أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد سمير عبد السلام - عبد الرحمن منيف ... الوجه الجمالي للشخصية العربية















المزيد.....

عبد الرحمن منيف ... الوجه الجمالي للشخصية العربية


محمد سمير عبد السلام

الحوار المتمدن-العدد: 1514 - 2006 / 4 / 8 - 12:05
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


بعد عامين من وفاته ، مازال صوت منيف الإبداعي والوجودي طليقا ، يحيا بيننا فنكاد نسمعه أو يمتزج بعوالمنا الداخلية فيكاد ينطق بوجود لم نتخيله أبدا عن أنفسنا ، ألا يشعرك منيف ببدائلك من خلال شخصياته ؟، إنه يقاوم موتك أنت ليمحو آثار موته هو .الحضور الآني لمنيف لا يمكن أن يحيله النقاد إلى أى مذهب أو اتجاه فني ؛ لأن نماذج منيف مازالت تتجدد و تبلور الوجه الجمالي للشخصية العربية في مستقبل أكثر ارتباطا بنصوصه الروائية حين تصبح واقعا فائقا يتجاوز أزمات التحديد التعسفي للهوية ، ويذكرني هذا بحديث ديريداderrida عن ميتات رولان بارت إذ إن تعريفه مثل الكتابة الأولى عند _ ديريدا ) ، ما يسبق أى لغة ميتافيزيقية أو مفهومية ، إن روايات منيف مازالت تنتج مستقبل الذات العربية الطليعية من داخل آثار الماضي ، فهل ستعيد شخصياته الفريدة قراءة واقعنا وتطورنا المعرفي ، فيكتسي ثوبا جديدا من منيف وما يليه من أجيال ؟ هكذا نجد أنفسنا فى مواجهة ثقافية دائمة مع منيف وأعماله خارج أى حدود فيزيقية أو نصية ، إنه الفراغ والتأويل المتجاوز للشفافية خلف النص وآثارة فى القارئ ، والذى يحقق خصوصيه الشخصية العربية خارج الأطر الشمولية في مراياه المستقبلية . لقد اكتسب منيف – إذا خصوصيته الوجودية الإبداعية من التطور النسبي الفريد لأماكنه وشخصياته ، فهو يغرق في العجائبية من داخل الواقع ليقاوم النزعات الاختزالية المشوهه لمظاهر الحضارة ، وكأن هذه المظاهر منتجة للتو من أساطير الوعى واللاوعى البشرى ، فى رواية(النهايات) يكسب منيف ضيعة ( الطيبة ) وجودا باهرا – كأنه مقطوع عن المعرفة السابقة – من حيث التكوين واللغة والعادات ، فأهلها لهم طريقة خاصة فى الحديث لا يفهمها من لا يعرفهم فيظنهم يتعاركون ، وقد يضطرون للمناداة على على الحيوانات الضالة أو الأخرى التى تذهب – بمزاجها الغريب إلى أماكن مجهولة ، ولهذه الأسباب يضيف الرواه إليها ما يشاءون من خيال عندما يأتى ذكرها . وهذا يؤكد أن أثر الطيبة المتجدد يقاوم واقعها المادي ، فهي صوت تحريفي للوقائع الغائبة والتي تتمتع في الوقت نفسه بحضور دائم في صوت منيف أو في قرائه ، والقابل للإنتاج فى كل وعى إنسانى يقتحمه بدواله الجديدة . يمزج ( منيف ) جماليات المكان أيضا بنشأه وتكوين البطل ( عساف ) ليصير الأخير مرآة تحرف (الطيبة ) وتبرز غرابتها . إن التاريخ الذى يفترض ( روائيا ) أنه واقعى لعساف يتحول إلى صورة تستبدل الأصل وتتحدث بلسانه فى تطور يخضع للتداعى الإبداعى ومحو ثبات الهوية وجمودها يقول " هذا النوع من البشر يتحول يوما بعد أخر إلى حالة من الغرابة والانطواء ويصبح بطبيعته أميل إلى الابتعاد عن الناس او الاهتمام بهم ، كما أنه له عالمه الخاص ... هكذا تعود أهل الطيبة على عساف ونتيجة الألفه والاستمرار لم يعد يثير تساؤلا أو استنكارا – النهايات ) لقد صار ( التحول) قانونا لعساف وطبيعته الصحراوية المتشظية . صورة الصحراء تحرك وعى وأفعال وتطور الشخص دون أن يكون له سيطرة على حركتها الخاصة.
من يوقف حركة الصحراء اللاواعية وعبثها بالبطل في رواية ( منيف) ؟ إنها تدفع الأشخاص إلى الاختفاء والتلاشى فى الظلمة ، يذكر الراوى أنها بقدر ما تشعر الإنسان بضآلته ، فإنها تدفعه للتوحد بشئ ما ، وقد يطارد الإنسان فى الصحراء ظله كالأبله ، وعندما ينفصل عن تلك اللحظة ينظر إليها بإعجاب ، إن المكان عند منيف هو هذا الشئ غير المرئى الذى ينتج دوما أدوارا خيالية يستطيع الممثل / البطل أن يحاكيها أو يحرفها دون أن يلتفت إلى الماضى كأن المجاز كامن في كينونته بالأساس ، وفى ( مدن الملح / التيه) يبرز منيف شخصية الحكيم (مفضى الجدعان) الذى لا يتقاضى أجراً عن ممارسته للطب، هذا الخارج عن المسار الخطى للحضارة ، يجمع فى تكوينه الواقع والأسطورة فيصف الراوى جسده كأنه منحوت من الصخر او الخشب ، ويرفض أن يتعامل بالنقود وقد يجمع الأرانب والوعول ثم يوزعها عن طيب خاطر، و صورة مفضي أيضا تجسد الممارسة الإنسانية في اتجاه التلاشي وابتكار النموذج فى وقت واحد ، فمفضي يشبه الكتابة المقاومة لآليات بناء المجتمع المدني . وإذا كانت الكتابة منتجة لأساطيرها الخاصة ، فإن النشاط الإبداعي لمفضي سيصبح صورة قابلة لإعادة التمثيل في وعى الرواة والقراء وكأن التحول يستبدل الصراع لصالح جمالياته ، فالغموض الذى اقترن باختفاء مفضى ووفاته فى ( التيه ) استدعى صورا جديدة فى الرواة فبعض الصيادين رآه وحيدا فى زورق أبيض وسط البحر ، وعند موته اضطربت الجنازة ثم ولد نور أبيض بلون الحليب . لقد تحول الرواه والقراء وفق التلقى المعاصر إلى جزء من جماليات اللوحة الأسطورية لمفضي . ومثلما ولد عساف فى(الطيبة) ، فقد ولدت ( التيه) فى وادى العيون الخارق ، والذي يمثل أعجوبة لمن يراه وتتشكل آثارة فى ماعداه من أماكن لها خصوصية مثل ( حران ) .
إن منيف يشكل الزمن من خلال تفتت الوعى والمكان، فيذكر فى (النهايات ) أن الزمن فى الصحراء يتحول إلى ذرات صغيرة ثم يتفتت الى ما لا نهاية وفى ( التيه) لم يتغير الوجه الملائكي لمفضي الجدعان. وبهذا الصدد يرى المفكر الراحل ، إدوارد سعيد أن الروائي العربي المعاصر قد واجه التداخل المعقد بين المعرفة والمجتمع بأساليب و هواجس وخلفيات أكثر تعقيدا دون التخلى عن الأزمة الجماعية ومداومة النظر إلى الأمام راجع (إدوارد سعيد - النثر الروائي بعد 48 / ت / فريال غزول ) وأرى أن الإضافة الحقيقية عند منيف أنه قاوم واقعية الواقع من خلال فن ( الرواية ) وهى مهمة صعبة فى تاريخ تطور هذا الفن فى الآونة الأخيرة ، فقد قبل التاريخ الآن التناقضات وامتزج بالنص الأدبي على مستوى اللغة ، ولهذا أثره المعرفى على شكل الرواية الآن ، وبخاصة فى أمريكا اللاتينية . ويطلق ( ديفيد لودج david lodge ) على هذه التقنية ( الوثائقية الجديدة ) وتبدو فى رواية ( النهايات ) عقب تلازم عساف وكلبه فى رحلات الصيد ، عندما يذكر بعض الرواه أن صورتهما تشابهتا كثيرا وفى ( التيه ) يذكر بعضهم عقب موت مفضى أن كلب حمدان عوى بطريقة أسطورية . إن توثيق هذه الأحداث اللاواقعية يجسد التناقض الجمالي التكويني في الشخصية العربية كما يربك مفهوم الواقع في علاقته المعرفية المعقدة بالنص و الزمن و الحضارة التي تأبي الظهور في مدلول أحادي .



#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما بعد الحداثة... و جماليات التناقض..قراءة في الأشياء الفريد ...
- مطاردة الفراغ... قراءة في ما بعد الحداثة و ما بعدها و الملام ...
- الفكر النسائي من قضايا الهوية إلى تجاوز الواقع
- تحولات المألوف .... قراءة في رقصات مرحة ل محمد حافظ رجب
- صدمات سياسية ...قراءة في عرض مجاني للجميع لأحمد الشيخ
- قضايا النشر و اليسار في الحوار المتمدن
- موسيقى السرد .... قراءة في البغدادية لسعيد الكفراوي
- تجليات التداخل و التجاور- قراءة في نثار المحو لجمال الغيطاني
- الذاكرة و استشراف الحياة قراءة في عصافير النيل لإبراهيم أصلا ...
- سيمفونية الروائح و الأمكنة - قراءة في مجموعة أوتار الماء لمح ...
- الإنتاجية الإبداعية أهم شروط الإصلاح
- من الذات إلى أنوثة النص
- اندماج الثقافات في كولاج إدوار الخراط
- أحلام نجيب محفوظ مضامين متجددة للتجربة الإنسانية
- جماليات الإبداع تواكب طفرات البيولوجيا
- فرجينيا وولف صوت إبداعي متفرد
- حضور ديريدا
- حول العالم في ثمانين يوما الوجه الجمالي للحقيقة الروائية
- فوكوياما بين تحديات و مخاطر الديمقراطية الجديدة


المزيد.....




- ابتكار مذهل.. طلاء ذكي يغيّر لونه تلقائيًا بحسب درجة الحرارة ...
- ُهل تمتلك إيران منشآت نووية أخرى أعمق من فوردو؟ جنرال أمريكي ...
- هل عادت الحياة فعلاً إلى طبيعتها في إسرائيل بعد رفع القيود؟ ...
- وسط ركام بيوتهم المهدمة.. الإيرانيون يحصون خسائرهم بعد وقف إ ...
- مهرجان الصويرة للكناوة: القمبري والقرقاب وأنغام عالمية
- عملية -نارنيا-: أي سلاح استخدمت إسرائيل لقتل العماء النووين ...
- إحياء رأس السنة الهجرية في الأقصى بأعداد محدودة
- صحف عالمية: تحرك أميركي لإنهاء حرب غزة ونتنياهو دفع إيران لت ...
- موفق نظير حيدر المسؤول عن -حاجز الموت- بدمشق
- زهران ممداني.. مرشح الهامش يقلب معادلة النخبة في نيويورك


المزيد.....

- قراءة تفكيكية في رواية - ورقات من دفاتر ناظم العربي - لبشير ... / رياض الشرايطي
- نظرية التطور الاجتماعي نحو الفعل والحرية بين الوعي الحضاري و ... / زهير الخويلدي
- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد سمير عبد السلام - عبد الرحمن منيف ... الوجه الجمالي للشخصية العربية