أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - كمال الجنزوري …. وداعًا فارسَ البسطاء!














المزيد.....

كمال الجنزوري …. وداعًا فارسَ البسطاء!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6859 - 2021 / 4 / 4 - 12:54
المحور: حقوق الانسان
    



ترجَّلَ الفارسُ النبيلُ عن صهوةِ جواده الذي لم يبرحه حتى اللحظة الأخيرة. رحل رجلٌ عظيمٌ نابه عشِِقَ مصرَ بكلّ جوارحه ولم يتوانَ عن خدمتها كلما نادته. رحل الذي حمل هموم الفقراء في قلبه ووضع الخطط التي تمنحهم حقهم في حياة كريمة. رئيس وزراء مصر مرتين، الذي أجمع على حبّه الناسُ، سواء في فترات عمله أو بعدها؛ في ظاهرة نادرة لا تتكرر.
التقيتُ به مرات عديدة في مكتبه البسيط الأنيق بـ”الهيئة العامة للاستثمار”؛ كلما دعاني ليناقشني في مقال كتبتُه، أو لأهديَه كتابًا جديدًا صدر لي. فسجّلَ لي التاريخُ نعمةَ مُصافحة رمز إنساني وقيمة علمية وسياسية من نسيج خاص، لا يُمنحُ للأوطان إلا كلّ دهور. قال لي مرةً بأبوّة وحنوّ: (أنتِ اتظلمتِ كتير، وأنا بحب المظلومين. ) فقلتُ له: (طول عمرك نصير المظلومين، عشان كده حضرتك فارس بدون درع ). فكلُّ فارس يحتاجُ إلى دِرعٍٍ تحمي صدرَه من سِّهام الخصوم. لكنّ ذلك الرجلَ فارسٌ من طراز فريد. لا يمتشقُ سيفًا ولا يتدثّرُ بدرع. يتدرّعُ بحبِّ الناس، وفقط. يرافقه الهتافُ والتصفيقُ أينما ترجّل وحيثما جال.
شجرةُ الأقدار قد تجودُ علينا بالعباقرة، وقد تجودُ بالطيبين ذوي القلوب الرؤوفة. لكنها تغدو شحيحةً حين تقرّرُ أن تصنعَ المعادلةَ الفريدة، فيقترنُ الدهاءُ الفكري والسياسي مع التحضُّر والسموّ والطفولة القلبية هكذا كان “كمال الجنزوري”. مثل ذلك النموذج البشري النادر، لا يعرفُ الدروعَ ولا الحراسات المشدّدة في الترحال، رغم ما يفرضُه بروتوكولُ المنصب الرفيع. وكيف يحتاجُ ذلك الفارسُ إلى درع، وقد منح زهورَ عقله، لصالح خير الوطن، ومنح زهورَ قلبه لصالح بسطاء الوطن؟! لهذا أجمع الناسُ على حبّه. واحترمه الخصومُ الذين تتعارض مصالحُهم مع قراراته التي تنتصرُ للفقراء.
في لقائي الأخير به العام الماضي، سألني عن أحوال الدنيا والثقافة. وتشعّبَ بنا الحديثُ حول بسطاء الناس. وتذكّرتُ دورَه المشرّف مع طوائف الشعب المهمّشة، منذ كان وزيرًا للتخطيط ومرورًا بترؤسه لوزارات مصر وتنقله بين المناصب الرفيعة وصولا لأن أصبح أيقونة مصرية غالية مُتوّجًا بلقب: (وزير الغلابة). قلتُ له إن البسطاء في بلادي لا ينسون أنهم كانوا في بؤره عقله وقلبه، على مدار عقود طوال تنقّل فيها بين رفيع المناصب السيادية، ولم يتحوّل نظرُه يومًا عن هموم الفقراء والمُعوزين. وأخبرته أن سائقي الخاص، حين علم أنني على موعد معه، ظلّ طوال الطريق يتحدث عن مواقفه الكريمة مع بسطاء مصر، وشدّد عليّ أن أنقلَ له حبَّه واحترامه، لأنه لا يحلُم أن يلتقي به شخصيًّا في يوم من الأيام لينقل له ذلك بنفسه. فما كان من د. كمال الجنزوري إلا أن ضغط الزرَّ وطلب من مدير مكتبه أ. خالد العدوي، أن يأمر بصعود السائق إلى مكتبه. ولَم يصدِّق الرجلُ البسيط وقد وجد نفسَه فجأةً أمام ذاك الهرم المصري الشاهق، الذي نهض من مقعده وصافحه ثم عانقه عناقَ الصديق للصديق. ثم سمح بأن نلتقط له صورة معه. بعدما خرج سائقي من المكتب قلتُ للدكتور الجنزوري: (أشكرك كثيرًا يا دكتور كمال. ذلك العناق الأخوي سوف تدومُ ذكراه في حياة ذلك الرجل، وسوف يُخلّد في ذاكرة أبنائه.) فقال لي: (محبة البسطاء هي كنزي وثروتي، وليس المناصب الرفيعة.)
ذلك الرجلُ النبيل كان يسرد ويشرح ميزانية الدولة بكل دقّة، دون أن ينظرَ في أوراق، لأن اقتصاد مصر وصالحها كان همًّه الشخصيّ، المحفورَ في عقله، مثل أسماء بناته. هو ذاته الرجلُ الذي إن خرج من مكتبه يومًا مشغولَ البال، ثم تذكّر فجأة أنه لم يُصافح مدراءَ مكتبه وطاقم السكرتارية والسُّعاة، عاد أدراجه معتذرًا، حتى يلقى عليهم سلام الوداع، ولا ينتظر إلى صباح الغد، ليفعل.
في عام 1917، أنشأ الملك "جورج الخامس": “وسام الفارس" الذي يُكرّم به الرموز الوطنية التي ساهمت في منح بريطانيا مجدَها . وأما شعبُ مصرَ العظيم، فقد منح الدكتور كمال الجنزوري "وسام الفارس النبيل" من الطبقة الإنسانية الأولى؛ ليصبح "فارس البسطاء"، وحامي حماهم.
أقول لشقيقتيْ الجميلتين: منى وسوزان الجنزوري، لا تبكيا والدَكما الكريم، لأن الخالدين لا يرحلون. ولن أقول للدكتور كمال الجنزوري: "وداعًا"؛ فهو خالدٌ في ذاكرة مصر لن يبرحها. فقط أقول له: (أحبُّك كثيرًا، وسوف أفتقد حديثَك الثريّ المثقف.) وأعتزُّ كثيرًا بأن بعض كتبي لها مكانٌ في مكتبته، ومكانةٌ فِي عقله الاستثنائي الجميل. رحمك اللهُ يا دكتور كمال، وأثابك فردوسَه العظيم يا هرمًا شاهقًا من أهرامات مصر الفكرية والسياسية والمجتمعية والإنسانية، وهذا أبقَى وأخلد. “الدينُ لله، والوطن لعظماء الوطن.”

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل أنتَ متسامحٌ دينيًّا؟ لستُ متسامحة!
- نوال السعداوي … عيناها في وهج الشمس
- هدايانا لأمهاتنا في عيد الأم… وهداياهن لنا!
- المصريون في وداع قداسة البابا شنودة
- مقتل سيدة السلام … والتطهُّر الأرسطي
- براءةُ أطفالنا … في رقبة من؟
- بيتٌ لا يعرفُ الحَزَن!
- الانفجارُ السكّاني … والضفدعُ المغلي
- في انتظار … كوكو!
- القليلُ كثيرٌ … في الطعام والعيال والفرح!
- ثروت عكاشة … أسطورةٌ مصريةٌ خالدة
- هل نستحقُّ كورونا وما يليها؟
- البرنيطة … أمّ شريطة صفراء!
- إلهام شاهين … فارسةُ دراما الرسالات
- الإنسانيةُ بوابةُ النهوض والحضارة
- صخرةُ محمود أمين العالم
- ماذا علّمتني سيدةُ: الباقياتُ الصالحات؟
- بيكار … مايسترو صناعة النور
- ضحكات المصريين ... في زمن الكورونا
- قلقاسُ الغطاس … في بيت ميرنا ذكري


المزيد.....




- آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب ويطالبون نتنياهو بإعاد ...
- خلال فيديو للقسام.. ماذا طلب الأسرى الإسرائيليين من نتنياهو؟ ...
- مصر تحذر إسرائيل من اجتياح رفح..الأولوية للهدنة وصفقة الأسرى ...
- تأكيدات لفاعلية دواء -بيفورتوس- ضد التهاب القصيبات في حماية ...
- خبراء ومحللون: فيديو الأسرى الذي بثته القسام مهم في توقيته و ...
- الداخلية السعودية تعلن تنفيذ حكم إعدام بحق مواطن وتكشف عن - ...
- خلال تظاهرة مؤيدة للفلسطينيين..اعتقال مئة شخص في جامعة في بو ...
- فض اعتصام وموجة اعتقالات للطلبة المتضامنين مع غزة بالجامعات ...
- استشهاد مقاوميْن وارتفاع عدد المعتقلين في الضفة
- سفينة مساعدات إماراتية في طريقها إلى غزة بحرا لأول مرة بعد م ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - كمال الجنزوري …. وداعًا فارسَ البسطاء!