أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عايد سعيد السراج - الفرات غريباً لا يثق بأهله














المزيد.....

الفرات غريباً لا يثق بأهله


عايد سعيد السراج

الحوار المتمدن-العدد: 1650 - 2006 / 8 / 22 - 10:01
المحور: الادب والفن
    


قصة : ( الهوتة )
أحملُ رأسي متسكعاً فوق الأرصفة أتابع ُ التسكّع , ولا زلتُ أحمل ُ رأسي , أذهبُ به إلى حاراتٍ بعيدة , أمتعةُ بمنظر البنايات الشاهقة , والأشجار المزروعة بإتقان على الأرصفة , أو في وسط الطرقات , ثم ألوب به إلى حاراتٍ تفوحُ منها رائحة ُ العَطَن ِ , ورَوْثُ الأغنام ِ , والأوادم ِ البشرية ِ , ألفُّ بشكلٍ دائري إلى القرية التي تلطي بجانب المدينة .
في الأيام التي يفتقرُ فيها الناس ُ , وتشحُّ السماء ُ بالمطر , يذهبُ الشيوخ ُ والنساك ُ , لجمع الحصى من نهر الفرات , فيُكوَّمونَهُ تلالاً .. تلالاً , ثم يأتون بالمزامير والدفوف , ويبدأ ون حلقات الذكر , وتبدأ ُ الهوسة يتلاحم الرجال مع السماء , ويتطاولون كالمردة, أو يأخذون هيئات ٍ مختلفة ثم يتوحدون مع الأولياء والصالحين , ويبقرون بطونهم بالدرابيش أو الخناجر , والأفعوانات تُرى تتراقص فوق أكتافهم , ويأكلون الجمر والزجاج , أو يدخلون النار ويخرجون منها برداً وسلاماً , وكأنّهم خرجوا للتو , من غرفة دافئة , تسيلُ قطراتُ العرق على جباههم , وفي مثل هذه السنين , يتحول أبو بشير , إلى سلطان تلفّ أذرُعُهُ المدينة َ , ويحاصرها من كل الجهات , وتظل عمشة معشوقته , هي صاحبة ُ القرار الخفي في كل ما يتعلّق بالمدينة , من شبهاتٍ وقضايا تخفي على اللسان , أعود مجرجراً خطاي , باتجاه باب بغداد (1) فأرى حفرة ً كبيرة ً يغتسل بها الرعاةُ والكلاب ُ والبطُّ البريُّ , فيركب ُ رأسي رأسَهُ , ويغتسلُ بهذه البركة النتنة , وبينما أسيرُ وأنا أحملُهُ , تخرجُ منه حيتان كبيرتان , لهما رأسان عظيمان , وأنيابٌ يقطرُ منها سمٌ لزج ٌ , فيهرب ُ مني رأسي , تفرّ به الحيتان فأحاول اللحاق به , قدماي تَـَهـِـنَان فأخر ّ صريعاً . أتهيب ُ الدخول إلى المدينة , وبعد برهة , أدخلها , فأرى الناس , يمرون بالقرب مني , وهم يتهامسون , ثم ينظرون إليّ بفزع ويتصايحون , إنه الشيطان ,ويتجمعون وهم ينبحون بصوت ٍ واحدٍ , اقتلوه ارجموه , تحّولَ الرجلُ الذي بلا رأس ٍ , إلى كتلة لحمية طرية مهترئة , تسير على الأرصفة بلا مبالاة , بلا عيون , بلا أنف بلا فم , مجّرد هيكلٌ لحميٌ , له عنق طويل , مثل ديك الحبش , له نهايات مدببة , كأنها الأشواك , تسيل على كتفيه , حبيبات ُ دم ٍ وعرق ٍ متجمد , الناس يتصايحون , النساء ُ يركضن , الأطفال يصرخون , الرجالُ خفافيش ُ ليل , الرعب ُ والفزع , يدبّ في المدينة , بيوت ُ " التَنَكْ " تطلّ منها الرؤوس ُ المشرِئّبة , تماماً مثل الرؤوس التي تطل من البنايات العالية , التي لا تطال نهاياتها السلالم المرتفعة , قال الرجلُ الذي بلا رأس , يجب أن أفرّ من هذه الضوضاء , وهذه الأصوات النابحة , ومن هذا الفحيح , عاد إلى البيت , قرع الباب , فتحت له زوجُهُ الباب , أكّدَتْ له , أنّ زوجَها غير موجود , وأنّ بإمكانه انتظارهُ في البيت إذا شاء ذلك , دَلَفَ مسرعاً وعندما رآهُ الأطفال بدأوا يتصايحون بأصوات غير مفهومة, فالطفلة الصغيرة التي لا يتجاوز عمرها ثلاث سنوات اقتربت منه وقالت : بابا – بابا .. أكد لها أخواها هذا ليس بابا هذا رجل غريب 00
0 نعم إنه وحش 0
0 يشبه كرندايزر 0
0ولكنه بلا رأس 0
0 خطفوا رأسهُ الحرامية
0 وبدأوا يصرخون 0
الرجل ُ الذي بلا رأس راح يتسكع من جديد على أرصفة الطرقات 0 متناسياً الضوضاء , والفحيحَ والحشدَ الذي يكبر شيئاً فشيئاً وراء ه , مزمجراً ومصدراً , همساً رهيباً , حيث تتداخل الأصوات مع بعضها , وتشكّلُ نسيجاً هائلاً , من التداخل الصوتي ْ غير المتجانس , الذي يشبه ُ أصواتاً , آتية من مقبرة ٍ هائلة ٍ , تضمُّ ملا يين البشر , الذين قاموا من يوم حشر ٍ بدأ جَسَدُ الرجل الذي بلا رأس , يتحول إلى غيمة ربيعية, الناسُ يتجمعون في الساحات , وهم يحملون لافتات الاحتجاج , على الرجل الشيطاني , الذي تلبّس المدينة , ثم ارتداها بنطالاً ضيقاً مهترئاً , كلّهم يرتدون أقنعة , سوداء وبيضاء وحمراء , بعضهم أقنعتهم ممزقة والبعض الآخر تُظهر وجوههم, التي تتطاول وتتثلث أو تتربع, وأحياناً تأخذ أشكال رؤوس متداخلة فيما بينهما , أو رؤوس رُكّبت فوق رؤوس , وتأخذ أحياناً أخرى شكل رؤوس تشبهُ الرؤوس الآدمية , وأنا لازلت أبحث عن رأسي الذي ولى , وكل ما أخشاه أن يكون قد ارتدى قناعاً , إذ كيف لي أن أعرفه , بين هذه الأقنعة المترامية الأطراف , تركت حشود الأقنعة , وتوجهت متهادياً إلى نهر الفرات الذي استقبلني بفرح طفولي, وهو يربت على كتفي ويهدهدني, ويحكي لي قصصاً مختلفة عن أناس عاشرهم , منذ ملايين السنين , فالبعض أحبّه وقدس أقدامه المائية والبعض ,( بصق على لحيته ), أو قذف في عينيه ِ قاذورات المدن , ومفرزات أحشائها, وحدثني عن النساء والأطفال , عن الشيوخ والصبايا , عن العشاق وليالي السمر , وعن أشجار الغَرَبِ والطرفاء , التي بدأت تهرم , وعن مكافأتهم له ولجلال شيخوخته, ولحيته الوقور البيضاء , وكيف ينظّفُها وأسماكُه من أدرانهم , هم هكذا دائماً , أبناء البشر يا ولدي , قال : وَحَمَل الرأسَ الذي هو رأسي من أعماقه وركّبه تماماً مثلما كان فوق عنقي , وبيديه الحانيتين , أسقاني ماءاً فراتاً , وبعد برهة من التأمل , في عينيه الوادعتين , عدتُ أدراجي إلى المدينة , التي كانت تغرق بالسبات العميق 0 (1) باب بغداد باب اثري قديم يقابله باب الرقة في بغداد حيث تدخل القوافل منه إلى المدينة 0



#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أين أنتِ الآن يا بيروت ؟
- الحرب في بيروت , والقتل في بغداد 0
- المختاران من الله
- يبتعدون عن الدين , ويحقدون على العلمانية0
- أطفال بيروت يلعبون بالطائرات
- هل الدين عنصرياً , أم العنصرية ديناً ؟
- بيروت صامدة كنجمة وحيدة
- الحرية
- الويلات الأمريكية
- من اللذي تآمر على الشعب الفلسطيني العظيم ؟
- الذي تأبط شراً
- الحوار المتمدن وملف العلمانية
- مجد العصا , والدم
- البصرة
- أخوان الأردن وسيدهم الزرقاوي
- المرأة وموروث القهر
- الليل
- هل العلمانية دين جديد ؟
- العلمانية حياة
- سعاد خيري وأطفال فلسطين


المزيد.....




- خامنئي يبث رسالة باللغة العربية: لن نساوم الصهاينة أبدا ويجب ...
- خامنئي يبث رسالة باللغة العربية: لن نساوم الصهاينة أبدا ويجب ...
- حضور لافت للسينما العراقية في مهرجان عمان السينمائي
- إستذكار الفنان طالب مكي ..تجربة فنية فريدة تتجاوز كل التحديا ...
- براد بيت اختبر شعورا جديدا خلال تصويره فيلم -F1-
- السويد.. هجوم جديد بطائرة مسيرة يستهدف الممثلية التجارية الر ...
- -البحث عن جلادي الأسد-.. فيلم استقصائي يتحول إلى دليل إدانة ...
- تقرير رويترز 2025: الجمهور يفضل الفيديو والصحافة البشرية وهك ...
- هكذا تصوّرت السينما نهاية العالم.. 7 أفلام تناولت الحرب النو ...
- بعد أسابيع من طرح الفيلم ونجاحه.. وفاة نجم -ليلو وستيتش- عن ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عايد سعيد السراج - الفرات غريباً لا يثق بأهله