أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سمير عبد السلام - تحولات المألوف .... قراءة في رقصات مرحة ل محمد حافظ رجب















المزيد.....

تحولات المألوف .... قراءة في رقصات مرحة ل محمد حافظ رجب


محمد سمير عبد السلام

الحوار المتمدن-العدد: 1468 - 2006 / 2 / 21 - 10:50
المحور: الادب والفن
    


في نصوصه القصصية ( رقصات مرحة لبغال البلدية ) – عن مكتبة الأسرة / إبداعات معاصرة – يثير الأديب محمد حافظ رجب جدلا ضمنيا متجددا حول إمكانية تناول الحياة و ما فيها من أحداث و ظواهر بسيطة ، بوصفها فنا ، يحمل طاقة الأحلام أو الواقع الفائق من داخل الخطاب الواقعي نفسه .
و منذ بداية الستينيات ، حتى الآن مازالت الحركات الطليعية تطرح هذه الإشكالية ، بوصفها نهاية لحدود الفن الانعزالية ضمن أطره الخاصة ، و من ثم شاع المصطلح the end of art ليعبر عن ممارسات الطليعة الجديدة ، حيث الخروج من الإطار إلى اكتشاف ما هو جمالي في العادي و المألوف بحساسية عالية . و يميز ( ميشيل أورن ) هذا النقاش المحتدم بارتكاز الأعمال الجديدة على سؤال شديد الأهمية و هو هل هناك نقطة محددة لا ينبغي للفن أن يتخطاها حتى لا يتوقف عن كونه فنا ، و يرى أن هذا الأمر وجد على نحو ما في البوذية ، إذ اعتبروا كل ما يحدث في الحياة فنا ، لكنه بدأ بقوة في أعمال جون كيج و مارسيل دوشامب ( راجع – ميشيل أورون – الفن الضد بوصفه نهاية للتاريخ الثقافي – ت – محمد لطفي – الفن المعاصر – عدد:1سنة 2000) . إن حافظ رجب يبدأ برصد المألوف ثم بطريقة غير واعية يحوله فنا صمن الصيرورة الوجودية للسرد حتى يتلاشى ما هو عادي تماما وفق زوايا الرؤية الجديدة التي يضعنا فيها السارد .
في نص ( رقصات مرحة ) يجسد السارد هامشية البطل من خلال وضعه في إطار متصدع يراقب من خلاله العالم ، وكلما أوشك الجدار أن ينهدم تعلو في البطل الطاقة الخيالية المضادة للقهر حيث يتوحد بالصوت المنطلق بلا حدود ، يقول " الطبلة يدق عليها صبي متوحش ، داخل أذني الدقات الهادرة تركض كالبغال الجامحة ، ولد يغني ادلع و ارميني على وش المية .. قطاع الطرق يسدون عين الشمس ، ويل للجميع منهم " ص 16 . الطاقة الكامنة في النص تشبه العاصفة المصاحبة لصمت الجدار . هل هو رد فعل راديكالي ضد الهامشية ؟ أم أن الصوت يحتل الذات و يستشرف خبرات المرح من رقص البغال وفق مادة هوائية جديدة ؟ إننا أمام موت دون موت حقيقي لكنه تحول ما هو معروف إلى نغمة جمالية . يدل على ذلك تواتر النماذج اليومية مثل الحاج أمين الذي كان حوذيا لعربة قمامة و علاقته الاندماجية ببغله الراقص و القمامة التي تتحدث و الحركة الموجية للأسقف . هذه الظواهر ترفض وضعها في خطاب واقعي يسمها بالهامشية في حضارة رأس المال . فهي زاهدة في الظاهر لترقى و تحلق مثل البطل المتصدع في آفاق فنية عالية .
و في نص ( الزحف نحو الأصفر ) يتعامل السارد مع المدلول الذهني كموضوع ملموس فيذكرنا بواقعية ناتالي ساروت الشيئية ، فمرض الصفراء الكامن في الصبي ولاء يستحيل إلى طاقة وحشية لها حضور خارج عن هيمنة الوعي ، كأنها تجريد صاخب للتكوين الأصفر معزولا عن ولاء ، الأصفر يقاوم العدم الأصيل في مدلوله إذ يحذر الأطباء من زيادة الحركة و الإكثار من تناول العسل و المربى . لكن ولاء بلا وعي يزحف نحو عاصفة الصفراء المجردة فيلتهم ذراع جده و يذبح القطط الجائعة . هكذا يتناقض اللون ذاتيا ، يصير فنا لسلب الحركة من ولاء و إعادة بعثها في الصخب الذي يشبه لون الذهب . ويبدأ نص ( الاختفاء في جيب الجد ) بصراع فانتازي ذي طابع تسجيلي بين الفأر فوزي محروس الذي اختبأ في جيب بدلة صادق البرهومي محاولا احتلال مكانته ، الفأر هنا يمثل طاقة الهامش العنيفة المميزة للهوية الأعلى منها دائما ، فعلى طول النص يظل الفأر محورا تتبلور حوله هوية البرهومي ، و عبر المقاطع السردية نجده يقاوم الموت المحتوم ، و يتراوح بين الحضور و الغياب ، ثم في حركة أخرى ينتشر على موائد الطعام و الاجتماعات و محلات الأحذية مصاحبا رفيقه كأنه خرج للتو من خيالات التناثر والجنون عند البرهومي . البهرهومي يتناثر كفأر .. الفأر لا هوية له .. شبح ..خيال ثوري متمرد على حامله ، وقد نجده فراغا .. موقعا لصراع محتمل ، فقد كان على البرهومي أن يأتي بقط إلي جيبه ليقتل الفأر محروس . المكان / الجيب أصبح ساحة للاستبدال و قهر الذات من داخل محاولات الخلاص فبأي شيء نميز البرهومي عقب ضياع هويته ؟ قد نرى يوميا نموذج الفأر لكن تحولاته قد عمدت بلا وعي إلي تقويض البطل و تفريغه بالكشف عن كينونته العبثية . وفي نص ( لهثات الجد تعزف نشيدها ) تتحول حكايات الجد المألوفة حول الأنبياء و صراعهم مع الشيطان المنتقم ، إلى عوالم افتراضية يعاد تشكيلها لتؤول واقع سالم و أخته ، فالشيطان يمرح و يرقص في كل مرة يحتد فيها نقاش سالم مع الجد . إن تطورالصورة يخترق طمأنينة الخطاب ، إذ يتخذ وضعا جديدا في سياق السرد ، فنوازع التدمير اللا واعية في سالم تمرح مستحضرة رقص الشيطان ، فيصارع الجد و تتبعثرعظام الأخير في كل مكان إلا المقابر ، ثم يقهقه لمرآها السياح . لقد تحول النزوع إلى التدمير إلى مرح و سخرية من حركة التدمير نفسها ، فعظام الجد ترقص و تبهج المشاهدين دون أن يموت الرجل . أما العداء المتكرر مع الحفيد فهو صورة جمالية تسعى من خلال الصراع إلى بهجة تحول المألوف من داخله .
إن عناصر العالم عند حافظ رجب احتمالية بالأساس ، إلى الحد الذي يمكن أن نكتشف فيه جمالا في الحدث السياسي من خلال علاقته بالواقع الفائق المصاحب له فقد اقترن مرض سالم بالصفراء بتأجيل الوفد الفلسطيني زيارته لأمريكا و صور ناطحات السحاب و دخانها الكثيف ثم حكايات الجد عن الطوفان . تجسدت إذا ملامح التأجيل و ما يصاحبه من صمت في أكثر من صورة تصير كل منها تأويلا سحريا للأخرى فنرى – مثلا – آثار الطوفان المدمرة في خلاص سياسي مؤجل يرى من بعيد كقارب متخيل للنجاة .و في نص ( عصا النبي ) يبرز السارد خطابه الأصلي وفق الأحداث الرئيسية لقصة موسى عليه السلام بدءا من معجزة تحول العصا و ما تلاها من أحداث ، و الجديد هنا أن السارد يكتب نصا آخر خفيا موازيا للأصل و متناصا معه ، حيث تتسع الدهشة ، و يصير التحول أغنية كونية ، يقول السارد " الدهشة تبعثر الكلمات المتعثرة ، الدهشة تجول في النظرات الزائغة .. ماذا أرى .. مذهول أنا ، حية تتحرك ، معجزات ربي تسبي العقول .. كل هذا يحدث فجأة و لا أضيع و لا أنتهي " لقد استمد حافظ رجب من قداسة المتن قوة للمعرفة النصية التحويلية لما هو بسيط في اتجاه مخالف للنزعة الوظيفية التقليدية ، اتجاه إبداعي في النظر إلى الكون يتجاوز الثبات .و تعلو النغمات المصاحبة لسريالية الصورة الواقعية في نص ( الركض في وحشة البرية ) ، إذ تندمج العناصر المتباعدة في تعاطف فني فريد ، فصديق البائع يدخن خرطوم فيل ، والدخان وحش ، و السفينة تعطل حركة المرور ، كما تمتد بقع اللون الأحمر من البطيخ إلى جسد امراة البائع على هيئة مرض غامض ، لا يمكن شفاؤه إلا من خلال سحر المادة الحمراء الحاملة للموت و الحياة ، إذ ينقسم الدال / لون البطيخة بين الرجل و زوجته حيث لذة الأكل و الرغبة مع ذكرى المرض الأحمر .ويعيد السارد اكتشاف عمليات الاستبدال transference وفق مفهوم فوق واقعي يبدأ من صراع عادي يتولد من أسباب تافهة ، مثل احتقار البطل لنجفة و عائلة شيحا القوية ، ثم رغبة الأخير في احتلال منزل الأول ، وهنا تحضر الصور صاخبة في حركتها التخيلية المصاحبة للقهر ، فالحماسة القتالية تبدو في صوت أجراس يوقظ من في القبور ، و البعوض المتكاثر له خوار جاموس وحشي ، و الماء القذر يدخل من تحت الباب حتي يكتمل تفريغ الهوية المنشود ، لكن الخيال قد أتي على نحو جمالي مضاد لمركزية القتل و ساخرا من قوة شيحا ، فقد شاهد الناس الأخير يضرب برأسه صاحب البيت المجاور فيطير دماغه ؛ لتأكله الحيتان المشوية . لم تنته الحياة أبدا في تحولات الصورة فالحيتان المشوية تعمل و تنسحب طاقتها للمقتول كأنه يقاوم الموت و البلطجة .و تمتد السخرية من النهايات الدرامية للصراع في نصي ( هجير حريق رداء الصغير ) و ( الذي لعق نهر الدماء ) فحرق قميص الطفل في الأول استدعى هجوم محمود المجذوب على عائلة ريحان .. تمتد حماسته في مادة النار و تستدعي عقاب نسوة ريحان بتعرية صدورهن في الماء .. هكذا بدأ الصراع و انتهى في خيالات المادة ، و في النص الآخر يذبح الغفير كمال منصور سماح الشغالة و يلعق دمها ؛ لأنها أوشكت أن تتزوج و تفارقه ، ولم يأت القتل كحدث موضوعي بسيط إذ حمل دلالة التوحد بالدم المماثل لذات متعالية تظل مهيمنة على القاتل دون نهاية .



#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صدمات سياسية ...قراءة في عرض مجاني للجميع لأحمد الشيخ
- قضايا النشر و اليسار في الحوار المتمدن
- موسيقى السرد .... قراءة في البغدادية لسعيد الكفراوي
- تجليات التداخل و التجاور- قراءة في نثار المحو لجمال الغيطاني
- الذاكرة و استشراف الحياة قراءة في عصافير النيل لإبراهيم أصلا ...
- سيمفونية الروائح و الأمكنة - قراءة في مجموعة أوتار الماء لمح ...
- الإنتاجية الإبداعية أهم شروط الإصلاح
- من الذات إلى أنوثة النص
- اندماج الثقافات في كولاج إدوار الخراط
- أحلام نجيب محفوظ مضامين متجددة للتجربة الإنسانية
- جماليات الإبداع تواكب طفرات البيولوجيا
- فرجينيا وولف صوت إبداعي متفرد
- حضور ديريدا
- حول العالم في ثمانين يوما الوجه الجمالي للحقيقة الروائية
- فوكوياما بين تحديات و مخاطر الديمقراطية الجديدة


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سمير عبد السلام - تحولات المألوف .... قراءة في رقصات مرحة ل محمد حافظ رجب