أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - بين إريك زيمور وقيس سعيد














المزيد.....

بين إريك زيمور وقيس سعيد


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 7047 - 2021 / 10 / 14 - 11:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ليس قليلاً ما يجمع بين صعود قيس سعيد في تونس وصعود إريك زيمور في فرنسا، كلاهما قادم من خارج الأحزاب والوسط السياسي، وكلاهما حاز على حضور عام من خلال برامج التلفزيون الحوارية. الأول أستاذ في القانون حتى وقت إدخاله إلى السياسة من الباب الواسع، وهو معاد أو كاره للأحزاب السياسية، والثاني صحفي وكاتب ذو أفق سياسي محدود بأفكار من طبيعة عنصرية، تطوعت فئة من الشباب الفرنسيين وبنوك ووسائل إعلام، للنشاط من أجله والترويج له ودفعه إلى الترشح الرئاسي، على الطريقة نفسها التي تطوعت فيها فئة من التونسيين الشباب لدعم ترشيح وتمويل وإيصال قيس سعيد إلى الرئاسة. وكما أظهر سعيد "تعففاً" وزهداً بالمنصب، يبدو زيمور وكأن المنصب يسعى إليه وينتظر منه إعلان الترشح، وهو ما لم يفعله حتى الآن. على أن ثمة ما يفرق بين "الظاهرتين" من الناحية الشخصية، ففي حين يبدو سعيد شخصية أخلاقية أو "شريفة" (هذه ليست صفة ضامنة في السياسة على كل حال) ولا تهوى الجدال ومن طينة قريبة للناس ومتعاطفة معهم، يبدو زيمور شخصية مناقضة، مع ملاحظة أنهما يجتمعان على تقسيم الناس إلى أشرار وخيرين، كل حسب معاييره الخاصة. إذا كان محدد الشر عند سعيد سياسي يتعلق بالولاء، فإن محدد الشر عند زيمور ثقافي يتعلق بمفهوم "مغلق" عن الحضارة الفرنسية.
لهذا التشابه حدود يفرضها ثبات النظام الديموقراطي في فرنسا وضعفه في تونس. إذا كان النظام السياسي الحديث العهد في تونس قد سمح بوصول مرشح غير واضح المعالم السياسية، إلى الرئاسة، أملاً بمخلّص فرد، وسمح لهذا المخلّص بالانقلاب على السياق الديموقراطي، فالراجح أن طريق زيمور إلى قصر الإليزيه ليس سالكاً، غير أنه، مع ذلك، استطاع بصعوده اللافت (استطلاعات الرأي تعطيه 17% متجاوزاً الجميع باستثناء الرئيس الحالي 23%) أن يحرف المشهد السياسي الفرنسي إلى اليمين. بات القلق والمخاوف المرضية التي يثيرها ويجادل فيها ويجذب جمهوراً محبطاً، مثل موضوع "الاستبدال الكبير" الذي يقول إن هناك شعوباً أخرى (مسلمة غالباً) سوف تحل، مع الوقت، محل الشعب الفرنسي "الأصلي"، وموضوع الهجرة واللاجئين، من المواضيع المفضلة للصحفيين وللجمهور في البرامج والمقابلات.
ما يكمن في أساس تراجع الأحزاب التقليدية أو بروز ظاهرة صعود شخص بأفكار ضحلة في فرنسا، هو وصول النظام الديموقراطي إلى حدود تجعله قليل القدرة على معالجة مشاكل عموم المحكومين الذين باتوا يشعرون أن نفوذية هذه الديموقراطية لا تمرر تأثيرهم إلى المستويات العليا. هناك بالتالي يأس من الطبقة السياسية ونزوع إلى نسف التوافقات وإلى التأثر بغواية الأفكار الصادمة. يتلاقى هذا الميل الشعبي مع ميل نخبوي للهروب من مشاكل البلاد الفعلية نحو لغة وتحليلات هوياتية زائفة لمشاكل فعلية، ما يؤدي إلى بروز الظاهرة المذكورة. أما في تونس فإن سبب بروز سعيد هو تحول الديموقراطية الناشئة، باعتبارها حديثة العهد في بلد محقون سياسياً، إلى مسرح للصراع الحزبي وعجزها عن ملاقاة توقعات الشارع العريضة بالحرية والرخاء.
في الانتخابات الرئاسية الفرنسية 2017، اخترق الطبقة السياسية رجل اسمه ايمانويل ماكرون وكان قد شكل حوله تياراً سياسياً (إلى الأمام) قبل سنة واحدة من الانتخابات، ونما هذا التيار بسرعة على حساب اليمين واليسار الفرنسي، فهذا التيار ينظر إلى نفسه على أنه يتجاوز اليمين واليسار أو يجمعهما، والحق أن الفارق السياسي بين اليمين واليسار التقليديين في فرنسا ضبابي. جدة ماكرون على المشهد السياسي (كان وزير الاقتصاد في رئاسة الاشتراكي فرانسوا أولاند لأقل من عامين ولم يسبق له أن انتُخب لأي منصب) لم تكن عقبة في طريقه، العكس أصح، فعلى خلفية ركود وتكرار الطبقة السياسية بين يسار اشتراكي ويمين جمهوري، ساعدت حداثة الرجل (حداثته على المشهد وحداثة عمره) وتوجهه الهجين الاشتراكي الليبرالي، في توجه أنظار الناخبين إليه، فانحصر خيار الفرنسيين في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية بين الوسط (ماكرون) واليمين المتطرف (مارين لوبين).
اللافت في هذا المشهد هو أن صعود ماكرون ترافق بتراجع الحزبين التقليديين في فرنسا، فقد تراجع الحزب الجمهوري وخسر مرشحه إلى الرئاسة (فرانسوا فيون) من الدورة الأولى، وقد ساهم في خسارته بلا شك وقوعه تحت ضغط فضيحة فساد فجرتها الصحافة الفرنسية في وجهه حينها. كما تراجع، أو قل انهار، الحزب الاشتراكي الذي عانى من تفكك ونزيف في الكوادر، لصالح حركة (إلى الأمام)، واضطر، تحت ضغط أزمة اقتصادية وسياسية، إلى بيع مقره في باريس. وقد حصل مرشحه الرئاسي (بنوا آمون) على 6% فقط من الأصوات في الدورة الأولى، وخسر حتى مقعده في البرلمان بعد ذلك، ما دفعه إلى تأسيس حركة مستقلة عن الحزب الاشتراكي باسم (أجيال)، تكاد لا تذكر اليوم. في موازاة ذلك ارتفعت أسهم ما يصنف على أنه يسار متطرف، ممثلاً في (France Insoumise) "فرنسا العصية"، وأسهم اليمين المتطرف ممثلاً في "الجبهة الوطنية" التي أصبحت "التجمع الوطني" لاحقاً.
غير أن الحكم الوسطي لماكرون كان فترة خصبة للاحتجاجات والاضرابات التي اندلعت بسبب تجرؤ هذا "الوسط" على مهاجمة مكتسبات تاريخية للشعب الفرنسي، مثل القدرة الشرائية وقانون العمل وسن التقاعد. في 2018، برزت احتجاجات السترات الصفراء التي كشفت أن هناك فئات واسعة من الشعب الفرنسي تعاني من مشاكل معيشية، وأن الصراعات الحزبية كانت غالباً بعيدة عن هذه الهموم، ما جعل السترات الصفراء تتحرك ضد الطبقة السياسية بالكامل. قدمت حينها الاحتجاجات مطالب شعبية واضحة ومحددة تم الاستجابة لقسم قليل منها، ثم تفتت الحركة بتأثير الزمن وتصعيد القمع والجائحة الفيروسية، وأيضاً لأن بعض شخوصها البارزين انساقوا وراء طموحات سياسية.
يقال إن المسيح قد انتصر لأن سبارتاكوس كان قد هزم، بالقياس يمكن القول إن بروز شخصية مثل إريك زيمور صار ممكناً أكثر لأن حركة السترات الصفراء تراجعت.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد المعارضة الجذرية
- على ضوء الحاضر السوري الكئيب
- بين سجنين، أبطال في أمة مفككة
- ضرورة التمييز ومعرفة الفروق
- درعا، قليل مما يمكن قوله
- الحديقة في المنفى
- أصوات سورية تعلو بالخيبة
- أفغانستان وظاهرة التنكر الوطني
- موت البرامج السياسية
- انقسام جديد بين السوريين
- لكي تكون الديموقراطية ممكنة
- في الحاجة إلى مركزية مضادة
- العرض التونسي للمشاهد السوري
- -نريد وطناً-
- هل يمكن تجاوز الانقسام السوري؟
- بين إرهاب قادر وإرهاب قاصر
- عن العنف وصعوبة السياسة
- الجزائر اليوم، سوريا المستقبل
- بين الكميون والبرميل
- كيف صارت سوريا إلى ما هي فيه؟


المزيد.....




- بعد مظاهرات.. كلية مرموقة في دبلن توافق على سحب استثماراتها ...
- تل أبيب.. اشتباكات بين الشرطة وأفراد عائلات الرهائن في غزة
- مقتل رقيب في الجيش الإسرائيلي بقصف نفذه -حزب الله- على الشما ...
- دراسة تكشف مدى سميّة السجائر الإلكترونية المنكهة
- خبير عسكري يكشف ميزات دبابة ?-90? المحدثة
- -الاستحقاق المنتظر-.. معمر داغستاني يمنح لقب بطل روسيا بعد ا ...
- روسيا.. فعالية -وشاح النصر الأزرق- الوطنية في مطار شيريميتيف ...
- اكتشاف سبب التبخر السريع للماء على كوكب الزهرة
- جنود روسيا يحققون مزيدا من النجاح في إفريقيا
- الأمور ستزداد سوءًا بالنسبة لأوكرانيا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - بين إريك زيمور وقيس سعيد