أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رقية كنعان - الكناري - قصة قصيرة للكاتبة كاثرين مانسفيلد















المزيد.....

الكناري - قصة قصيرة للكاتبة كاثرين مانسفيلد


رقية كنعان
شاعرة وكاتبة

(Ruqaia Kanaan)


الحوار المتمدن-العدد: 6984 - 2021 / 8 / 10 - 09:39
المحور: الادب والفن
    


ترجمة رقية كنعان

هل ترى هذا المسمار الكبير على يمين الباب الأماميّ؟ أنظر إليه برعب حتى اللحظة وأيضا لم أحتمل أن أنزعه، أحبّ أن أفكّر أنّه كان هناك دائماً حتى ما بعد زمني، أحياناً أسمع الناس المجاورين يقولون: "لا بد أنّه كان هناك قفص يتدلّى منه"، وهذا يريحني؛ أشعر أنه لم يُنسى تماماً.
لا تستطيع أن تتخيّل كم غنّى بشكل رائع، لم يكن تغريده كتغريد طيور الكناري الأخرى، وذلك ليس في مخيّلتي وحسب، عادة ومن النافذة اعتدت رؤية الناس يقفون عند البوّابة ليسمعوه أو ربما ينحنون فوق السياج بجانب شجيرة الياسمين الصيفيّ لفترة طويلة من الوقت- مأخوذين.
أفترض أن ذلك يبدو منافياً للعقل- ليس إن كنت سمعته- ولكن حقّاً بدا لي أنه غنّى أغنيات كاملة ببداية ونهاية لكل منها.
على سبيل المثال، عندما كنت أنهي عمل المنزل في فترة بعد الظهر وأغير بلوزتي وأحضر حياكتي إلى الصالة هنا، اعتاد أن يقفز.. يقفز.. يقفز من عمود إلى آخر، ينقر مقابل القضبان وكأنه يحاول جذب انتباهي، يرتشف قليلاً من الماء كما يليق بمغنٍّ محترف ثم ينطلق في أغنية رائعة، فأضطر أن أضع إبرتي جانباً وأستمع إليه. لا أستطيع وصفه؛ وليتني أستطيع، ولكنه دائماً كان الشيء نفسه كل عصر وشعرت بأني فهمت كل نوتة منه.
لقد أحببته. كم أحببته! ربما لا يهمّ كثيراً ماهيّة ما يحبّ أحدنا في العالم، ولكن عليه أن يحبّ. بالطّبع كان هناك دائماً منزلي الصغير والحديقة، ولكن لسبب ما لم يكونا أبداً كافيين.
الأزهار تستجيب بشكل رائع ولكنها لا تتعاطف، ثم أحببت نجم المساء- هل يبدو ذلك حمقاً؟ اعتدت أن أذهب إلى الساحة بعد الغروب، وأن أنتظره إلى أن يشعّ بنوره فوق شجرة الصّمغ المعتمة. اعتدت أن أهمس: "ها أنت هناك، يا حبيبي" وفي ذات اللحظة يبدو لي أنّه يشعّ لأجلي وحدي، بدا وكأنه يفهم ذلك... شيء ما يشبه الشّوق، وهو مع ذلك ليس الشوق. أو الأسف- إنه أقرب إلى الأسف. أسف لأي شيء؟، لديّ الكثير لأكون شاكرة بسببه.
ولكن بعد أن جاء إلى حياتي، نسيت نجم المساء؛ لم أعد أحتاجه، ولكن الأمر كان غريباً عندما جاء الرجل الصيني إلى الباب ليبيعه حمله عالياً في قفصه الصغير، وبدلاً من الرفرفة مثل عصفور صغير مسكين أعطى سقسقة صغيرة ضعيفة، وجدت نفسي أقول كما اعتدت أن أقول للنجم فوق شجرة الصّمغ:"ها أنت ذا يا حبيبي". ومن تلك اللحظة صار ملكي.
يدهشني حتى اللحظة أن أتذكّر كيف تشاركنا أنا وهو في حياتنا، في اللحظة التي أجيء فيها في الصباح وأرفع قطعة القماش من على قفصه يحييّني بنوتة صغيرة ناعسة، عرفت أنها تعني:"ربّة البيت! ربّة البيت!" ثم أعلّقه على المسمار في الخارج بينما أقدّم لرجالي الثلاثة الشباب إفطارهم، ولم أكن أعيده إلى الداخل أبداً إلى أن يكون المنزل لنا ثانية. ثم عندما أنتهي من غسيل الأطباق، يكون عبارة عن تسلية صغيرة، كنت أنشر جريدة فوق زاوية من الطاولة، وعندما أضع القفص فوقها، اعتاد أن يضرب بجناحيه بيأس، كما لو أنه لا يعرف ما سيحدث. "أنت ممثل صغير" هكذا اعتدت أن أوبّخه ثم أكشط الصّينية، أغبّرها بالرمل الطازج، أملأ آنية البذور والماء، أثبّت قطعة من حشيشة القزاز ونصف حبة فلفل بين القضبان، وأنا واثقة تماماً أنه فهم وقدّر كلّ جزء من هذا الأداء، أنت ترى أنه كان بطبيعته رائع الأناقة، لم يكن هناك بقع على جسمه، عليك أن تراه يستمتع بحمّامه لتعرف أنه كان لديه شغف حقيقي بالنّظافة، حمّامه يوضع أخيراً، وفي اللحظة التي يكون فيها فيه فإنّه يقفز بداخله. في البداية يرفرف بجناح واحد، ثم بالآخر ثم يغطّس رأسه ويرطّب ريش صدره، قطرات الماء كانت تنثر في المطبخ كله، ولكنه لم يكن يخرج. اعتدت أن أقول له: "الآن هذا كافٍ، أنت تستعرض فقط" وأخيرا يقفز وهو واقف على رجل واحدة، يبدأ بتجفيف نفسه بمنقاره، يقوم بهزّة، ارتعاشة، تغريدة ويرفع حلقه- أوه بالكاد أتحمّل أن أتذكّر ذلك! كان وقت تنظيف السّكاكين في ذلك الوقت دائماً وكان يبدو لي أن السّكاكين تغنّي هي الأخرى وأنا أفركها لامعة على اللوح.
الرفقة -كما ترى- ذلك ما كانه، رفيق مثالي، لو عشت وحيداً فستدرك كم ذلك ثمين، طبعا كان هناك رجالي الشباب الثلاثة الذين كانوا يأتون للعشاء كل مساء وأحياناً كانوا يبقون في غرفة الطعام بعدها يقرأون الجريدة، ولكن لم يمكن لي أن أتوقّع أن يهتمّوا بالأمور الصغيرة التي شكّلت يومي، ولم عليهم ذلك؟ كنت لا شيء بالنسبة لهم، في الحقيقة، سمعتهم في أحد المساءات يتحدّثون عنّي على الدّرج ويصفونني ب "الفزّاعة". لا يهمّ. لا يهّم ولا بأيّ شكل. إنّي أتفهّم تماماً. هم شباب ولم عليّ أن أمانع؟ ولكني أتذكّر أنيّ شعرت بامتنان خاصّ أنيّ لم أكن وحيدة ذلك المساء. أخبرته بعدما خرجوا، قلت:"هل تعرف ماذا يسمّون ربّة البيت؟" ووضع هو رأسه إلى جانب ونظر لي بعينه اللامعة الصغيرة إلى أن لم أمنع نفسي من الضحك، بدا وكأن ذلك يذهله.
هل ربيّتَ طيوراً؟ لو لم تفعل فكلّ ذلك لا بدّ أن يبدو مبالغاً به، الناس لديهم فكرة أن الطّيور بلا قلوب، مخلوقات صغيرة باردة، ليست كالكلاب أو القطط، المرأة التي تساعدني في الغسيل اعتادت القول في أيام الاثنين عندما تتعجّب لم لا أربّي "كلب صيد ثعالب جميل"، " لا يوجد راحة سيدتي في كناري" غير صحيح، غير صحيح البتّة! أتذكّر في إحدى الليالي رأيت حلماً بغيضاً – الأحلام يمكن أن تكون قاسية بشكل كريه- حتى بعد أن استيقظت لم أستطع التغلّب عليه، وهكذا ارتديت ملابسي ونزلت إلى المطبخ في الأسفل من أجل كأس من الماء، كانت ليلة شتائية وتمطر بغزارة، أظنّ أنّي كنت لا أزال نصف نائمة، ولكن من خلال نافذة المطبخ التي كانت بلا ستارة بدا لي أن الظلام يحدّق في الداخل، يتجسّس، وفجأة أحسست أن فوق الاحتمال أنّه لا يوجد لديّ من أقول له "رأيت كابوساً" أو "خبّئني من الظّلام"، حتّى أنّي غطّيت وجهي لدقيقة وعندها جاءت "حلوتي! حلوتي!" هامسة، قفصه كان على الطاولة وقطعة القماش انزلقت بحيث شقّ من الضوء أشرق عبرها، "حلوتي! حلوتي!" قال الرّفيق الحبيب الصغير ثانية، بنعومة بقدر ما يمكن له القول، "أنا هنا يا ربّة البيت! أنا هنا!"، كان ذلك مريحاً جميلاً لدرجة أنّي أوشكت على البكاء.
والآن قد رحل، لن أملك طيراً آخر بعده، أو أيّ حيوان أليف من أيّ نوع، كيف يمكنني؟ عندما وجدته مستلقياً على ظهره وعيناه باهتتان ومخالبه ذابلة، عندما أدركت أني لن أسمع حبيبي يغنّي ثانية، شيء بدا وكأنه مات داخلي، قلبي شعر بالخواء كما لو أنّه كان قفصه، يجب أن أتجاوز ذلك، بالطبع عليّ أن أفعل، المرء يمكن له تجاوز أيّ شيء مع الوقت، والناس يقولون دائماً أني أملك ميلاً للمرح. هم محقّون وأنا أشكر ربّي على ذلك.
كلّه سواء، بدون أن تكون مريضاً وتفتح الطريق إلى – إلى الذكريات وما شابه، يجب أن أعترف أنه يظهر لي أنّ هناك شيئاً حزيناً في الحياة، من الصعب قول ما هو، لا أعني الأسى الذي نعرف أجمعين كالمرض والفقر والموت، لا، إنه شيء مختلف، إنّه هناك، عميق، كامن في الأعماق، جزء من المرء كتنفّسه، مهما عملت بجدّ وأجهدت نفسي يكفي أن أتوقّف لبرهة لأعلم أنّه هناك ينتظر، كثيراً ما أعجب إن كان الجميع يشعرون بذلك الشعور، لا يمكن للمرء أن يعلم، ولكن أليس استثنائياً أنّ تحت غنائه العذب المرح الصغير كان هناك –الحزن؟ آه، ما هو؟ -ذاك الذي سمعتُ.



#رقية_كنعان (هاشتاغ)       Ruqaia_Kanaan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ووش - قصة قصيرة للكاتب الأمريكي ويليام فوكنر
- حكاية أبي زريق بيكر – قصة قصيرة للكاتب الأمريكي مارك توين
- أنا وأحبّتي- قصيدة
- بوح - قصيدة
- محاولة للبوح - قصيدة
- زهد - قصيدة
- المستحيل الرابع - قصيدة
- صباحات وجه عاشق - نص مشترك مع الكاتب عزيز التميمي
- البحث عن خطأ - قصة قصيرة
- نداءات عاشقة - قصيدة
- عبور الروبيكون - قصة قصيرة
- خفقات متقاطعة - قصة قصيرة
- عمّان بلا خسائر - قصة قصيرة
- غابة الكلام - قصة قصيرة
- أغنية لوردة بيضاء
- الفاكهة الحرام
- تشرين بغداد
- فخاخ الصبر
- رقية كنعان تعبر الروبيكون
- سمّها أنت - نادين غورديمر


المزيد.....




- نيكول كيدمان تصبح أول أسترالية تُمنح جائزة -إنجاز الحياة- من ...
- روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي ...
- طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب ...
- الفيلم اليمني -المرهقون- يفوز بالجائزة الخاصة لمهرجان مالمو ...
- الغاوون,قصيدة عامية مصرية بعنوان (بُكى البنفسج) الشاعرة روض ...
- الغاوون,قصيدة عارفة للشاعر:علاء شعبان الخطيب تغنيها الفنانة( ...
- شغال مجاني.. رابط موقع ايجي بست EgyBest الأصلي 2024 لتحميل و ...
- في وداعها الأخير
- ماريو فارغاس يوسا وفردوسهُ الإيروسيُّ المفقود
- عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رقية كنعان - الكناري - قصة قصيرة للكاتبة كاثرين مانسفيلد