أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أم الزين بنشيخة المسكيني - تأملات في فلسفة الرواية المضادة















المزيد.....

تأملات في فلسفة الرواية المضادة


أم الزين بنشيخة المسكيني

الحوار المتمدن-العدد: 6858 - 2021 / 4 / 3 - 13:30
المحور: الادب والفن
    


"نحن نكتب من أجل العجول التي يقع ذبحها كل يوم"..جيل دولوز

في السؤال عن الكتابة :
ما معنى أن نكتب رواية؟ ولماذا نكتب ومن أجل من ؟ هذه أسئلة قد لا يأبه بها الناس ولا حتى بعض الذين يكتبون..كما لو كانت مجرّد ترف فلسفي أو حذلقة نظرية لا جدوى منها. لكن في غياب السؤال والفكرة والنظرية ربّما لا شيء يزدهر وينمو غير نظام التفاهة ومكنات تصحير العقول والقلوب والسطو على الأوطان..ماركس قال ذات يوم أنّ "النظرية حينما يعتنقها الجماهير تتحوّل إلى قوّة مادية"، ومحمود درويش يقول "ما أكبر الفكرة..ما أصغر الدولة"..ولقد وقّع سارتر في كتابه "ما هو الأدب؟" بتاريخ 1947 ضرورة السؤال عن "لماذا نكتب؟"..وجاءت إجابته في رحاب الفلسفة الوجودية تقول أنّ أهمّ دوافع الكتابة هو حاجة الكاتب إلى الإحساس بأنّ ما يكتبه أمر ضروري بالنسبة للعالم. حاجة العالم إلى الكتّاب إذن هي التي تدفع الكاتب إلى الكشف عمّ يحدث للعالم وللإنسان من أجل أن يتحمّل الجميع مسؤوليتهم تجاه ما حدث. من يكتب يعرف جيّدا أنّه "مسؤول إلى حدّ اللعنة عمّ لم يحاول منع حدوثه"..كما لو كانت الكتابة مسؤولية كبرى إزاء العالم، أو هي ضرب من تسديد دين إزاء ما يحدث على نحو كارثي وفظيع. نحن إذن لا نكتب من أجل أن نمتع الناس بما نكتب. تلك كانت عقيدة الرواية الحديثة الكلاسيكية على طريقة فلوبير ومالارمي. بحيث يعتبر هذا الأخير أنّ "كلّ العالم قد تمّ تصميمه من أجل أن يؤدّي إلى كتاب جميل". وضدّ هذا التصوّر البرجوازي النخبوي يكتب سارتر عن الأدب بوصفه مسؤولية إزاء الوجود نفسه. لكن يبدو أنّ سارتر قد بالغ في تحميل الأدب مسؤولية من قبيل ما لا يُحتمل. حيث وقع زعزعة مقولة الكاتب نفسه التي وقّع نهايتها الفلاسفة المعاصرون منذ ستّينات القرن العشرين مع ميشال فوكو ورولان بارط ودريدا وليوتار ودولوز والمنعرج التأويلي للفلسفة منذ هيدغر وغادامير وبول ريكور..وعن سؤال لماذا نكتب ولمن ومن أجل ماذا؟ يمكن تجميع الأطروحات الفلسفية التي نختزلها فيما يلي :
أوّلا : أن تكتب هو أن تكون صدى لما لا يكفّ عن الكلام..وهو معنى أدب الكارثة ..بحيث يقول بلانشو:"لست أنت من يتكلّم، بل اترك الكارثة تتكلّم فيك حتى وإن حدث ذلك في نسيان أو في صمت".
ثانيا : نحن نكتب من أجل إنصاف جملة لم يقع إنصافها ..نحن في الأدب إنّما نتيه ضمن ألعاب لغوية لا تنتهي من أجل الشهادة بالكتابة على لاإنسانية العالم ..(ليوتار)
ثالثا : إنّ السرد حقل لغوي يتّسع لكلّ أشكال التخييل والأفعال اللغوية من قبيل الرواية والشعر والحكاية والمسرح ..والسرد نصّ يمنح للزمان شكلا وللذات هوية سردية، وهو نصّ عابر للاختصاصات حيث يلتقي السارد بالألسني والسيميوطيقي والمؤرخ والمؤوّل والقارئ معا...(ريكور).
رابعا : نحن نكتب من أجل تحرير الحياة حيثما يقع اعتقالها..ونحن لا نكتب لأنّنا مرضى أو نعاني من مكتوبات كما يذهب إلى ذلك التحليل النفسي، إنّما نكتب لأنّنا أصحّاء تماما، وإنّ الأدب يصلح "لاختراع شعب ينقصنا" وفق عبارة الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز.
خامسا : نحن نكتب من أجل أن نتضامن بالروايات مع المتألّمين في العالم.. الأدب هو شكل من التهكّم ممّ يحدث في عصر ما بعد ميتافيزيقي وما بعد ديني..(ريتشارد رورتي)..
سادسا : الأدب هو في جوهره بحث عن المقدّس. إنّ الرواية تقودنا في جحيم المشاعر الحديثة كما في الكوميديا الإلاهية، وهي بذلك تمثّل الوجه المشرق من الكارثة. (روني جيرار).
سابعا : إنّ الأدب أعجوبة لغوية لا يحتاج الفيلسوف إلى تبرير اشتغاله عليهن لأنّه بمثابة "كينونة المكتوب". (هانس جورج غادامار).
ثامنا : الأدب هو إمكانية لتحقيق الديمقراطية الحقيقية التي فشلت الدول في إنجازها وذلك من خلال ضرب من "المساواة الأدبية" التي تجد عبارتها ضمن إعادة توزيع المحسوس. بحيث يكون الأدب متاحا للجميع وحيث ينتصر الأدب على كلّ أشكال التفاوت الاجتماعي والتمييزات العرقية أو الجندرية أو القومية..فنحن نكتب لأيّ كان وأيّ كان بوسعه أن يكتب وأن يقرأ وأن يتحدّث عن أيّ شيء ممكن، دون تمييز بين الأشياء التي نتخذها مضمونا للرواية، ولا بين الأشخاص الذين يكتبون أو يقرؤون..فالرواية هنا تهدف إلى إنجاز ما يسميه الفيلسوف "الفلانية الجمالية" أو القدرة على أن يكون المرء أيّا كان، نحن نكتب من أجل ديمقراطية أدبية..
في مفهوم الرواية المضادّة :
ضمن المنعرج الأدبي الكبير للفلسفة الذي بدأ مع سارتر وفوكو ودريدا ظهر مفهوم الرواية المضادة بوصفه حركة أدبية عالمية منذ خمسينات القرن الماضي واستعمل سارتر العبارة بتاريخ 1938 في تصدير لرواية ناتالي ساروت بعنوان بورتريه لمجهول، وهي الكاتبة الفرنسية التي مارست هذا النوع من الكتابة الروائية في رواياتها المتعددة. ومن أهمّ ملامح الرواية الجديدة بعثرة كلّ القواعد التي انبنت عليها الرواية التقليدية. بحيث يقع زعزعة مفهوم البطل التقليدي من أجل تأثيث الباحة السردية بشخوص مهتزّة ومنكسرة، وكائنات معطوبة وهشّة. وهنا لم يعد ثمّة حبكة ولا انسجام بين الأحداث ولا خطّ زمني تتعاقب فيه الأحداث إنّما يفتح السرد باحته لاحتضان فوضى عارمة من الشخوص والأفكار والمشاعر واللغة التائهة عن نحوها. وهو ما نجده ضمن كتاب "عصر الريبة" لناتالي ساروت (1956). حيث أنّ الأمر الوحيد الذي يحرّك الرواية هو فعل الكتابة بما هي اختراع لوضعيات سردية متعدّدة ومختلفة وفي غير انسجام..بحيث يمكن للكاتب أن يؤثث روايته بمقطوعات سردية مستقلة ..بشخصيات بلا ذكريات ولا مستقبل..لكنّهم سعداء..القاعدة الوحيدة لهذه الرواية الجديدة هي قدرة الكاتب على تجديد دائم لأنماط السرد بدلا عن أنماط مضبوطة سلفا. وفي سياق هذا المفهوم للرواية الجديدة يكتب روبرت غرييه أحد مؤسسي هذه الحركة الأدبية في كتابه "من أجل الرواية الجديدة بتاريخ 1963 ما يلي :"إذا كان الكاتب ينشر روايته ..فذلك لأنّه يحتاج إلى القارئ من أجل إنجازها على نحو أكمل، القارئ بوصفه متواطئا مع بنائها.."..فالرواية الجديدة تتميز بقدرتها على توريط القارئ فيها بوصفها كتابة لا بوصفها قصة مكتملة..وهذا هو ما يجعلها رواية مضادّة للرواية الواقعية لأنّها لم تعد تطرح على نفسها تمثيل الحقيقة ولا نقل الواقع ولا منح معنى إضافي للعالم. وذلك لأنّ العالم كفّ عن أن يكون ملكية لأي أحد، مثلما كفّ الناس عن الإعتقاد في بطل مخلّص. هذا العالم بمنظور الرواية الجديدة لا هو عبثي ولا هو ذو دلالة ومعنى. إنّما العالم موجود فحسب وما الرواية سوى حدث كينونة داخل الكون..
إنّ الرواية المضادة هي مضادة للرواية أيضا..أي الرواية كجنس أدبي يملك استقراره وقواعده وطمأنينته المزعومة. لم يعد العالم يتّسع لأيّ شكل من البراءة بعد كلّ أشكال الكوارث التي تحدث فيه منذ الحربين العالمتين وسقوط العالم في عولمة رأس المال وتوحش قيم السوق التي حوّلت كل شيء إلى سلعة تباع وتشترى حتى المشاعر والعقول والآلهة والأوطان نفسها..لم يعد ثمّة قصّة منسجمة نحكيها كما كان القدامى زمان الحكي، لذلك غيّرت الرواية من عناوينها وأساليبها وأشكالها السردية. فالرواية المضادة لم تعد تتخذ من المرايا شكلا لها..كلّ المرايا تكسّرت كما أجنحة جبران..لم يعد في خطّة الكتابة أن تكون انعكاسا للعالم إنّما صار عليها أن تهاجمه. أن تكون الرواية مضادّة معناه أن تقاوم النسق والنظام والمؤسسة وكل أشكال الانسجام المزعومة التي تتمتّع بدعم الأب أو الإلاه أو الكتاب المحفوظ..الرواية المضادة هي الرواية التي تتقن تحرير الكتابة من الكتاب..دريدا يقول :"لقد انتهى عصر الكتاب وبدأ عصر الكتابة". لكن الدخول في عصر الكتابة ليس أمر يسيرا، لأنّه يتطلّب جرأة على اليتم . الرواية المضادة هي تجريب للكتابة اليتيمة أي لكتابة مستقلة، تتّخذ من السرد تجربة حريّة جذرية حيث تكون الرواية غابة لسرد برّي لم يفقد شراسته لذلك هو يتّخذ من الغضب قيمة جديدة لمقاومة صدإ القلوب وصحرائها بالإكثار من حلوى اللغة..السرد طوفان من الحلوى ينمو ويسطو ويغرق كلّ المعابد التي نحملها في أنفسنا وذلك من أجل بعث جديد..



#أم_الزين_بنشيخة_المسكيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفن في زمن الكورونا
- هل يمكن الحديث عن فلسفة عمومية ؟
- الحب في ثقافة المقاومة
- كيف بإله ينصف حلم السمك ؟
- سياسات العبث ..قد تعمّر طويلا
- لن تجنّ وحيدا هذا اليوم في جمالية الخطاب الواصف
- لا شيء يشجّعك على أن تبقى واقفا - من روايتي -لن تُجنّ وحيدا ...
- حلم يتشرّد ...
- تراود الحرف على التعب ..
- ما الذي يحدث على عتبة - الله الاسلامي - ؟
- أي رحيل يشبه رحيلهم ؟...
- أضناها القرنفل ذات مساء ..
- شهقة الياسمين
- تضاريس على قلق...
- العنف و الهوية
- جاء يؤجّل قتله ليلة أخرى ... الى روح الشهيد شكري بلعيد في أر ...
- كم ثمن الحريّة ؟ أو في امكانيات ابداع المستقبل ..
- القتل التكنوقراطي
- تنام خارج أحلامها ...
- يبيعون الأصفاد بالحلوى ..


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أم الزين بنشيخة المسكيني - تأملات في فلسفة الرواية المضادة