أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي مقلد - الخروج المبكر من الجامعة















المزيد.....

الخروج المبكر من الجامعة


محمد علي مقلد
(Mokaled Mohamad Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7037 - 2021 / 10 / 4 - 00:55
المحور: سيرة ذاتية
    


الخروج المبكر من الجامعة.

استقلت قبل ثلاث سنوات من بلوغي السن القانونية للتقاعد لسبب يتعلق بالجامعة ولسبب آخر يتعلق بالحزب، وكلاهما ذو منشأ واحد هو أن مشروعي لإنقاذ الوطن والحزب والجامعة ينطلق من اعتقادي بأن السبيل الوحيد للإنقاذ هو إعادة الاعتبار لدولة القانون والمؤسسات. الجامعة كانت ضحية نهج النظام السوري في إدارة الشأن اللبناني، وهو نهج يقوم على تدمير الدولة وتدمير الوطن، ولذلك دب فيها الفساد الإداري والأكاديمي والمالي.
المشروع الذي كنت أطرحه في الهيئات الحزبية وعلى صفحات الصحف وفي وسائل الإعلام، يناقض تماماً هذا النهج. وبعد أن تحمّل الحزب الشيوعي اعتراضي على نهجه الالتحاقي بجبهة الممانعة وعلى عضويتي في اللجنة المركزية نحو عقدين من الزمن، ضاق ذرعاً باحتجاجي على سياسته وعبر عن رفضه لمشروعي وقرر فصلي من الحزب بدعوى أنني أسعى إلى انشقاق، وهذا مجاف للحقيقة والواقع، وقد فصلت ذلك في مكان آخر من هذا الكتاب، بينت فيه بالوقائع والأدلة الدامغة أن القيادة كانت تلفق التهم بحق كل مخالف لنهجها.
الطريقة التي استقبلني بها الحزب بعد عودتي من نقاش رسالة الدكتوراه أبعدتني عن العمل الحزبي التنظيمي ودفعتني إلى رحاب الجامعة، أما طريقة دخولي إلى الجامعة، وإن كانت مألوفة لكل صاحب طلب، فقد قدمت لي صورة مشينة عن الجامعة، وأبرزت أمامي منذ اللحظة الأولى لدخولي حجم الفساد الإداري فيها الذي كان سبيلاً لحشر آلاف الأساتذة من غير المستحقين وتخريج عشرات الآلاف من غير المؤهلين لنيل شهادة جامعية، أي أنه كان سبيلاً لفساد أكاديمي.
دخلت إليها لأجد نفسي في مغارة نرى فيها ظلال الفساد، بحسب المصطلح الأفلاطوني عن نظرية المعرفة. ذلك أن منبع الفساد موجود في السلطة السياسية التي حولت من يفترض فيهم أن يكونوا علماء إلى ماسحي جوخ ومصفقين على باب الزعيم، وهذا أول مظاهر الانهيار في الدولة. ولئن حاولت أن أحفظ صورة نقية عن الجامعة إلا أن مسلسل الوقائع المنذرة بالانهيار دفعني إلى تقديم استقالتي منها قبل بلوغي سن التقاعد ونشرت في الصحافة عن أسباب الاستقالة قائلاً:
تخرجت منها باعتزاز كبير، يوم كنا نتباهى بها وهي تضاهي أحسن جامعات العالم، ومنها تخرج باحثون وعلماء وفنانون وشعراء وفلاسفة وقادة سياسيون. بعد عقدين من التدريس في التعليم الثانوي الرسمي عدت إليها، باعتزاز كبير أيضاً، أستاذاً محاضراً ثم معيداً ثم أستاذاً. وها أنا اليوم أخلع ثوب الاعتزاز وأرتدي ثوب الخجل، وأستقيل غير آسف، من جامعة كانت مفخرة ومبعث أمل لي ولأبناء جيلي من اللبنانيين، وينبغي أن نعيدها كما كانت، ونرفع عنها تسلط الميليشيات وصغار المتكسبين.
جامعة بطرس ديب وإدمون نعيم و فؤاد إفرام البستاني وحسن مشرفية والشيخ صبحي الصالح ماتت. لم تعد محلا لإنتاج المعرفة وتحصيلها وتعميمها. بل صارت مثل كل المؤسسات الرسمية، الأساتذة فيها(معظمهم) موظفون، مجرد موظفين، وطلابها(إلا المغلوب على أمرهم) جمهور احتياطي للأحزاب الطائفية والمشاريع المذهبية، وإداريوها (الجدد خاصة) متنفّعون عند أولياء النعمة، وبات المثال الأعلى لمن يعمل فيها طاعة الزعيم و كتابة التقارير.
يزعم الزاعمون أن الأستاذ الجامعي ينتمي إلى فئة المثقفين أو الأنتليجنسيا، أي أولئك الذين، كما سماهم جان بول سارتر، يتدخلون في ما لا يعنيهم. والمقصود بذلك تدخلهم في ما يتعدى همومهم الأكاديمية إلى هموم وطنية، أو أن واحدهم يصنف في خانة المثقف التقني فحسب. ومن موقعه هذا، يجد المثقف نفسه في صراع حتمي مع السياسي، لأن بينهما تناقضاً في منهج العمل. السياسي يستعجل الإجابة فيما يكثر المثقف من الأسئلة، والسياسي يستعجل إقفال باب النقاش والذهاب بسرعة نحو اتخاذ القرار فيما المثقف يميل إلى النقاش وإعادة النقاش، والسياسي ينطلق من زعمه امتلاك الحقيقة بينما ينطلق المثقف من البحث الدؤوب الدائم عن الحقيقة. هذا شأن المثقف من الأنتليجنسيا، فكيف بالمثقف التقني، أي الذي يحصر همه في النشاط الأكاديمي والبحثي؟ من هذه الزاوية بالذات كان كل دبشليم في التاريخ بحاجة إلى بيدبا ، ومن هنا أيضا حاجة السياسي الدائمة إلى الوقوف على رأي المثقف ليتأنى في اتخاذ قراره.
أما أن تنقلب القاعدة فيقف أساتذة الجامعة على أبواب الساسة، فهو لعمري، من "علامات الظهور"، ظهور صاحب العصر والزمان باللغة الشيعية، أو من علامات يوم القيامة، حيث تصبح الحاجة ماسة لظهور المهدي برفقة المسيح كي يملأ الأرض عدلا! آه لو يظهر؟! ليخلصنا من آفة التسكع والتزلف التي يقترفها " المثقف الدجال " على باب السلطان!
لا أقول ذلك لأنال من سمعة زملاء لي بينهم أصدقاء كثر شم الأنوف ومشهود لهم بالعلم والمعرفة والحفاظ على الكرامة والدفاع عن حرمة الجامعة، بل لأصف حالة مهيمنة باتت الغلبة فيها، في صفوف المسلمين، لمن يفضل لقب الحج على لقب الدكتور، عملا بمفعول القول الطقوسي" لا جدال في الحج" فيمنع الجدال والنقاش في الجامعة، ويصبح منهج التعليم الجامعي خاضعاً لحديث منسوب إلى الرسول، مفاده: أول العلم الصمت(الإصغاء) ثم الحفظ ثم العمل بموجبه. وهكذا يقفل باب الأسئلة ويسعى السائل عن الحقيقة، لا في طريق البحث العلمي عنها، بل في الفتاوى التي يطلقها من عنانها معممون جهلة من خريجي الحوزات، أو على حد قول أحد العلماء الأجلاء، " من خريجي دورات الفك والتركيب" ، وهذه عبارة شاعت في بداية الحرب الأهلية يوم كان الكل يتدرب تدريباً أولياً على فك السلاح وإعادة تركيبه.
لم تعد الجامعة إذن محلا لتحصيل العلم، لأن تواطؤاً حصل بين الأساتذة والطلاب تخلى بموجبه الأساتذة عن شرط الكفاءة الأكاديمية وأباحوا لطلابهم انتهاك مستويات التحصيل العلمي ومناهجه وأدواته ليحصلوا على ما تيسر منه في الثقافة الشعبية الشائعة أو في المعلومات الرائجة لدى الرأي العام. والرأي عموماً، على ما يقول باشلار، هو عدو العلم والبحث العلمي، فكيف بالرأي العام؟ فضلاً عن ذلك تسربت إلى المجال الأكاديمي آليات العمل الميليشيوي، وما أكثر تجلياتها.
حين طلب إلي أن أكون قارئاً ومناقشاً لأول رسالة جامعية معدة لنيل شهادة الدراسات العليا، تعاملت مع الموضوع بجدية تامة وقررت أن أطلع على مراجع وأتهيأ لقراءتها لأكون في موقع القادر على تقويمها بجدارة. وجدت في مكتبتي مرجعاً باللغة الفرنسية عن الموضوع من منشورات الجامعة اللبنانية. بعد الاطلاع عليه تبين لي أن الطالب ترجم نصوصاً طويلة منه وأدخلها في صلب رسالته من دون الإشارة إلى مصدرها.
لم أسمح لنفسي بكتابة تقرير عن حقيقة ما قرأت وما استنتجت، لأن فيه إساءة إلى الطالب وهو صديق لي ورفيق نضال وهو من أبناء جيلي، كما أن فيه إساءة إلى الأستاذ المشرف، إذ كيف يجيز للطالب طباعة رسالته بعد موافقته عليها، من غير أن يدقق في عملية "القرصنة" الأكاديمية تلك؟ عرضت الأمر على زميلي فاقترح أن أعقد جلسة مع الطالب وأقدم له توجيهاتي بإعادة صياغة رسالته، وهذا ما حصل.
بعد اسبوعين على عقد الجلسة قرأت على لوحة الإعلانات قراراً من عمادة الكلية أو من إدارة الفرع، لم أعد أذكر بدقة الجهة صاحبة القرار، تحدد بموجبه موعد مناقشة الرسالة ذاتها أمام لجنة من الأساتذة تم فيها استبدال اسمي بإسم زميل آخر. أخبرت عميد الكلية بالأمر وحين سألني عن الأسماء كان جوابي أنني لست بصدد تقديم شكوى ضد أحد ولا ضد مجهول، بل أطلب معالجة ما حصل لإنه إن تكرر فهو ينذر بمصير بائس للجامعة.
في إحدى السنوات، خلال امتحانات نهاية العام الدراسي ضبطنا طالباً متلبساً بمحاولة غش. قدمنا أنا وزميلي في المراقبة تقريراً إلى إدارة الكلية فقررت حرمانه من استكمل الامتحان في تلك الدورة. فوجئنا باتصالات في صباح اليوم التالي من أجهزة أمنية وقيادات سياسية متعددة تطلب من إدارة الكلية إعادة النظر بالقرار.
في إحدى السنوات، شكلت الإدارة المركزية لجاناً أكاديمية من الأساتذة لتعديل المناهج وكنت في عداد لجنة التعديلات في قسم اللغة العربية. وافقت اللجنة على اقتراحي بعقد اجتماع للزملاء الذي يحاضرون في مادة حضارة البلدان العربية في العصر الحديث، لإعداد مشروع التعديلات وعرضه على اجتماع اللجنة. حصل ذلك وتم إقراره. في نهاية أعمال اللجنة تم رفع نتائج أعمال اللجنة إلى رئاسة الجامعة لطباعتها وتوزيعها على الفروع.
فوجئت، مع بداية العام الدراسي، بتوزيع تعديلات أخرى جذرية في المادة التي أحاضر فيها لا علاقة لها بما تم نقاشه في اللجان. قصدت عميد الكلية الجديد لأشكو له فاقترح عليّ دعوة أساتذة المادة في كل الفروع، وإعادة صوغ المقترحات. تبين لي، بعد دعوتين فاشلتين لاجتماع أساتذة المادة، أن المسؤول عن هذا الانقلاب، وعن فشل الاجتماعين أيضاً، هو عميد الكلية نفسه، الذي ضرب عرض الحائط بعمل دام أشهراً وتقاضى كل عضو بدل أتعابه في اللجان مبلغاً مقداره ستة ملايين ليرة لبنانية في حينه، أي ما يعادل أربعة آلاف دولار.
كنت متشدداً في تصحيح المسابقات وفي تقويم أبحاث الأساتذة ورسائل الطلاب. وكنت أعبر أحياناً عن تشددي بأسلوب لا يخلو من الحدة. لذلك سألت عميد الكلية ذات مرة عما إذا كان الأساتذة والطلاب يطلعون على التقويم الذي أرفعه إلى عمادة الكلية، وحين طمأنني إلى أنه الوحيد الذي يقرأ التقارير ويقوم بتقديم موجز عنها لصاحب العلاقة، سلمته تقريري عن رسالة دكتوراه لطالبة جامعية ذكرت فيه عدم موافقتي لأن الرسالة لا ترقى إلى مستوى بحث علمي أكاديمي. بعد شهرين التقيت بالأستاذ المشرف على الرسالة وأخبرني بأنه اطلع على تقريري وكان مرتاحاً لدعوتي الطالبة إلى إعادة كتابة رسالتها مجدداً على ضوء ملاحظاتي. انتابني الخجل منه لأن تشددي كان موجهاً صراحة ضد رسالتها ، وموجها ضمناً ضد تساهله في التعامل مع الرسائل الجامعية. ومرت الحادثة بخير.
كتبت في تقويم رسالة أخرى ما معناه، لو عاد الأمر إلي لحلته (الطالب) إلى المحكمة بتهمة الزنا! أليس هذا اغتصاباً للعلم والبحث الأكاديمي؟ واقترحت على عميد الكلية منع الأستاذ المشرف من الإشراف على رسائل جامعية، ومنع الطالب من متابعة دراسته الجامعية. وقد وافقني العميد شفهياً بعد أن لخصت له مبررات اقتراحي. وبعد موافقته سلمته تقريري المكتوب.
بعد مضي ثلاثة أشهر أصيب العميد بعارض صحي ألزمه بإجازة مرضية لأكثر من شهر، تمكن خلاله الأستاذ المشرف من الحصول على نسخة من تقريري. مع بداية العام الدراسي، وخلال اجتماع إحدى اللجان الأكاديمية قدمت لكل واحد من زملائي في اللجنة نسخة من كتابي، الأصوليات. في الاجتماع التالي انتحى بي أحدهم وتساءل، هل كاتب كتاب الأصوليات هو ذاته كاتب ذاك التقرير الشديد اللهجة عن المحكمة والزنا؟ وذكر لي كيف أن سكرتيرة العميد، وخلال غيابه بإجازة مرضية، سلمت الأستاذ المشرف نسخة من التقرير، ثم طلب مني أن أراعي ظروف الطالب وأن أتساهل في الحكم على رسالته وأن أطلب منه تعديلها.
قلت لزميلي ما قلته لاحقاً على منصة النقاش في الكلية، وكنت رئيساً للجنة المناقشة التي ضمتني إلى زميلي وإلى الأستاذ الجامعي المشرف. ماذا لو لم نكن ثلاثة تبدأ أسماؤنا باسم النبي محمد؟ ماذا لو كان بيننا زميل اسمه جورج أو طانيوس أو مارون؟ كيف يمكن لطالب في الجامعة اللبنانية أن يكفر كل من يتقن لغة أجنبية؟ هل يعني أن الجامعة اللبنانية جامعة كافرين؟ وكيف يسمح الطالب لنفسه أن يكفر رئيس تحرير مجلة الأزهر الصادرة عن جامعة الأزهر القاهرية؟ وكيف يجيز الأستاذ المشرف لطالبه بأن يطبع رسالته وفي أول مقدمتها إهداء إلى من يعتبره "استاذه والمشرف الحقيقي على رسالته"، ويعرف عنه بأنه شيخ من شيوخ الطرق الصوفية أقام في المدينة ثم غادرها ليتكبد الطالب مشقة البحث عنه في بلاد الشام الواسعة؟ نعم أعترف بأنني مسؤول عن منعه من نقاش الرسالة ثلاث سنوات، وكنت قد اقترحت منعه من استكمال دراسته في الجامعة اللبنانية، لأنها جامعة الوطن ولا يجوز لشخص غير ديمقراطي أن ينال شهادة من مجتمع متعدد متنوع. وانتهت جلسة المناقشة بمنحة شهادة الدراسات العليا في اللغة العربية وآدابها.
احتراماً وتقديراً لتشددي في قراءة النصوص، كان العميد جوزف لبكي يوكل إلي تقويم الرسائل الجامعية وأبحاث الأساتذة. عللت رفضي إحدى الرسائل بأن الطالب يكتب كثيراً ولا يقول في رسالته شيئاً، ذلك لأنه يكتب من غير منهج. استاذه المشرف هو الذي أشار إلى أحد طلابه أن يوقعوا عريضة ضدي بدعوى أن محاضراتي في المنهجية تخرج عن مألوفه في تدريس التقنيات المتعلقة بحجم الصفحة وحجم حروف الاقتباس وعدد الأسطر. توقفت مناقشة الرسالة سنوات وبلغ الطالب سن "اليأس" وشارف على التقاعد الوظيفي.
بتدخل من أحدهم قابلت الطالب وسألته عما يعرفه عن منهجية البحث فكان جوابه، ماذا يعني هذا المصطلح؟ حتى لا أبدو مسؤولاً عن حرمانه من شهادة جامعية، لأنني الوحيد الذي رفضت رسالته، أذعنت وطلبت منه إدخال تعديلات عليها بعد أن زودته بلائحة مراجع عن علم المنهج، أو منهجية البحث العلمي في الدراسات الأدبية, ولست أعلم إن كان قد أدخل أو لم يدخل التعديلات المطلوبة، لكنني كتبت تقريراً جديداً أذنت له فيه بنقاش رسالته. في الموعد المحدد رن هاتفي في جرجوع وإذا برئيس لجنة المناقشة يسألني عن سبب تأخري لأن اللجنة لا تنعقد إلا بحضور جميع أعضائها. كنت أحترم مواعيدي كثيراً وما من مرة تخلفت وغالباً ما كنت أصل باكراً قبل الآخرين. هذا الموعد بدا كأنه لا يعنيني، ربما لأنني حملت ضميري المهني الأكاديمي. تذرعت بسبب صحي وبارتفاع مفاجئ في الضغط. تم الاتفاق على أن تبدأ اللجنة بالنقاش على أن أوافيها قبل انتهاء الجلسة.
وافيتهم قبل أن يحين دوري في المناقشة بقليل. اعترفت أمامهم، بحضور عميد الكلية الذي حدثتكم عنه منذ قليل، بأنني أنا الذي حرمت الطالب من نقاش رسالته لسنوات, وأنا الذي تساهلت معه حين اعترف أمامي بأنه يجهل جهلاً تاماً هذا الحقل من المعرفة، لكنني حمّلت الجامعة المسؤولية عن جهله لأنها لم تدرج هذا العلم من ضمن الأرصدة المطلوبة من طلاب الدراسات العليا ولا جعلته إلزامياً لأساتذتها، الذين حين سئل أحدهم عن الإشكالية في بحثه قال، "شو يعني إشكالية". ذكرت أمام عميد الكلية بأن أحد الزملاء طالب برفع عريضة ضدي لأن محاضراتي عن المنهجية تخالف مألوفه من الثقافة الأكاديمية. الزميل بطل العريضة كان إلى جانبي ولم ينبس ببنت شفة. ثم نال الطالب شهادة الدكتوراه.
تحول الفرع الخامس من كلية الآداب في صيدا إلى منصة لمواجهات حزبية بين أمل وحزب الله وانتهت بمحاصصة تقاسم فيها الطرفان النفوذ، فصارت الحركة صاحبة القرار الإداري وصار الحزب صاحب القرار الطلابي، وصادر الطرفان اللوحات الإعلانية والمقاعد الإسمنتية في أروقة الجامعة وباحاتها وقاعاتها وأصبحت رزنامة أيام العمل والتعطيل في الجامعة خاضعة لجدول عمل النضال القومي ضد الإمبريالية والصهيونية، وللمناسبات الدينية ، فكم من مرة تعطلت فيها الدروس بمناسبة احتفال بالنصر أو دعوة على أكلة الهريسة العاشورائية، وبلغ التسلط الحزبي ذروته حين رعت إدارة الكلية حفل تخريج للمحجبات.
فضلا عن ذلك بات لا يسمح بالدخول إلى ملاك الجامعة أو الحصول على عقد بالساعة أو بالتفرغ إلا لمن يتقدم بطلب ممهور بموافقة حزبية قبل الجامعية. تفاجأت ذات نهار بمتعاقد جديد التقيته في باحة الكلية يخبرني بأنه يقوم بتدريس مادة اللغة الفارسية في قسم اللغة العربية، والعجب ليس في تعليم هذه اللغة، لأن اللغات القديمة أو ذات العلاقة بالعربية كالسريانية والعبرية والفارسية تشكل جزءاً من المواد التي يختارالطالب واحدة منها أو من اللغات الأجنبية الحية كالفرنسية والإنكليزية والألمانية والإسبانية وسواها، بل في كون هذا المتعاقد لا يعرف من الفارسية شيئاً، بحسب ما أفادني، لأنه لا قام بزيارة لإيران ولا أقام فيها ولا خضع لدورة محو الأمية باللغة الفارسية، غير أنه حصل على قائمة من المفردات الفارسية وما يقابلها بالعربية من استاذ اللغة الفارسية ثم أزاحه وحل محله في تعليم المادة.
قلت أنني غير آسف على تقديم استقالتي من الجامعة، قلت ذلك والغصة تملأ فمي، لأن الجامعة واحدة من واجهاتنا الجميلة على العالم، لكنني لم أغادرها إلا لأناضل من أجل إعادة الاعتبار إليها، ولي في جيل الثورة من أساتذتها وطلابها كل الأمل بإصلاح ما خربه المتزلفون من أهلها وما دمره سياسيون رهنوا مصير الوطن والدولة وباعوا سيادته لجهات خارجية.
مقطع من سيرة ذاتية



#محمد_علي_مقلد (هاشتاغ)       Mokaled_Mohamad_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دروس انتخابية من تجربتي مع الحزب الشيوعي(1من 4)
- الجامعة اللبنانية دخلتها متأخرا وخرجت منها مبكراً
- الثورة وبرلمان 2022
- قيلولة نضالية
- سنّيّة سياسية بعد فوات الأوان
- الصراع بين المثقف والسياسي
- نصيحة جعجع الشيعية
- مشيخة الفلاحين
- مغدوشة أم طورا بورا؟
- من مدرسة الحطب إلى السوربون
- فساد بالسوية استبداد بالرعية
- زمن الدستور وزمان الزعيم
- عن المسترئس حين يصير -مناضلاً-
- كائنات خرافية تحكم لبنان
- من حضارة الأرض إلى العمل المأجور
- حزب الريف أم حزب المثقفين أم حزب العمال والفلاحين؟
- الحزب القديم مات وحركة الإنقاذ ليست بديلاً
- الشيوعي – القوات مستقبل الثورة أم ذاكرة الحرب؟
- 4 آب القرار الظني
- الفدراليون والدولة


المزيد.....




- تحليل لـCNN: إيران وإسرائيل اختارتا تجنب حربا شاملة.. في الو ...
- ماذا دار في أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وإسرائيل بعد الض ...
- المقاتلة الأميركية الرائدة غير فعالة في السياسة الخارجية
- هل يوجد كوكب غير مكتشف في حافة نظامنا الشمسي؟
- ماذا يعني ظهور علامات بيضاء على الأظافر؟
- 5 أطعمة غنية بالكولاجين قد تجعلك تبدو أصغر سنا!
- واشنطن تدعو إسرائيل لمنع هجمات المستوطنين بالضفة
- الولايات المتحدة توافق على سحب قواتها من النيجر
- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي مقلد - الخروج المبكر من الجامعة