|
الحاجة إلى قانون جنائي يرقى بالمغرب .
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 7078 - 2021 / 11 / 15 - 14:49
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
شكل مشروع القانون الجنائي الذي جاء به مصطفى الرميد الذي تولى حقيبة وزارة العدل والحريات في حكومة بنكيران ، ردّة حقوقية خطيرة وتراجعا ممنهجا عن المكتسبات الحقوقية التي تضمنها القانوني الجنائي المعمول به منذ استقلال المغرب . إذ تحكّمت فيه إيديولوجية تنظيم الإخوان التي تخدم إستراتيجية أسلمة المجتمعات وعرقلة جهود تحديث بنيات الدولة والمجتمع . ذلك أن هذه الإستراتيجية تناهض حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا ، وتسعى ، في المقابل ، إلى فرض تشريعات دينية تترجم عقيدة التنظيم الدولي للإخوان وإيديولوجيته . لهذا أصر وزير العدل حينها ، مصطفى الرميد، على رفض المقترحات التي تقدمت بها الهيئات الحقوقية ، وفي مقدمتها المجلس الوطني لحقوق الإنسان ، وكذا الهيئات النسائية باستثناء تلك المرتبطة بتنظيمات الإسلام السياسي التي تخدم أجنداتها ومشاريعها المجتمعية . بل إنه هدد مرارا بتقديم استقالته إذا تم رفض مشروعه . وقد اعتمد الرميد أسلوب "وضع السم في العسل" بتعديل فصول قانونية حتى تتماشى مع التزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان ليغطي على إقحام فصول "داعشية" ظلت تعاني منها عدة مجتمعات مشرقية ، عربية وإسلامية (في عام 2003، قتلت ما لا يقل عن 1261 امرأة في جرائم الشرف في باكستان)، وهي تَعرف اليوم مطالب اجتماعية وحقوقية ملحة بضرورة تغييرها ، ويتعلق الأمر أساسا بجرائم القتل بدافع "الشرف" ، وكذا تزويج القاصرات . فمن أخطر المواد التي تضمنها مشروع القانون الجنائي الذي وضعه الرميد: المادة 418 (يتوفر عذر مخفض للعقوبة في جرائم القتل أو الجرح أو الضرب ، إذا ارتكبها أحد الزوجين ضد الزوج الآخر وشريكه عند مفاجأتهما متلبسين بجريمة الخيانة الزوجية ) . المادة 420 ( يتوفر عذر مخفض للعقوبة في جرائم الجرح أو الضرب دون نية القتل ، حتى لو نتج عنها موت ،إذا ارتكبها أحد أفراد الأسرة على أشخاص فاجأهم بمنزله وهم في حالة اتصال جنسي غير مشروع). المادة 423 ( عندما يثبت العذر القانوني لارتكاب الجرائم المنصوص عليها في هذا الفرع ، فإن العقوبات تخفض إلى : 1 ــ الحبس من سنة إلى خمس في الجنايات المعاقب عليها قانونا بالإعدام أو السجن المؤبد ؛ 2 ــ الحبس من ستة أشهر إلى سنتين في باقي الجنايات ؛ 3 ــ الحبس من شهر واحد إلى ثلاثة أشهر في الجنح). هكذا يحرض مشروع القانون الجنائي على قتل الإناث من طرف الأقارب ويشرعنه بتخفيض عقوبة جريمة القتل بدافع "الشرف" من الإعدام والمؤبد إلى شهور قليلة . الأمر الذي يتعارض مع الدستور الذي يكرّس الحق في الحياة " الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق" الفصل 20. فضلا عن هذا ، فإن المشروع جاء خاليا من أي نص يجرّم التكفير والتحريض عليه وترويج فتاوى التطرف والتحريض على قتل المفكرين والمثقفين والسياسيين والصحافيين ؛مما يمكن اعتباره تواطؤا مع التنظيمات التكفيرية وحماية لشيوخ التطرف والكراهية،رغم مطالب الحقوقيين والديمقراطيين بضرورة تجريم التكفير . ولعل قرار رئيس الحكومة ، عزيز أخنوش ، سحب مشروع القانون رقم 10.16 المتعلق بتتميم وتغيير مجموعة القانون الجنائي من البرلمان لإخضاعه للمراجعة الشاملة ، يعد قرارا مهما يبعث على الأمل في أن تتدارك الحكومة مساوئ المشروع وذلك بالأخذ في الاعتبار حاجة المجتمع المغربي إلى قانون جنائي عصري يترجم مبادئ وقيم حقوق الإنسان إلى نصوص تشريعية تنسجم، من جهة ، مع الدستور المغربي الذي يتبنى في ديباجته منظومة حقوق الإنسان في بعدها العالمي ، ومن جهة أخرى مع التزامات المغرب الدولية والمواثيق التي صادق عليها . لهذا ، سيكون على الحكومة فتح نقاش جدي وبنّاء مع الهيئات الحقوقية والنسائية لبلورة مشروع يساير حركية المجتمع وتطوره . فالقانون الجنائي لا ينبغي أن يخضع للتجاذبات السياسية أو الإيديولوجية ، بقدر ما ينبغي وضع في الاعتبار أنه التشريع الذي سيؤطر المجتمع على مدى العقود القادمة دون أن يتصادم مع حركيته . إذ كلما كان القانون لا يعبر عن مستوى الوعي السياسي والحقوقي لدى المجتمع ، فإنه سيكون موضوعا للخرق والانتقاد من طرف غالبية المواطنين مادام لا يعبر عن إرادتهم. والأخطر في الأمر أن يكون القانون مصدر ظواهر اجتماعية مأساوية بسبب استبعاد البعد الإنساني والتربوي عند وضع نصوصه . من هذا المنطلق ، سيكون من الضروري حذف كل النصوص التي لا تتواءم مع الدستور ولا تنسجم مع الاتفاقيات والمواثيق التي صادق عليها المغرب. لأجل هذا ، فالحكومة مطالبة بالأخذ في الاعتبار الظواهر الاجتماعية التي ساهم القانون الجنائي في استفحالها ، والتي تشكل مأساة عشرات الآلاف من الضحايا ، وفي مقدمتهم : الأطفال المتخلى عنهم ، والأمهات العازبات . إذ بسبب تجريم الإجهاض الإرادي يتم "التخلي عن 24 طفلا في اليوم بما يصل إلى 8640 في السنة" حسب تقرير لـ"الجمعية المغربية لليتيم" في أبريل 2021. إن الشعب المغربي ،في عمومه ، يراهن على حكومة عزيز أخنوش في أن تقبر مشروع الأخونة والأسلمة الذي جاء في إطاره مشروع القانون الجنائي بتقديم نصوص تشريعية تدخل المغرب عمليا للحداثة وتجسد قيم الديمقراطية التي تضمن للمواطنين حرياتهم الفردية والجماعية ، وفي مقدمتها :حرية الاعتقاد برفع التجريم عن الإفطار في رمضان الذي هو من مخلفات قانون الاستعمار الذي وضعه ليوطي ، وكذا الحق في الإجهاض الارادي حماية للمجتمع من المآسي الاجتماعية ( التشرد ، الانحراف ، الإجرام ..) . إن أولى مداخل معالجة هذه المآسي تكمن في إلحاق الطفل بأبيه البيولوجي ، وكذا السماح بالإجهاض داخل الأربعة أشهر الأولى من الحمل وفق ما تقره السنة النبوية الشريفة . يضاف إلى هذه الحريات الواجب حمايتها بالقانون ، حرية العلاقات الرضائية بين البالغين في الأمكان المغلقة ، علما أن تجريمها لم يمنع من ممارستها ، بل هو السبب المباشر في جرائم الاغتصاب وزنى المحارم والشذود الجنسي ، كما يغذي ميولَ التطرف الديني وهو أحد أسبابه في نفس الوقت. أمام الحكومة ، إذن ، فرصة لتبث للشعب أنها جادة في عصرنة القوانين ومحاربة الفساد ونهب المال العام. لهذا ، عليها أن ترد على الذين يُرجعون قرار سحب مشروع القانون الجنائي إلى إلغاء تجريم الإثراء غير المشروع بالإبقاء على مقتضيات تجريمه.
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخطاب الملكي ينهي مرحلة الابتزاز الأوربي .
-
هل سيُعيد بنكيران حزبه إلى بيت الطاعة للحركة؟
-
أطباء أفسدت الإيديولوجية إنسانيتهم .
-
الخارجون عن القانون : رجاء الانسجام في المواقف.
-
حوار لفائدة جريدة الصباح المغربية .
-
مسؤوليات الحكومة.
-
بين المغرب وطهران تنكشف خطة العدل والإحسان.
-
مصطفى الرميد خدم الإخوان على حساب الوطن.
-
إستراتيجية الإسلاميين لمواجهة انتكاستهم الانتخابية.
-
وعود البيجيدي الانتخابية وعود عرقوب (18).
-
وعود البيجيدي الانتخابية وعود عرقوب (17).
-
وعود البيجيدي الانتخابية وعود عرقوب (16).
-
أحمد الريسوني يبارك لطالبان ويشيْطن قيس سعيد 2/2.
-
أحمد الريسوني يبارك لطالبان ويشيْطن قيس سعيد 1/2. سعيد الكحل
...
-
وعود البيجيدي الانتخابية وعود عرقوب (15).
-
محاربة الإرهاب في إفريقيا مسؤولية أممية.
-
وعود البيجيدي الانتخابية وعود عرقوب (14)
-
هزيمة بقوة الصدمة .
-
وعود البيجيدي الانتخابية وعود عرقوب (13).
-
وعود البيجيدي الانتخابية وعود عرقوب (12).
المزيد.....
-
يهود يتظاهرون في نيويورك احتجاجا على مشاركة نتنياهو باجتماعا
...
-
القمة العربية الإسلامية في الدوحة.. نجاح مرهون بمراجعة التحا
...
-
التعليم كجبهة في الحرب الناعمة: بين الاستخراب الغربي وبناء ا
...
-
خليج الجنة في تركيا.. رفاهية خفية على شاطئ لا يقصده سوى الأث
...
-
أردوغان يعين صافي أرباجوش رئيسا للشئون الدينية التركية
-
مظاهرة يهودية في نيويورك ضد مشاركة نتنياهو في اجتماعات الأمم
...
-
نيويورك.. يهود يحتجون على مشاركة نتنياهو في اجتماعات الأمم ا
...
-
تردد قناة طيور الجنة 2025 على النايل سات والعرب سات
-
تردد قناة طيور الجنة 2025 على النايل سات والعرب سات
-
تردد قناة طيور الجنة 2025 على النايل سات والعرب سات
المزيد.....
-
القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق
...
/ مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
المزيد.....
|