أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - كيف صارت سوريا إلى ما هي فيه؟














المزيد.....

كيف صارت سوريا إلى ما هي فيه؟


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6933 - 2021 / 6 / 19 - 14:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


سيبدو ما يحدث في سورية منذ عقد من الزمن غريباً وصادماً لعقل المتأمل، وقد يصوغ أحد ما صدمته بالقول: "ألم تجد السلطة السورية إنها سارت وتسير بالبلاد إلى الدمار والتهلكة، لماذا لم تسع بمسؤولية إلى حل جدي، حتى لو كانت نتيجة الحل خروجها من الحكم، حفاظاً على مصلحة البلاد؟" من الخطأ الاعتقاد أن مثل هذا السؤال، على بساطته وبداهته، يمكن أن يتبادر إلى ذهن نخبة الحكم الأسدية، وذلك ببساطة لأنه لا محل فعلياً لمصلحة البلاد في منظورها لما جرى ويجري، المحل مشغول كاملاً بمصلحة نخبة الحكم التي ترتدي لفظة مصلحة البلد. في منظور هذه النخبة، الاستمرار في الحكم يعني أن كل شيء آخر هامشي. نخبة الحكم هذه هي وريثة النخبة التي رأت قبل 54 عاماً، أنها منتصرة لأنها استمرت في الحكم، رغم الهزيمة الوطنية والموت والدمار وخسارة الجولان.
أنجب التاريخ السوري في بضعة العقود المنصرمة، نخبة حكم تبتلع كل اعتداء خارجي لا يهدد استمرارها في الحكم، وقد يبدو لها أن الاعتداءات الخارجية لها هدف واحد هو إسقاطها من الحكم (لسبب ما، يمكن اختراعه بسهولة)، وعليه فإن كل خسائر "البلاد" تكون هامشية، أمام ديمومتها في الحكم. ليس هذا فقط، بل إن كل خراب تنزله نخبة الحكم في البلاد دفاعاً عن استمرارها في الحكم، لن يبدو في نظرها خراباً، كما يبدو في العيون، بل سوف يبدو عملاً في "مصلحة البلد" أو ربما إنقاذاً للبلد. وسوف يبدو خروج ملايين السوريين إلى كل دول العالم، تطهيراً للشعب. كما يمكن لك أن تستغرب هذه النظرة للأمور، كذلك تستغرب نخبة الحكم الأسدية استغرابك هذا.
أما كيف يمكن أن يقتنع جمهور هذه النخبة بنظرتها الخاصة للأمور، فهذا بحث آخر، يتصل بعمل الأيديولوجيا السياسية، أي إكساب الخيارات السياسية التي غايتها الوحيدة الاستمرار في الحكم، معنى وطنياً عاماً.
خلاصة البؤس السياسي الذي تعيشه سوريا، وما نتج عنه من بؤس شمل المجتمع في كل مستويات حياته، هي أن الشؤون العامة في هذه البلاد كانت تدار وفق مصلحة النخبة الحاكمة وليس وفق مصلحة البلد منظوراً إليها بصورة مستقلة أو موضوعية. لا يعني هذا أن البلاد كانت تدار وفق مصلحة البلد حسبما تراها النخبة الحاكمة، كما قد يتبادر إلى الذهن، فمن الطبيعي أن تدير النخبة الحاكمة البلد وفق منظورها لمصلحة البلد الذي تحكمه، بل يعني أن مصلحة النخبة الحاكمة تعلو وتتحكم بمصلحة البلد. أو بكلام آخر أكثر دقة، تختفي مصلحة البلد من المعادلة الفعلية لعملية صوغ السياسات، لتسيطر بالكامل مصلحة نخبة الحكم، فتصبح السياسة هي تطويع البلد بما يلائم مصلحة هذه النخبة، حتى لو اقتضى "التطويع" دماراً شاملاً وتغييرات ديموغرافية واسعة ونزوحاً ولجوءً وانهياراً اقتصادياً ... الخ.
الواقع أن الفكر الاشتراكي الذي ازدهر في منطقتنا بعد الحرب العالمية الثانية وبدأ يمارس تأثيره في النخب السياسية مثل صدى متأخر، أي في الوقت الذي كان يكابد الموت في "بلاد المنشأ"، شكل المنصة التي انطلقت منها النخب الحاكمة "التقدمية"، لكي تبعد المصلحة العامة من معادلة الحكم. والمفارقة الطريفة أن هذا الابعاد جاء باسم المصلحة العامة نفسها، حين أتاح "الفكر الاشتراكي" للنخبة التقدمية أن تجعل مصلحة البلاد مرهونة لوعي النخبة و"طليعيتها"، وأن تجعل الدولة "مالكة" للبلاد. أصبح من السهل، والحال هذه، نزع أحشاء المصلحة العامة وحشوها بمصلحة النخبة التي لا مشروع لها سوى تأبيد السيطرة على الحكم وعلى الثروة. ولا يصعب، بالتالي، أن ترتد هذه النخبة ضد كل من يقف في وجه سيطرتها ونهبها على أنه معاد "للمصلحة العامة" أو "للأمة" بحالها.
لم تكن هذه العملية سهلة وبسيطة في سوريا، فقد مرت بمراحل عديدة لكنها ذات اتجاه واحد، اتجاه يجمع بين السعي إلى احتكار تمثيل المصلحة العامة والسعي إلى احتكار تمثيل النخبة نفسها (أي حسم صراع السيطرة نهائيا داخل النخبة). من النخبة البعثية الأولى (جماعة 8 آذار/مارس) ذات التكوين المتنافر سياسيا وتنظيمياً، إلى النخبة البعثية الثانية (جماعة 23 شباط/فبراير) التي صارت أكثر انسجاماً من الناحيتين السياسية والتنظيمية لكن دون حسم مركز السلطة فيها، ما جعلها محل توترات داخلية وقرارات ارتجالية، إلى النخبة البعثية الثالثة (جماعة 16 تشرين الثاني/نوفمبر) التي تميزت بحسم مركز السلطة فيها لصالح حافظ الأسد، وبالتالي باتت أكثر استقراراً وقدرة على الاستمرار "الأبدي".
قدرة حافظ الأسد على حسم الصراع داخل النخبة لصالحه بشكل نهائي وتوحيد النخبة حوله بعد "نفي" الآخرين، (إذا كان صلاح جديد قد "نفى" يمين البعث فإن حافظ الأسد قد أنجز "نفي النفي"، فمضى إلى مدى أبعد في تسلط جديد، وفي يمينية البعث، ثم ألّف بين النزوعين)، نقول إن ما فعله الأسد أتاح له في البداية إقامة علاقة أكثر توازناً مع المجتمع، مع الاعتراف والتصالح مع القوى الاقتصادية والاجتماعية التقليدية، وهو ما يفسر ترحيب هذه القوى به في البداية. انتهى، مع انقلاب 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1970، زمن المزايدات "اليسارية" بين أقطاب النخبة، بعد أن أصبح للنخبة قطب واحد غير منازَع.
رغم هذا التحول "التصحيحي" (حسم الصراعات داخل نخبة الحكم، التوجه إلى اليمين أكثر والتصالح مع القوى التقليدية) الذي وفر أرضية مناسبة للاستقرار، بقي المجتمع السوري مفخخاً ويسير على قدم واحدة. فقد ترافق إرضاء المجتمع وحيازة قبوله، إضافة إلى استرضاء معظم الأحزاب السياسية غير الإسلامية، مع تعزيز لحمة نخبة الحكم التي امتلكت الوقت و"التسامح" الكافي لتوطيد سلطتها المطلقة ذات المرجعية الواحدة في كل مفاصل الدولة، وهو ما حمل في داخله بذرة الدمار الذي نعيشه.
الصورة المعبرة عن الدمار السوري الشامل، هي صورة الجندي المعاق الذي يجد نفسه مساقاً إلى أن "ينتخب" بدم يده المبتورة. الشعور بقلق الغربة عن المجتمع، رغم كل شيء، هو ما يدفع الطغمة الأسدية إلى أن لا ترضى بأقل من التصويت بالدم.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خدعة التبسيط وبؤس الجذرية
- قلوب بيضاء تحت ستار أسود
- لوحة كئيبة بلون واحد اسمها سوريا
- على ماذا يبتهجون؟
- حين تصبح -الديموقراطية- وبالاً على الناس
- الربيع العربي، إشكالية العلاقة بين الشعب والنخب السياسية 2
- الربيع العربي، إشكالية العلاقة بين الشعب والنخب السياسية 1
- الديموقراطية الإسرائيلية وسيلة اغتصاب
- ناديا مراد طه تشكو اغتصابها لمغتصبيها
- طرائف سوداء
- الوجه والقناع
- عن المعتقل المجهول
- الوطنية السورية والفيدرالية
- التضامن المدني مدخلنا إلى الديموقراطية 2
- التضامن المدني مدخلنا إلى الديموقراطية 1
- ميشيل كيلو، المعارض النجم
- الفيدرالية، مخرجاً للطغمة الأسدية؟
- الفشل الوطني هو القاسم المشترك
- بيتنا القديم والإسفلت
- السطو على ضمير المتدينين


المزيد.....




- رئيس وزراء فرنسا: حكومتي قاضت طالبة اتهمت مديرها بإجبارها عل ...
- انتخاب جراح فلسطيني كرئيس لجامعة غلاسكو الا?سكتلندية
- بوتين يحذر حلفاء أوكرانيا الغربيين من توفير قواعد جوية في بل ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 13 ...
- رئيس جنوب إفريقيا يعزي بوتين في ضحايا اعتداء -كروكوس- الإرها ...
- مصر تعلن عن خطة جديدة في سيناء.. وإسرائيل تترقب
- رئيس الحكومة الفلسطينية المكلف محمد مصطفى يقدم تشكيلته الوزا ...
- عمّان.. تظاهرات حاشدة قرب سفارة إسرائيل
- شويغو يقلّد قائد قوات -المركز- أرفع وسام في روسيا (فيديو)
- بيل كلينتون وأوباما يشاركان في جمع التبرعات لحملة بايدن الان ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - كيف صارت سوريا إلى ما هي فيه؟