أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير المجيد - إشكالية أسمهان















المزيد.....

إشكالية أسمهان


منير المجيد
(Monir Almajid)


الحوار المتمدن-العدد: 7061 - 2021 / 10 / 29 - 11:25
المحور: الادب والفن
    


الباحث-الأنا الصغير أرّق مضجعي في الأيام الأخيرة. السبب تصرّف محمد القصبجي (١٨٩٢١٩٦٦)، وقبوله بـ «الهوان» من القاسية الصّارمة، نعم القريبة من المُفترسة، سيّدة الغناء. فهل ارتضى بالذلّ أم أنّه طمع في مصدر رزق ليعيل عائلة كبيرة كان يرعاها؟ أم أراد أن يبقى منها لولعه في حبّها؟ أم هناك أسباب اخرى؟

المصادر العربية لم تعطني الكثير، لا بل الكثير من الهراء والقصص التافهة التي تُوّثق الآن وكأنّها حدثت بالفعل.
إليكم بعض الأمثلة، حينما كنتُ أبحث في سيرة «قصب»:
يُروى، عن لسان زكريّا أحمد أنّ قصب الهزيل النحيف كان شرهاً يأكل كتمساح، ففي إحدى الأمسيات، وبينما كانوا في زيارة لرجل تركي بحضور كامل الخلعي أيضاً، استمرّ قصب بالإختفاء لدقائق قليلة. إعتقد الكل أنّ الرجل يُعاني من مشاكل في المعدة، لكن تبيّن أنّه كان يغير على طنجرة كبيرة فيها ٤٠٠٠ قطعة من المحاشي، إلتهمها بالكامل. نعم ٤٠٠٠ قطعة!
ويَذكرُ أيضاً أنّه تراهن معه بلعبة أدّت إلى تناول القصبجي سبعين بيضة. وفي كل مرة، يقول أحمد، يأكل بهذه الكثرة كنّا نعالجه بكربونات الصوديوم كي يتقيأ. «كان يتقيأ من فمه وإنفه على حد سواء، مثل الذي ينفث دخّان الشيشة» هكذا وصف زكريا أحمد الموقف، على ذمّة المصادر.
الرواية التي يُمكن تجرّعها، هي عن شخصيته المنزوية المنعزلة، وهواية غريبة تمثّلت في جمع وتخزين كافة أنواع الأدوية. فكلّما وصل نوع جديد من الدواء يهرع إلى معارفه من أطباء وصيادلة فيشتريها، إلى أن قامت الحرب العالمية الثانية وفُقدت الأدوية، فقام ببيع مخزونه بضعف الثمن لأغنياء المدينة.
ذكّرتني هذه القصّة بملحن مشهور جداً من شرقنا (لن أذكر أسمه وجنسيته كي لا أُشهّر به)، كان يسير في شوارع كوبنهاغن مُطأطأ الرأس باحثاً عن أشياء معدنية، وخاصة المسامير. وحينما توفّي على نحو مُفاجئ، وُجدت كميات هائلة من المعدن-القُمامة في شقّته.

فيما يلي من معلومات، بنيتها على إستناجات لا غير، وبعضها ظنّيٌ رغم إثمه. في كل الأحوال قد يكون بعضها تماماً غير صحيح. سأبدأ بموجز عن حياته:
نشأ في عائلة موسيقية. والده «أحمد» كان مُلحّناً وعازفاً ومُدرّساً لآلة العود، حلبي الأصل، وكذلك والدته الأرمنية.
بعد تخرّج قصب من دار العلوم، عمل مُعلّماً، إلّا أنّه سرعان ما ترك المهنة وتفرّغ للتلحين (١٩١٧). أول أغنية له «ماليش مليك في القلب غيرك»، كانت من تأليفه وتلحينه، غنّاها «زكي مراد مردخاي»، المعروف، دون مردخاي، وهو والد منير مراد وليلى مراد. وإعتباراً من ١٩٢٠ لحنّ العديد من الطقطوقات لمنيرة المهدية، سيّد الصفتي وصالح عبد الحيّ وغيرهم، إلى أن جمعته شركة أوديون للإسطوانات بأمّ كلثوم، الشابّة الطموحة عام ١٩٢٤، ليرتقي بها إلى أهم مُغنيات العشرينات، وبلغ مجموع ما لحنّه لها، في مشواره الطويل المُفعم الشّاق المُتعثّر المُبدع ٧٠ أغنية، بشراكة ملحوظة مع الشاعر أحمد رامي.
علاوة على ذلك كان مُعلّماً لآلة العود، فقد تتلمذ على يديه محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش ورياض السنباطي، بالإضافة إلى خدماته الهائلة للموسيقى العربية كأستاذ في معهد الموسيقى. وهو، برأيي، أوّل مُلحّن أكاديمي مصري يحتلّ مركز طليعة المُجدّدين في الموسيقى العربية، بعكس والد الموسيقى المصرية سيّد درويش، الذي سلك درب اللحن الشعبي.
بالمناسبة، كلاهما، قصب ودرويش وُلدا في نفس العام.

عام ١٩٢٧ كوّن فرقة موسيقية ضمت عازفين لهم باع طويل في الموسيقى (مثل محمد العقّاد وسامي الشّوا)، مُضيفاً الآليتين الغربيتين التشيلو والكونترباص لأول مرّة في تختٍ شرقي، مُضيفاً خلفيّة غنية عميقة للّحن. وهو أوّل من قدّم إيقاعات جديدة تعتمد على الجمل اللحنية المُنتظمة البعيدة عن الإرتجال، مّما أدّى إلى رقيّ مستوى الموسيقى بشكل عام. وأهم علاماته التجديدية قد تكون مقطوعة «ذكرياتي»، لأنّه غيّر القالب التركي من ميزان السماعي إلى الإيقاعات المُتنوّعة، وهي ذات المقطوعة التي بنى عليها فيما بعد مُقدّمة «رقّ الحبيب».
ورغم الرابط الوثيق الذي جمع قصب بأمّ كلثوم، فهو قام أيضاً بتقديم ألحانه لآخرين، ومنهم أسمهان (١٩١٢١٩٤٤).
آمال الأطرش، شقيقة فريد، هاجرت عائلتها عام ١٩٢٤، الذي يعود أصلها إلى جبل الدروز في سوريا، إلى مصر إثر نشوب الثورة السورية الكبرى. بدءاً من ١٩٣١ صارت تُشارك الغناء مع فريد في صالة ماري منصور.
أول لقاء مع قصب كان عام ١٩٣٣ أدّت له العديد من الأغاني: يا طيور، إسقنيها، كلمة يا نور العين، فرّق ما بينا الزمان، كنت الأماني، هل تيّم البان، إمتى حتعرف وأنا اللي أستاهل.
وهي، وهذه معلومة تخرج عن سياق موضوع اليوم، سلكت طريق معظم الفنانين الآخرين، بالتمسّح بالسلاطين، وذلك في أغنية «نشيد الأسرة العلوية»، عام ١٩٤٤ المُوجّه للملك فاروق، من كلمات أحمد رامي وألحان السنباطي. وكانت هذه الأغنية من فيلم «غرام وانتقام»، حيث توفّيت، وهي لم تنته من المشهد الأخير، في حادث سيّارة-غرق مازال الشكك والغموض يحيطان به، خاصة بعد إختفاء السائق الذي نجى من الحادث.

لن أخوض في المئات من نظريات المؤامرة، ولن أعرف، كما غيري، حقيقة ما جرى ذاك اليوم من إكتشاف رصاصة في رأسها بعد موتها، أو خطّة وضعتها المخابرات البريطانية أو زوجها أو أخاها فؤاد، ثمّ إتهام أمّ كلثوم بتدبير الحادث، ولا كل تلك الحكايا عن عملها كجاسوسة للبريطانيين. هذه أتركها لتاريخ مليء بالزور وحكايا ألف ليلة وليلة.

صوت أمّ كلثوم بإسمه المجمعي «الندى الأوّل» بأقسامه الثلاثة، ويُقابله السوپرانو في المصطلح الغربي، كان في المرحلة الأولى (الدربة والتكوين)، وتطّور ليستقرّ على القسمين الأخيرين. بينما ظلّ صوت أسمهان في المرحلة الأولى. طبعاً يعود هذا إلى عمرها الفتي.
كان صوتاً رقيقاً بإمكانات ونبرات عالية، وظّفها قصب في أداء القاعدة الغربية على أساس شرقي. هذا المزج والتماهي حلّق في شهرة أسمهان وباتت مُنافسة كبيرة للسيّدة.
في أغنية الطيور (١٩٣٩) خاض قصب في توظيف طبقة أسمهان في أداء اوپرالي لم تشهده الموسيقى العربية من قبل (ڤالس)، وتبع نغمات التانغو في «إمتى حتعرف».
قصّة يا طيور ترويها «رتيبة الحفني» في كتابها «محمد القصبجي الموسيقي العاشق» عام ٢٠٠٦ كما يلي: «كان لدينا، في المكتبة الموسيقية التي كنّا نمتلكها في منزلنا، مقطوعة موسيقية تحمل عنوان غابات ڤيينّا للموسيقار يوهان شتراوس، وكانت المطربة التي تُغنّي تلك المقطوعة تُقلّد أصوات الطيور في نهايتها. وقد استمع القصبجي لهذه المقطوعة أكثر من مرّة وأشاد بها وبفكرتها وتأثّر بها، فأمسك عوده ولحّن لحناً مصرياً صميماً غنّته أسمهان».
- ملاحظة للسيدة الحفني: لم أستطع سبر أي أثر للغناء في ڤالس Tales from the Vienna Woods لشتراوس الذي استمعت إليه في عشرات النسخ، بل هناك محاكاة عازف الفلوت لصوت طائر ما في مقطع وجيز.

أعتقد، بما يقرب الحقيقة، أنّ الغيرة من الشابّة الجميلة التي لم تتوقّف عن غزو عالم الغناء، بل السينما أيضاً، دفع بأم كلثوم الطلب من قصب الكفّ عن هذا التعاون الذي شكّل خطراً عليها. وهي بتعاليها، و«عقلية التخلّف الموسيقي عند أمّ كلثوم في عدم قبول المُغامرة الموسيقية» كما يقول الناقد اللبناني «إلياس سحاب» في مجموع مقالات تعود إلى السبعينات، حيث يُشير أيضاً إلى شوفينية عليلة حملتها ضد كل من هو غير مصري. فمثلاً كانت تدعو أسمهان بـ «البت الشامية». هذه الشوفينية استمرت ونمت على نحو أوضح بعد ثورة ١٩٥٢ وأدّت إلى تمزيق النسيج الفني الذي عُمل على تأسيسه تزامناً مع إنشاء الإذاعة المصرية وفورة السينما المصرية. فأُعدمت، ليس الحريّات فحسب، بل الفنون عامة. لقد قامت بعملية تطهير عرقي وديني، شمل مُلاحقة ليلى مراد، بالرغم من إشهار إسلامها، وطرد «البت الشامية» الثانية نور الهدى، إنتهاءً بطرد جيشٍ من الفنيين اليهود والطليان والإغريق العاملين في صناعة السينما المزدهرة، والتي آلت إلى كومة من الركام، من الناحية الفنية على الأقل.

وحينما أقول إن إعتقادي قريب من الحقيقة، فإنني أعتمد على شخصيّة أمّ كلثوم المُعقّدة الخليطة رقّة وإحساساً بجلافتها وقسوتها وأنانيتها وغيرتها المَرَضيّة. هذه الشخصيّة ستتبلور على نحو أوضح، بعد أن تمّ تنصيبها كمُوثّر تاريخي في صفوف الشعب، بعد ثورة ١٩٥٢، وطوطميّتها وتحالفها، المُلائم وغير المُلائم، مع عبد الناصر.

هل كان تخلّيها عن قصب إنتقاماً بسبب إهتمامه البالغ بمنافستها أسمهان؟ ممكن.
هل رفضت بحزم، فيما بعد، أن يُلحّن لها فريد الأطرش رغم قدراته الموسيقية الهائلة، لأنّه شقيق أسمهان؟ ممكن أيضاً.

بلغ مجموع ما لحنّ ١٢٦٥ لحناً، بعضها لمجموعة من المغنين في السنوات العشرين الأخيرة من عمره، بينما كان يرتاح بين حفل ساهر وآخر وهو يعزف العود شارداً في فرقة السيّدة.



#منير_المجيد (هاشتاغ)       Monir_Almajid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدجاج
- ما صحّ عن الأثداء
- آيا صوفيا
- دليلي احتار
- إلى أرمينيا
- دمشق
- الأطلال
- خميرة الخبز
- غلبت أصالح في روحي
- حسيبك للزمن
- رقّ الحبيب
- القليل عن السينما الإيرانية
- الحصى لمن حصى
- جدّدت حبّك ليه
- أراك عصي الدمع
- ستورمي
- في قطار ياباني عابر
- في الحب
- الموت كل يوم
- مدينة الساتيلايت


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير المجيد - إشكالية أسمهان