون دولار سنويا، أي أنها سوف تسترجع في السنة الأولى ضعف ما أنفقته على عمليات التطوير، وسوف تبقى الشركات تجني ما مقدراه خمسة مليارات سنويا لمدة أربعين عاما متواصلة،"

الجنوب ولصوص النفط

اللصوص الصغار يحققون انتصارات كبيرة الآن في البصرة مثلاً.
فيقول فرات شار، وهو زعيم محلي من "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية": "يعد التهريب واحدة من أكبر المشاكل في البصرة. وهو الذي يفسر صراع الأحزاب السياسية". ويقدر أحد المسؤولين المحليين قيمة التجارة المهربة بـ4 مليارات دولار سنوياً، أي نحو 10 في المئة من الناتج الداخلي الإجمالي للبلاد.
كذلك بين وزير الدفاع العراقي محمد جاسم مفرجي مؤخراً بأن "حجم الإرهاب الحقيقي في البصرة محدود جداً. أما الصراع السائد، فهو بين العصابات المسلحة والمجموعات السياسية".
وتشير تقارير مختلفة ان هذا الصراع اصبح يدور بين احزاب مشاركة في الحكومة العراقية بل وتنتمي الى نفس القائمة الإنتخابية احياناً, وهذا انتصار كبير للهوية اللصوصية على الهوية السياسية والطائفية.*

بالمقابل اجتمع عمال نفط الجنوب في اول الشهر الحالي (تموز 2006) ليقرروا اضرابهم احتجاجاً على نهب حقوقهم والمطالبة بإلغاء جميع العقود التي فرضتها قوات الاحتلال ومن ضمنها الخصخصة، على العمال بشكل عام وعمال النفط بشكل خاص, وطرد المليشيات المسلحة من مدينة البصرة وعموم مدن العراق أو العمل على حلها.

وفي حين يقول راضي الراضي رئيس مفوضية النزاهة إن ما خسره العراق جراء عمليات التهريب في البصرة بلغ مليارات الدولارات, فأن محافظ البصرة محمد مصبح الوائلي يرى إن "ما يجري من تزييف وتهريج في الإعلام وإتهامات بعمليات لتهريب النفط في البصرة هي حالة مفتعلة ومسيسة إلى حد بعيد."

كل شيء ممكن, ولكنه صعب التصديق بعد كل تلك المصادر, وعلى اية حال فإن كان ما يقوله المحافظ صحيحاً, فأن من واجبه المباشر والعاجل اثبات ذلك بكل الطرق لإطلاع الناس على تلك الحقائق الخطيرة. إلى ان يحدث ذلك سنفترض ان الإدعاءات بالسرقات واقعية الى درجة كبيرة.

لعل من المفيد اخيرا ان نذكر ان الإهتمام بفدرالية الجنوب من قبل اهم القادة السياسيين الداعين لها قد تضاعف بشكل شديد بعد طرح حقوق استثمار النفط من قبل الفدراليات نفسها وعدم قصرها على المركز وهو مؤشر خطير للغاية.

كل هذا يشير الى ان المستفيد الحقيقي من اعطاء المزيد من السلطة الى الفدراليات على حساب المركز لإدارة النفط وتوزيع ارباحه انما هو اصحاب السلطة في تلك الفدراليات حيث ستتاح لهم فرصة اكبر لإبرام عقود مشكوك بها مع الشركات الإجنبية ولتحويل نسبة اكبر من ايرادات النفط الى جيوبهم الخاصة من خلال مقاولات وصلاحيات يصعب متابعتها من قبل القانون المركزي.

لذلك فمن المشكوك به تماماً ان يستفيد المواطنين في الفدراليات النفطية انفسهم من تلك الصلاحيات اللامركزية بل انها ستكون في غير صالحهم, كما هي بالتأكيد ليست في صالح المواطنين في الفدراليات غير النفطية, لذا توجب التنبيه الى ذلك ونشر الوعي به بين الناس لرفض اعطاء الفدراليات صلاحيات نفطية واسعة, ولرفض فكرة فدرالية الجنوب التي لن تخدم الا لصوص النفط وعلى حساب وحدة العراق ولاطائفيته والمستقبل سيقول في ذلك كلمته الأخيرة, لكن ربما بعد فوات فرصة الخيار.



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحكام العرب أسلحة دمار شامل اسرائيلية
- النفط العراقي وتساؤلات حول الخصخصة والإستثمار وعقود الشركات ...
- هل تحمي الديمقراطية نفط العراقيين؟
- متى بدأ التأريخ؟
- نحو موقف يساري ناضج من الإسلام السياسي
- ثلاثة ارباع الشعب الهولندي شوفينيين عرب: ابتسامات للمثقف الس ...
- ديمقراطية العجائب:وزير الدفاع يتعهد بالقضاء على احد احزاب حك ...
- في انتظار افلام الكارتون
- كيف تنتصر الحكومة في الرمادي
- الصدمة: انتبه فأنت تساهم في الإرهاب!
- الزرازير والحساب
- دروس في الأخلاق, ولكن لمن؟ مجزرة حديثة ومجازر اخرى
- القراءة كترفيه عنيف, والمقالة كحلبة ملاكمة
- أيان حرسي ماكان:قصة فضيحة ديمقراطية عريقة
- القاء اللوم على البيادق: الى اين نوجه انظارنا في العراق؟
- لذة الحلول المسمومة
- حكومة تولد في قفص الإتهام
- إعادة الإعتبار للإنحطاط: رد على (الدكتاتور الرائع) لعلي الصر ...
- أفضل مفاوضي الحكم في العراق: متابعات في الوضع العراقي الراهن
- برج الحرباء يمر على سماء بغداد


المزيد.....




- انتشر بسرعة عبر نظام التهوية.. لحظة إنقاذ كلاب من منتجع للحي ...
- بيان للجيش الإسرائيلي عن تقارير تنفيذه إعدامات ميدانية واكتش ...
- المغرب.. شخص يهدد بحرق جسده بعد تسلقه عمودا كهربائيا
- أبو عبيدة: إسرائيل تحاول إيهام العالم بأنها قضت على كل فصائل ...
- 16 قتيلا على الأقل و28 مفقودا إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة ...
- الأسد يصدر قانونا بشأن وزارة الإعلام السورية
- هل ترسم الصواريخ الإيرانية ومسيرات الرد الإسرائيلي قواعد اشت ...
- استقالة حاليفا.. كرة ثلج تتدحرج في الجيش الإسرائيلي
- تساؤلات بشأن عمل جهاز الخدمة السرية.. ماذا سيحدث لو تم سجن ت ...
- بعد تقارير عن نقله.. قطر تعلن موقفها من بقاء مكتب حماس في ال ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - النفط والفدرالية