أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ















المزيد.....

وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6878 - 2021 / 4 / 24 - 19:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كثيرا ما وردت مفردة يوم في النصوص القرأنية أما مجردة بذاتها لتشير لمعنى عام أو مع لاحقة وصفية أو تعريفية تبين ماهية اليوم ومضمون الإشارة فيه، فقد ورد اللفظ مفردا ومثنى وجمع في أربعمائة وأثنان وسبعون مرة كلها تشير لمعنى زمني محدد، أما بمعنى اليوم الذي هو من طلوع الشمس لغاية الطلوع الثاني ومقداره كما نعلم أربع وعشرون ساعة، أو بمعنى حصول أمر في يوم ما عرف الحدث باسم اليوم (كيوم الجمع أو يوم التلاقي أو يوم الزينة) أو بمعنى وعد بحصول حدث مؤكد لكنه غير معلوم ولكن أحداثه تبدأ وتنقضي في ذلك اليوم (يوم الأزفة أو يوم القيامة)، أو يأت لوصف حالة ذلك اليوم وليس الإشارة له بالذات (يوم عصيب، يوم يعض الظالم على يديه)، ومع كل هذا فقد ذكر النص القرآني أياما ليس بوصفها الطبيعي وسميت بالأيام الأستثنائية حين يفقد الزمن معياريته أو تتباطأ في معادلة السرعة (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون)، وفي كل الأحوال أن ترد مفردة يوم فهي تشير لحدث ما وتنبه له وعليه ليكون أشارة عقلية محددة على أن الأمور والقضايا التي أتت المفردة ضمن سياقها ستحدث أو حدث بالفعل دون أي أمل في التغيير أو لتبديل بفعل الإنسان (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا).
في سورة أل عمران تكلم النص عن الله موضحا قيمة ذكر الأيام ومغازيها وتقلباتها بقوله (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) ، فذكر اليوم والأيام بهذا الكم الوافر من التكرار والإعادة والتنوع في الأستخدام والدلالات ما كان مجرد طرح موضوعي يتعلق بالتأرخة أو ما يسمى بالتذكير والتنبيه فقط، بل جاء يعطي حرية أكبر للعقل الإنساني ليفهم حركة الوجود عبر مفهوم التداول، وأن الأيام لا تعمل وفق نظام نمطي يأخذ شكلا محددا كما يزعم البعض من الفقهاء والمحدثين بحديث كاذب منسوب لرسول الله (عن ابن مسعود عن النبي ﷺ: يجمع خلق ابن آدم، في أول المخلوق إنه يكون أولا في الأربعين الأولى نطفة، ثم الأربعين الثانية علقة وهي قطعة الدم ثم في الأربعين الثالثة يكون مضغة قطعة اللحم وبعد كمال مائة وعشرين ينفخ فيه الروح، ويكتب عمله وأجله ورزقه وشقاوته وسعادته، هكذا جاء في الصحيحين: يُكتب رزقه وعمله شقي أو سعيد، رزقه مكتوب، عمله مكتوب، شقاوته سعادته كل هذا مكتوب)، فالتداول الوارد بالنص القرآني تناقض تماما صورة الجبرية الظالمة التي جاءت بالحديث المزعوم، خاصة وأن النص ركز على قضيتين أساسيتين، الأولى (ليعلم الله الذين أمنوا) ولو كان قد قر عليه مسبقا الشقاوة والكفر فيكون الحديث عن العلم هذا محض عبث وهراء، والقضية الأخرى ( أن الله لا يحب الظالمين وطالما أنه قدر وكتب كل شيء وما زال الإنسان جنينا في بطن أمه دون أن يكون شهيد في الوجود وشاهدا عليه، فالله هنا يكون أول ظالم له وبالتالي فيكون الله لا يحب نفسه).
بالعود إلى النص موضوع المقالة (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ) وهي صورة تشكيلية فيها الوضوح ما يكفي لأن تكون لوحة بدل نص، المرارة والحسرة والخيبة والألم والندم كلها أجتمعت في معنى العض، هذا العض الذي كان من الممكن أن يكون فرحة وأبتسامة وأمل وفوز وفلاح لو أدرك الإنسان باكرا قيمة هذا اليوم العصيب الذي لا مفر منه ولا منجى، هذا المخرج ليس وعظا دينيا ولا هو من أدب التأديب والتعليم ولكنه قراءة لمشهد ذهني بأدوات منطقية وعلية تستحضر قوانين الوجود سواء أكانت مادية أو مثالية، فحتى القوانين الأكثر مادية وعلمية تقول أن لكل فرد نتاج ولكل حركة أثر ولكل وجود نهاية تستجمع في خلاصات الحركة فيه، فعليه عندما نتكلم عن هذا المشهد المأساوي نتكلم عن قيم وقوانين مرعية في النظام الشمولي الوجودي قبل أن تكون موعظة دينية مجردة الهدف منها التخويف والوعيد.
هذا اليوم ومن سياقات طرح المفردة نصيا في القرآن وكما ذكرنا سابقا هو وعد وموعد لا بد أن يأتي سواء أردنا ذلك أو حاولنا الإنكار والأستنكار، فكل سعي وراءه نتيجة وكل مسلك ولا بد له من نهاية، يوم يعض الظالم وهنا تحديدا الظلم بشكل عام ومطلق ولكنه صنفان ظلم عظيم وظلم أعظم، الظلم العظيم أن تسلط قوتك وقهرك وحيلتك ومكرك على من لا طاقة له بمقارعتك أو دفع الأذى الواقع عليه منك، وسمي بالعظيم لأن الظلم خروج غير طبيعي على قاعدة طبيعية أسمها الحق والعدل والإنصاف، أما الظلم الأعظم فهو أن تلقي هذا الظلم العظيم على نفسك وذاتك ووجودك وعقلك، فتكون أنت الظالم والمظلوم في آن واحد، لذا فمن مظاهر الظلم الأعظم أن تخرق أبسط البديهيات العقلية حين تجعل من لا يستحق بمقام المستحق والمستحق تجافيه وتجحده وتقرن به غيره، الشرك بالله ظلم عظيم أعظم ليس لأن الله غير قادر على دفع الظلم أو رده إليك بأقوى منه، ولكن لأنك تعرف وتعلم ومتأكد أنك تفعل ذلك من باب الغرور والعمى العقلي والصمم المنطقي، فتظلم نفسك لأنك لم تمنحها حق المعرفة التامة واليقينية وتظلمها أيضا حين تهوى بها إلى درجة النكوص والتسافل وقد جعلك الله بصير سميع عليم فهيم مدرك بعقلك وحواسك وبالكثير من ألاء الله وحججه.
من ملامح هذا اليوم وبمشهدية تصويرية ينقلها النص بدقة مع العلة والسبب التي جعلته يوم ندامة وحسرة على الظالم نجد أن ما يكمن وراء هذه النتيجة سببين رئيسين يتعلقان بموضوع الظلم الأعظم وهما (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا) لأنه كذب على عقله وخدع نفسه حين أستبدل الحقيقي بالمزيف والوقتي الطارئ بدل الثابت والدائم (يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا)، هذا الخداع المتمثل بقوله (لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ) فالظالم كان يعرف أنه سيخدع ويضل لأنه نسي القاعدة الأولى من قواعد الناموس الأول الذي جعله الله تذكرة لكل بني آدم (وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا)، فمن يجعل من الشيطان وأولياءه أنصار وولاة فقد ترك الله وناموسه وذهب حيث تقوده نفسه دون عقله إلى مهاوى الردى وهو الظلم الأعظم، النقطة الأخرى أو النتيجة الثانية هي (بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا) أي كذبوا بالوعد والموعد وهذا ديدن كل الذين عاندوا وكذبوا وأبوا أن يسلموا بما جاءتهم به رسلهم من تذكرة وتنبيه وإعذار وإنذار، ونسوا حتى قواعد المنطق المادي الذي يقر لهم ويؤكد أن لكل وجود أثر بعدي ونتيجة لاحقة.
لذلك عندما يصف الله الظالمين بأنهم لا يعقلون ولا يسمعون ولا يبصرون لأنهم أساسا أتخذوا هذا القرار عن خيار وأختيار دون أن يتمتعوا بما فيهم من قوى إدراكية وحسية تعصمهم من الظلم (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا)، فتفضيل الأنعام على الظالمين يعود لكون الأنعام ومع عدم تمتعهم بقوة المدركات الحسية والمعنوية عند الظالم إلا أنها تتبع النظام الكوني بالغريزة ولم تحاول أن تنتهكه أو تتجاوز عليه، وبذلك سجلت لنفسها موقف أكثر رقيا من الإنسان الظالم الذي لم يحترم حتى غرائزه الطبيعية التي تتوافق مع النظام الشمولي ولا تعارضه (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ)، فالقرار كان نتيجة غياب العقل وغياب الفائدة منه وتسخيره لما هو في صالح الإنسان وخيره، لذلك كان عدم التذكر هذا واحدا من جوانب صورة الظلم الأعظم، ومع كل ذلك لم يغلق الله الأبواب في وجه الظالم ولم يتركه يتخبط في خطيئته وظلمه وشرع له طريق العودة والنجاة من يوم العض (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا).



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا
- نداء من فوق
- نحن والملح والموت
- رسالة إلى صاحب السعادة (حمار) أفندي
- الله عند سبينوزا والله في الأديان
- راقصة في مأتم
- حكاية القن
- َفأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ
- لماذا نكنب في النقد الديني؟ ولماذا نعيد قراءة الدين؟
- رسالة أحتجاج
- قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّه
- عشق طائر حر
- َتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً
- خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ
- وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ۖ
- قلبي يشتكي الفراغ
- أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا
- أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ح1
- أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ح2
- هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ


المزيد.....




- هجوم حاد على بايدن من منظمات يهودية أميركية
- “ضحك أطفالك” نزل تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ج ...
- قائد الثورة الإسلامية يدلى بصوته في الجولة الثانية للانتخابا ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تقصف 6 أهداف حيوية إسرائيلية بص ...
- -أهداف حيوية وموقع عسكري-..-المقاومة الإسلامية بالعراق- تنفذ ...
- “بابا تليفون.. قوله ما هو هون” مع قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- المقاومة الإسلامية بالعراق تستهدف قاعدة -عوبدا- الجوية الاسر ...
- “وفري الفرحة والتسلية لأطفالك مع طيور الجنة” تردد قناة طيور ...
- “أهلا أهلا بالعيد” كم يوم باقي على عيد الاضحى 2024 .. أهم ال ...
- المفكر الفرنسي أوليفييه روا: علمانية فرنسا سيئة وأوروبا لم ت ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ