|
تحرير الانتصار اللبناني من الكذب القادم
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 1650 - 2006 / 8 / 22 - 10:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أكتب وقد صدر بالأمس ، بعد شهر من بدء الحرب، قرار مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل . والمفروض نظريا أن تتوقف الحرب ، أو أن تستمر لأسبوع آخر لحين نشر الجيش اللبناني أو قوات دولية على الحدود . وقد جرت العادة ، بعد كل وقف لإطلاق النار ، أن يبدأ إطلاق الأفكار ، للتهوين من هزيمة طرف ، أو التضخيم في انتصار طرف ، أو تصوير الهزيمة باعتبارها فوزا كبيرا . وفي وقت ما ، عندما انحسرت ثورة البطل أحمد عرابي ، بدأ إطلاق الأفكار المكثف ، وتم تصوير الثورة العظيمة التي أنارت الشرق كله باعتبارها مجرد " هوجة " جلبت على مصر الاحتلال . ولزمن طويل خسر الوعي ، ما كسبته الثورة . والآن سيتعين على المقاومة اللبنانية بعد أن تسكت المدافع أن تخوض معركتها الثانية الأخطر شأنا من أجل نشر وعي محدد في اتجاه ترسيخ مبدأ المقاومة ، في مواجهة حملات فكرية وإعلامية ستظل تنعق كما فعلت خلال الحرب وقبلها بأن الكفاح ضد الاستعمار أمر مستحيل عديم الجدوى وستظل ترى فقط خسائر لبنان وتذرف عليه دموع التماسيح . باختصار سيكون على المقاومة أن تستخلص النصر وأن تبلور دروسه وأن تقدمه باعتباره إنجاز المقاومة ، وأنه لا إنجاز سوى بالمقاومة . على الجانب الآخر ، سيتدفق طوفان الأكاذيب ، الذي لا يقرأ حتى ما تكتبه الصحف العبرية عن هزيمة إسرائيل ، وسيتقنع الطوفان بالحديث عن الخسائر ، وكأن هناك حرية أو كرامة ملقاة على قارعة الطرق مجانا بلا ثمن . وسيتضاعف العبء الملقى على المقاومة لتوضيح أبعاد الانتصار ، لأن الحرب تنتهي في ظل حالة من التوازن ، بين حجم ما دمرته إسرائيل ، وحجم صمود المقاومة . إلا أن هذا التوازن الظاهر يخفي في حقيقة الأمر أكبر هزيمة حلت بإسرائيل منذ دخولها إلي المنطقة ، وهي هزيمة تأتي في لحظة الذروة من الانتصارات الإسرائيلية ، وفي عز القوة العسكرية ، وقد أصبحت إسرائيل قاب قوسين أو أدنى من تحويل أوهام الدولة الاستيطانية إلي حقيقة . لم تستطع إسرائيل أن تحقق شيئا من أهداف الحرب ، لا استعادة الجنديين ، ولا تدمير قوة حزب الله ، ولا نزع سلاحه ، ولا تحطيم الوحدة الوطنية اللبنانية ، وكانت خسائرها فادحة على كافة المستويات باعتراف كل الصحف الإسرائيلية التي تطالب حكومة أولمرت النازية بالاستقالة ، وأخذت تل أبيب تراجع حصاد الفشل العسكري والسياسي الذريع الذي منيت به . أما المقاومة اللبنانية جنبا إلي جنب مع المقاومة العراقية والفلسطينية ، فإنها رسخت مبدأ المقاومة الشعبية ، ووسعت رقعته ، وأثبتت للعرب كافة أن بوسع المقاومة أن تحقق الكثير ، وبهذا نقلت المعركة تاريخيا من الجيوش النظامية إلي الشعب ، وأكدت خلال ذلك أن القيادة العسكرية والسياسية الحكيمة والبطلة يمكن أن تقود حربا مذهلة ومفرحة كتلك التي خاضتها المقاومة بشهدائها وأبنائها وكتابها ومثقفيها . لم تستطع المقاومة اللبنانية بطبيعة الحال أن توجه ضربة قاصمة للكيان الصهيوني ، لكنها الآن قد أعدت التربة وهيأتها لمثل ذلك ، وسوف يتدافع نحو المقاومة الآن ألوف وألوف من الذين كانوا ينتظرون لحظة كتلك . إن " كومونة باريس" لم تكن سوى بروفة تاريخية كبيرة لأحداث لاحقة ، ولم تكن ثورة 1905 في روسيا سوى جسرا نحو ثورة 1917 ، ولم تكن ثورة أحمد عرابي سوى جسر عبر عليه لاحقا مصطفى كامل ، وعبرت فوقه ثورة 1919 ، ولم يكن تاريخ مصر كله قبل ثورة يوليو سوى تحضير للثورة . إن المراحل الانتقالية لا تحصد نصرا واضحا ، لكنها فقط تراكم النصر ، وتمهد التربة له ، وما جرى في لبنان ، هو انتصار بكل معنى الكلمة ، انتصار شق طريقا آخر مختلفا وجديدا للتحرير ، ولمناهضة الاستعمار والصهيونية ، وأخشى ما تخشاه إسرائيل ، هو العلامة التي وضعتها المقاومة عند مفترق الطرق ، العلامة التي تشير إلي طريق المقاومة باعتبارها الخيار الحقيقي . هذه العلامة المعلقة هي التي أُثارت رعب إسرائيل ، التي ترى بعينيها أن هناك علامات أخرى مشابهة في العراق ، وفي فلسطين ، تقول كلها إن الناس قد أداروا ظهورهم نهائيا للاستسلام ، وأنهم بعد ذلك قد وجدوا أداة فعالة ، يمضون بها إلي الأمام . معركة المقاومة اللبنانية القادمة ستكون لكسب الوعي بالانتصار ، وهي معركة شرسة ، ستكون أعنف من البطولة التي أظهرتها في الدفاع عن بلادها ، وعن حرية وكرامة كل مواطن عربي ، أرغمته الظروف أن يكون شاهدا مكتوف اليدين لخمسين عاما على جريمة بعلم ونشيد .
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المقاومة اللبنانية وتفكيك الشخصية الصهيونية
-
لن نغفر ولن ننسى
-
المقاومة اللبنانية وفلاسفة الهزيمة
-
الليل طويل والطيارات مش نايمة
-
لم يبق في غزة سوى الهواء
-
نبيل الهلالي . سحابة العدل
-
انطفاء أحمد عبد الله .. قمر على جيل السبعينات
-
جينا لندن ترصد أدق الرغبات
-
ساندوا الشاعرة الفلسطينية سارة رشاد
-
سولجينتسين يواجه الحصار الأمريكي
-
شلنات وبرايز
-
لا للتمييز ضد البهائيين المصريين .. نعم لحرية الاعتقاد
-
البهائية والنزعة السحرية
-
ما الذي يريده الشعب المصري ؟
-
تبني مطالب الأقباط .. هو الطريق للخروج من الأزمة
-
الآداب السلطانية . نص متجدد
-
أطوار بهجت .. من الشعر إلي الحرب
-
حكاية هند والفيشاوي
-
الأزمة الدانمركية بين الدين والسياسة
-
ميشيل باشليه واليسار الجديد
المزيد.....
-
شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي
...
-
العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي
...
-
مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في
...
-
استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟
...
-
سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي
...
-
بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير
...
-
ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته
...
-
لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
-
خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني
...
-
لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|