|
تونس : الفرز
فريد العليبي
الحوار المتمدن-العدد: 7035 - 2021 / 10 / 2 - 19:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اللحظة السياسية التونسية لحظة فرز هذه الأيام، حيث يتسارع الانقسام ، خطط تُسطر ، شعارات تُرفع.، جبهات تنشأ ، أحزاب تتجمع ، ، أخرى تنتقل بسرعة من خندق الى خندق، دون تكليف النفس حتى تبرير ذلك الانتقال فالمهم هو ما تقتضيه المصلحة ، تحدث قيس سعيد في خطابه الأخير في سيدي بوزيد عن الفرز قائلا انه ترك الوقت يفعل فعله ، ليكشف الطامعين والمتلونين ، فالبعض حدثته النفس بتولي رئاسة الحكومة وعندما خاب أمله غادر الى الضفة الأخرى . الفرز رسم حدود ، فصل ، تمييز ، عزل ، نجده في الفلاح وهو يخلص القمح من التبن ، وفي الحرفي وهو يخلص الذهب من الحديد ، وفي الفلسفة منطقا بالفصل بين الحقيقة والكذب ، وأخلاقا بين الخير والشر ، وقانونا بين الحق والباطل، وفنا بين القبح والجمال . الفرز ممارسة تتطلب معرفة تسبقها ، ومن لا معرفة له لا فرز صحيح له ، فالجاهل يحدد أصدقاءه وأعداءه على قاعدة جهله ، مُوجها الخنجر الى صدره وصدور أصدقائه ، إنه عدو نفسه وصحبه ، والعالم العارف يقوم بذلك التحديد على قاعدة العلم بما ظهر من الأشياء وما خفيي ، فيحسن التصويب ويبلغ سهمه هدفه ، لذلك يتطلب النجاح في الحرب والسياسة معرفة صائبة . الفرز ظاهرة موضوعية ، هو لا نجده في المملكة الإنسانية وحدها ، بل في المملكة الطبيعية أيضا ، فالجرح يفرز قيحه قبل اندماله ، والشجرة أوراقها الصفراء قبل اخضرارها ، والبحر زبده قبل جفائه ، فالفرز حياة وسيروة وتغير وتطور، إنه بهذا المعنى أمر جيد. الفرز يعني وجود تناقض ، والتناقض في حاجة أولا الى دراسة و تحليل وفهم ومناقشة ، وهو في حاجة ثانيا الى حل، وادراكه سبيل اليه ، ويكون التناقض بين طرفين أساسيين وأكثر ، ومنه رئيسي وثانوي ، تناقض في صلب الشعب وهو ثانوي وآخر بين الشعب وعدوه وهو رئيسي ، وذلك العدو يمكن أن يكون في الخارج كما في الداخل . والتناقضات الثانوية السابقة يمكن أن تتحول الى تناقض رئيسي تناحري، ويجد وقتها المتأرجحون المترددون أنفسهم على هامش الصراع ، بل خارجه ، فيخوضون معاركهم مع طواحين الرياح التي تنتهي بطحنهم ، بمعنى أنهم يستنزفون الطاقة في مُلهيات فيكون كلامهم كثغاء النعاج في تشبيه لديكارت. الفرز يسبق معركة ، خلاله تكون اللغة الحربية هي الرائجة ، و المعارك أثناء الفرز باردة وحامية ، فالسياسة فرز بارد والحرب فرز حامي الوطيس، وكثيرا ما تكون كل الأسلحة مباحة ، والمهم تحقيق النصر على العدو والعبرة بالخواتيم. في الفرز يتم تنظيم حلفاء الداخل في معسكر يجمعهم ، كما اللجوء الى الخارج بحثا عن المدد والعون ، بما يًذكر بإمرئ القيس وقد قُتل أباه وكان أمير قومه ، فقصد القسطنطينية ضاربا بعصاه في الصحراء صحبة صديق ، ولما طالت الطريق أنشد قائلا : بكى صاحبي لما رأي الدرب دونه وأيقن أنا لاحقان بقيصر فقلت لا تبكي عينك انما نحاول ملكا أو نموت فنُعذرا ، فسُمي بالملك الضليل .وفي تونس اليوم كم هناك من أمراء ضلوا السبيل ، يسبون الغرب أيديولوجيا ويرجونه المدد سياسيا . مع تعيين رئيسة الحكومة يوم الأربعاء 29 سبتمبر 2021 بلغ ذلك الفرز درجة أخرى من درجاته ، فأولا هناك رمزية تعيين مرأة في مجتمع ذكوري ، أبوي ، خاطب يوما فيه رئيس دولة سابق صحفية قائلا : لست غير امرأة ، واعتبر شيخ دين وسياسة وصل الى رئاسة البرلمان المرأة وعاء جنسيا ، وثانيا هناك قطع ألسن أيديولوجية تتهم قيس سعيد بالمحافظة ومعاداة النساء، وثالثا هناك مخاطبة لخارج متجبر تحركه النزعة الكولونيالية، يرى في العرب سجن نساء ، وفي عرب يرونها فيالق من مجاهدات النكاح. في تونس اليوم يلاعب قيس سعيد الشياطين بعصيها ، مُدركا أن الأمر يتطلب تفكيك منظومة ، وقد جردها من سلاح الدين والحداثة الهجينة نظريا ، ولا يزال أمامه عمليا مهمة تجريدها من أسلحة ظاهرة مثل المال والاعلام وأسلحة خفية كثيرة أخرى .
#فريد_العليبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خطان متضادان في السياسة التونسية ..
-
الاغتيال السياسي.
-
صاعقة في سماء صافية .
-
بيان للحمقى والمغفلين .
-
نصر للأخلاق وهزيمة للسياسة !
-
حنا مينه والعالم الذي يموج .
-
دروس أفغانية .
-
خطة الرئيس .
-
تونس: حول 25 جويلية 2021 وقرارات رئيس الجمهورية
-
. لوحة تونسية : حمة الهمامي .
-
اليوم الذي هز تونس .
-
محمد سبيلا : أفكاره ستظل حية طالما هناك عربي يقرأ.
-
تونس : حركة النهضة والتمكين قطرة قطرة .
-
تونس : حكومة سياسية
-
الحزب الدستوري الحر
-
سعدي يوسف : أمة الكدح ومعبد الجمال وصوت العراق الحزين .
-
الفلسفة والمال.
-
سياسات تونسية .
-
المثلية والاحتجاجات الشعبية التونسية .
-
مسيرة 27 فيفري في تونس ورسائل راشد الغنوشي .
المزيد.....
-
إسرائيل: تغييرات في قيادات الجيش.. ورئيس جديد للاستخبارات ال
...
-
-استهداف قيادة الفرقة 91 بثكنة بيرانت-.. -حزب الله- ينشر ملخ
...
-
ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار طريق سريع جنوب الصين إلى 48 شخصا
-
الأمن المصري يكثف جهوده لكشف ملابسات العثور على هيكل عظمي شم
...
-
-كوميرسانت-: تم تفجير جسر القرم بقنبلة وزنها 10 أطنان -تي إن
...
-
مسؤول عسكري أمريكي سابق يزعم استخدام السنوار رهائن إسرائيليي
...
-
الداخلية الروسية تدرج أمين مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكرا
...
-
الجيش الأمريكي يعلن إسقاط ثلاث مسيّرات حوثية في اليمن
-
المغرب يستعد لتسليم أحد أخطر زعماء العصابات المطلوبين لفرنسا
...
-
-رويترز- تعيد نشر الخبر عن تصريحات كاميرون بشأن أوكرانيا بعد
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|