أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي مقلد - الصراع بين المثقف والسياسي















المزيد.....

الصراع بين المثقف والسياسي


محمد علي مقلد
(Mokaled Mohamad Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7019 - 2021 / 9 / 14 - 08:27
المحور: سيرة ذاتية
    


صراع بين المثقف والسياسي
في الثانوية كتبت أول نص نقدي، تناولت فيه العدد رقم 16 من مجلة مواقف. حين عرض علينا حسن حمدان، عرض علينا جميعاً، الكتابة عن هذا العدد، كنت الوحيد الذي أقدم بشجاعة على قبول العرض، لأكتشف أن شجاعتي ليست سوى ضرب من التهور، إذ ما أن انتهيت من تلاوة ما كتبته على مسامع هيئة التحرير في مجلة الطريق، حتى أسمعني الحاضرون كلاما هو بين التقريع والسخرية والملامة وغير ذلك من المعاني غير المستحبة، لا لأن وجهة نظري النقدية سليمة أو غير سليمة، بل لأنني، قبل كل شيء، تجرأت على شاعر إسمه أدونيس، هو رئيس تحرير مجلة مواقف، ورائد يشق طريقاً في الكتابة نحو التجديد ويؤسس لمدرسة شعرية تركت بصماتها على الأجيال اللاحقة.
كان أدونيس كبيراً في نظر الحزب، لكنه فقد مرتبته تلك حين غادر بيروت هرباً من الحرب في عام 1976، إلى منزل والدته في سوريا. عدّوا ذلك انحيازاً لسوريا، فكان عقابه على ذلك شديداً، إذ قرر الحزب الشيوعي استخدام نفوذه في صفوف المثقفين ليستبعده من رئاسة اتحاد الكتاب اللبنانيين. وكتب شيخنا، شيخ الشيوعيين أبو نزار، حسين مروة، تبريراً حزبياً في جريدة النداء لم يعجبني. أعترضت عليه من موقعي المشاكس، ونشرت نصاً صغيراً في جريدة الحزب، النداء، أدنت فيه تقييم الأدب بمعايير السياسة، لم تحل مشاكستي تلك دون احتضان النداء والطريق كتاباتي القصيرة ، لكنني بعد تلك الحادثة رفضت الانتساب إلى اتحاد الكتاب اللبنانيين.
بعد عشرة أعوام، أتيح لي أن أكتب رسالة الدكتوراه، فاخترت موضوعها عن علاقة الشعر بالسياسة، وكانت مادة البحث الحرب الأهلية و"شعر الشباب"، وهي عبارة أطلقت على مجموعة من الشعراء معظمهم من الجنوب، فكان عنوان الأطروحة، الشعر والصراع الإيديولوجي في لبنان بين 1970 و1975، ترجمت الأطروحة ونشرتها كتابا صدر عن دار الآداب، احتل فيها أدونيس موقع الصدارة في عدد المرات التي ورد فيها إسمه، وتلاه شعراء باتت دواوينهم أليفة في مكتبتي وفي ذاكرتي لكثرة ما قلبت صفحاتها ولكون معظمهم أصدقاء لي وندماء ورفاق درب ووظيفة ونضال .
دام عملي في الثانوية عشرين عاماً. في السنوات الأولى كنا نداوم ساعات إضافية نهار الجمعة، وبعد ذلك لم أقبل أن تشكل الحرب وظروفها، وكنت خلالها عضواً في القيادة المشتركة اللبنانية الفلسطينية في الجنوب اللبناني، ذريعة لي للتقصير في واجبي الوظيفي، فلم أغب عنها ساعة واحدة، وألزمت نفسي بدوام حزبي يبدأ حين ينتهي دوامي في التعليم. أذكر، للأمانة، أنني تغيبت عام 1987 لشهر كامل في فرنسا لمناقشة رسالة الدكتوراه، وكان ذلك بتسهيل سخي من الصديقة مهى لطفي مديرة الثانوية التي كلفت أحد زملائي، الأستاذ كميل الناشف بالحلول مكاني لمتابعة التدريس، والتي كانت من الملامح المضيئة في تلك الفترة من حياتي الوظيفية، فهي لم تكن مديرة للثانوية فحسب، بل نافذة على المدينة وأهلها الطيبين، وعلى عائلتها الموزعة بين أربع أرجاء الأرض ، وعلى شقيقها المحامي خالد لطفي.
لم يكن الدخول إلى عالم الجامعة يشكل عندي حلماً، لأن دوامي في الثانوية لم يكن متعباً، ولأن مدخولي الشهري بعد عشرين عاماً في التعليم الثانوي كان يفوق أجر أستاذ مبتدئ في الجامعة اللبنانية. مع ذلك، دخلت إلى ملاك الجامعة بالصدفة، وكنت سعيدا بذلك في حينه، لكن شعوراً بالندم، مع أنني لم أكن أميل إلى الندم على شيء، كان ينتابني بين الحين والآخر، لأنني لم أكن أتصور أن يوؤل هذا الصرح العلمي الذي بناه طلاب لبنان بعرقهم ودمهم، والذي تخرجت منه و كان مفخرة لنا أمام جامعات العالم، إلى مزرعة من مزارع المحاصصات السياسية، فيها فائض من السياسة وقليل من العلم، وفيها عمل فائض السياسة على تحقير الثقافة والمثقفين، وتبخيس قيمة العلم والمتعلمين، حين أجبر معظمهم على التسكع أمام الباب العالي، وجعلهم مجرد عديد من المتملقين والمصفقين وماسحي الجوخ، فصارت الجامعة على أيديهم لا تعلو أكثر من مرتبة واحدة عن مدارس محو الأمية. هذه ليست حال الجامعة ، بل هي حال المدارس الرسمية عموماً، والمدارس الدينية أيضاً التي هبط مستواها من النجف إلى الحوزة. لم يخمد ندمي إلا قلة من زملاء أكن لهم الاحترام، وقلة من الطلاب غطت كفاءتهم على كل المفاسد الأكاديمية والإدارية وعلى من تسللوا إلى الجامعة بقوة التزلف والتزوير.

أول بحث عن حقيقة علمية
أول كتاباتي البحثية كانت عن الشاعر عبد المطلب الأمين. أعددت البحث بطلب من راعي الثقافة في الجنوب، الصديق حبيب صادق، الأمين العام للمجلس الثقافي للبنان الجنوبي. أذكر أنني كنت أنسخ النص ذاته أغلب الظن على "المبيضة"، وسمعي مشدود إلى تقرير كان يقدمه جورج حاوي أمام اللجنة المركزية في مقرها في منطقة الطريق الجديدة في بيروت، و ذكر فيه أن لبنان سيتعرض لاجتياح عسكري اسرائيلي قد لا يتوقف على أبواب العاصمة.
أعترف أننا جميعاً في قيادة الحزب وفي قيادات المناطق والقطاعات لم نتعامل بمسؤولية مع حجم الخطر الذي كان سيتهدد لبنان والذي نبهنا إليه التقرير، وأنني لم أكن وحيداً في التعامل مع هذا الخبر باستخفاف، وأشهد أن جورج حاوي وحده في الحزب تصرف على أساس ذلك التقدير، فيما تفاوتت تقديرات القيادات الحزبية المركزية والمناطقية لحجم الاجتياح بين بلوغه منطقة الزهراني أو على الأكثر مدينة صيدا، إذ كان الاختلاف محصوراً في تقدير مداه وفي النقطة التي يمكن أن تبلغها مسافة الأربعين كيلومتراً المحتملة. إن أنس لا أنسى، حين بدأ الاجتياح، سئل خليل الدبس، مسؤول التنظيم في الحزب، عما على قوات الحزب العسكرية فعله، فكان جوابه، افعلوا ما يفعله الفلسطينيون، ومخازن الذخيرة انقلوها إلى برجا.
لم يقلل انشغالي بتبييض البحث من اهتمامي بمضمون التقرير، لكن المحاضرة عن عبد المطلب الأمين فتحت أمام قلمي صفحة الكتابة البحثية، إذ قصدت شقرا، مسقط رأس الشاعر، وقرى أخرى والتقيت بأصدقائه وسمعت عن أخباره من عديدين من أبناء جيله، وزودني أخوه السيد حسن بديوان يضم القليل من قصائده . لكن البحث الذي وضعني على طريق طرح الأسئلة هو رسالة الدكتوراه التي بدأت أحضر لها عام 1984.

من هو الشيوعي ؟
أطروحتي الجامعية أخذتني إلى قراءات جديدة كان من أهمها ما صدر في المغرب ، بعد أن تحولت حرية النشر نحو الدار البيضاء، وصارت ساحة للتفاعل مع الفكر الغربي. محمد عابد الجابري، في ثلاثيته عن الفكر العربي، فتح أمامي أفقاً جديداً شجعني على طرح السؤال: من هو الماركسي ومن هو الشيوعي؟ ذلك لأن قراءة الجابري التراث، وهو بدا مطلعاً على الماركسية من غير أن يدعي الانتساب الفكري إليها والالتزام بها، كانت أكثر إقناعاً لي من قراءة حسين مروه والطيب تيزيني، اللذين أنعم حزبهما عليهما بشهادة الانتماء إلى الشيوعية والماركسية، وتبين لي أن إفادة ممهورة بخاتم الحزب الشيوعي لا تكفي لمنح الماركسي "شهادة" بماركسيته، لأن الذين يحملون الختم هم أقل ثقافة من الفلاسفة والمفكرين الذين يستحقون الشهادة و يفنون حيواتهم في البحث العلمي.
أكد لي هذا الاستنتاج نص في مجلة الطريق كتبه رفعت السعيد، وكان يشغل منصب الأمين العام للحزب الشيوعي المصري، يروي فيه عن لسان حسن حمدان، مهدي عامل، أن الاختلاف الذي ظهر في حوارهما على مدى ست ساعات، وكلاهما يحمل شهادة حزبية بانتمائه إلى الماركسية، ناجم عن قراءتها بطريقتين مختلفتين: حسن حمدان قرأها من مصادرها الأجنبية ، بينما قرأها رفعت السعيد بعين سوفياتية.
تنويع مصادر القراءة أتاني من غسان الرفاعي الذي طلب إلينا، نحن شلة من العاملين في الحقل الثقافي في الحزب الشيوعي، سناء أبو شقرا، شفيق شعيب، مفيد قطيش، أحمد بعلبكي، نزار مروة، أن نقرأ نصاً لباحث مغربي لم أعد أذكر إسمه(ربما هو كمال عبد اللطيف) في نقد منهج حسين مروة، وعلى وجه التحديد، في نقد قراءته للتراث خلال كتابه عن النزعات المادية في الفلسفة الإسلامية، وأن نبدي رأينا فيه. ومن جميل الصدف أن هذا النص الذي قرأته في نسخة مصورة ونسيت عنوانه والمجلة التي نشرته، هو الذي أحالني على الجابري وحفزني على ملاحقة ما يكتبه عن التراث العربي، بحثا عن سبيل للنهضة العربية المتعثرة، فوجدت نفسي في بيئة جديدة متحررة من ستالينية الثقافة الحزبية، ينتمي كتابها بأشكال شتى إلى الماركسية وطيفها الفكري ويتأثرون بالجابري أو يجايلونه أو يتتلمذون عليه أو يعارضونه (محمد الوقيدي، جورج طرابيشي، كمال عبد اللطيف، عبد الإله بلقزيز، صادق جلال العظم، كتنويعات وردود ماركسية على كتابات حسين مروة والطيب تيزيني).
فتحت لي هذه القراءات الجديدة الباب على فلسفات شاكست الماركسية وناكفتها من غير أن تضاهيها من بينها منهجا التحليل النفسي والبنيوية، وجعلتني أميل إلى البحث عن أسباب التخلف في بنية المجتمع العربي، في داخله لا في خارجه، وإلى اعتبار العوامل الخارجية عوامل إضافية وثانوية، وتوصلت إلى استنتاج لم أتمكن من البوح به في حينه ولمحت إليه في كتابي عن الأصوليات الصادر عام 1998، وهو أن الفكر التقدمي العربي الذي تبنيناه كان عبارة عن توليفة يسارية وقومية، وأن النزعة القومية الشوفينية تلقحت بالستالينية فأفسدتا منهج البحث العلمي عن الأسباب الحقيقية لتخلف العالم العربي، ما غلب الطابع السياسي الإيديولوجي على الطابع المعرفي في كتابات المفكرين الحزبيين.
رحت أميل بعد ذلك إلى الاعتقاد بأن الالتزام بالبنية التنظيمية الحزبية الستالينية يشكل في حد ذاته عائقاً أمام حرية التفكير والتحليل، وربما كان هذا هو ما دفعني إلى الاعتقاد بأن إحجام قيادة الحزب عن توفير احتضان معنوي لي عند نيلي الدكتوراه وانتقالي إلى حقل التعليم الجامعي، بل تعاملها معي بجفاء ورعونة، قد حرّراني من أعباء كان يفترض أن تمليها علي موجبات النضال اليومي.
لست أزعم أنني صرت متخصصاً في فكر هؤلاء الفلاسفة، لأن ما كنت ألاحقه في كتاباتهم لم يكن هماً فلسفياً، بل هو بالدرجة الأولى البحث عن إجابة على سؤال شكيب أرسلان المطروح في أواخر القرن الأسبق: لماذا تقدم الغرب وتأخر المسلمون؟ وقد ساعدني على خوض غمار هذه المسألة المعقدة التي بلغ عمرها مئتي عام ونيف، أن محاضراتي الجامعية تركزت على مادتين هما من صميم اهتماماتي اليومية في حقل النضال السياسي والفكري. المادة الأولى تتعلق بدراسة "حضارة البلدان العربية في العصر الحديث" والثانية تتعلق بمنهجية البحث العلمي في العلوم الإنسانية عامة وفي الأدب على وجه الخصوص. أملت عليّ محاضراتي الجامعية أن أتابع ما يكتب عن النهضة العربية وعوائقها، وبعضا مما يكتب في حقل المنهجية.
في ما يتعلق بحقل المنهجية، خرجت من الجامعة حزينا لسببين، أولاً لأنني لم أكتب محاضراتي ولا نشرت كتاباً ولا بحوثاً في الموضوع، مع أنني، على ما أزعم، كنت أول من أدخل هذه المادة بصيغتها الجديدة على الجامعة اللبنانية (مناهج وليس تقنيات)، وحين وضعت توصيفها طلب مني عميد كلية الآداب في حينه، الدكتور ناصيف نصار، أن أزوّده بهذا التوصيف ليعممه على فروع الجامعة، وثانياً لأنني حين استقلت من الجامعة كان لا يزال علم المنهجية يدرس فيها متأرجحاً بين أن يكون مادة في تعليم التقنيات أو أن يكون مادة في دراسة الأصول الفلسفية لمناهج البحث، وكان قلة من الزملاء قد ولجوا هذا الحقل وهم على أبواب سن التقاعد.
إن أنس لا أنسى أن رئيس قسم اللغة العربية في الجامعة اللبنانية، الفرع الخامس في الجنوب، طلب من أحد الطلاب الذي كان يعتقد أنه"يمون" عليه حزبياً، أن ينظم مع زملائه عريضة ضدي بدعوى أنني حشرت السياسة في مادة المنهجية حين ضمنتها منهج البحث الاجتماعي ومدخله التعرف على أفكار ماركس وتلامذته من أتباع مدرسة الواقعية الاشتراكية. لم يكن ذاك الجاهل يعرف أن ماركس يدرس في أرقى الجامعات الأميركية، ولم يكن يحسن التمييز طبعاً بين المصطلحات ولا سيما بين العلم والإيديولوجيا.
كما أنني لا أنسى أن مدير الكلية أصيب بالعجب حين علم أن باحثاً عراقياً نشر دراسة تحمل عنوان، المتنبي يسترد أباه، حاول أن يثبت فيها أن المتنبي هو إبن المهدي المنتظر، ثم ارتفعت وتيرة عجبه حين علم أنني قررت أن تكون هذه الدراسة المنشورة في كتاب مادة في حلقات التدريس في صفوفي الجامعية. كنت أخبر طلابي في أول العام الدراسي أنني سأطرح عليهم سؤالاً واحداً وأطلب منهم الجواب عليه في امتحان آخر العام : ماذا لو تعارض منهج البحث العلمي مع معتقدكم وماذا لو تطابقا ؟ كتاب المتنبي يسترد أباه نموذجاً. وكنت أطمئنهم إلى أنني لن أحاسب على الأفكار بل على منطق المعالجة، أي على منهج البحث، وهو عنوان المادة التي تتناولها محاضراتي الجامعية.
أما في شأن النهضة العربية فقد صغت، بالتعاون مع طلابي في السنة الرابعة، محاضرات وجمعتها في كتاب يحمل عنوان المادة ، قضايا حضارية عربية حديثة ومعاصرة ،وعند صدوره، تمّ نقل رصيد هذه المادة إلى السنة الأولى الجامعية ولم تعد بالسلاسة ذاتها في نظر طلاب لم يعتادوا بعد على طرح الأسئلة، بل كل ما كان يهمهم كيف يحفظون وكيف يستظهرون نصوصاً ويفرغونها كآلات التسجيل يوم الامتحان. توصلت من خلال أبحاثي الجامعية إلى أن الأصوليات الإسلامية لم تكن أقل مسؤولية من الأصوليات الماركسية أو القومية، التي شخصت عوامل التخلف تشخيصاً خاطئاً فوصفت لها بالتالي علاجاً خاطئاً.
الجميع رمى مسؤولية التخلف على الغرب، بما هو غرب مسيحي في نظر الأصولية الإسلامية، وبما هو غرب استعماري في لغة الماركسيين والقوميين. وقد وجدت أن هذا الاستنتاج غير صحيح، حتى لو أجمع مفكرو الأمة وأحزابها كلهم عليه. ذلك أن الأمة العربية دخلت مرحلة التخلف في أوائل الألفية الثانية، أي بعيد انهيار الدولة العباسية وقبل مجيء الاستعمار بألف عام، وتوالى على السيطرة عليها والعبث بحضارتها الصليبيون والتتار وهولاكو وتيمورلنك والمماليك والعثمانيون.إذن علينا أن نبحث عن أسباب تخلفنا في مكان آخر، داخل البنية لا خارجها، من غير أن يعني ذلك تبرئة الغرب من مسؤولية ما، يمكن أن يتحملها، عن عوائق النهوض لا عن أسباب التخلف.
توصلت في أبحاثي إلى تشخيص مختلف خلاصته التالي: عرضت الرأسمالية ،التي انطلقت من أوروبا، على أهل الكرة الأرضية، من القارة الأميركية في الغرب حتى الصين شرقاً، الدخول في نموذجها الحضاري الجديد: اقتصاد صناعي بدل الزراعة، جامعات وبحث علمي بدل العقل الغيبي والكتاتيب، وحكم ديمقراطي بدل الحكم الوراثي. اليابان وحدها وافقت على العرض من غير عنف، أما سائر مناطق العالم فقد فرضت الرأسمالية عليها الدخول في نموذجها من الباب الاقتصادي على الأقل، وتساهلت في البابين الآخرين. لذلك ظلت الأمية في بلادنا هي السائدة ( 80% في اليمن، و60 % في السودان و20% في لبنان بحسب إحصاءات رسمية في حينه) وظلت الأنظمة وراثية، بما في ذلك في الجمهوريات التقدمية، بالرغم من دخول هذه البلدان جميعا في عصر اقتصاد السوق. تذكرت حكايات أمي عن الاستبداد!
لم يكن ممكنا أن ينتصر الاقتصاد الرأسمالي في البلاد التي نشأ فيها لولا نجاحه على الصعيد السياسي في إقامة الديمقراطية، حكم الشعب، في سياق عملية معقدة وطويلة، أي أن ذلك لم يحصل بين ليلة وضحاها، بل كلف البشرية سلسلة من الحروب لم تكن الحربان العالميتان أخر حلقاتها. بعدهما أخذت دول العالم تستكمل مسيرتها الديمقراطية، في اليونان وإسبانيا، داخل أوروبا الغربية، ثم في بلدان أوروبا الشرقية بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، ثم في أميركا اللاتينية وأفريقيا. أما الأمة العربية فقد كرست الأصوليات فيها أنظمة استبدادية وسدت أبواب التقدم ووضعتها أمام خيارين، إما الاستبداد إما الحروب الأهلية. إذن عدونا موجود في داخلنا أولا، إنه الاستبداد. هذه الفكرة هي في أساس خلافي واختلافي مع قيادة الحزب الشيوعي اللبناني.
فصل من سيرة ذاتية



#محمد_علي_مقلد (هاشتاغ)       Mokaled_Mohamad_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نصيحة جعجع الشيعية
- مشيخة الفلاحين
- مغدوشة أم طورا بورا؟
- من مدرسة الحطب إلى السوربون
- فساد بالسوية استبداد بالرعية
- زمن الدستور وزمان الزعيم
- عن المسترئس حين يصير -مناضلاً-
- كائنات خرافية تحكم لبنان
- من حضارة الأرض إلى العمل المأجور
- حزب الريف أم حزب المثقفين أم حزب العمال والفلاحين؟
- الحزب القديم مات وحركة الإنقاذ ليست بديلاً
- الشيوعي – القوات مستقبل الثورة أم ذاكرة الحرب؟
- 4 آب القرار الظني
- الفدراليون والدولة
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي
- لا يمين ولا يسار هي ثورة مهندسين
- استبداد رفاقي. حكايتي مع الحزب الشيوعي
- نقابة المهندسين والدولة بين القوات و الشيوعي
- الإسلاميون والدولة
- حركة اليسار الديمقراطي، الانشقاق الأول عن الحزب الشيوعي


المزيد.....




- بايدن يرد على سؤال حول عزمه إجراء مناظرة مع ترامب قبل انتخاب ...
- نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق CNN في شو ...
- ليتوانيا تدعو حلفاء أوكرانيا إلى الاستعداد: حزمة المساعدات ا ...
- الشرطة تفصل بين مظاهرة طلابية مؤيدة للفلسطينيين وأخرى لإسرائ ...
- أوكرانيا - دعم عسكري غربي جديد وروسيا تستهدف شبكة القطارات
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- الشرطة تعتقل حاخامات إسرائيليين وأمريكيين طالبوا بوقف إطلاق ...
- وزير الدفاع الأمريكي يؤكد تخصيص ستة مليارات دولار لأسلحة جدي ...
- السفير الروسي يعتبر الاتهامات البريطانية بتورط روسيا في أعما ...
- وزير الدفاع الأمريكي: تحسن وضع قوات كييف يحتاج وقتا بعد المس ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي مقلد - الصراع بين المثقف والسياسي