إِصْلَاح الاقتصاد مَشْرُوط بِإِصْلَاح النِظَام السِّيَاسِي

عبد الرحمان النوضة
(Rahman Nouda)

الحوار المتمدن-العدد: 7067 - 2021 / 11 / 4 - 15:42
المحور: الادارة و الاقتصاد
    

في المغرب، اعترفت السلطة السياسية بفشل نماذجها القديمة "لتنمية الاقتصاد الوطني" التي طبقتها على مدى الستين عاما الماضية. وهذا النقد الذاتي (الذي عبر عنه الملك من خلال بعض خطاباته) إيجابي. واليوم، تُطالب السلطةُ السياسيةُ "المجتمعَ المدني" بمساعدتها على تطوير "نموذج جديد لتنمية الاقتصاد الوطني". وقد أعلنت الحكومة عن تنظيم عدة مشاورات في هذا المجال.
ولكن لماذا نريد إصلاح "نموذج التنمية الاقتصادية" فقط، وفي نفس الوقت، نرفض إصلاح نموذج النظام السياسي القائم؟ هل يمكن تحسين الاقتصاد، دون تحسين النظام السياسي؟ هل الاقتصاد مستقل حقًا عن السياسة؟ أليس فشل "نماذج التنمية الاقتصادية" القديمة، هو في آن واحد، فشل للنظام السياسي الذي صَمَّمَهَا وَطَبَّـقَهَا على مدى عُقود؟ لماذا نَقبل الاعتراف بفشل النموذج الاقتصادي ، وفي نفس الوقت، نرفض الاعتراف بفشل النظام السياسي؟ لماذا لا نفهم أن الاقتصاد، والسياسة، ما هي إلا مُـكَوِّنَات، وجوانب متميزة، لمجموعة شُمولية واحدة، هي المُجتمع. أي نوع من الاقتصاد، يفترض بالضرورة، وجود نوع مُحدّد من النظام السياسي. والعكس بالعكس. وهناك علاقة عضوية، وتاريخية، بين نوع الاقتصاد ونوع النظام السياسي. وفي حالة المغرب، الذي تُوجد فيه ملكية مطلقة، وديكتاتورية، وقائمة على الريع، وعلى الفساد، وعلى التبعية للقوى الإمبريالية، لا يمكن لهذا النظام السياسي أن يولد اقتصادًا مشابهًا لاقتصاد الصين، أو كوريا الجنوبية، أو سنغافورة.
وإذا تَشَبَّتْنَا بتغيير الاقتصاد وحده، دون تغيير نَوْعِيَة النظام السياسي، ماذا سيحدث؟ سيحدث أن الاقتصاد سَيُعِيد إنتاج نفسه، أو سَيُـكَرِّرُ نفس مُمَيِّزَاتِه القديمة، على غرار ما كان عليه. وسَيُعِيد الاقتصاد إنتاج نفس الاختلالات، ونفس الأزمات، ونفس الإخفاقات.
وَعِلَاوَة على ذلك، فإن ما فشل في المغرب، ليس هو فقط "نموذج التنمية للاقتصاد"، أو النظام السياسي القائم، ولكن أيضًا النظام الرأسمالي التابع للإمبريالية هو نفسه! لأن جوهر الاقتصاد (في المغرب) هو بالضبط نظام رأسمالي تابع للإمبريالية، في ظل هيمنة ملكية مطلقة، ومستبدّة. إن الإنتاج ، والتوزيع ، والتجارة ، والاستهلاك، والثقافة ، والتقاليد، والعلاقات السياسية، والعلاقات المُجتمعية، وما إلى ذلك، كلها مرتبطة جَدَلِيًّا داخل المجتمع بأسره (ك. ماركس). ولا يوجد بديل ممكن لهذه الرأسمالية التابعة للإمبريالية غير الاشتراكية البيئية!
وليست التيارات السياسية "الاشتراكية الديمقراطية" (sociale démocratie) هي التي يمكن أن تحرر الشعب من الرأسمالية التابعة للإمبريالية. وعلى امتداد قرنين من التاريخ في دول أوروبا الغربية، أظهرت التجربة أن هذه التيارات "الاشتراكية الديمقراطية" يمكنها فقط أن تَـتَعَاوَن مع الرأسمالية، وخدمتها، والمشاركة في ذبح الطبقة العاملة.
وَبَدَلًًا من الاستمرار في إعادة إنتاج ما فشل بالفعل، وَبِطُرُق مختلفة، فإن الأفضل، هو إنجاز ثورة مجتمعية، بل اشتراكية.
من وجهة نظر الرأسماليين، فإن نجاح "الإصلاح الاقتصادي" مشروط بـ "الاستقرار السياسي". والمعنى الذي يعطيه الرأسماليون لـ "الاستقرار السياسي"، هو "غياب الإصلاح السياسي". إنهم يريدون تغيير الاقتصاد، دون تغيير أي شيء في النظام السياسي القائم ، وفي الدولة، وفي العلاقات المُجتمعية، وفي المُكَوِّنَات الأخرى للمجتمع. وهذا المفهوم غير الديالكتيكي يُعادل الرغبة في "المشي على رجل واحدة". وَيُظْهِرُ التاريخ أن مثل هذه التصوّرات الرأسمالية تنتهي حتما بالفشل. لأنه لا يمكنك تغيير الاقتصاد دون تغيير السياسة (بالمعنى التقدمي للتاريخ البشري).
(هذا النص هو مقتطف من كتاب جديد لرحمان النوضة، تحت عنوان: "يستحيل الخروج من التخلّف بواسطة الرأسمالية". وهو مَكْتُوب أصلًا باللغة الفرنسية: "Impossible de sortir du sous-développement avec le capitalisme". ويُمْكِنُ تَنزيل هذا الكتاب بالمجّان من مُدَوَّنَة الكاتب: https://livreschauds.wordpress.com/2021/11/04/impossible-de-sortir-du-sous-developpement-avec-le-capitalisme/).

#عبد_الرحمان_النوضة (هاشتاغ)       Rahman_Nouda#          

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل