أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبد الرحمان النوضة - نَقد الحركات الأَمَازِيغِيَة















المزيد.....



نَقد الحركات الأَمَازِيغِيَة


عبد الرحمان النوضة
(Rahman Nouda)


الحوار المتمدن-العدد: 6502 - 2020 / 2 / 29 - 23:50
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


هذا المقال هو وجهة نظر شخصية، ولَا يُلزم سوى كاتبه. ويُوَضِّح المقال الحالي أهم الانتـقادات ‏التي كان يجب على قوى اليسار بالمغرب أن تُوَجِّهَهَا كِتَابيًّا وعَلَنِيَة إلى "الحركات الأمازيغية". لأن قوى ‏اليسار لَا ترضى عن بعض سُلوكيات الحركات الأمازيغية (كما أن الحركات الأمازيغية لا ترضى عن ‏بعض مُمارسات قوى اليسار). ولأن قوى اليسار قَصَّرت في نقد السُلُوكِيَات الخاطئة الملاحظة في ‏الحركات الأمازيغية. وإذا ما طرحت إحدى قوى اليسار أنها انتـقدت بما فيه الكفاية الحركات ‏الأمازيغية المُخطئة، فَلْتُخْبِرْنَا بالمراجع المكتوبة التي نشرت فيها هذه الانتقادات. والغاية من هذا ‏المقال النقدي، ليست هي إِلْحَاق الضَرَر بالحركات الأمازيغية، ولا التنافس السياسي، ولا تسجيل نـقط ‏ضد أيّ طرف كان، وإنما الهدف هو تبادل النـقد البناء، والبحث عن الحقيقة، وتقويم الأخطاء، ‏وتـقليص سُوء التـفاهم، وتـقريب مجمل القوى المناضلة من بعضها البعض، وتسهيل تعاونها، بهدف ‏تحقيق طموحات الشعب. وفيما يلي أهمّ السُّلُوكِيَات التي كان ينبغي نـقدها لدى الحركات الأمازيغية: ‏
‏1.‏‎ ‎نُسجّل في البداية أن الحركات الأمازيغية، خلال الأربعين سنة الماضية، قامت بمجهودات ‏ملموسة، وبنضالات إيجابية. وساهمت الحركات الأمازيغية في تحقيق الكثير من المكاسب المُعتبرة ‏‏(كالتنبيه إلى خطر اندثار التراث الثقافي الأمازيغي، وإعادة الاعتبار إلى اللغة الأمازيغية، والاجتهاد في ‏مجال تَوحِيد مَعَايِير [‏standardisation‏] هذه اللغة، ومحاولة إعادة العِزَّة للجماهير الأمازيغية ‏المُهَمَّشَة، الخ). لكن موضوع المقال الحالي، ليست هو تِعْدَاد الإنجازات الإيجابية للحركات الأمازيغية، ‏أو مُجاملتها، أو مَدْحُهَا. وإنما غَرَض هذا المقال هو إبراز نقط ضعفها، أو نقد نقائصها، أو أخطائها. ‏
‏2.‏‎ ‎ظهرت الحركات الأمازيغية الأولى بالمغرب في سنوات 1980. وكانت غالبية الأشخاص ‏الذين ساهموا في تأسيس الحركات الأمازيغية الأولى بالمغرب تَنحدر من صفوف قوى اليسار بالمغرب. ‏ولمّا لاحظ هؤلاء المناضلين أن أحزاب اليسار لا تقدر على التعامل مع القضية الأمازيغية كَـ «قضية ‏مركزية»، أو «رئيسية»، مُقارنةً مع القضايا السياسية الأخرى، لجأوا إلى تأسيس جمعيات أمازيغية ‏مستقلة عن أحزاب اليسار. ولجأت حركات أخرى إلى الانشغال على «تَخَصُّص» مُشَابه، مثل ‏الجمعيات النسائية، والجمعيات الحقوقية، والجمعيات التعاونية، إلى آخره. وإلى حدود بداية سنوات ‏‏2000، كانت مُجمل الحركات الأمازيغية ذات توجّهات تقدّمية، أو حُقوقية-إنسانية، أو دِيموقراطية، ‏أو يسارية. وكانت تُطالب بالاعتراف بالهوية الأمازيغية، وبالاهتمام بالتراث الثقافي الأمازيغي. لكن ‏دِفَاع الحركات الأمازيغية عن الحقوق المادية لِجماهير المناطق الأمازيغية المُهَمَّشَة، أو المُهملة، أو ‏المَسحوقة، بَقِيَ على العُموم بَاهِتًا، أو ضعيفًا، أو غائبًا. ‏
‏3.‏‎ ‎إذا كانت بعض الجمعيات الأمازيغية، سليمة نسبيا في أفكارها، أو في سلوكيّاتها، فإن ‏بعض الشخصيات الأمازيغية، وبعض الجمعيات الأمازيغية، أصبحت، منذ قرابة سنة 2010، تُبالغ في ‏انزلاقها المُتزايد نحو أطروحات سياسية يمينية. وتتميّز هذه الحركات الأمازيغية بِعدائها المُفرط ضدّ ‏كل ما هو «عربي»، أو ضدّ كلّ ما هو معارض لأطروحات الحركات الأمازيغية. كأن الدِّفاع عن حقوق ‏الجماهير الأمازيغية يتطلّب بالضّرورة مُعاداة ما هو ‏«عربي»‏. ‏
‏4.‏‎ ‎كلّما نظّم مناضلو أحزاب اليسار الأربعة بالمغرب [الطليعة، والاشتراكي المُوحّد، والمؤتمر ‏الاتحادي، والنهج]، مُظاهرة، أو وقفة احتجاجية، يأتي إلى هذه المظاهرة مناضلون من بعض الجمعيات ‏الأمازيغية، وَيُلَوِّحُون بأعداد كبيرة من الرَايات الأمازيغية الكبيرة، دون طلب أيّ إذن من المُنَظِّمِين ‏الأصليِّين لهذه المظاهرة المعنية. فتظهر المظاهرة كأنها «مظاهرة أمازيغية»، مُنَظَّمَة من طرف جمعيات ‏‏«أمازيغية»، ومن أجل أهداف «أمازيغية». وهذا التلويح غير المُبرمج بالرّايات الأمازيغية، يَخْطِفُ ‏المظاهرة المَعْنية، ويَسْتَوْلِي عليها، ويَسْتَـغِلُّهَا لأغراض مخالفة لأغراضها الأصلية. وإذا طالب مُنَظِّمُو ‏المظاهرة من حاملي هذه الرايات الأمازيغية أن يحترموا شعارها، وأن يسحبوا تلك الرّايات، يرفض ‏المناضلون «الأمازيغيون»، وَيَتَسَبَّبُون في إحداث اصطدامات، أو تَشَنُّجَات، أو تَعْنِيف، مع مُنَظِّمِي هذه ‏المظاهرة. وهذا سلوك انتهازي مرفوض. ‏
‏5.‏‎ ‎يشتكي عدد متزايد من بين مناضلي قوى اليسار من أن بعض الشخصيات الأمازيغية، ‏وبعض الجمعيات الأمازيغية، أصبحت تشكل خطرا مُـقْلِقًا، بسبب انزلاقها المُتَزَايِد في أُطْرُوحَات ‏‏«العِرْقِيَة»، أو «الإِثْنِيَة» (‏ethnisme‏)، أو «الطَائِفِيَة» (‏communautarisme‏)، أو في «الشُّوفِينِيَة»، أو ‏‏«العُنْصُرِيَة»، أو «العُدْوَانِيَة»، ضدّ كل ما هو «عربي»، أو فلسطيني، أو يساري، أو ثوري، أو "غير ‏أمازيغي". وتُشجّع هذه المُعتـقدات الأمازيغية اليمينية على «الكَرَاهِيَة»، وعلى «العُنف» اللّفظي، ضدّ كل ‏من يُعارض أطروحات هذه الجمعيات الأمازيغية «الإِثْنِيَة». وقد بدأ جزء من الجماهير الأمازيغية الشابّة ‏يتبنّى هذه الأطروحات الأمازيغية المُبَسَّطَة، أو اليمينية، أو العُنصرية. ويُطَبِّـقُون هذه الأطروحات ‏الأمازيغية في سُلوكيات «عَصَبِيَّة»، أو طَائِفِيَة، أو عَدَائِية، أو عُدوانية. وحتى الجمعيات الأمازيغية ‏التي ترفض هذه الانزلاقات نحو اليمين المتطرّف، لَا تـقوم بما فيه الكفاية بِـواجب النـقـدٍ المَكْتُوب ‏والعَلَنِي لِشَـقيقاتها الجمعيات الأمازيغية المُنحرفة. وإذا لم تـقم قوى اليسار، منذ الآن، وقبل فَوَات ‏الأَوَان، بالمجهودات الثورية الـلازمة، في مجال نـقد انحرافات بعض الحركات الأمازيغية، فمن ‏الممكن أن تصبح بعض الحركات الأمازيغية هي القِوَى الأكثر طَائِفِيَّةً، ويَمِينِيَّة، وعدوانية، وعنفا، ‏سواءً تُجاه قوى اليسار، أم تجاه عموم المجتمع. ‏
‏6.‏‎ ‎إن الدفاع عن حقوق الجماهير الأمازيغية، هو نضال إيجابي، ومحمود، وَوَاجِب، ومُكَمِّل ‏للنضالات الأخرى السياسية والثورية، بِشَرْط أن يُخَاضَ هذا النضال بِمَنَاهِجَ ديموقراطية، وثورية، ‏وتحرّرية. أمّا إذا خِيضَ هذا الدفاع عن حقوق الجماهير الأمازيغية بمناهج إِثْنِيَة، أو طَائِفِيَة، أو ‏يمينية، فإنه سيؤدّي إلى إذكاء نَعَرَات الكَرَاهية، والعُدوانية. وإذا تظافر التناقض الأمازيغي الطّائفي، ‏مع تناقضات مُجتمعية أخرى حَادَّة (مثل التناقض بين الإسلاميين الأصوليين اليمينيّين واليساريين)، ‏فَمِن الممكن أن تَجُرَّ هذه المناهج الطَائِفِيَة، أو اليمينيّة، إلى حرب أهلية. وهذه المناهج الطَائِـفِيَة، أو ‏اليمينية، تتعارض مع الطموح الثوري إلى تحقيق الديموقراطية، والعدالة المُجتمعية، والتحرّر من ‏الاستغلال الرأسمالي، ومن الاضطهاد السياسي، لمصلحة كل سكّان التُراب الوطني، بغضِّ النظر عن ‏دِينِهِم، أو عِرْقِهِم، أو إِثْنِيَتِهِم، أو لُغَتِهِم، أو جِنْسِهِم، أو إِقْلِيمِهِم.‏
‏7.‏‎ ‎رغم أن مُعظم سكان بلدان شمال إفريقيا هم من أصل أمازيغي، ورغم أن إِثْنِيَات ‏‏(‏ethnies‏) مُتعدّدة تَتَوَاجَدُ وَتَـتَعَايَشُ داخل بلدان شمال إفريقيا، فإن شعوب شمال إفريقيا ظلّت ‏تاريخيا ترفض العمل بِـ «الطَّائِفِيَة». كما ترفضُ الجماهير الأمازيغية (في بلدان شمال إفريقيا) أيّ ‏مشروع يرمي إلى تحويل الأمازيغ إلى «طَائِـفَة». ومشكلنا المُجتمعي اليوم، هو مشكل تحرّر طبـقي من ‏كلّ أشكال الاستغلال الرأسمالي، ومن كلّ أشكال الاضطهاد السياسي، وليس نهائيا مشكل تحرّر ‏‏«طائفة أمازيغية» من سيطرة طائفة (أو طائفات) أخرى غير أمازيغية. وعلى عكس إيحاءات بعض ‏النُشَطَاء الأمازيغيين، فإن الصراع السياسي، والطبـقي، القائم بالمغرب، لَا يدور بين «حُكَّام عرب»، ‏و«مَحْكُومين أمازيغ». وَأَوْضَحُ دليل على ذلك، هو أن الطبـقة السائدة والمُسْتَغِلَّة في أيّ بلد من بين ‏بلدان شمال إفريقيا تتكوّن، في نفس الآن، من أشخاص ينتمون إلى مختلف الإِثْنِيَات، أي أمازيغ، ‏وعرب، وأَنْدَلُسِيِّين، وَصَحْرَاوِيِّين، إلى آخره؛ كما أن الطبـقات المَسُودَة والمُسْتَغَلَّة والمُهَمَّشَة تتكون، ‏هي أيضًا، وفي نفس الآن، من مواطنين أمازيغ، وعرب، وأندلسيين، وصحراويين، إلى آخره. وبالتّالي، ‏فَحَلّ المشاكل المُجتمعية، لا يَكْمُنُ في خَلْق، أو في مُنَاصَرَة، «طَائِفَة» أمازيغية، ضدّ «طائفة» أو ‏‏«طائفات» أخرى غير أمازيغية. وإنما الحل يكمن في القضاء على كلّ أشكال الاضطهاد السياسي، ‏وعلى كل أشكال الاستغلال الرأسمالي، وعلى كلّ أشكال الطَائِـفِيَة، وعلى كلّ أشكال التَهْمِيش، ‏وإطلاق العِنَان للحرّيات الفكرية، والثقافية، والسياسية، والاقتصادية، لِفَائِدَة كلّ المواطنين، بغض ‏النظر عن إِثْنِيَتِهِم، أو طَائِفَتِهِم، أو لَوْنِهِم، أو جِنْسِهم، أو لغتهم، أو دِينهم، أو إقليمهم. ‏
‏8.‏‎ ‎من المعروف أن قوى اليسار تطمح إلى تغيير النظام السياسي القائم، وإلى تَثْوِير علاقات ‏الإنتاج، وإلى تحرير الإنسان من الاستغلال الرأسمالي، ومن الاضطهاد السياسي، مع تحرير وتـفعيل ‏المُقَوِّمَات الثـقافية لكل الفئات الجماهيرية. بينما بعض الحركات الأمازيغية، (وكذلك الحركات ‏‏"الإسلامية" الأصولية)، تُعارض هذه الأهداف. وترفض المشاركة في خوض النضال الثوري الذي يهدف ‏إلى إنجاز هذه الغايات. وترفض حتى المشاركة في النضال المشترك الهادف إلى «إصلاح» أو «تغيير» ‏النظام السياسي القائم. وكبديل عن تلك الطموحات، تـقتصر الحركات الأمازيغية على النضال من أجل ‏أهداف محدودة، وذلك في حدود ما يسمح به النظام السياسي القائم. وتطمح الحركات الأمازيغية إلى ‏مُحاولة إجبار مُجمل المواطنين على تعلّم اللغة الأمازيغية، وقراءتها، وكتابتها، والتكلُّم بها. [مثلما ‏أن الحركات الإسلامية الأصولية تريد هي أيضًا إخضاع كل المواطنين «للشريعة الإسلامية» المُتَخَلِّفَة]. ‏ولا تـقبل بعض الحركات الأمازيغية اليمينية دراسة وتغيير الأسباب المُجتمعية والطبـقية العميقة، ‏الكامنة وراء قَهر، وتهميش، واستغلال، الجماهير الأمازيغية. ولا تـفهم بعض الحركات الأمازيغية، ‏أن ما يَهُمُّ الجماهير الأمازيغية، ليس هو أن يتكلّم، وأن يكتب، سُكّان العاصمة الرباط باللغة ‏الأمازيغية، بـقدْرِ مَا أن مَا يهمّ الجماهير الأمازيغية أكثر، هو أن تَمَتُّـعَ، حَيْثُمَا وُجِدَتْ، بالماء الشروب، ‏وبالكهرباء، وبالمدرسة، وبالمستشفى، وبالطُّرق القروية، وبالنـقل الجماعي، وبتوفير فرص الشّغل، ‏وبتسهيل تسويق منتوجاتها الفلاحية، وبالحرية، وبالمساواة، وبالعدل، وبقضاء مُستقل، وبحقوق ‏المواطنة، وبالكرامة، وبالتضامن المُجتمعي، إلى آخره. وبإيجاز، ما يهمّ الجماهير الأمازيغية، هو أن ‏تعيش ضِمْنَ علاقات مُجتمعية مُتحرّرة من كل أشكال التَهْمِيش، والاضطهاد، والاستغلال. وإذا ‏توفّرت هذه الحقوق، فإن إحياء التراث الأمازيغي، وتنميته، سيكونان أكثر سُهولةً، أو من قَبِيل تَحْصِيل ‏حَاصِل. ‏
‏9.‏‎ ‎من بين الأهداف التي ركّزت عليها الحركات الأمازيغية، نجد ترسيم اللغة الأمازيغية، ‏وكتابة الأمازيغية بأحرف "تِيفِينَاغ"، وليس بالأحرف العربية. وأثناء الحوار الذي جرى في المغرب ‏حول إحياء اللغة الأمازيغية، والذي كان يُمَهِّدُ إلى ترسيمَ اللغة الأمازيغية، ظهر نقاش حول نوعية ‏الحروف التي يَنبغي أن تُكتب بها الأمازيغية. وطرحت الحركات الأمازيغية أن «الحل الوحيد المقبول هو ‏استعمال حُروف "تِيفِينَاغ"». ودافعت بعض الجهات المُحافظة على ضرورة استعمال الحروف العربية، ‏فهاجمتها معظم الحركات الأمازيغية، وشنّت عليها حملة شنعاء، واتَّهَمَتْهَا بكونها «تريد تصفية الهوية ‏الأمازيغية». وكانت بعض الحركات الأمازيغية تعتبر كل شخص يطالب بكتابة الأمازيغية بالحروف ‏العربية «مُتَآمِرًا»، أو «خَائِنًا». ولَبَّتْ السلطة السياسية في المغرب مطلب استعمال حروف "تِيفِينَاغ"، ‏ربّما بِهدف تَهْدِئَة الحركات الأمازيغية، أو بُغْيَةَ إِبْعَادِهَا عن ميدان الصراع السياسي، وعن جبهة القوى ‏الثورية. وبعد مرور بضعة سنوات على بداية استعمال حروف "تِيفِينَاغ" في كتابة الأسماء بالأمازيغية، ‏على واجهات المؤسّـسات والإدارات العُمُومية، وعلى بعض اللوحات في الشوارع، لاحظ بعض زعماء ‏الحركات الأمازيغية أن عامّة الناس تجهل حروف "تِيفِينَاغً"، ولا تستطيع قراءة هذه الحروف. ولاحظوا ‏أن هذا الوضع سَيُبْـقِي اللغة الأمازيغية مَجْهُولة، أو مُهَمَّشَة. ونَدِمُوا على تَفْضِيلهم السّابق لِحُرُوف ‏‏"تِيـفِينَاغْ". وانقلب موقـفهم كُلِّيَةً. فَتراجعت فجأةً بعض الحركات الأمازيغية عن تشدّدها السَّابـق لصالح ‏حروف "تِيفِينَاغْ". وأصبحت بعض الحركات الأمازيغية تعتبر الرجوع إلى استعمال الحروف الْـلَّاتِينِيَة ‏أمرًا «ضروريًّا». وغدت بعض الحركات الأمازيغية تعتبر كلّ من لا يوافق على رأيها الجديد «عَدُوًّا»، و ‏تَـتَّهِمُ كلَّ من لا يوافق على الرجوع إلى استعمال الحروف الـلَّاتِينِيَة في كتابة الأمازيغية بِمَثَابَة «مُتَآمِر ‏ضد الأمازيغية»، وأنه «يريد قتل الهوية الأمازيغية»! وهذه التقلّبات في المواقف تَفْضَحُ مِزَاجِيَة، أو ‏اِرْتِجَالِيَة، أو تَسَرُّع، بعض زعماء هذه الحركات الأمازيغية. ‏
‏10.‏‎ ‎ترفض عادةً الحركات الأمازيغية «العمل مع»، أو «التنسيق مع»، قوى اليسار. كما ‏ترفض المُشاركة إلى جانب قوى اليسار في النضالات الهادفة إلى «إصلاح» أو «تغيير» النظام السياسي ‏القائم. وفي نفس الوقت، تَحْرُصُ بعض الحركات الأمازيغية على انتهاز كلّ «مظاهرة» أو «نشاط» تقوم ‏به قوى اليسار، وتحاول استغلاله لفائدة الحركات الأمازيغية. وغالبًا ما تتجاهل، أو تتحدّى، بعض ‏الحركات الأمازيغية قوى اليسار. وتحاول الحركات الأمازيغية انتزاع مطالبها، عبر تعاملها المباشر مع ‏النظام السياسي، كما هو قائم في الواقع، ودون أن تـقبل خَوْضَ «النضال الجماهيري المُشْتَرَك» مع ‏قوى اليسار. وحينما تـفشل الحركات الأمازيغية في تَكْتِيكِهَا، أو في استراتيجيتها، تـفسِّر فشلها بكون ‏قوى اليسار لم تُسَانِدْهَا، ولم تُدَعِّمها، بما فيه الكفاية. وهذا مظهر من بين مظاهر «انتهازية» بعض ‏الحركات الأمازيغية. ولم يسبق للحركات الأمازيغية أن قامت بنـقد ذاتي، مكتوب وعلني، تعترف فيه ‏بأي خطء من بين أخطائها السابقة. (كما أن قوى اليسار لم تقم بنقد ذاتي مكتوب تعترف فيه ‏بأخطائها الماضية).‏
‏11.‏‎ ‎نلاحظ أن بعض الحركات الأمازيغية تُدافع بِحَمَاس مُفرط عن «هوية أمازيغية» ‏مِيتَافِيزِيقِيَة. وفي نفس الوقت، تَمْتَنِعُ هذه الحركات الأمازيغية عن الدفاع، على أرض الواقع، عن ‏المصالح الملموسة، للجماهير الأمازيغية! وأبرز مصالح الجماهير الأمازيغية، لا تتجلّى فقط في كتابة ‏أسماء الإدارات العُمومية باللّغة الأمازيغية، أو بأحرف "تِيفِينَاغْ"، ولَا تَكْمُنُ فقط في تـقديم برامج ‏تِلِيفِزْيُونِيَة باللغة الأمازيغية، وإنما تتجلّى هذه المصالح أيضًا في: فكّ العُزْلَة عن المناطق الأمازيغية، ‏وبناء الطرق فيها، وتوفير الماء الشَّرُوب، ومناصب الشُّغْل، والمدرسة، والمستشفى، وتمكين أصحاب ‏الحق في الأراضي من استغلالها، وتسهيل تسويق المنتوجات الفلاحية، والنـقل الجَمَاعي، وتخفيض ثِـقَل ‏الضرائب، والقضاء المُستقل، والعدل، والحرية، والكرامة، وحقوق المواطنة، وتوحيد الشعب المَغَارِبِي ‏المُجَزَّء في شمال إفريقيا، إلى آخره. وبِتَرْكِيز، الهدف هو تحرير العلاقات المُجتمعية من كلّ أشكال ‏السَّيْطَرَة والاستغلال والاضطهاد. فَـلَا تَكْمُن الغاية في مُناصرة عَـقِيدة، أو تَرْسِيخ تَـقَاليد، أو صِيَّانَة ‏أَصَالَة، أو تغليب أَيْدِيُولُوجِيّة. بِـقَدْرِ مَا الغَاية هي تحرّر الأنسان من كلّ أشكال الاِسْتِيلَاب ‏‏(‏aliénation‏). ومن بين مِيزَات قوى اليسار أنها تَهْتَمُّ بِتَحَرُّر الإنسان الحيّ، من الاستغلال ‏الرأسمالي، ومن الاضطهاد السياسي، ومن الفَسَاد النظامي، أكثر مِمَّا تَهْتَمُّ بالدِّفَاع عن «الهوية»، أو ‏‏«الطائفة»، أو «اللغة»، أو «الدِّين»، أو «المذهب الدِّينِي». والمهم لدى الثوريّين، هو سعادة إنسان ‏اليوم الحي، وليس سعادة الانسان القديم المِيثُولُوجِي (‏mythologique‏)، ولَا سعادة الرُّوح حينما ‏سَتُبْعَثُ خلا يوم القِيَامَة. ‏
‏12.‏‎ ‎بدأ بعض نشطاء الحركات الأمازيغية يُروِّجون نفس الكذبة التي استعملها نشطاء الحركات ‏الكُرْدِيَة (‏kurdes‏). حيث يقولون للجماهير الأمازيغية: «يكفي أن نخلق دولة أمازيغية مستـقلّة، ‏وخاصّة بنا وحدنا كأمازيغ، لكي نـقدر على معالجة كُل المشاكل المُجتمعية» ! لكن الواقع يُكذّب هذه ‏الخُرافات الطائفية. فبعدما استـفادت الحركات الكُرْدِيَة من الدّعم الاستراتيجي المقدّم لها من طرف ‏الإمبريالية الأمريكية، ومن طرف الصهيونية الإسرائيلية، ومن طرف مُجمل دوّل الغرب الإمبريالي، وبعد ‏بناء دولة مستـقلّة خاصّة بالأكراد وحدهم في شمال العراق، (مع مشروع ضَمّ الشمال الشرقي من ‏سوريا)، وبعد استغلال نَفْط شمال العراق، وبعد تطهير شمال العراق من الطائفات غير الكُرْدِيَة، ظَهَرَت ‏بسرعة فائقة في "كُرْدِسْتَان العراق" كلّ المظاهر المُنحرفة المَوجودة في البلدان المُجاورة، ومنها ‏السَّيْطَرَة، والاستبداد، والاضطهاد السياسي، والنَّهب الاقتصادي، والرّشوة، والفساد، والغشّ، والزَّبُونِية، ‏واستغلال النفوذ، والمحسوبية، والاغتناء غير المشروع، والثراء الفاحش، ونهب الأموال العُمومية ‏وتهريبها إلى الخارج، وتعميق الفوارق الطبـقية، إلى آخره. وما حدث في "كُرْدِسْتَان العراق" ليس هو ‏‏«تـقرير المصير للشعب الكُرْدِي»، وَلَا هو «تحرير الشعب الكُردِي»، وإنما هو استبدال الطبـقة السّائدة ‏والمُسْتَغِلَّة غير الكُرْدِيَة، بطبـقة سائدة ومُسْتَغِلَّة كُرْدِيَة خالصة، دون التحرّر من السَّيْطَرة، ولا من ‏الاستبداد، ولَا مِن الاضطهاد السياسي، ولا من الاستغلال الرأسمالي. بل ما فعلته الحركات الكُرْدِيَة ‏اليَمِينِيَة هو فقط «تَـكْـرِيـد» (‏kurdisation‏) الاضطهاد السياسي، والاستغلال الرأسمالي. وهذا هو ‏السِّينَارْيُو الذي تسير بعض الحركات الأمازيغية نحو إنجازه في بلدان شمال إفرقيا، سواءً بوعي، أم ‏بدون وعي.‏
‏13.‏‎ ‎أثناء "حركة 20 فبراير" في سنة 2011، اكتشفنا فجأةً، ولأول مرّة، وجود تحوّلات غريبة في ‏بعض الحركات الأمازيغية. حيث أصبحت بعض الحركات الأمازيغية تُعبّر عن عدائها المُطلق للشعب ‏الفلسطيني، ولكل ما هو «عربي»‏، بل تحتـقر حتّى قوى اليسار، أو تكرهها، أو تُعاديها. وفي البداية، لم ‏نكن نفهم أصل هذا التطوّر الغريب. وفيما بعد، اكتشفنا بالصّدفة على الأنترنيت فِيدِيُو على "يُوتْيُوب" ‏‏(‏YouTube‏) يُفسّر سبب هذا التحوّل الغريب في الحركات الأمازيغية. والشخص الذي فَضَحَ هذا السِرَّ ‏هو مناضل فرنسي، يُسَمَّى جَاكُوب كُوهَن (‏Jacob Kohen‏). وهو في نفس الوقت يهودي من أصل ‏مغربي، معروف بِمُناهضته للصّهيونية، ومعروف باضطهاده من طرف الْلُوبِي الصَّهْيُونِي. وقد أوضح ‏جَاكُوب كُوهَن أنه حَضَر شخصيا (في سنوات 1990) بعضَ اجتماعات الحركة "المَاسُونِيَة" (‏Franc-‎maçonnerie‏) التي كانت تُعْقَدُ في باريس. ولاحظ جَاكوب كُوهن أن نُشَطَاء مَرْمُوقِين من بعض ‏الحركات الأمازيغية كانوا يُشاركون في هذه الاجتماعات. وأشار كُوهَن إلى أن ضُبَّاطًا من المُخابرات ‏الإسرائيلية "المُوسَاد" (‏Mossad‏) كانوا يحضرون هم أيضًا هذه الاجتماعات. وحدثت أثناء هذه ‏الاجتماعات نقاشات متنوّعة ومتعددة. وألحّ الإسرائيليون على إظهار «تعاطفهم» و«تضامنهم» مع ‏الحركات الأمازيغية. وزعم الإسرائيليون أن «الأمازيغ هم مثل اليهود»، أي أنهم «أقليات» تُعاني من ‏اضطهاد قوميات أخرى مُهَيْمِنَة تُشَكِّل الأغلبية. وحصلت فيما بعد علاقات مَتِينَة فيما بين هؤلاء ‏النشطاء الأمازيغ والضبّاط الإسرائيليين. وفضح جَاكوب كُوهن أن المخابرات الإسرائيلية عازمة على ‏استغلال التناقضات الموجودة في بلدان شمال إفريقيا. وقال كُوهَن أن إسرائيل مُصَمِّمَة على التسرّب ‏والانغراس في هذه البلدان. ومثلما ساهمت إسرائيل في تقسيم السُّودان في سنة 2011، تحلم أيضًا ‏بأن تُنجز انقسامات مُمَاثلة في بلدان شمال إفريقيا، على أساس الإِثْنِيَة. أو الطَائِفِيَة، أو العِرْق، أو ‏الدِّين، أو اللغة. وتريد إسرائيل شِراء مُخْبِرِين، وعُمَلَاء، وأتباع، وأنصار، من بلدان شمال إفريقيا. وحَذَّر ‏جاكوب كوهن هذه الحركات الأمازيغية، إن هي دخلت ميدان "لُعْبَة" عالمية خاصّة بالقوى الإمبريالية ‏الكُبرى. ونَبَّهَ كُوهَن إلى أن هذه الحركات الأمازيغية لن تَـقْدِرَ على صِيَانَة اسْتِـقْلَالِهَا. وأن "المُوساد" ‏سَيَسْتَـغِلُّهَا بدون شفقة. وأن الصهاينة لا يُميّزون بين «الأمازيغ» و«العرب»، بل يكرهون الأمازيغ مثلما ‏يكرهون العرب. ويحتقرُ الصَّهَايِنةُ كلّ قوميّات العالم، ولا يُقَدِّرُون سوى ِقَوْمِيَّتَهُم الخُصُوصِيَة («شعب ‏الله الوحيد المُختار»). ومن المُحتمل أن تكون المخابرات الإسرائيلية قد قدّمت، فيما بعد، لهؤلاء ‏النشطاء الأمازيغ، مُساعدات مُتنوّعة، أو وُعودًا مُغْرِيَة. والنتيجة الحاصلة اليوم، هي أن بعض الحركات ‏الأمازيغية أصبحت تُؤْمِن بكون «الدفاع عن القضية الأمازيغية يتطلّب بالضّرورة الدفاعَ عن إسرائيل»! ‏وغَدَت بعض هذه الحركات الأمازيغية تُدافع عن إسرائيل، وتُعادي الشعب الفلسطيني. وأَدْرَكَت ‏الحركات الأمازيغية أن «الفُتُوحات الإسلامية» (العربية، أو المُعَرِّبَة)، و«أَسْلَمَة» مُجتمعات بلدان شمال ‏إفريقيا، هي السّبب في تهميش، ثم قَتْل، التُرَاث الثقافي الأمازيغي. فَغَدَت الحركات الأمازيغية تكره كل ‏ما له علاقة بِـ «العرب»، أو بِـ «القومية العربية». وتعادي بعض هذه الحركات الأمازيغية حتّى قوى ‏اليسار بالمغرب. ولا تدري بعض هذه الحركات الأمازيغية أنها أَضْحَت هكذا قُوة يمينية. وبعد تَعَمُّق ‏الرّوابط بين بعض الزعماء الأمازيغ والمخابرات الإسرائيلية، رَوَّجَ هؤلاء الزعماء الأمازيغ أطروحاتهم ‏الجديدة المناصرة للصهيونية. وشَجَّع هؤلاء الزعماء الأمازيغ الشُبَّانَ المتواجدين في حركاتهم الأمازيغية ‏على تَبَنِّي تَوَجُّهَاتِهم الجديدة المُتَصَهْيِنَة، المُتَمَيِّزَة بِكَراهيتها للشعب الفلسطيني، وبِمُعَادَاتها لكل ما هو ‏‏«عربي»، أو «ثوري». وهكذا أصبحت بعض الحركات الأمازيغية تَزْعُمُ أن «الجوهر في القضية ‏الأمازيغية، ليس صِرَاعًا بين طَبَقَات المُجتمع، وإنما هو صراع "إِثْنِي" (‏éthnique‏)، بين "الإِثْنِيَة ‏الأمازيغية" و"الإِثْنِيَة العَربية"». ولو أنه، على أرض الواقع، من شبه المُستحيل التَمْيِيز بين الأشخاص ‏الذين ينحدرون من أَمَازِيغ، والذين لهم أصل عربي قُحّ خالصٌ. وهذا الزَّعْم «الإِثْنِي» يُدْخِل هذه الحركات ‏الأمازيغية في نزعة «طَائِفِيَة» (‏communautariste‏)، و«عُنْصُرية» (‏raciste‏). كأن هؤلاء النُّشَطاء ‏الأمازيغ لا يعرفون الأيديولوجية الصهيونية. أو كأنهم لا يفهمون العلاقات الاستراتيجية القائمة بين ‏الحركة الصهيونية والإِمْبِرْيَالِيَات الغربية(‏ ‏). أو كأن هذه الحركات الأمازيغية لَا تُدْرِكُ أن الاستراتيجية ‏السِرِّيَة، المُشتركة فيما بين معظم الدول الإمبريالية الغربية وإسرائيل، هي مَنْع الشعوب «المُسلمة»، ‏والناطقة بالعربية، من الخُروج من تَجْزِئَتِهَا، ومن تَخَلُّفِهَا المُجتمعي، وذلك بهدف اِسْتِدَامَة السّيطرة ‏عليها واستغلالها. وهكذا سقطت بعض الحركات الأمازيغية في خطء استراتيجي جَسِيم. ويُجَسِّد هذا ‏الخطأ انحرافًا سياسيًّا خطيرًا، أو سَقْطَة سَاذَجَة في فَخِّ الصهيونية المَاكِرَة. وسيكون المآل النهائي لكلّ ‏مَن سقط في هذا الخطأ هو الإفلاس، لأنه تَوَجُّهٌ مُنَاقِض للواقع المَلموس، ومُناقض لطُموحات الشعوب. ‏
‏14.‏‎ ‎كُلَّمَا وُجِدَ شخص يُناهض الظُّلم المُسَلَّط على الجماهير الأمازيغية، وفي نفس الوقت، ‏يُساند الظلم المُسلّط على الفلسطينيّين. سنـقول عن هذا الشخص أنه لا يُعارض «الظّلم» في شُمُولِيَتِه، ‏وبِمَنْهَج مبدئي، كيف ما كان شكل هذا «الظلم»، أو زَمَانه، أو مَكَانه، أو ضَحيّته، وإنما هو يُعارض فقط ‏‏«تعرّض جماعته الخاصّة للظُّلْم» دون غيرها. وبعبارة أخرى، يُناصر هذا الشخص فقط «جماعته» ‏الأمازيغية، ويُدافع عن «قَبِيلَتِه» الخُصُوصية، ولا يُعارض «الظلم» بشكل مبدئي. وعليه، فهذا الشخص ‏مُؤَهّل لكي يُمارس، هُو نفسه، كلّ أشكال الظّلم، على أيّ فرد أو مجموعة، سَوَاءً كانت هذه المجموعة ‏أجنبية عن «جماعته» الأمازيغية أم مُنْتَمِيَة إليها. ‏
‏15.‏‎ ‎لا يمكن أن يكون صادقًا، وَمُحِقًّا، في الدفاع عن حقوق الجماهير الأمازيغية، سوى من ‏يُناضل في نفس الوقت من أجل حقوق كل الجماهير، وكل الفِئَات، وكل شعوب العالم المظلومة، أو ‏المُسْتَغَلَّة، أو المُضْطَهَدَة. أما الأشخاص الذين يريدون مناصرة حقوق الجماهير الأمازيغية، وفي نفس ‏الوقت، يُكِنُّون العداء المطلق لكل ما هو «فلسطيني» أو «عربي»، فإنهم يفضحون هكذا أن سُلُوكَهم لا ‏ينبني على أساس مبادئ فكرية أو سياسية، وإنما ينبني على أساس حسابات «طائفية»، أو «انتهازية»، ‏أو قصيرة الرُّؤْيَة.‏
‏16.‏‎ ‎سَوَاءً تعلّق الأمر بالحركات الإسلامية الأصولية، أم بالحركات الأمازيغية، أم بِغَيرها، فإن ‏المناضل الحقيقي، النَبِيل والمُحترم، هو فقط الشخص الذي يناضل ويُضَحِّي من أجل نُصْرَة الحق، أو ‏العدالة، أو الحرية، أو المساواة، أو الديموقراطية، أو حقوق الانسان، أو التحرّر، أو الاشتراكية، أو الرَّفَاه، ‏لِصَالِح كل البشر، دون استثناء أيّ أحد من هؤلاء البشر. أما الأشخاص الذين يُدافعون فقط عن ‏‏«مصالحهم» الخَاصّة، أو عن «عَائِلتهم» الصغيرة، أو عن «قبيلتهم» العزيزة، أو عن «جماعتهم» ‏المَحْدُودَة، أو عن «طَائِفَتِهِم» المُتَمَيِّزَة، أو عن «إِثْنِيَتِهِم» المُفَضَّلَة، أو عن «دِينِهِم» المُبَجَّل، أو عن ‏‏«شعبهم» المُخْتَار، ويُعَادُون بقية الجماهير، ويحتـقرون بقية «الإِثْنِيَّات»، ويُعَادُون بقية «الدِيَانَات»، ‏ويكرهون بقية الشعوب، فهؤلاء الأشخاص هم إمّا أَنَانِيُّون انتهازيّون، وإمّا وُصُولِيُّون مُفْتَرِسُون، وإمّا ‏جَهَلَة مُتَخَلِّـفون، وإمّا فَاسِدُون يَقْتَنِصُون الفُرَص، وإمّا «مُنْحَرِفُون» مُغَرَّر بهم، وإمّا «وَطَنِيُّون ‏شُوفِينِيّون»، وإمّا «عُنْصُرِيُّون» أغبيّاء، وإمّا «مُرتزقة» لَا يُرْجَى مِنهم أيّ خَير. ‏
ومِيزَة كلّ اِنْتِهَازْيِّي العالم، هي أنهم يَحْرُصُون على الالتزام بمبدأ واحد فقط، هو «الاِصْطِفَاف إلى ‏جانب الطَرَف الأقوى»، بهدف خدمة مصالحهم الخُصُوصية، ولو كان هذا الطرف الأقوى غَازِيًّا، أو ‏مُستعمرًا، أو مُحْتَلًّا، أو مُسْتَبِدًّا، أو مُضْطَهِدًا، أو مُسْتَغِلًّا، أو ظَالِمًا. وشعارهم البارز هو «الغاية تُبرّر ‏الوسيلة». فَهُم هكذا انتهازيون.‏
‏17.‏‎ ‎معاناة الجماهير الأمازيغية الحالية هي نتيجة لبعض اختياراتها التاريخية الماضية. وبعد ‏‏«الفُتُوحَات الاسلامية»، تَبَنَّت الجماهير الأمازيغية الدّين الإسلامي، وآمنت به، وأصبحت مُسلمة أكثر ‏من «منتجي الإسلام الأصليين». وكانت في هذه المُمارسات بعض المُبالغات، وبعض المُغَالَطَات، ‏وبعض التَطَرُّفَات، وبعض الأخطاء. والتاريخ لا يتسامح مع الأخطاء. فكان لا بُدّ من أن تُؤَدِّيَ الجماهير ‏الأمازيغية ثمن أخطائها التاريخية. ومن بين أثمان هذه الأخطاء، نجد بالضّبط استبدال التُرَاث الثـقافي ‏الأمازيغي بالتُراث الإسلامي. بما في ذلك الاندثار التدريجي للغة الأمازيغية أمام تقديس اللغة العربية. ‏ومثلما حدث لِمُجْمَل المُبَشِّرِين الدِّينِيِّين في العالم، جاء الفَاتِحُون الإسلاميون إلى بلدان شمال إفريقيا، ‏بالسَّيْف في يد، وبالكتاب المُقدّس في اليد الأخرى، إلى أمازيغ كانت لديهم الأرض، والسُّلطة، والحُرّية. ‏وبعد مرور بضعة عُقُود أو قُرون، انتقلت الأرض والسلطة من الأمازيغ إلى بعض الفاتحين الإسلاميين، ‏وانتقل الكتاب المقدّس من الفاتحين الإسلاميين إلى السكان الأمازيغ. ثم تطوّر كلّ شيء، وتَفَاعَل كل ‏شيء. وذاك تاريخ لا يرحم، ولا يرجع إلى الوراء. وعلينا اليوم أن نكون مواطنين مُجتمعيّين حيثما ‏وُجِدْنَا، وأن نتلافى فخّ الطائفية، وأن نشارك في كلّ النضالات الهادفة إلى التحرّر من كلّ أشكال ‏الاستغلال، والاضطهاد، لِصَالح كل البشر، بغضّ النظر عن إِثْنِيَتِهِم، أو طَائِفَتهم، أو دِينهم، أو لُغتهم، أو ‏إقليمهم، أو جِنْسِهم، أو لونهم. ‏
‏18.‏‎ ‎ويذكّرنا هذا التِّيهُ السياسي، غير المبدئي (المعروض فيما سبق، والذي سَقَطَت فيه بعض ‏الحركات الأمازيغية) بانحرافات أخرى مُشَابِه له. نذكر منها العديد من «الجماعات الإسلامية» ‏الأصولية التي ظهرت بين سنتي 2012 و2020، في سُوريا، والعراق، أو غيرهما، والتي قَبِلَت خدمةَ أيّ ‏طرف يُعْطِيها الأموال الطائلة، سواءً كان هذا الطَرَف هو المَمْلَكَات والإمارات النَفْطِيَة في الشرق ‏الأوسط، أم أمريكا (‏USA‏)، أم إسرائيل، أم تُركيا، أم إيران. وفي سنة 2020، اِنهزمت هذه «الجماعات ‏الإسلامية»، وأفلست كُلّيًا، بعدما خَلَّفَت وراءها خرابًا شَامِلًا. ونذكر أيضًا نموذج بعض الحركات ‏الكُرْدِيَة (‏kurdes‏) التي كانت في بداياتها في سنوات 1970 تـقدّمية، أو ثورية، أو اشتراكية، ثم سقطت ‏اليوم في تحالف استراتيجي مع إسرائيل، ومع الولايات المتحدة الأمريكية، ومع حِلْف "النَّاتُو" ‏‏(‏NATO‏). حيث حصلت بعض الحركات الكُردية، منذ قُرابة سنة 2016، على دعم شُمولي ومتكامل ‏من عند معظم الدول الغربية، مقابل تحالفها السِرِّي مع إسرائيل، ومقابل تعاونها المكشوف مع أمريكا ‏‏(‏USA‏)، ومع الحِلْف العَسكري "النَاتُو" (‏NATO‏). وأصبحت بعض الحركات الكُردية في إقليم ‏كُردستان، في العراق وفي سوريا، تتحرّك كأنها قوة عسكرية احتياطية لِحِلْف "النَّاتُو" (‏NATO‏)، تُكِنُّ ‏العداء لكل ما هو عربي أو تُركي أو إيراني، وتُجْهِرُ حُبَّهَا لإسرائيل، وتُظْهِرُ وَلَاءَها لأمريكا، وتَأْتَمِرُ بِأَوَامِر ‏أمريكا، وكذلك بِإِيحَاءَات من إسرائيل. وفي بداية سنة 2020، لَمَّا تَضَخَّمَ احتمال انفجار حرب بين ‏أمريكا (‏USA‏) وإيران، ولمَّا طالب "الحراك الجماهيري في العراق" بانسحاب القوات الأمريكية من ‏العراق، عارضت السلطة «الطائفية» الحاكمة في إقليم "كردستان-العراق" هذا المَطْلَب الشعبي، ‏ودافعت على «ضرورة» و«مشروعية» وُجود الجيش الأمريكي فوق أرض العراق! وكل حركة سياسية أو ‏ثقافية تَتَبَنَّى مثل هذا التوجه الانتهازي، وغير المَبدئي، لن تقدر أبدًا على المشاركة في تحقيق طموحات ‏شعوبها. وتُوجد في تاريخ نضالات شعوب العالم، حُجَج كثيرة، ودَامِغَة، تَشْهَد على ذلك. ‏
أتمنّى أن يُساهم هذا النـقد الصريح في إحداث مراجعة، وتقويم، تجارب، وسُلُوكِيَات الحركات ‏الأمازيغية.‏
رحمان النوضة (حُرِّر في 5 غشت 2019) (الصيغة رقم 3).‏
.
‎ ‎(1)‏ أنظر دراسة: "نـقد الصهيونية"، رحمان النوضة، ويمكن تنزيلها من مدوّنة الكاتب: ‏https://LivresChauds.Wordpress.Com/2017/08/07‎‏/نقد الصهيونية/ . ‏



#عبد_الرحمان_النوضة (هاشتاغ)       Rahman_Nouda#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بَلَادَتُنَا المُشتركة
- كَيْف نُقَوِّي اليَسَار؟
- هل نَقد الأَحْكَام القَضائية جريمة؟
- التركيبة الطبقية للتنظيمات الإسلامية
- هشاشة التنظيمات الإسلامية
- رِهانَ بعض اليساريين على الإسلاميين انحراف
- كيف التَعامل بين اليساريين والإسلاميين؟
- مَزْحَة لَا تُصَدَّقْ: الإسلام هو الحل!؟
- هل يُمكن لحزب إسلامي أن يُصبح دِيمُوقْرَاطِيًا أو ثوريًّا؟
- أَلَا يُعَادِي الإسلاميّون اليساريين؟
- هل التناقض بين اليساريين والإسلاميين رئيسي أم ثانوي؟
- لَا يَدْعُو لِلتَّحَالُف بين اليساريين والإسلاميين سِوَى من ...
- سُوءُ تَفَاهُم سياسي مُدْهِش
- نقد تعاون اليسار مع الإسلاميين
- أين وصلنا؟ وإلى أين نسير؟
- الحَلّ هو فَصْل الدّين عن الدولة
- هل ما زَالت الماركسية صالحة بعد انهيار -الاتحاد السُّوفْيَات ...
- نقد شعار ”المَلَكِيَة البَرْلَمَانِيَة“
- كل الجماعات الإسلامية خطر على الشعب
- حراك الجزائر يُؤَكِّد تَخَلُّف قوى اليسار


المزيد.....




- قول في الثقافة والمثقف
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 550
- بيان اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي العمالي
- نظرة مختلفة للشيوعية: حديث مع الخبير الاقتصادي الياباني سايت ...
- هكذا علقت الفصائل الفلسطينية في لبنان على مهاجمة إيران إسرائ ...
- طريق الشعب.. تحديات جمة.. والحل بالتخلي عن المحاصصة
- عز الدين أباسيدي// معركة الفلاحين -منطقة صفرو-الواثة: انقلاب ...
- النيجر: آلاف المتظاهرين يخرجون إلى شوارع نيامي للمطالبة برحي ...
- تيسير خالد : قرية المغير شاهد على وحشية وبربرية ميليشيات بن ...
- على طريقة البوعزيزي.. وفاة شاب تونسي في القيروان


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبد الرحمان النوضة - نَقد الحركات الأَمَازِيغِيَة