|
الوهم الديمقراطي
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 7069 - 2021 / 11 / 6 - 12:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل أصبحت الديمقراطية "حلماً" يضاف إلى أحلامنا المتكسّرة أم "وهماً" يضاف إلى أوهامنا المتكدّسة، أم أنها أضحت "سراباً" بعيد المنال، فكلّما نركض نحوه يبتعد عنّا؟ على الرغم من أن شعوبنا تتوق إليها بما يوفّر لها الرفاه والحرية والمساواة والمشاركة والعدل. منذ أن حصل التغيير الديمقراطي في أوربا الشرقية في أواخر ثمانينيات القرن الماضي وهي الموجة الثانية بعد التغيير الذي حصل في اليونان والبرتغال وإسبانيا (منتصف السبعينيات)، حدثت تململات في منطقتنا، لكن موجتها كانت منخفضة، فتبخرّت رياح التغيير عند شواطئ البحر المتوسط. وإذا كانت الموجة الجديدة عاصفة وسريعة، إلاّ أنها حملت من داخلها عوامل الكبح والنكوص، خصوصاً عدم اكتمال العوامل الموضوعية والذاتية. وعلى الرغم من ارتفاع رصيد الفكرة الديمقراطية بحيث اصطبغ إسمها بكل شيء إلاّ أنّها ظلّت مجرّد شعارات تستخدمها الأحزاب ويتداولها السياسيون وينظّر إليها حتى أصحاب الأيديولوجيات الشمولية اليسارية أو القومية أو الدينية، فلا فرق، مثلما كانت "الإشتراكية" في الستينيات، إلهاماً للقصائد والبرامج والشعارات. وسرعان ما بدأ الناس يتندّرون على الديمقراطية "المطبّقة" بعد أن كانت حلماً وردياً موعوداً، وذلك لكثرة ما سمعوا ورأوا وواجهوا من كلام وممارسات وخطب بشأنها وبالضد منها، حتى أن جماعات عشائرية وأخرى عسكرية وثالثة دينية وطائفية متعصّبة ومتطرّفة أمطرت رؤوسنا بالدعوة إليها وكأنها الدواء لكل داء. لكن حلم التغيير الديمقراطي بدا وكأنّه مثل مطر صيفي، أي هبّة سريعة غاضبة حيث تحوّلت السماء الصافية الزرقاء إلى رمادية وتلبّدت الغيوم في كل مكان ومالت السماء إلى السواد والدكنة فألقت حمولتها بسرعة وقوة، ثم أعقبها صراعات واحتدامات بعضها كان عنفياًّ ومسلّحاً، بفعل إلتباس اللحظة الثورية موضوعياً، وخصوصاً تأثيرات العامل الدولي والإقليمي الذي لعب دوراً سلبياً، بالتدخّل المباشر أو غير المباشر، وذاتياً افتقادها مقوّمات التغيير ومستلزماته لا من حيث الأداة (القيادة تنظيراً أو ممارسة)، ولا من حيث البرامج، ولا ثمّة توافقات وطنية إزاء القضايا الكبرى والمصيرية، ولا سيّما في المرحلة الأولى ما بعد التغيير، حيث تسرّبت الفوضى والفساد المالي والإداري والعنف إلى مفاصل الدولة وأروقتها. يضاف إلى ذلك، أن "الشرعيات القديمة" وقوى الثورة المضادة لعبت دوراً كابحاً ومعرقلاً لعملية التحوّل الديمقراطي، بل شكّلت حجر عثرة أمام طموحات الناس وأحلامهم في تأسيس شرعية جديدة أساسها رضاهم ومنجزات يمكنها أن تنتشل البلاد من الواقع القديم إلى واقع جديد أفضل. ولم يصاحب محاولات تأسيس شرعية جديدة قيام مشروعية قانونية تستند إلى حكم القانون، خصوصاً وأن الفوضى ضربت أطنابها وطبعت غالبية التجارب الجديدة، الأمر الذي عطّل التنمية بجميع مجالاتها. فليست الحريات، ولا سيّما حرية التعبير والانتخابات بديلاً عن التنمية المستدامة، خصوصاً في ظلّ استفحال الفساد المالي والإداري وهشاشة الحكّام الجدد وهزال توجهاتهم الفكرية والسياسية والاجتماعية وتأثيرات القوى الخارجية عليهم، الأمر الذي دفع المجتمعات إلى نوع من العزوف عن المشاركة، بل إلى قنوط حقيقي، حيث تفشّى السلاح المنفلت والتجاوز على المال العام والنزوع إلى الحصول على الامتيازات والمكاسب على حساب الوطن ومصالحه العليا بما فيه الصراع على السلطة دون الالتفات إلى هموم الناس ومعاناتها التي ازدادت تعتّقاً. ولعل ما حصل في تونس آخر معقل كان يعتدّ به على إمكانية نجاح التجربة خير دليل على تكسّر الأحلام والعودة إلى مربّع فرض القوة أو التعكّز عليها تحت عناوين مختلفة، لإلغاء الخصوم أو تهميشهم. وبالطبع فالمبرّرات موجودة وكلٍ يدّعي أنه يمتلك الحقيقة والأفضلية وهو الأقرب إلى "الديمقراطية"، والاستناد إلى الدستور حتى وإن قام على المكوّنات، أي تقسيم المجتمع عمودياً وأفقياً على أساس طوائف وإثنيات كما هو الدستور العراقي، في حين ذهب التحوّل "الديمقراطي" في اليمن إلى الإستلاء على الحكم بقوة السلاح وزاد الطين بلّة بالتدخلات الإقليمية، خصوصاً بوصول الوضع الداخلي إلى طريق مسدود. وكان الأمر كارثياً في "سوريا" التي ما زالت تعيش مأساة حقيقية، بتفقيس بيض الإرهاب واستمرار داعش وإقامة دولته بين الموصل، في العراق التي تمّ احتلالها، وقبلها "الرقّة" السورية التي اعتمدت عاصمة للخلافة. أما في ليبيا فقد اندلع العنف ولم يتوقّف منذ عقد من الزمن وإلى الآن، وهي تعيش حروباً ونزاعات وتدخّلات أجنبية. وبعد تجربة متعثّرة لسنتين من الحكم الانتقالي في السودان بعد حكم عمر حسن البشير العسكري، وإذا بانقلاب عسكري يطيح بالشركاء المدنيين، وكأنه يعيد الخرطوم إلى المربّع الأول. وبغضّ النظر عن الأدوار السلبية التي لعبتها القوى الإسلامية بعد حركات الاحتجاج فإنّ مستقبل التوجهات الديمقراطية الوليدة ظلّ رخواً، بل شديد الهشاشة، ناهيك عن عدم توفير البيئة المناسبة والسلمية للتنمية، وهو ما يدعو إلى القلق، بل والقنوط من احتمال مواجهات عنفيّة في التجارب المشوّهة والمثلومة، ولولا تدخّل الجيش في مصر، لكانت الأمور قد ذهبت بعيداً باتجاه "الأخونة". فهل أصبحت الديمقراطية وهماً أم ما تزال حلماً يحتاج إلى الإقتراب من الواقع؟
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مناظرة السليمانية : واستذكارات الحوار العربي - الكردي
-
السلطة ذكورية ولا كتابة حقيقية دون جرأة
-
كورونا والسلام العالمي
-
المناخ والنفط
-
الشباب نصف الحاضر وكل المستقبل
-
مآلات الربيع العربي- وقفة مراجعة
-
صاحب الحكيم وسوسيولوجية الشيوعية في النجف
-
الطائفية وأسئلة الضرورة
-
مئوية الدولة العراقية
-
الإرهاب الدولي : قراءة مغايرة
-
من دروس التجربة المغربية
-
الإختفاء القسري
-
صالون 15 في بيروت... لماذا؟
-
الملك فيصل الأول والهويات القاتلة
-
ايران وشط العرب: صاعق التفجير (5)
-
تونس ومفترق الطرق
-
تركيا: مشروع الغاب.. للتحكم بمياه سوريا والعراق (4)
-
رسائل روسية إلى طالبان
-
البارومتر الساخر والمحرّض
-
في -مملكة- الجواهري
المزيد.....
-
إيران تؤسس مجلس دفاع وطني بعد حربها الأخيرة مع إسرائيل
-
هل يشتعل الصراع بين تركيا والهند في المحيط الهندي؟
-
90 ألفا تظاهروا بأستراليا تعاطفا مع غزة وإسرائيل غاضبة
-
ترامب: على إسرائيل أن تطعم الناس في غزة
-
إيران تعلن تأسيس -مجلس الدفاع الوطني- لتعزيز قدراتها
-
حماس ترد على طلب نتنياهو بشأن -غذاء- الرهائن
-
هآرتس: ويتكوف وقع في -فخ- نتنياهو.. والحل في يد ترامب
-
رسامة يابانية تثير الجدل بعد تحقق نبؤءة زلزال روسيا الكبير
...
-
10 أعراض قد تنذر بانخفاض خطير في ضغط الدم
-
الأمن السوري يستعيد السيطرة على مناطق بالسويداء بعد اشتباكات
...
المزيد.....
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|