أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى مجدي الجمال - عمر من الخلافات















المزيد.....



عمر من الخلافات


مصطفى مجدي الجمال

الحوار المتمدن-العدد: 6991 - 2021 / 8 / 17 - 22:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض"

أخذت أهتم بأمور الثقافة والفكر وأنا بالمرحلة الإعدادية منذ منتصف الستينيات، ولكنني انغرست فيها تماما بعد هزيمة 1967. ورغم أنني كنت أشق طريقي وأحدد اختياراتي السياسية بنفسي دون توجيه أو راعٍ سوى قراءاتي وحدسي وممارستي في الواقع المتغير والمعلِم.. فأظن- عن غير فخر- أنني كنت في أغلب الحالات في الجانب الصحيح من الرأي.
وحينما انفتحت أكثر على شباب أمثالي، ثم على رفاق ومفكرين كبار السن والعقل ازدادت آرائي ثقلاً، وقناعاتي العامة ثباتًا، مع مرونة معقولة إزاء السياقات المتغيرة.
ومن عيوبي التي أعترف بها أنني كنت أنزعج في داخلي من تفاقم الخلافات الفكرية والسياسية في الوسط اليساري، لكنني كنت مع ذلك أحتفظ بهدوئي في النقاش الموضوعي الهادف والبحث عن أرضية وعمل مشتركين مع المختلفين المخلصين لقضايا الشعب والوطن.
وكان الانزعاج الحق عندي هو من الخلافات المضخمة وحتى المصطنعة، والتي كانت تجعلني أحيانًا أرتاب فيها، خاصة في ظل الصورة المبتذلة في الأوساط المعادية عن سفسطة اليساريين وطابعهم الانغلاقي الانعزالي، وبالأحرى غير النضالي، والتمسك بنصوص تاريخية يتم انتزاعها من سياقاتها، واستخدامها كسلاح بتار في مواجهة آخرين يتم إلصاق أوصاف وتصنيفات أيديولوجية، مهينة أحيانًا، بهم. وأزعم أن البعض منا كان يحدد موقفه مسبقًا من فكرة أو واقعة ما، بناءً على قراءاته وتعاليم أساتذته أو حتى ذوقه الشخصي، ثم يبحث في الكتب والتجارب الأخرى عن مقتبسات تؤيد موقفه المحدد مسبقًا.
ولكم ضاعت جهود وتبددت أوقات في التناحر وحت التلاسن، ومع ذلك فإنه حتى عندما تكتمل الواقعة موضع الخلاف لا نجد نقدًا ذاتيًا يُعتد به يقوم به من ثبت خطؤه، بينما لا يتورع المنتصرون عن التجريس الفظ لمخالفيهم.
والآن يلح عليّ تعداد موجز ومختزل بالضرورة لبعض الخلافات التي كنت أندهش من اقتناع رفاق بها.
** ردد البعض فكرة أن 23 يوليو انقلاب، ليس على الملك وسلطة الاحتلال وإنما كانت انقلابًا على الحركة الشعبية المتصاعدة بعد الحرب العالمية الثانية. وكان رأيي أنها كانت امتدادًا للحركة الشعبية ولكن دون تنظيم سياسي، ومن ثم لجأت إلى الدكتاتورية في مواجهة الوفد والإخوان أساسًا.
** وبالنسبة للقول بأنها مجرد انقلاب عسكري استهدف صب المغانم لصالح الضباط الصغار ومتوسطي الرتب، ومن ثم فإنها لم تكن ثورة.. فقد كان رأيي أنها إحدى حلقات الثورة الوطنية الديمقراطية (البرجوازية) بعد حلقتين سابقتين هما الثورة العرابية وثورة 1919. والأهم في الحكم على وقوع ثورة من عدمها هو بحث أثرها على علاقات الإنتاج، وتحديدًا علاقات ملكية وسائل الإنتاج. ومن المؤكد أن الإصلاح الزراعي (البرجوازي) قد سدد ضربة قوية لكبار ملاك الأراضي. ثم كانت قرارات تأميم وتمصير الشركات والبنوك الأجنبية ثم تأميم قطاعات واسعة من ملكيات الرأسمالية المحلية ونالت حتى المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وكذلك ضرب الرأسمالية العقارية من خلال قانون إيجارات المساكن. وقد أفرز حكم يوليو ثلاث فئات طبقية جديدة هي: فلاحو الإصلاح الزراعي وعمال القطاع العام وخريجو الجامعات المهنيون. أضف إلى ما سبق تبني سياسة عدم الانحياز والموقف الواضح في العداء للإمبريالية التي تمثل طليعة الرأسمالية العالمية.
** لم يرَ البعض من نظام يوليو سوى قمع الحريات وشيوع التعذيب والاعتقالات وتأميم الحركة النقابية وحق التنظيم الشعبي.. الخ. وكان رأيي أنه لا يصح اجتزاء الموقف من الديمقراطية من مجمل التجربة، وبمعزل عن النضال من أجل الاستقلال السياسي والاقتصادي، وتوسيع رقعة الدعم الاجتماعي للجماهير الشعبية، والتشغيل شبه الكامل للأيدي العاملة، وحركة التصنيع الهائلة، والنهضة الثقافية غير المسبوقة، والتبني "الرسمي" للاشتراكية (وإن كان شكليًا ومجازيًا بالطبع عند فئات طبقية عديدة). أما الخطل الحقيقي فكان اتهام الناصرية باستحداث الدكتاتورية وكأن مصر كانت منتعشة بالليبرالية قبل 1952، وكأن العالم كله كان يرفل في الديمقراطية في الخمسينيات والستينيات، وكأن لم تكن هناك أنواع متعددة من الدكتاتوريات وحتى الفاشيات والحكم الفردي في شرق أوربا ووسطها وجنوبها إلى جانب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. وهذا بالطبع ليس تبريرًا لآليات الشمولية الناصرية وإنما لوضعها في السياق العالمي العام في المرحلة.
** وعلى مستوى القضايا الوطنية والعلاقات الخارجية لم يرَ البعض في نظام عبد الناصر سوى الهزيمة العسكرية في حربي 1956 و1967 ومغامرة اليمن.. حيث ركزوا على فساد وترهل قيادة الجيش وإعطاء أهل الثقة الأسبقية على أهل الخبرة والعلم العسكريين، وهي حقيقة، متجاهلين حقيقة أخرى هي أن النظام الناصري كان مستهدَفًا بتركيز استثنائي من جانب القوى الاستعمارية والرجعية العربية. كما أن اتهام نظام بالتسبب في هزيمة منكرة لا يعني بالضرورة قلبه، وليس مجرد إصلاحه، خاصة وأنه لم يكن هناك من بديل له سوى قوى رجعية وعميلة. كما سادت لدى البعض رؤية رومانسية للحرب الشعبية رغم تناقض الدعوة هذه مع طبيعة النظام حسب رؤيتهم. كما أنهم لم يتفهموا جيدًا طبيعة الجيش المصري المتكون، ليس فقط من ضباط كبار "فاسدين" كما رأوا، وإنما أيضًا من مئات الألوف من أبناء العمال والفلاحين والفئات الوسطى.
** من المؤكد أن إسرائيل كيان خطر على مصالح، وحتى وجود، الدولة والأمة المصرية، ومن هنا كانت نقطة التلاحم الموضوعية مع قضية الشعب الفلسطيني، لكن البعض ذهب بهذه المسلّمة إلى حد بدا أمام الجمهور كما لو أن القضية الفلسطينية هي القضية الرئيسية الوحيدة في نضال الشعوب العربية، وبلغ الأمر حد الانحياز لطروحات هذا الفصيل الفلسطيني أو ذاك، ومن ثم التسبب في مزيد من الحالة الانقسامية اليسارية.
** شهدت السبعينيات ردة فعل قوية على هزيمة 1967 وقد بدأت ردة الفعل هذه بعد صدور الأحكام المخففة على قيادات الطيران، ثم تفاقمت بقبول عبد الناصر لقرار مجلس الأمن 242. فقد رأى فيه الجميع قبولاً (ولو تكتيكيا) بوجود دولة إسرائيل، ومن ثم طور البعض موقفه إلى تخوين عبد الناصر ونظامه. وقد رأيت في هذا مبالغة ونزقًا لا يراعي الهزيمة المروعة التي لحقت بالجيش المصري، وهزال الدفاع على خط القناة، وضرورة إعادة بناء الجيش المصري من الصفر تقريبًا. ولكن تطور الأمر أكثر حينما بات الخلاف حول الموقف من قرار مجلس الأمن رقم 242 من أهم عوامل بث الانقسام وسط اليسار، حتى أصبح مستوى رفض القرار بمثابة "بارومتر" لتمييز الثوري عن المتهادن عن الخائن. كما أن تخوين عبد الناصر كان يعني منطقيًا المناداة بإسقاط النظام، ولو كان شعار كهذا قد رفع لكان أكبر خدمة للعدو وقت لعق جراح الهزيمة، كما لم يكن هناك بديل معقول ومستعد لاعتلاء السلطة، ومن ثم كان شعارًا في الفراغ.
** برز خلاف آخر حينما رفعت بعض الاتجاهات شعار "نرفض كل الحلول السلمية".. بينما كان الشعار الآخر الأفضل هو رفض الحلول الجزئية والمنفردة الاستسلامية. إذ إن الشعار الأول كان "عصبيًا" أكثر منه عقلانيًا، ولم يسبق أن رفعته حتى الثورة الفيتنامية التي كانت تحارب وتتفاوض في آن واحد.
** وكان للثورة الفيتنامية تأثيرها الطاغي على القيادات الطلابية اليسارية الناشئة، فتبنى القطاع الأوسع شعار "حرب الشعب"، لكن البعض اختزله إلى حرب العصابات، رغم أن "عصابات" الثورة الفيتنامية نفسها تطورت إلى جيش نظامي في الشمال ثم التحقت به "عصابات" الجنوب. كما أن أصحاب هذا الصراع لم يكن لديهم مايقولونه بشأن ماذا نفعل بجيش بلغ تعداده المليون مقاتل وكتلته الساحقة من أبناء العمال والفلاحين والموظفين...
** وعلى الجبهة السياسية اليمينية في اليسار المصري طرح تيار صغير فكرة أن مصر مازالت تمر بطور الثورة الوطنية الديمقراطية البرجوازية، وأنه من الخطل في ذلك الوقت العصيب التحدث عن قضايا "الفول والطعمية" لأنه يشق صف الجبهة الوطنية المتحدة المأمولة. وكان الرد على هذا نظريًا أمر يسير، ولكن الرد الأقوى كان أن دفاع المواطنين وطلائعهم عن مصالحهم الاجتماعية لا يمثل أي إعوجاج في انتمائهم الوطني وإنما هو تمتين موضوعي للجبهة الوطنية في مواجهة الاستعمار والاحتلال.
** ثم كانت "ثورة التصحيح" التي قام بها السادات في مايو 1971 باعثًا لخلاف جديد. فقد أيدها بحماس التيار اليميني (في اليسار) واعتبرها بمثابة إعادة لسير قطار الثورة الوطنية الديمقراطية البرجوازية على القضبان الصحيحة. بينما لم يرَ فيها تيار يساري آخر سوى أنها استمرار موضوعي لسلطة يوليو وتعبير عن صراع بين مراكز القوى داخل هذه السلطة. ولم يدرك هذان التياران الانقلاب "الاستراتيجي" الذي أحدثته حركة مايو على كل المستويات. وفي الحقيقة كانت "ثورة التصحيح" هي النتيجة المنطقية لاستفحال نفوذ ومكاسب برجوازية الدولة، والتي من ثم مالت إلى التحالف مع الرأسمالية الريفية والرأسمالية الكبيرة عموما، المتطلعة جميعًا إلى التهادن مع الإمبريالية والرأسمالية العالمية. ومن ثم فقد كان انقلاب مايو هو النتيجة المنطقية للتطور الموضوعي في الحلف الطبقي الحاكم ولعدم إشراك الطبقات الشعبية في السلطة وحرمانها من حق التنظيم المستقل.
** بالطبع كان للحركة الطلابية أوائل السبعينيات دور كبير في الضغط على النظام ودفعه دفعًا لمواجهة الاحتلال والإمبريالية والتهادن العربي. كما كان لها الدور الأبرز في إنعاش وإحياء التنظيم اليساري. فالتحمت القطاعات اليسارية في الحركة مع المثقفين التقدميين خارج الجامعة، وبدرجة أقل بكثير مع تحركات عمالية ناهضة. ولكن لم تنجح هذه الحركة في الوصول المنتظر إلى الريف المصري والأحياء الشعبية، وإن تناثرت بؤر هنا أو هناك. كما أن إقدام النظام على خوض حرب أكتوبر 1973 قد ألحق "هزيمة" مؤقتة لطرح الحركة الذي ركز 90% من جهدها على المطالبة بالحرب.. وكان من نتائج هذا الانحسار الجماهيري لليسار داخل الجامعة (خاصة مع استعانة السادات بالتيارات الأصولية الإسلامية) أن تخرج من الجامعة الكثير من القيادت اليسارية المؤثرة والمؤسِّسة، ولم يحدث الاستعواض المناسب لها. وقد استمر معظم الكوادر اليسارية في حلقات سرية صغيرة (متصارعة ومتنابذة) ويغلب عليها مكوِّن المثقفين ودون علاقات عضوية يُعتد بها مع الجمهور. وهي الأزمة التي دفعت قلة من القيادات اليسارية إلى تبني فكرة "حزب الطلبة" وهي فكرة غريبة لأن الطالب لن يظل طالبًا إلى الأبد، ثم أين سيذهب عضو الحزب بعد تخرجه.
** كانت حرب أكتوبر مناسبة لأن يدعي كل تيار يساري أنها تؤكد على صحة تحليلاته. فالتيار اليميني الصغير اعتبرها حرب تحرير متكاملة الأركان وتمثل هزيمة صاعقة لكل من خوّنوا نظام السادات. وفي المقابل رأى فيها التيار اليساري المتشدد أنها كانت حرب "تحريك" تمت بالتفاهم مع الولايات المتحدة، وكأن أمريكا كان من الممكن أن تتبرع بوضع إسرائيل في هذه "المصيدة". نعم لم تكن قدرات القوات المسلحة المصرية كافية لتطوير المعركة إلى إلحاق هزيمة كاملة بالدولة الإسرائيلية (ناهيك عن التوازنات الدولية وثغرة الدفرسوار وحصار الجيش الثالث ومدينة السويس) ولكن لم يكن من المناسب وقت الحرب التشكيك في أهدافها وقت استشهاد آلاف الجنود.
** استعادت الحركة اليسارية (حتى في الجامعة) بعضًا معقولاً من قوتها بعدما شرع السادات في تنفيذ سياسة الانفتاح الاقتصادي وتصفية رأسمالية الدولة التنموية الوطنية. وهنا كان لا بد من مواجهة سياساته هذه بالدفاع عن القطاع العام. ولكن البعض (خاصة من أنصار نظرية أن المرحلة هي مرحلة الثورة الاشتراكية) سخر من الدفاع عن القطاع العام، باعتبار ذلك دفاعًا عن الرأسمالية في المطلق، واعتبروا أن فساد القطاع العام مبرر كافٍ لسقوطه أو إسقاطه (أيًا كان) وأن اتضاح وتزايد نفوذ القطاع الخاص الرأسمالي يجعل الصراع الطبقي أيسر.
** كما كان الاتهام بـ "النزعة الإصلاحية" جاهزًا من البعض لكل من يرفع مطلبًا إصلاحيًا، باعتبار أن الشعارات الإصلاحية تشوّه الوعي الطبقي وتعطل الصراع.. ومن ثم تجاهلوا أن النضال الإصلاحي على العكس من ذلك يزيد من التضامن بين الطبقات والفئات الشعبية، ويجعلها تتنظم وتتضامن وتتعلم أكثر من تجاربها المباشرة والجزئية والفئوية..
** كان تحديد طبيعة المرحلة الثورية في السبعينيات بمثابة "أم الخلافات". فهناك من رفع شعار الثورة الاشتراكية، والمثير أن بعض رافعيه رفعوا أيضًا شعارات تكتيكية عن الجمهورية البرلمانية والجمهورية الديمقراطية. وفي المقابل كان هناك من رفعوا شعار استكمال الثورة الوطنية الديمقراطية بقيادة البرجوازية. وكان من رأي الكاتب أن الدور القيادي للبرجوازي المحلية قد انتهى، وليس النفي الكامل لوجود فئات برجوازية وطنية. وكذلك أن انتهاء الدور القيادي للبرجوازية لا يعني انتهاء المهام الوطنية الديمقراطية، ومن ثم تتطلب هذه المهام إنجازها تحت قيادة حزب الطبقة العاملة لحلف طبقات وقوى سياسية راديكالية. ومن البديهي أن هذا التحالف لن يقود الثورة المقبلة بنفس النهج والمستهدَف البرجوازي. ومن ثم كانت صياغتي لطبيعة المرحلة الثورية بأنها مرحلة "الثورة الوطنية الديمقراطية ذات الطابع الشعبي والأفق الاشتراكي".. أي أنه لم يعد هناك سور صيني بين الثورتين الديمقراطية (البرجوازية) والاشتراكية (البروليتارية).
** على المستوى التنظيمي لليسار.. أخذت الحلقات الماركسية آنذاك تمارس عمليات اندماج وانشقاق وفرز على كل المستويات. وبالنسبة للمستوى التنظيمي تصاعدت الدعوة للتطور إلى التنظيم الحزبي لا الحلقي.. وهنا ثارت مسألة موقف الجيل اليساري الجديد من قيادات اليسار في الستينيات. مع مراعاة أنه قد برزت جماعتان إحداهما يمينية والأخرى يسارية ادعت كل منهما أنها "مجموعة الاستمرار" التي رفضت قرارات حل الأحزاب الشيوعية في منتصف الستينيات. ومن ثم فقد فرضت "الحرمانية" على كل من تورطوا في حل أحزابهم المستقلة بدعوى الانضمام لـ "تحالف قوى الشعب العامل"، ومن ثم تطلعت تلك القيادات إلى قصر تتنظيمهم الحزبي على اللقاء مع جيل السبعينيات. بينما رأى آخرون من الجدد أن قرار الحل كان خطيئة لا تغتفر ولا يمكن الوثوق بمن حلوا، فيما يشبه بحكم الإعدام السياسي لهم، واستورد البعض من صعيد الحركة الأدبية وقتذاك شعار "نحن جيل بلا أساتذة". ولكن ظهر تيار ثالث وضع شرطًا لانضمام القدامى (والجدد بالطبع) للحزب هو "إدانة قرار الحل".. أي أن باب "التوبة" مفتوح مع مراعاة الاحتياط والحذر.
** رغم الوضع الانقسامي (سواء كان مبررًا أو غير مبرر) تردد بقوة أنه لا مستقبل لليسار دون توحيده. فكانت الخلافات النظرية الحقيقية والمفتعلة عائقًا كبيرًا. كما كانت هناك رغبة فعلية لدى كل تنظيم لأن يتم التوحيد في إطاره (نظرية النمو الذاتي). ولم يكن هناك تبادل معقول للوثائق، وساد مناخ من الإشاعات والتشويهات المتبادلة، فيما بدا وكأن القيادات مستفيدة من ذلك الجو. ورغم وجود أربع كيانات كبيرة نسبيًا فقد انعكس الجو الانقسامي عليها هي نفسها في داخلها فتشرذمت وبلغ الأمر ببعضها حد التحلل وحتى الانفجار. ولا يمكن هنا أن نغفل دور الكوادر الأمنية المتسربة إلى داخل التنظيمات في تعميق الانقسام والتشرذم. كما تبنى قطاع من الشباب فكرة "القاعدة المشتركة" والمؤتمر التوحيدي للتغلب على سطوة القيادات في كل التنظيمات.. وهي تجربة فشلت لأنها في حد ذاتها كانت مجرد تنظيم إضافي، فضلا عن الأضرار الأمنية من الانفتاح اللا تنظيمي غير المنضبط على المستوى القاعدي. وكان الموقف المتعقل هو أن طريق التوحيد يبدأ بالتبادل الحر للوثائق، والتلاقي والتكاتف الموقعي في النضالات المباشرة والجزئية، مما يبني الثقة المطردة بين الفرقاء.
** ثم كانت نشأة منبر اليسار الشرعي (حزب التجمع فيما بعد) مدعاة للدخول في متاهة كبيرة من الاختلاف والخلاف. فلم يرَ منها معظم التيارات سوى جانب واحد هو محاولة النظام الساداتي إنشاء معارضة "كارتونية" لاستكمال وجاهة الليبرالية السياسية للانفتاح الاقتصادي، والتقارب مع الغرب. بينما رأى تنظيم كبير أنه لا يمكن ترك لعبة السادات تكتمل بمعاونة بعض من القيادات اليسارية المتقاعدة والمتواطئة مع نظامه، وأن إفساد هذه اللعبة يتطلب التفاعل معها وتطويرها مستقبلاً وليس بتركها تمضي بمجرياتها الخاصة غير مضمونة النتائج. بيد أن رؤية ذلك التنظيم للتفاعل الإيجابي ظلت غائمة بدعوى أهمية "السرية"، وبدعوى ضرورة ترك الحرية للتجربة تسير بمفاعيلها الخاصة. فوجدت رؤى مختلفة داخل ذلك التنظيم للتجمع ، بين من رآه كجبهة أو كواجهة علنية للحزب الشيوعي أو كحزب جبهوي أو كحزب آخر للبرجوازية الصغيرة. وكان من رأي الكاتب أن الموقف السليم هو "المناورة أساسًا بالنيران وليس بالقوات".. أي عدم الذوبان في التجمع مع إرسال بعض الكوادر (الكوماندوز) الذين يتم التنسيق معهم من الخارج. لكن ما حدث فعليا بعد ذلك (خاصة في الانتخابات البرلمانية عام 1976) أن تم الذوبان الغالب بين الحزبين، ولصالح التجمع طبعًا، وباتت العملية كلها لصالح مجموعة القيادات المسيطرة على الحزبين. جدير بالذكر أيضًا أن مجموعات يسارية كانت رافضة للتجمع بشدة، قد عادت منذ أواخر السبعينيات لتنضم لحزب التجمع بهدف خلق بؤر خاصة بها في بعض المواقع والمقرات.
** بعد اغتيال السادات ومجيء مبارك ظهرت كالمعتاد نغمة مكرورة للتقارب مع النظام، ولكنها تسلحت هذه المرة بفكرة الطابع الخاص جدًا لمؤسسة الرئاسة في مصر، وامتدحت بعض التنازلات التكتيكية التي قدمها مبارك في عامه الأول. وتلخصت فكرة التقارب تلك في أن مؤسسة الرئاسة يمكن أن تقفز فوق الطابع الطبقي للنظام، وأن هذا اتجاه محمود يمكن البناء عليه وتطويره. وسرعان ما ثبت خطل هذا النوع من التفكير الذرائعي قصير النظر، وربما الانتهازي الفج.
** ثار خلاف أيضا مع بعض المحامين اليساريين المخلصين بسبب براءتهم الزائدة في التطوع للدفاع عن متهمي الإخوان المسلمين والسلفية الجهادية في القضايا المنظورة أمام المحاكم المدنية والعسكرية. فقد رأى أولئك المحامون أنهم لا يمكن أن يُدخلوا عنصر انتماءهم السياسي الخاص في حسبان الدفاع من عدمه عن حقوق الإنسان في المحاكمات العادلة ومناهضة التعذيب والاعتقال التعسفي... وبالطبع أكسبهم هذا احترامًا واسعًا، لكنه بالتأكيد (بالأخص في حالات صارخة مثل الدفاع عن عمر عبد الرحمن والإرهابيين) كان خطأ وتشوشًا سياسيًا غير مسبوق، خاصة وأن اليسار المصري لم يلقَ أي معاملة مماثلة من الإسلاميين ومحاميهم.
** وكانت البيروسترويكا السوفيتية في الثمانينيات بمثابة تحول نوعي هائل عن الأسس النظرية التي بُني عليها اليسار المصري بعد الحرب العالمية الثانية. فسعد البعض بإمكانية التخلص من "الإرث الستاليني" محل التشهير المؤثر، والترويج لأفكار مثل "توازن المصالح" بين الشرق والغرب وحقوق الإنسان..الخ. وشاع التحيز للبريسترويكا حيث أغرقنا مفكرون كثيرون لليسار في تناولات كادت تمجد الديمقراطية الليبرالية البرجوازية، والتبشير بسلام عالمي يحرج العدوانية الإمبريالية...الخ. كما تغاضى الكثيرون عن نتيجة بالغة الخطورة لسياسة جورباتشوف وهي السماح بهجرة مليون يهودي روسي إلى إسرائيل. وكان من رأي الكاتب أن البيروسترويكا في حقيقتها عملية للهدم وليست برنامجًا لإعادة البناء، ولكن الكاتب قوبل بالتهجم وحتى التهكم من جانب رفاقه، حتى أدركوا بعض خطأهم عندما تحلل الاتحاد السوفيتي (وهي خسارة كبيرة لهامش المناورة بين القطبين الذي كان يتمتع به العالم الثالث) وخاصة حينما تحولت روسيا إلى دولة دكتاتورية فاسدة يتحكم فيها رأسماليون جدد هم أقرب إلى اللصوص وقطاع الطرق.
** مع البيروسترويكا بدأت الأيديولوجية الليبرالية البرجوازية تتسرب باطراد في صفوف قيادات وقواعد اليسار المصري. فظهرت على استحياء، ثم سادت، فكرة أن الديمقراطية تعد "الحلقة الرئيسية" في نضال اليسار المصري، وأنها ستجر بالضرورة كل حلقات النضال اليساري بعدها. ومن ثم صارت الديمقراطية بمثابة "العِجل المقدس" الذي أخذت كل الحلقات النضالية الأخرى تتوارى تدريجيًا وراءه. ومن جانب الكاتب فقد رأى ابتداءً أنه لا توجد حلقة رئيسية ثابته في كل السياقات التاريخية والمكانية. وبالطبع لا يمكن إنكار أهمية الديمقراطية لكل النضالات، ولكن يجب الاحتراز من التلاقي (بفعل دعواها) مع التيارات الأصولية، أو التحالف المتسيب مع التيارات الليبرالية البرجوازية. والمهم أكثر ألا يكون من نتائج هذا الفهم إهمال النضالات الوطنية والاجتماعية أو المراهنة على التسامح الديمقراطي مع اتجاهات "فاشية رثة" تعتبر "الشورى" صنوًا للديمقراطية وتتخذها كـ "تاكسي" للمشوار الواحد. كما راهن البعض على ضرورة ما تسميه الأمم المتحدة "التمييز الإيجابي" للمرأة والأقليات الدينية والعرقية والمعاقين والشباب..الخ. فكان هذا مدخلاً لمحاصصة مدمرة للمستقبل. كما أن القوى الرجعية بإمكانها أيضًا أن تشغل كل هذه الحصص المميزة بكوادر من صلب اتجاهها.
** شهدت التسعينيات "هجمة" أيديولوجية عاتية تحت شعار "المجتمع المدني" فساد تعريف البنك الدولي لهذا المجتمع، ليشمل كل الكيانات الواقعة بين مؤسسة الأسرة ومؤسسة الدولة، بما فيها جمعيات رجال الأعمال. ودأب النشطاء الذين تلقفوا هذا الاصطلاح على امتداحه باعتباره يحل محل الأحزاب "الطبقية" الفاشلة، ويعقد اتصالاً مباشرًا مع الجمهور والمستضعفين. وقد تغاضي كثيرون عن حقيقة أن ليس كل هذا "المجتمع المدني" تقدمي بالضرورة، وأنه توجد به بالمثل حركات شديدة الرجعية، كما أن للدول طرق قديمة ومبتكرة للهيمنة على المجتمع المدني. والغريب أن التعريف البرجوازي لهذا المصطلح كان ومازال يستبعد إلى حد كبير النقابات والأحزاب والتعاونيات والإعلام المستقل، رغم أنها بعيدة عن السلطة (وربما مناوئة لها) خاصة في دكتاتوريات العالم الثالث. وما حدث بعد ذلك أن قام النشطاء باختزال المجتمع المدني (في المدونات التثقيفية العولمية) إلى المنظمات غير الحكومية التنموية والرعائية والحقوقية، ثم تم احتزالها أكثر في المراكز الحقوقية الممولة غربيًا. ومن المسلم به أن التمويل الأجنبي لتلك المراكز يشكل الأجندات ويحوّل النشطاء وجمهورهم إلى مستفيدين يصعب عليهم اتخاذ مواقف عدائية من الإمبريالية والصهيونية والرأسمالية.
** كما شهدت التسعينيات بزوغ أيديولوجيا العولمة النيوليبرالية، وقد بالغ يساريون كثيرون في "مزايا" العولمة وخصوصًا مبدأ "النسبية الثقافية" المزعوم، وتلاقح الثقافات، و"حق التدخل الإنساني الدولي"، وتفكيك السلطات "الغاشمة" للدولة/الأمة لصالح كيانات عالمية وإقليمية أعلى منها، وكيانات محلية تحتها (عرقية، جهوية...)..... وتطلب الأمر منهم وقتًا طويلاً ليدرك بعضهم أنها صيغة مموهة للتوحش الرأسمالي النيوليبرالي، وكذلك للإمبريالية الجماعية، بعدما نجحت القوى الرأسمالية الكبرى في بناء توافق بينها (أساسه الشركات متعدية القوميات والمؤسسات المالية الدولية ومنظمة التجارة العالمية والمنظمات الدولية عموما) يجمع قواها معًا ويحول دون اندلاع حروب مستقبلاً فيما بينها، بينما يفسح الباب واسعًا للحرب ضد الدول "المارقة". كما تزامن هذا مع تفشي مقولة أن عصر الاستعمار الخارجي قد ولّى، وأن الأخطر منه هو "الاستعمار الداخلي" من قبل نظم شمولية وعسكرية.. ومن ثم القبول بالتدخل الخارجي لتحطيم تلك النظم بداعي تعميم الديمقراطية وإقامة سلطات جديدة أساسها "المحاصصات" سابقة الذكر.
** كما تفاقمت ظاهرة "النضال النسوي" الذي جرف أعدادًا كبيرة من المناضلات القديمات وصنع أعدادًا أكبر من "النسويات" اللاتي حصرن النضال في التناقض مع الرجل عموما ومع القيم الاجتماعية الأبوية. فصارت قضايا مثل الختان وضرب الزوجات والحجاب والتحرش والاغتصاب الزوجي والطلاق وعمل المرأة المنزلي غير مدفوع الأجر... أهم عندهن من كثير من قضايا النضال الوطني والعدل الاجتماعي.
** وعلى مستوى التنظير للتنظيم الحزبي اليساري، سادت منذ التسعينيات رؤية فضفاضة استلهمت تجربة حزب العمال البرازيلي ونجاحه في الوصول للحكم، وهي رؤية تقوم على أحزاب "بلا ضفاف" منفتحة على الحركات الاجتماعية، وتقوم على أساس التنظيم الأفقي لا الرأسي، والتخلي عن الديمقراطية المركزية، والترحيب بتعدد المنابر والكيانات داخل الحزب الواحد. وبالطبع فإن تلك التصورات تمنح الأحزاب عضوية وشعبية أكبر، ولكنها بالمقابل تفقد الأحزاب تماسكها وفعاليتها على المدى المتوسط.
** ومع دخول الألفية الجديدة اندفعت عناصر يسارية في الاصطفاف وراء شخصيات مشبوهة ومصنوعة مثل المدعو "أيمن نور" الذي تصورت فيه أمريكا مناظرًا لشيجاشفيلي في جورجيا وسائر زعماء الثورات "المخملية البرتقالية" في شرق ووسط أوربا. وقد اعترف كثيرون بأن أيمن المذكور مشبوه بالعمالة للولايات المتحدة، لكنهم رأوا أن عميلاً "ديمقراطيًا" خير من عميل دكتاتور. كما تغاضوا عن كون القوة الدافعة وراء "الزعيم المصنوع" هم جماعة الإخوان بعدما تخلى عنه الوفديون.
** ومثال آخر حينما استغل الإخوان المسلمون حركة احتجاجات القضاة ليفرضوا زعامة رجالهم لها مثل الأخوين "مكي". ولم يستطع يساريون كثيرون البوح بالتشكك في إخوانية بعض القيادات القضائية حرصًا على نجاح الحركة ككل.
** وكانت حركة "كفاية" بمثابة فتح ديمقراطي حقيقي. لكنها لم تكن حركة اجتماعية بالمعنى المفهوم، وإنما حركة احتجاج سياسي لقطاعات من النخبة المدينية. وزاد الأمر سوءًا بأن ضمت الإخوان وعناصر ليبرالية موالية علنًا للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما أثر على صورتها العامة أكثر من الهجمات الإعلامية والأمنية للنظام. ويمكن قول الكلام نفسه عن الجمعية الوطنية للتغيير.
** ومن المحزن أن قطاعات يسارية انضمت إلى الترويج لمحمد البرادعي كرمز للمعارضة والتمرد رغم ارتباطه الوثيق بالغرب (حتى يمكن القول بأنه الجواد الأمريكي الجديد) ورغم ليبراليته وعدم تبنيه لأية مواقف وطنية أو اجتماعية.. فضلا عن شخصيته المترددة وعدم حماسه للعمل الجماعي وطابعه النرجسي في الزعامة.
** وعلى نحو آخر اندفع قطاع من الشباب اليساري (الذي يصف نفسه بالتروتسكي) نحو عقد اتفاق جبهوي هزلي مع جماعة الإخوان تحت شعار "ضد الدولة دائما ومع الإخوان أحيانا"، لكنهم سرعان ما أدركوا تلاعب الإخوان بهم كأيقونة يسارية تزيينية، ومع ذلك لم يتراجعوا عن أصل الفكرة.
** وحينما اندلعت انتفاضة يناير 2011 سرعان ما روج بعض المثقفين اليساريين لفكرة أن هذه "ثورة شباب".. وهي دعوة حمقاء ومريبة تلقفتها أجهزة النظام والإعلام القطري والغربي لتحقيق الانقطاع (وحتى التعادي) بين أجيال اليسار وبين الديمقراطيين عمومًا.. لتقوم تلك الأجهزة بعمليات استمالة وتلميع قيادات شبابية بعينها، وكأن انتفاضة يناير لم تكن تراكمًا لعقود طويلة من النضال. وكان من نتائج هذا أن تبوأ صدارة "المشهد الثوري" قيادات ضعيفة الخبرة وغير منيعة على الاستقطاب ومن السهل تشويهها والقضاء عليها.
** وكان من تجليات هذه القيادة التحالف مع الإخوان والليبراليين المتأمركين بلا حساب، وتقديس الميدان والائتلافات العشوائية الفضفاضة على حساب السياسة والأحزاب، وإيلاء الأهمية القصوى للتظاهر والاعتصام دون انتشار حقيقي في الريف والأحياء الشعبية، وربما كان الأسوأ من هذا كله سيادة الزعامات الفردية وسوقية وبذاءة الخطاب السياسي وجرّ جمهور الشباب إلى مواجهات دموية أحيانًا دون حساب مسبق للعواقب.
** كما شهدت الانتفاضة وما بعدها تصاعد أدوار ألتراس كرة القدم. وقد بالغ كثير من المحللين اليساريين في قيمة هذه الظاهرة. وهي في حقيقتها جماعات تميل إلى العنف غير المرشّد، كما استلزم الأمر مرور بعض الوقت لإدراك الدور التوجيهي والتمويلي الذي يلعبه الإخوان وبعض السلفيين في قيادة تلك الجماعات.. وكثيرًا ما انحرفت بدورها الميداني الباسل إلى مواجهات مشبوهة وغير مدروسة.
** وفي المقابل كان صعود ما سميت "جبهة الإنقاذ" التي ضمت أيضًا الإخوان وعناصر ليبرالية وحكومية فاسدة وموالية للأمريكان، وإلى جانب عجز هذه الجبهة عن اختراق المجال الشعبي فقد عجزت أيضًا عن إقناع وتنظيم الجماعات الشبابية الوافدة للتو إلى الحقل السياسي. ووصل الأمر إلى ذروة "الملهاة البائسة" حينما أقدمت هذه الجبهة على مبايعة محمد مرسي مرشح الإخوان للرئاسة مقابل وعود زائفة مثل تكليف عضو من حركة كفاية برئاسة الوزراء وتعيين نائبين لرئيس الجمهورية قبطي وامرأة..
** وقبل ذلك كانت ملهاة أخرى قد وقعت في الجولة الأولى من انتخابات رئاسة الجمهورية حيث تعدد مرشحو اليسار المصري الذي عجز تمامًا عن ترويض جموح زعماء نرجسيين. وكذا انسياق البعض وراء ترشيح الكادر الإخواني المنشق عبد المنعم أبو الفتوح باعتباره مفتاح الحل الأمثل لمعضلة الجمع بين الليبرالية والأصولية. كما لا نغفل أن قطاعًا من اليسار قد ابتهج أولاً بترشيح رئيس المخابرات العامة السابق عمر سليمان، وعندما فشل الأخير في الترشح تم اختيار الوقوف وراء أحمد شفيق رجل مبارك المقرَّب.
** وحينما امتدت "إشعاعات الربيع العربي" وجدنا قطاعات يسارية تنضم بلا تحفظ إلى تأييد "الثورتين" السورية والليبية، وأغمضت كل الأعين عن أدوار حلف الأطلنطي والجماعات التكفيرية. وحينما تكشفت الحقيقة بعد وقت لم يقدم أولئك اليساريون نقدًا لموقفهم المتطامن مع الإمبريالية الأمريكية وصنائعها من الجماعات التكفيرية المناوئة للتنوير واليسار والوطنية.
** وحينما تمت انتفاضة 30 يونيو ضد الحكم الإخواني رأى فيها بعض المحللين اليساريين انقلابًا محضًا. ولكن هذا الجزم كان يعني أن الإخوان كانوا شرعيين في حكمهم. كما أبرزوا حضور الجيش في هذه الحركة، ونددوا به، رغم أنه نفس الجيش الذي حمى ميدان التحرير في انتفاضة 2011. وبالطبع فإن المؤسسة العسكرية قد تصرفت وفقًا لمصالحها في الحالتين. ومن الرومانسية تصور أن تحدث انتفاضة في بلد ما دون أن تتدخل المؤسسات الانضباطية والوكالات الأجنبية لحرف الانتفاضة صوب الأهداف الخاصة لتلك الجهات.. ولا ضامن إزاء هذا أو ذاك سوى وجود تنظيم ثوري شعبي منضبط وواعٍ.
......
وبعد قد يستثقل القاريء كل السرد السابق المضني.. لكنه غيض من فيض في الحقيقة.
والأهم أن نتداول ونتعلم الدروس.



#مصطفى_مجدي_الجمال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أخطر اجتماع
- فداحة التحدي وهزال الاستجابة
- عتاب على شيوعيي السودان
- من مقالب الناشرين في المترجمين
- أصعب أيام مصر
- الشكلانية الديمقراطية ووهم تمثيل المستضعفين
- انزلاقات يسارية
- المشبوه أيمن نور والمعارضة المزوَّرة
- التهمة إدمان المنشورات
- حوارات ثورية
- وتظاهرنا في ميت أبو الكوم
- ويبقى أنيس مورقًا فينا
- كيف أحرجنا رجال السادات
- أركيوبتركس
- الأم جونز
- كنت ضيفًا على المخابرات السودانية
- عشر سنوات على خطاب أوباما الثقافي
- كرهت أستاذي.. والسبب ناصر
- رفيقي الملاكم اليساري
- حوار خصب مع سمير أمين


المزيد.....




- الطلاب الأمريكيون.. مع فلسطين ضد إسرائيل
- لماذا اتشحت مدينة أثينا اليونانية باللون البرتقالي؟
- مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي ينتظر ال ...
- في أول ضربات من نوعها ضد القوات الروسية أوكرانيا تستخدم صوار ...
- الجامعة العربية تعقد اجتماعًا طارئًا بشأن غزة
- وفد من جامعة روسية يزور الجزائر لتعزيز التعاون بين الجامعات ...
- لحظة قنص ضابط إسرائيلي شمال غزة (فيديو)
- البيت الأبيض: نعول على أن تكفي الموارد المخصصة لمساعدة أوكرا ...
- المرصد الأورومتوسطي يطالب بتحرك دولي عاجل بعد كشفه تفاصيل -م ...
- تأكيد إدانة رئيس وزراء فرنسا الأسبق فرانسو فيون بقضية الوظائ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مصطفى مجدي الجمال - عمر من الخلافات