أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - ثورة إبليس















المزيد.....

ثورة إبليس


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7081 - 2021 / 11 / 19 - 12:58
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


جدلية السيد والعبد
٥ - إبليس

إذا كان بروميثيوس اليوناني قد تمتع بمساندة البشرية وإعجاب الشعراء والفنانين به طوال قرون عديدة بإعتباره رمزا للمعرفة والعلم وواهبا للنور للإنسانية، فإن الشيطان، على العكس من ذلك لم يكن له هذا الحظ، رغم ثورته وتمرده الحقيقي على السلطة الإلهية. والشيطان، في عالمنا المتخلف والذي مازال يئن تحت وطأة الإستعمار الإلهي، يتلقى يوميا مئات اللعنات من كل من هب ودب، ويحمل على ظهره المشعر كل هموم الدنيا وأثقالها،. فالشيطان محاصر وليس له من مخرج، فقد حكمت عليه المحكمة الإلهية باللعنة إلى يوم القيامة. فمن هو هذا الشيطان حتى ينال هذا العقاب الصارم وماهي قوته الحقيقية؟ الخير والشر مفاهيم مجردة ومستوردة مباشرة من المملكة الإلهية الحديثة، أي ما يسمى بالأديان السماوية، ذلك أنه في العالم القديم لم تكن تصرفات وأعمال البشر أفرادا أو جماعات تخضع لأي مقياس آخر غير موازين المنفعة والضرر والأمن والخوف واللذة والألم، ولم يكن للأحكام الأخلاقية مثل الخير والشر من معنى. وقد دخلت هذه المفاهيم القاموس الأخلاقي بواسطة السلطات الدينية والتي أضافت فكرة الثواب والعقاب كمكمل لهذه المنظومة التي هدفها إستسلام الأفراد وخضوعهم بواسطة الخوف والإرهاب من النار الموقدة التي تنتظرهم في اليوم الموعود. بالطبيعة أصبح الشيطان هو سبب الشر والداعية إليه، يغوي البشر لإرتكاب الذنوب والمعاصي والموبقات، وهو تجسيد لقوى الظلام في الكثير من الثقافات والأديان والمجتمعات وإن اختلفت المسميات، الشيطان، إبليس، ساتان، ديابلوس، لوسيفر، وفي أحيان كثيرة يصبح عدوا مباشرا وغريما أو نقيضا لله الممثل لقوى الخير والنور والرحمة وحب البشر، وهو خصم عنيد ومراوغ لله الذي يعمل من أجل نجاة الأرواح البشرية من شر الشيطان وأعوانه، بأن ينبطحوا تحت قدميه كما يفعلون امام أي طاغية، وأن يسبحوا بحمده ويشكروا نعمته ليل نهار. فقد نسبت إلى إبليس كل الصفات السيئة التي يمكن أن تخطر على البال، العجرفة والخيلاء والكبر والغرور والعصيان والكراهية والحسد والباطل والغش والغواية والخبث والخداع والتحايل والضعف، كما أنه يتنكر كما يشاء في أجساد أخرى ليغوي الناس ويخدعهم بالإضافة إلى ذلك فهو يرانا ويراقبنا ليل نهار ولا نراه. في الأساطير اليهودية والمسيحية، سقط الشيطان من السماء لأنه أراد أن يجلس فوق عرش يتجاوز علوه عرش الإله الكبير، فأنزله الله إلى أسفل الظلمات وإلى عالم الأموات. أما في الإسلام فالقصة أكثر إثارة، فبعد أن خلق الله آدم من صلصال وعلمه كلمات الحمد والشكر، طلب من الملائكة أن يسجدوا لآدم، لأنه يعرف أسماء كل الأشياء، فسجدوا جميعا ما عدا إبليس الشيطان الذي رفض أن يسجد لمخلوق طيني، وهو المخلوق من النار، فغضب عليه الله وطرده من الجنة وحكم عليه ومن يتبعه باللعنة إلى يوم القيامة، ومنذ ذلك اليوم أصبح عدوا للإنسان وأصبحت مهمته الوحيدة في هذا العالم هي غواية هذا المخلوق ودفعه للمعصية، هكذا مجانا ولمجرد فعل الشر من أجل الشر ذاته. وكعادة الأساطير، لا يوجد تسلسل منطقي في البناء القصصي، إبليس ليس من الملائكة التي خلقت من نور، إنما من الجن الذين خلقوا من النار، وإبليس كما يبدو هو الجن الوحيد المتواجد في الجنة مع الملائكة ولا نعرف بالتحديد سبب دعوته أو الغرض من تواجده في هذا الإجتماع بين الله والملائكة فيما يشبه حفلة تقديم آدم والتعرف على قدراته الخارقة. والمذهل في الأمر أن هذا الشيطان حتى بعد طرده من الجنة، تمكن من التسلل ليلا والعودة لإغواء آدم وحواء ليأكلوا تلك التفاحة الملعونة. فجوهر الإسلام هو الطاعة والخضوع والإستسلام، لذلك أتخذ الشيطان الذي تمرد على أوامر الله، ببنيته الرمزية وبعده الأسطوري أهمية قصوى، اصبح رجمه بالحجارة من ركائز أحد أركان الإسلام عند الحج إلى مكة، كما هو وارد في أحد الأحاديث: ‏إن ‏ ‏جبريل ‏ ‏ذهب ‏ ‏بإبراهيم ‏ ‏إلى ‏ ‏جمرة العقبة ‏ ‏فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات ‏ ‏فساخ ‏ ‏ثم أتى ‏ ‏الجمرة الوسطى ‏ ‏فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات ‏ ‏فساخ ‏ ‏ثم أتى ‏ ‏الجمرة القصوى ‏ ‏فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات ‏ ‏فساخ ‏ ‏فلما أراد ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏أن يذبح ابنه ‏ ‏إسحاق ‏ ‏قال لأبيه يا ‏ ‏أبت أوثقني لا أضطرب فينتضح عليك ‏من دمي إذا ذبحتني فشده فلما أخذ ‏ ‏الشفرة ‏ ‏فأراد أن يذبحه نودي من خلفه أن يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا. ويبرر أبو حامد الغزالي بدوره هذا الطقس الخرافي بالرجوع إلى قصة إبراهيم : " أما رمي الجمار فاقصد به الانقياد للأمر، إظهارا للرق والعبودية، وانتهاضا لمجرد الامتثال، من غير حظ للعقل والنفس فيه، ثم اقصد به التشبه بإبراهيم عليه السلام، حيث عرض له إبليس لعنه الله تعالى في ذلك الموضع ليُدخل على حَجِّه شبهة، أو يفتنه بمعصية، فأمره الله عز وجل أن يرميه بالحجارة طردا له وقطعا لأمله، فإن خطر لك أن الشيطان عرض له وشاهده فلذلك رماه، وأما أنا فليس يعرض لي الشيطان فاعلم أن هذا الخاطر من الشيطان، وأنه الذي ألقاه في قلبك ليفتر عزمك في الرمي، ويخيل إليك أنه فعل لا فائدة فيه، وأنه يضاهي اللعب فَلِمَ تشتغل به، فاطرده عن نفسك بالجد والتشمير في الرمي فيه برغم أنف الشيطان، واعلم أنك في الظاهر ترمي الحصى إلى العقبة، وفي الحقيقة ترمي به وجه الشيطان وتقصم به ظهره، إذ لا يحصل إرغام أنفه إلا بامتثالك أمر الله سبحانه وتعالى تعظيما له بمجرد الأمر من غير حظ للنفس والعقل فيه ". لان الشيطان تعرض لابراهيم حين اراد ذبح إبنه اسماعيل ثلاث مرات ورجمه بالحجارة فهي سنة ابراهيم وهو من اذن بالحج وبنى البيت. وعندما نلقي نظرة سريعة على الآثار المتبقية من هذه الأسطورة، أي في الوقت الحاضر في القرن الواحد والعشرين، نجد أن الشيطان ما يزال يعاني عقابه المترتب على تمرده منذ بداية الخليقة، وما يزال المسلمون يواصلون تعذيبه ونعته بأسوأ الصفات وإتهامه بأشر الأعمال وأنه سبب كل ما يأرقهم في هذا العالم، فأمريكا هي الشيطان وإسرائيل هي الشيطان والمرأة هي الشيطان وربما الويسكي والبيرة أيضا من صناعة الشيطان، ناهيك عن الغناء والمسرح والرسم والنحت والسينما.. إلخ . و يمكن قراءة المئات وربما الآلاف من النصوص التي تعالج كيفية حماية النفس من الشيطان وأين يتواجد وما هي وسائل التعرف عليه .. ونورد هنا مثالا من هذه النصوص: " الله سبحانه اقتضت حكمته أن وكَّل بكل واحد من ولد آدم شيطانا، فشيطان المولود قد خنس ينتظر خروجه ليقارنه ويتوكل به، فإذا انفصل استقبله الشيطان وطعنه في خاصرته تحرقا عليه، وتغيظا، واستقبالا له بالعداوة التي كانت بين الأبوين قديما، فيبكي المولود من تلك الطعنة، ولو آمن زنادقة الأطباء والطبائعيين بالله ورسوله لم يجدوا عندهم ما يبطل ذلك ولا يرده، وفي الصحيحين من حديثه أيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه. وكذلك نورد هذا النص الذي وجدناه في أحد المواقع السلفية، وأراد به الكاتب رسم صورة توضيحية لإبليس أو البطاقته الشخصية للشيطان:
الاسم: إبليس.
البلدة: قلوب الغافلين.
العشيرة: الطواغيت.
المكان الدائم: جهنم وبئس المصير.
الأقطار: التي لا يذكر فيها اسم الله.
المجلس: الأسواق.
أعداء الرحلة: المسلمون.
شعار العمل: النفاق سيد الأخلاق.
لباس العمل: جميع الألوان كالحرباء فلكل مكان لون.
زوجة الدنيا: الكاسيات العاريات.
يحب من؟: الغافلين عن ذكر الله.
يزعجه: الاستغفار.
كتابته: الوشم.
بيته: الخلاء والحمام.
بداية ظهوره: يوم أن رفض السجود لآدم.
زملاؤه: المنافقون.
مصدر رزقه: المال الحرام.
غرفة عملياته: الأماكن النجسة ومحال المعاصي.
خدماته: يأمر بالمنكر ويرغب فيه.
أوامره: يأمر بالفحشاء.
الديانة: الكفر.
الوظيفة: مدير عام المغضوب عليهم والضالين.
مدة الخدمة: إلى يوم القيامة.
جهة السفر: صراط الجحيم.
هوايته: الغواية والضلال.
رفيق الرحلة: الساكت عن الحق.
أمنيته: أن يكفر الناس أجمعين.
نوع الركوبة: الكذب.
نهايته: يوم الوقت المعلوم.
الأجر: مأثوم هو وأتباعه.
أفضل عمل له: اللواط والسحاق.
جهاز الاتصال: الغيبة والنميمة والتجسس.
كلمة السر لأتباعه: (أنا) كلمة المتكبرين.
الطعام المفضل: لحم الأموات (الغيبة).
يخاف ممن؟: المؤمن التقي.
يكره من؟: الذاكرين الله كثيرا والذاكرات.
ما يبكيه: كثرة السجود.
الدفاع: إن كيد الشيطان كان ضعيفا.
فالشيطان إذا تخلى عن هويته الأسطورية والرمزية وأصبح شخصية حقيقية ومخلوق يجب لعنه والتعوذ بالله منه في كل دقيقة من الحياة، لأنه متواجد بيننا ويتربص بنا ليقودنا إلى التمرد والعصيان وإقتراف الجريمة، وليس من المستبعد أن يتهمه بعض القراء بكونه كاتبا أو محرضا على كتابة هذه السطور.

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكاية للأطفال
- سارق النار
- التمرد والأسطورة
- تمرد البروليتاريا الإلهية
- لا تنظري للوراء
- تجاوز جدلية السيد والعبد
- ليليث والصياد
- بطن الحوت
- سيزيفوس
- الصمت
- صاحب السلم
- اللعنة على العالم
- الفيض الإلهي
- شرعية القبيلة وشرعية الإقتراع
- غربة الله
- القمر الأسود
- فكرة الله في التصوف الكابالي
- لغة الأحجار
- الأسد المقدس
- تماثيل الملح


المزيد.....




- إماراتي يرصد أحد أشهر المعالم السياحية بدبي من زاوية ساحرة
- قيمتها 95 مليار دولار.. كم بلغت حزمة المساعدات لإسرائيل وأوك ...
- سريلانكا تخطط للانضمام إلى مجموعة -بريكس+-
- الولايات المتحدة توقف الهجوم الإسرائيلي على إيران لتبدأ تصعي ...
- الاتحاد الأوروبي يقرر منح مواطني دول الخليج تأشيرة شينغن متع ...
- شاهد: كاميرات المراقبة ترصد لحظة إنهيار المباني جراء زلازل ه ...
- بعد تأخير لشهور -الشيوخ الأمريكي- يقر المساعدة العسكرية لإسر ...
- -حريت-: أنقرة لم تتلق معلومات حول إلغاء محادثات أردوغان مع ب ...
- زاخاروفا تتهم اليونسكو بالتقاعس المتعمد بعد مقتل المراسل الع ...
- مجلس الاتحاد الروسي يتوجه للجنة التحقيق بشأن الأطفال الأوكرا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - ثورة إبليس