أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد سمير عبد السلام - نهاية النموذج .. قراءة في كسبان حتة ل .. فؤاد قنديل















المزيد.....

نهاية النموذج .. قراءة في كسبان حتة ل .. فؤاد قنديل


محمد سمير عبد السلام

الحوار المتمدن-العدد: 1641 - 2006 / 8 / 13 - 08:34
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


يلتبس مدلول الهوية في صورتين إحداهما سردية – انتشارية ، و الأخرى تأويلية ثقافية في نص فؤاد قنديل الروائي ( كسبان حتة ) – الدار المصرية اللبنانية 2006 – فكسبان/ الإشكالي المهمش قد ارتبط – ضمن واقع الكتابة - بإغواء الحكايات في قريته ، فكان محفزا وجوديا للأساطير ، و من ثم الإيغال في الزيادة اللا واعية للفراغ كممارسة مضادة لقسوة أوضاع الرواة الهامشية ، فالفراغ لعب للعالم و مدركاته الحسية خارج النموذج الخطابي المهيمن و عمل مستمر للجسد كعنصر تجتمع فيه أطياف الشتات الكونية و بقايا الخيالات النصية المستعادة ، إنه الحياة في صورة مجزأة ضد الشمولية و آفاق الغاية المتحللة فيما هو متجاوز للأفق الإنساني دوما ، فتاريخ القرية يكاد ينجذب إلى سقوطه الزائف في السرد بوصفه حياة للطاقة الجمالية الكونية ، و تنشيطها وفق عنصر حدسي مختلف ، لا يمكن تقديمه للعقل – كما هو عند ليوتار – و تمثله شخصية كسبان ذات الميل الاندماجي بعناصر الكون من شجر و مطر و روائح جذابة لجلود الحيوانات و روثها ، هذه العناصر تجليات تكوينية للاستبدال الإبداعي الحر في سرد طليق للمادة ، أو هي المادة حين تكتشف أصالة السرد في نسيجها عندما يقيم احتفالية الفراغ الطارئ ليستبدل كتلها الانفصالية الزائفة . فكسبان يبحث في التراب عن قوته و سحره مثلما يأكل أوراق الشجر و يتخفي فيه حال المطاردة فتعجز العيون عن رصده ، و هو ما جعله مادة صاخبة لمتع الحكي لدى المقهورين .لا يمكننا إذا أن نصف البطل إلا من خلال ما يتجاوزه من مواد و مدركات حسية للوعي و إيحاءاته . هكذا تبلور كسبان من زيف الوصف التاريخي للهوية ، فغيابه استعادة غير مكتملة لسرديات حوريات البحر ، أو هو اختفاء في اتجاه عنصر صوفي غائب .. ملائكي فوق الأشجار ، إنه أيضا أب بدائي إشكالي مناهض للأبوية ؛ فهو يأكل السمك حيا و يراهن على تحقيق المستحيل و يحمل على قضيبه مقطفا من الطوب ، و لكنه من داخل مظاهر الهيمنة السردية الأبوية السابقة يتجاوز الزيادة الغيرية لرب القبيلة الذي يقصي الآخر أو يلتهم قوامه الوجودي ، فكسبان تأويل للأب المتجاوز لتاريخه في اتجاه أنثوي لعبي للتأمل في تحول العالم خارج تاريخ القوة و المواضعات . هل هو عنصر ما بعد إنساني في تجل شحصي ملتبس بطاقة كونية غير واعية ؟ ما دلالة قوته التدميرية إذا ؟ فقد تميز بقدرة كبيرة على سرقة حدائق زوجة أبيه و لحومها لأجل أمه ، كما وزع هدية العمدة للمأمور على فقراء القرية ، و كاد يفتك بالأخير ، كما انتزع أرض والده بفتك مماثل بالعمدة بعد وفاة أخته / زوجة الأب . إن كسبان تجل ناقص للطبيعة التي تؤسس ضمن ديناميكيتها الحكائية لتكرار اللا عضوي بوصفه حدثا ثقافيا ، فهذا اللا عضوي وفق فرويد و بول ريكور ، متجذر و ممتد ضمن تناقضات الوجود و التكوين ، و أرى أنه مجدد حيوي للطابع الحكائي الزائف ، المصاحب للأبوية و صورها المركزية التي تصل إلى حدود الرأسمالية ، فالتحلل يعني في نموذج كسبان عناقا سرديا للروائح الكونية في اختفائها الصوفي ، و لكنه بتر حاد لخطاب رأس المال حين يختلط بلا شيئية عدمية ، فقد ماتت زوجته " جنان " لأنها وقعت في سياق النزاع على امتلاك أشباح رأس المال مع مرسي أخي زوجها السابق الذي نجح في قتلها ، ومن ثم إخفاء ملكية القوة من داخل الحرص عليها .لم يستطع نموذج جنان أن يخرج من دائرة العداء البدائية ، لأنها تلازم الاستحواذ و التحديد و قد تجاوزهما كسبان فاستعصى على الدوران ضمن القيم المهيمنة ، ليعلن نهاية النموذج في سرد العالم و طاقته . هل يتحلل المال في طاقة هوائية خفية في طبيعته الذاتية ؟ هل تمرد الفراغ فيه فصار قوة شكلية نصية مولدة من كسبان ؟ أم أن الطابع الجزئي في تعاملات الثروة تحلل ضمن اتساع منطق التجزؤ نفسه ، في حكي حدسي مواز لكسبان ؟
إن الحكي يتضمن التحلل التكويني المستمر للكلام ، كما يتجدد في الوجود و العدم و تداخلهما المعقد المتجاوز لصناعة المركز الإنساني في أقصى درجاته ، فالبطل يدخل السياق ليكشف زيف الحكاية ضمن صراع الميراث و الشركات و مطاردة شبح القوة الاقتصادية ، و يؤولها لدى المتلقي وفق ترتيب يحاكي زيف الواقعي لا الواقعي نفسه . فالحب لديه ممارسة مجردة مندفعة وفق احتفالية مسرحية بالنشوة الطبيعية المقدسة ، تلك التي طردت عناصر الصراع .. مرسي و جنان و زوجها من المشهد لتبقى في حضورها المفكك خارج التحديد .
لقد صار كسبان مؤولا نصيا ووجوديا لشخصيات أخرى في النص مثل الراوي / ابن عمته و الأم و الأب و غيرهم ؛ إذ قرأ الراوي ذاته من خلال إشكالية المروي له / كسبان ؛ ففي أكثر من موضع يعلن الراوي للبطل / المتخيل أمامه أنه عاجز عن فهمه رغم حبه له ، كما يكثر من رصد تناقضاته و طاقته بوصفها معرفة زائفة بهوية كسبان ،فهو زاهد و ليس بدرويش أو أبله كما يعانق الأرض دون حكمة أو معرفة . إننا إذا أمام تدمير ضمني للمعرفة التي يقترحها الراوي بالشخصية وفق نموذج سردي مضاد يوشك أن يتشكل مرتكزا على خارجية الآخر و انفلاته من حدود المروي له إلى احتلال الراوي و استبداله ، فقد انتقل من كونه موضوعا للرصد و الاستبطان إلى مؤول تاريخي للواقع و امتدادا مطابقا لذات الراوي التي صارت فضاء لممارسات كسبان و قدرته على تفجير مشاعر الراوي و موقعه .و بهذا الصدد يرى بول ريكور أن المعرفة بالذات مجرد تأويل يتوسط السرد . وهذا الأخير يشكل خيالات الهوية التمثيلية و لو على نحو سلبي ( راجع – ريكور – الهوية السردية – ت – سعيد الغانمي – مجلة القاهرة – عدد " 180- هيئة الكتاب 1997 ص 56 و 57 ) أين المعرفة الداخلية أو العاكسة إذا كان العالم يتداعى من خلال المختلف في هيئة إشارية وواقعية معا أمام راو يسلم فاعليته لمروي له يمعن في تغييب المعرفة . هكذا عاين كسبان انتحار قوة الراوي ضمن معرفته التي انهارت للتو حين تحول السرد إلى ممارسة أو إلى كتابة بمفهوم ديريدا – تحتفي بالتناقض و اللعب . إنها كتابة تفجر انتظارا للمعرفة التي افتقدها الراوي و تأجيلا للقوة في فضاء جذاب . فالشاعر الذي دون سيرته أكمل نقطة البدء الغامضة التي فجرت أثار كسبان بوصفه نصا .
و بالتداعي نلمح في الأب اللا مبالاة بعلاقات العمل العبثية ، و تشجيعه للعب الابن كأنما تولد تاريخه في زمن يجمع بين ماضي القصة و إعادة التشكيل في مستقبل النص حيث تعيد الكتابة تأويل كسبان من خلال تاريخ نصي للأب فيدخل الأخير بكارة متجددة للصيرورة الوجودية . فالسقوط المستمر للأب في التجارة يتحول إلى لعب حر بالفواكه و الأطعمة التى اقتنصها كسبان من زوجة الأب فيفجر دلالة التجارة بالمزيد من السقوط الإبداعي لمنطق الملكية المغلقة .فقد رأت الزوجة في منامها أن كسبان يشد لسانها بقوة فلم ينقطع لكنه امتد و طال فركبه و طار به فوق الشجر . الحماسة التصويرية تعبث بالمنطق الكلامي المؤسس للملكية دون أن تعزز من دور العقل لكنها تسقطه في فضاء الأشجار وهوائها . أما الأم و الطفل / الهبة التي تبرع بها كسبان من زوجته الأولى فكانا تقطيعا للروائح الكونية التي يتجاوز من خلالها التماسك الصلب الذي تمتع به ، فالأم تجمع الروث فتغرق في سيل أطياف الهواء و تؤول قدرة البطل على الاختفاء و التحديد الطبقي أو الاجتماعي و الطفل ينفلت مثل الكتابة بوعي مضاد لحضارة الملكية المزعومة .
أما الصورة التأويلية الثقافية المتداخلة في شخصيتنا الإشكالية ، فتمثلت في القدرة على تحويل رموز التاريخ و الحضارة إلى علامات حية في الأثر القصصي كمحرك للوجود و الكتابة و الممارسات الإدراكية معا ، فكسبان يؤول تاريخا من أطياف أبطال الفولكلور في المخيلة الجماعية ، لكنه يهرب في سرعة من محددات العظمة فهو مهرج عابث محبوب في كثير من الأحيان ، كما لا ينكر تعامله مع الجن و الحوريات في الوقت الذي يتحول فيه الالتحام بالخارق إلى نموذج مدني للأنوثة و هو جنان ، مثلما تستحيل خيالات المخلص الخارق في عقل الرواة المقهورين إلى مؤسسات يسخرها كسبان لهم حين يصير عمدة مراهنا و مهرجا .
يستعيد البطل أيضا اشتراكية جمالية كامنة في حرصه على الوجود الفني مع عدالة التوزيع عقب قتل رمزي للأب المهيمن ، ثم ينتقل إلى منحى تفكيكي واضح لعلاقات الملكية و أبنية السلطة حين يتبلور كعنصر ثقافي طارئ archaic منقطع عن تاريخ القهر و إن ارتدى ثوب العمدة إذ تمثله ليمحوه في المراهنة . و تذكرنا خصوبته بانتصاب الإله مين في الحضارة الفرعونية ، فالبطل يميل للظهور الجنسي المتحرر من عوامل الخصاء و الكبت كما يعانق المطر مع الأطفال ليوغل في الكثرة و الانتشار كقيمة مجردة للحياة ، إنها شفافية أرضية تعانق ما في الأرض من صخب سماوي مرح .
هكذا يرتد كسبان إلي الغياب الجمالي للأنثي الطائرة في قصة الحسن البصري بألف ليلة و ليلة حين يستسلم للنعومة الإشكالية المختلفة في جسد جنان و طبيعتها الطائرة المهددة دوما بالاختفاء . لقد تولد كسبان من و صف شهرزاد الرائع للأنوثة السحرية المتراوحة بين الظهور المبهر و الغياب الممزوج بحمى العشق. إن الحكي أوشك أن يكون واقعا و هوية عند فؤاد قنديل. .








#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاستباق و التحول - التفاعل المعاصر بين التراث الثقافي و الع ...
- أرشيف الكتابة .. قراءة في ديوان النشيدة ل .. علاء عبد الهادي
- مقاومة الهامش في ديوان المدخل إلى علم الإهانة ل ..مهدي بندق
- العقل يتجاوز إطاره
- ارتباك الواقع في مجموعة هشاشة عقول ل نبيل عبد الحميد
- جماليات الاندماج الكوني.. قراءة في الغزلان تطير ل محمد المخز ...
- هارولد بنتر .. و الاستعادة المقدسة لتموز
- فرح التفكيك .. قراءة في ديوان لك صفة الينابيع ل .. علاء عبد ...
- التسامح الحضاري في سيرة نجيب محفوظ و أحلامه
- الأدب يفجر أسئلة العمل و العمل الافتراضي
- عبد الرحمن منيف ... الوجه الجمالي للشخصية العربية
- ما بعد الحداثة... و جماليات التناقض..قراءة في الأشياء الفريد ...
- مطاردة الفراغ... قراءة في ما بعد الحداثة و ما بعدها و الملام ...
- الفكر النسائي من قضايا الهوية إلى تجاوز الواقع
- تحولات المألوف .... قراءة في رقصات مرحة ل محمد حافظ رجب
- صدمات سياسية ...قراءة في عرض مجاني للجميع لأحمد الشيخ
- قضايا النشر و اليسار في الحوار المتمدن
- موسيقى السرد .... قراءة في البغدادية لسعيد الكفراوي
- تجليات التداخل و التجاور- قراءة في نثار المحو لجمال الغيطاني
- الذاكرة و استشراف الحياة قراءة في عصافير النيل لإبراهيم أصلا ...


المزيد.....




- أعاصير قوية تجتاح مناطق بالولايات المتحدة وتسفر عن مقتل خمسة ...
- الحرس الثوري يكشف عن مسيرة جديدة
- انفجارات في مقاطعة كييف ومدينة سومي في أوكرانيا
- عشرات القتلى والجرحى جراء قصف الطيران الإسرائيلي لمدينة رفح ...
- القوات الأوكرانية تقصف جمهورية دونيتسك بـ 43 مقذوفا خلال 24 ...
- مشاهد تفطر القلوب.. فلسطيني يؤدي الصلاة بما تبقى له من قدرة ...
- عمدة كييف: الحكومة الأوكرانية لا تحارب الفساد بما فيه الكفاي ...
- عشرات الشهداء والجرحى في غارات إسرائيلية متواصلة على رفح
- الجامعات الأميركية تنحاز لفلسطين.. بين الاحتجاج والتمرد والن ...
- بايدن يؤكد لنتنياهو -موقفه الواضح- بشأن اجتياح رفح المحتمل


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد سمير عبد السلام - نهاية النموذج .. قراءة في كسبان حتة ل .. فؤاد قنديل